"إننا في هذا البلد الشريف نعاهد أنفسنا على أن نكون بحول الله وقوته خداماً لشريعة الله داعين إلى الله متعاونين مع كل إخواننا المسلمين في أقطار الأرض لما فيه نصرة هذا الدين وتحكيم شرع الله وخدمة شعوبنا بل وفي نشر العدالة في العالم أجمع".
هكذا كان يردد الملك فيصل بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ معبراً عن سياسة المملكة العربية السعودية في خدمة الإسلام والمسلمين وكان يردد أيضاً"أرجو أن تعتبروني خادم المسلمين وهذا شرف عظيم لي"وكان دائماً ما يوضح أنه يخدم أوطان المسلمين دون مطامع ولا أغراض"نحن ليست لنا مطامع أو أغراض في أي بلد من بلاد إخواننا المجاورين مهما كانت صغيرة أو كبيرة وكل ما نهدف إليه أن نتعاون في سبيل مصلحة أمتنا ووطننا، وكان يردد "إن الأكباد لتنفطر وإن الجوانح لتتمزق حينما نسمع أو نرى إخوة لنا في الدين وفي الوطن تنتهك حرماتهم أو يشردون وينكل بهم يومياً".
ومن مآثره قوله "إن الدعوة الإسلامية حينما انبثقت من هذه البلاد وشع نورها على العالم كانت دعوة خير تدعو إلى السلم والحق والعدل والمساواة"هذه الكلمات النورانية التي يشع منها الصدق من الملك العظيم فيصل بن عبد العزيز رحمه الله والذي كان يفخر بقوله"لو لم أكن ملكاً لتمنيت أن أكون معلماً" متناسياً أنه حتى وهو ملك علم الدنيا كلها دروساً لا تمحى من التاريخ.
هذه الكلمات تمثل حقاً سياسة المملكة السعودية تجاه العالم العربي والإسلامي والمسلمين جميعاً، رائدها في ذلك وشعارها هو حمل رسالة هذا الدين العظيم الذي نبت وترعرع في هذه البلاد التي احتضنت النبوة الكريمة وشرفت بالصحابة وجل التابعين وورثت علوم الدين والدنيا إلى العالم بأسره.
وعلى هذا النهج الكريم "نهج الملك فيصل" سار معظم ملوك السعودية إلى عهد الملك سلمان الذي يعرف الجميع دوره العظيم في محنة مسلمي البوسنة والهرسك وكيف أنقذهم من هذه المحنة وأشرف على إعادة تعميرها مرة أخرى وبناء مدارسها وجامعاتها ومساجدها وإكرام أهلها ووفادة بعضهم في رحلات مجانية إلى الحج والعمرة أفوجاً أفواجاً.
الملك سلمان كان يردد أيضاً تمسك بلاده بالكتاب والسنة ويرد على كل من يظن أنهما يعوقان التطور المنشود للبلاد فيقول"إن من يعتقد أن الكتاب والسنة عائق للتطور أو التقدم فهو لم يقرأ القرآن ولم يفهمه".
كان همَّ كل ملوك السعودية أن يعيشوا مع مقولة الملك فيصل الأثيرة التي أطلقها منذ قرابة نصف قرن"أرى المملكة السعودية بعد 50 عاماً من الآن مصدر إشعاع للبشرية"والإشعاع قديم ولكنه متواصل فحسب ولكن من دول الخليج كلها.
فإذا كانت مجلة العربي الكويتية هي رائدة البعث الثقافي العربي الحديث المنطلق من الخليج للأمة العربية والمستمر حتى اليوم نصف قرن كامل مر على هذا البث الثقافي الفريد حتى وصف البعض هذه المجلة بأن أعدادها في مكتبته هي الأبرز دائماً وهي التي استطاعت تخطي كل الحواجز والحدود العربية وما أصعبها وخاصة في أوقات الأزمات العربية ــ العربية حتى أضحت سفيرة الكويت المعتمدة في كل بيت عربي وكذلك العربي الصغير التي اشتري منها كل شهر عشرات الأعداد لأعطيها هدية للأطفال المرضى في المرحلة الابتدائية لأشجعهم على القراءة.
إذا كانت مجلة العربي قد استطاعت تخطى كل الحدود باعتبارها المنجز الثقافي الأبرز والأكثر توزيعاً في بلاد العرب فإن منتجات السعودية الإسلامية كانت أكثر انتشاراً وأكثر نفوذاً في نفوس العرب والمسلمين في قرابة ملياري مسلم، وهل هناك مسلم في أي قارة من القارات إلا وترنم مع ترتيل الشيخ السديس للقرآن في قيام رمضان، وهل هناك معتمر أو حاج غادر إلى بلاده إلا وقد حمل معه ذكريات هذا العالم الجليل، وهل هناك مسلم في كافة القارات لم يترنم ويعيش بقلبه وجوارحه مع صوت ماهر المعيقلي الحزين الباكي، أو تغنى بالقرآن مع صوت إمام الحرم المدني العظيم الشيخ الحذيفي .
لقد صليت خلف عشرات القراء في مصر وغيرها وهم يحاولون تقليد الأئمة السديس أو الحذيفي أو المعيقلي أو غيرهم، وكان لنا صديق حاصل على دكتوراه في الشريعة وصوته ندى يقلد الشيخ السديس وكأنه هو.
الحرمين الشريفين هما أعظم نافذة مفتوحة أبد الدهر لا تغلق أبداً من السعودية إلى العالم كله، تحمل كل معاني الصفاء والنقاء والذكريات الإيمانية العطرة، وتحمل معها الشوق الجارف إلى هذه البلاد، والحرص عليها والدعاء لها وحب الخير لها، هذا لا يوجد في أي بلد، يمكن أن تشتاق إليه مرة، ولكن أن تشتاق إليه أبداً فلا يوجد ذلك إلا لهذه البلاد، ومع الشوق إرادة كل المسلمين لخير هذه البلاد ورخائها.
سيقول البعض إن ذلك من صنع الله وليس من صنع الحكومات والشعوب، سنقول إن الله لا يهب قداسة الأماكن ولا شرفها وشرف ساكنيها اعتباطاً ولأقدار الله في تنزيل الشرف أسباباً كثيرة فلا توهب النبوة والرسالة لأي أحد، ولا توهب الصديقية أو الشهادة لأي أحد، وكذلك الأماكن والبلاد.
الحرمين الشريفين هما أعظم مصدر للإشعاع الديني والإيماني والفكري والثقافي إلى العالم كله، وخاصة أن فيه أكبر تجمع ديني وإيماني وأخوي في العالم في العمرة طوال العام وفي الحج مرة، وفيه تجتمع كل الألوان والأعراق والشعوب المسلمة، وما من مسلم زار هذه الأماكن وهم بالملايين إلا وحمل منها وفيها أجمل ذكرياته وأحلى لحظاته.
إنها مدرسة الحرمين التي تأثر بها الجميع ويمكنكم مراجعة كلمات طه حسين وتأثره بها حينما حج واعتمر، وبيرم التونسي وما قصيدة القلب يعشق كل جميل منا ببعيد وهي أعظم قصيدة لتائب يثني فيها على الله ويحكي قصة عودته إليه في رحاب الحرمين واستلهمها بيرم في الحرمين الشريفين، وغيره مثل محمد إقبال.
آثار الحرمين على كل أنماط البشر لا نستطيع حصرها في جانب ديني أو إيماني فحسب هي أكبر من ذلك بكثير، الحرمين الشريفين هما هدية الله للسعودية وهي جائزة السماء لها، وهي أعظم أثراً من أي سفارة للمملكة فهي التي تجعل الجميع يعرف قدر وعظمة وروعة بل وقداسة هذه البلاد فيقف عندها كافاً أذاه ملتمساً رضا الله عند هذه البلاد التي حباها الله بهذا الشرف العظيم.
لقد كان الحرمان الشريفان أعظم مدرسة للمسلمين قبل اختراع الطائرات فقد كان الحاج من إفريقيا تستغرق رحلته للحج سبع سنوات كاملة، عاماً للذهاب وعاماً للإياب ويمكث في مكة أو المدينة يتعلم الدين واللغة عدة سنوات ثم يعود إلى أهله وقومه عالماً فقيهاً يفخر أنه من تلاميذ مدرسة الحرمين الشريفين.
ولعل هذا ما حدا بالملك عبد العزيز آل سعود ـ طيب الله ثراه ـ أن يأمر بتدشين جامعة المدينة المنورة التي تستضيف طلاب العلم المسلمين من كل مكان مجاناً بما فيها الإقامة والطعام ومرتب يكفيه مؤن الحياة الأخرى، وكان الأمير فيصل يزورها باستمرار وأشرف عليها في البداية الأمير "فهد" قبل أن يصبحوا ملوكاً، وظلت تتطور حتى أصبحت الآن جامعة فيها عشرات الكليات الشرعية والعلمية بعد أن كانت تقتصر في بداياتها الأولى على كليتين الشريعة،و الدعوة وأصول الدين.
لقد كانت الجامعة الإسلامية هي السفير الأعظم للسعودية إلى العالم كله، والتي بدأت عام 1962م، ولن تعرف قيمة هؤلاء السفراء إلا إذا عرفت عددهم أولاً والذي جاوز حتى الآن 75 ألف خريج من 170دولة، يعني إذا ذهبت إلى أي دولة إسلامية في أي قارة ستجد أمامك عالم من خريجي هذه الجامعة العريقة، أما إذا تأملت مكانة بعض خريجيها والذين أصبحوا أئمة في بلادهم، فإذا ذهبت إلى الهند وجدت الشيخ حفيظ الرحمن رئيس جامعة دار السلام بالهند وهو خريج أول دفعة منها وجاء ضمن 12 طالباً من الهند و3 من جنوب الهند.
ويحكى أن الأمير فصيل بن عبد العزيز كان يزورهم ويحضر بعض المحاضرات منها محاضرة الشيخ الشنقيطي ويثني عليها، ويقول الشيخ حفيظ الرحمن أنه جل علمه استقاه من الجامعة الإسلامية وأن أساطين العلم كانوا يدرسونه وقتها ومنهم أيضاً د/عبد القادر السيلا من جابياً وهو يدرس الآن في النيجر وهو واضع اللبنات الأولى للجامعة الإسلامية بالنيجر، وقد درس على مستوي الليسانس فالماجستير والدكتوراه من الجامعة الإسلامية ويقول إنني تعلمت فيها كل شيء بدءًا من العربية والدين وحتى الوئام والأخوة، وكان كل ما صنعه هذا الرجل كانت نواته من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
أما الدكتور/محمد أبو لوح وهو واحد من أهم خريجي الجامعة من السنغال وقصة انضمامه للدراسة للجامعة قصة عجيبة ترى فيها من التيسير والمرونة التي كانت تتمتع بها إدارة الجامعة وقتها، وذلك عندما وجدوا فيه العبقرية العلمية وصدق حدسهم فقد كان دوماً من الثلاثة الأول على الجامعة في كل سنوات دراسته وهو المؤسس الحقيقي للكلية الإفريقية للدراسات الإسلامية في السنغال والتي ستتحول إلى جامعة قريباً.
ومن كلمات د/محمد أبو لوح المأثورة أن لكل أمة مشروع في كل قرن وكان يرى أن مشروع الأمة الإسلامية وقتها هو الجامعة الإسلامية، ولا يعلم الكثيرون أن معظم مدرسي العربية والدين في السنغال هم من خريجي الجامعة الإسلامية، ومنهم د/عبد الله جابي من غينيا كوناكرى ومنهم د/محمد جالو من سيراليون وهو من أكبر العلماء والدعاة في سيراليون.
آلاف العلماء والأئمة والدعاة تخرجوا من الجامعة لا ينسون شعارها الأثير"لَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ".
ومن خريجيها أيضاً الشيخ مشاري العفاسي، الأمير نايف بن ممدوح آل مسعود، جعفر آدم، سفر الحوالي، ربيع المدخلي، عبد العزيز الحربي، سالم الشيخي.
وهذه الجامعة تختلف عن غيرها من الجامعات بارتباطها بالمسجد النبوي فتزرع في خريجيها روحاً من أنفاث النبوة العطرة حيث يصلي المنتسبون إليها كل الأوقات في المسجد النبوي فيشمون رائحة النبوة العطرة، وقد توسعت الجامعة توسعاً مذهلاً لتدرس الهندسة وعلم الاتصالات والفيزياء والكيمياء والتربية، والتاريخ الإسلامي إلى جوار العلوم الإسلامية.
وكل هؤلاء يعتبرون سفراء للسعودية والجامعة مع حملهم لرسالة السماء العطرة إلى بلدانهم وأقوامهم ويحملون معها الجميل لهذه البلاد التي علمتهم وكفلتهم من كل النواحي مع مرتب مناسب دون مقابل.
أما مصحف الملك فهد فقد جاب العالم كله ولا يوجد بيت في العالم العربي والإسلامي إلا وفيه هذه النسخة المباركة من كتاب الله، فإما أن يهدى له في رحلاته للحج والعمرة أو يهدى إليه في بلده في المدارس والجامعات والمصانع، قد يقول البعض لدينا مصاحف كثيرة ولكنك لن تعرف قيمة هذا المصحف إلا إذا زرت بلاداً مثل الشيشان أو البوسنة والهرسك أو ألبانيا أو البلاد التي كانت ولاية من ولايات الاتحاد السوفيتي وكان المصحف ممنوعاً فيها، فضلاً عن ترجمات المصاحف إلى اللغات المختلفة سواءً الإنجليزية أو الفرنسية أو الإفريقية لقد وزعت في هذه البلاد ملايين المصاحف من مطبعة الملك فهد.
ولن تعرف قيمة جهود المملكة في الدفاع عن الإسلام والمسلمين إلا حينما تقرأ تفاصيل إغاثة مسلمي البوسنة وتعمير بلادهم وتضميد جراحاتهم المادية والمعنوية في منظومة رائعة قادها الأمير/سلمان بن عبد العزيز أمير الرياض وقتها، ولن يعرف قيمة هذه الجهود والمليارات التي جمعت من السعوديين لإنجاز هذا الملف الرائع الذي أدخل السعودية إلى القمة وقتها وجعلها محل إكبار من العالم الإسلامي كله.
أما قصة إقامة مجمع الملك فهد للمصحف الشريف فهي رواية حضارية إبداعية لا يسع المجال لذكرها الآن.
أما توصيل رسالة الإسلام بطريقة حديثة ومبتكرة بعيداً عن الطريقة التقليدية التي درج عليها الإعلام الديني في التلفزيونات والفضائيات العربية التقليدية فقد بدأ بقناة اقرأ السعودية التي أسسها المصلح والاقتصادي الفذ وصانع المعروف وراعي فقه الاقتصاد الإسلامي الشيخ/صالح كامل رحمه الله عام 1998م، وهي أول قناة إسلامية وكان يطلق عليها وقتها"سفير الإسلام الأول في الإعلام العربي"وقد أحدثت تجديداً في نمط الدعوة والإعلام الإسلامي الذي كان يقوم على استضافة شيخ كبير السن في الأستوديو العتيق وتوجيه بعض الأسئلة النمطية والفتاوى المكررة له، فلم يسجل يوماً خارج الأستوديو أو في حديقة أو ينشأ حواراً بطريقة مبتكرة أو يستدعي داعية من الشباب يخاطب أقرانه بخطاب يجمع بين الأصالة والمعاصرة، والثبات على الدين والمرونة في الوسائل.
قناة اقرأ كسرت المألوف في البرامج الدينية العتيقة وأبرزت عدداً من الدعاة الجدد وربطت بين مجالي الدعوة إلى الله والتنمية البشرية وإدارة النفس والذات وكذلك الأسرة.
وكان من روادها العظام د/عبلة الكحلاوي التي جمعت بين الشريعة والتصوف والرقة والإخلاص فكانت إطلالاتها نوراً يحبه الناس، وكذلك مجموعة منتقاة من شباب العلماء مثل عائض القرني ومذيعين ومذيعات من كل أنحاء الوطن العربي، وقدمت برامج رائعة تعلم منها العالم العربي كثيراً منها "خدعوك فقالوا".
أما القناة الإسلامية الثانية التي انطلقت من السعودية وأحدثت تطوراً كبيراً في الإعلام الإسلامي فهي "قناة الرسالة" التي انطلقت في الأول من مارس سنة 2006م، وأشرف عليها جهابذة العلم وفرسانه الكبار من عدة دول ومنهم العلامة الموريتاني الشهير د/عبد الله بن بيه رائد علم المقاصد وأصول الفقه في العالم الإسلامي كله، والعلامة د/علي جمعة أحد سدنة أصول الفقه في العالم الإسلامي، أحد رواد الفقه الحديث في مصر والعالم وأحد بناة دار الإفتاء المصرية الحديثة على أنماط علمية وتقنية حديثة، ود/عمر بن حفيظ رئيس دار المصطفى للدراسات الإسلامية وعضو المجلس الاستشاري الأعلى لمؤسسة طابة في أبو ظبي، ويعتبر من أبرز علماء العالم الإسلامي ووصل تأثيره إلى جنوب شرق آسيا وشرق إفريقيا وأوروبا وأمريكا وهو من حضرموت وله قرابة 15 كتاباً، والعلامة أبو أبكر المشهور العالم والأديب والمر الإسلامي الحضرمي صاحب المؤلفات والأبحاث الإسلامية الفريدة والذي أنشأ في بلاده عشرات المعاهد التربوية والتعليمية.
وقد دخلت هذه القناة كل البيوت في العالم العربي وكانت تجتمع عليها وعلى فكرها الوسطي الأسر التي تنشد التدين الوسطي، فكم أثر برنامج سلم الوصول للعلامة النابلسي في الجماهير العريضة، وبرنامج حياة جديدة لعائض القرني، ونبض لطارق الحبيب، والأحاديث القدسية الذي عرف ملايين المسلمين بآلاف الأحاديث القدسية التي كانت غائبة عنهم وكان يقدمها د/عمر عبد الكافي، وبرنامج إني قريب الذي كانت تقدمه د/لينا الحمصي، علمني محمد للدكتور الزهراني.
وهذه الكوكبة الإشرافية والتنفيذية هي التي جعلت قناة الرسالة رمزًا كبيرًا من رموز الوسطية، وقد سلكت القناة درب قناة اقرأ في تنوع الضيوف والمذيعين والعلماء والدعاة بحيث يغطوا كل أقطار الوطن العربي والإسلامي، بحيث تشعر كل دولة أنها تمتلك جزءًا من القناة، وأن المستمع في أي بلد عربي أو إسلامي سيجد فيها الداعية أو الإمام الذي يحبه.
وأقوى البرامج التي كانت تقدم في هذه القناة هي برامج الأسرة والتربية الأسرية.
كما أن بعض القنوات تخصصت في "الحديث الشريف" فكانت تذيع أحاديث الرسول" صلى الله عليه وسلم" فكانت باباً مهمًا لتعريف الناس بأحاديث الرسول.
والحقيقة أن القرآن لقي عناية كبيرة ترتيلاً وتجويداً وحفظاً في السطور وحفظاً آخر بالنطق على يد رواده الأوائل الحصري والمنشاوي ومصطفي إسماعيل والبنا، ولكن الحديث الشريف لم يلق هذه العناية منطوقاً، فأكثر الناس حتى خريجي الجامعات كان لا يحسن نطق الأحاديث وقراءتها وإذا بهذه القنوات تسد هذه الثغرة وترتق هذا الفتق.
وقد ساهمت هذه القنوات في نقل صلاتي القيام والتهجد من الحرمين الشريفين ونقل دعاء ليلة القدر، وكنت شخصياً انتظر هذا الدعاء كل عام لأغلق الأنوار وأظل أؤمن على دعاء الشيخ السديس أو الحذيفي أو المعيقلي الذي كان ينطلق خاشعاً باكياَ لا يترك شيئاً يهم المسلمين إلا ودعا به.
وقد كان الأئمة في كل العالم الإسلامي يقلدون هذا الدعاء في الأعوام التالية، لأن المسلمين في العالم شاءوا أم أبوا يجعلون الحرمين قبلتهم ومثوى أفئدتهم ومأواها وهناك تسكب العبرات، ينسى الناس نياشينهم ورتبهم وألقابهم وجاههم ليقفوا عبيداً صاغرين وكأنهم في يوم الحشر والحساب متجردين من زينة الدنيا ومتاعها.
البث الحي ليوم عرفة وحده يجعل المسلمين جميعاً في هذا اليوم لا تغادر عيونهم وآذانهم تكبيرات وتلبية الحجيج، السعودية شاء من شاء وأبي من أبي لها التأثير الديني الأعظم في المسلمين جميعاً وخاصة في أهل السنة.
ستذهب السياسة إلى الجحيم وستزول الدول والإمبراطوريات وتبقى حقائق الدين الوسطية النقية راسخة رسوخ الجبال.
وسيبقى للسعودية ولأماكنها المقدسة أنها نفعت المسلمين في كل مكان دون أن تنشئ في أي بلد ميليشيا أو حزب مسلح أو جماعة تابعة لها، كان عطاؤها دوماً للشعوب عامة وللحكومات أيضاً فهي تريد نفع الإنسان العادي في كل مكان ولا تطلب بيعة من زعيم ميليشيا، أو تجعل ولاءه لها فوق ولائه لدولته أو مصادماً له فلم تسع يوماً لأدلجة الحجاج والمعتمرين وهم بالملايين سنوياً أو تفرض عليهم ولاءات معينة، كانت تخدمهم لوجه الله وحده، وترفض رفع أي شعار سياسي لها أو لغيرها في هذه المواطن الشرعية التي لا يكون الولاء فيها إلا للخالق سبحان، هي أماكن التجرد والإخلاص لله وحده.
وقد قلت مراراً لو أن دولة أخرى غير السعودية كان فيها الحرمين لفرضت الأدلجة والولاء السياسي رغباً أو رهباً وبطريق مباشر أو خفي على كل حاج ومعتمر، وجعلت من كل واحد منهم عينًا لها على أمته ودولته، ولكن السعودية ترى أنها أكبر من كل هذه الصغائر التي تدمر النفوس وتميت الإخلاص.
لقد أنشأت السعودية قرابة 272 مسجداً في أثيوبيا والصومال وتنزانيا وزنجبار وحدها، وشيدت 15 مدرسة قرآنية في هذه البلاد الأربع منذ سنوات طويلة، ودشنت فيها مشروع إفطار الصائم ووزعت في مناطقها الفقيرة لحوم الأضاحي.
ومول من قبل الأمير محمد بن عبد العزيز مدرسة الفاروق الثانوية بدار السلام وهي من أفضل مدارس تنزانياً، وقد دشنت السعودية مؤسسة الحرمين الخيرية التي قادها واحد من عمالقة الخير وهو عقيل بن عبد العزيز بن عقيل وهذه المؤسسة الخيرية وحدها بنت أكثر من 355 مسجداً في الدول الإفريقية وأقامت 7 مراكز إسلامية في كينيا وأوغندا وتنزانيا ونيجيريا وغينيا وجزر القمر، وحفرت أكثر من 500 بئر للمياه في عدة دول ورعت أكثر من 14 ملجأ أيتام في الصومال وكينيا.
وقد أنفقت هذه المؤسسة وحدها 300 مليون ريال سعودي في عشر سنوات فقط مشاريع الخير والبر وبناء المساجد والملاجئ وحفر الآبار وبناء المدارس أكبر بكثير مما نتصور.
وليست مؤسسة الحرمين الخيرية وحدها في هذا المضمار بل إن هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية كان لها دور بارز في العالم كله، وقد أنفقت على أعمال الإغاثة مليار و300 مليون ريال في 91 دولة كان من نصيب إفريقيا وحدها 558 مليون ريال في 37 دولة.
أما المراكز الإسلامية التي أنشأتها السعودية وتركتها لأهل البلاد المسلمين فلا تعد ولا تحصى ومنها المركز الإسلامي بتورنتو كندا، وروما إيطاليا، ومركز خادم الحرمين الثقافي والإسلامي في بيونس إيرس بالأرجنتين، وآخر في جبل طارق، وثالث في مونت لاجولي بفرنسا، ورابع في أدنبرة باسكتلندا، ويلحق بهم المركز الإسلامي في جينيف وبروكسل ومدريد ونيويورك وغرب كرواتيا ولندن ولشبونة وفيينا.
عطاء متواصل وعظيم لخدمة المسلمين أينما وجدوا للحفاظ على هويتهم وبث روح التدين الوسطي العميق في نفوسهم دون صخب ولا ضجيج ودون طلب بيعة أو صك ولاء من هذه المراكز أو غيرها أو جعلها نواة لتكوين الميلشيات أو صناعة التطرف والتعصب والشحن المذهبي أو العرقي، هو عطاء متواصل وهادئ ويبقى لوجه الله والإسلام والإنسانية.
ولعل أفضل ما قدمته السعودية لعلوم الإسلام في العالم كله هو إنشاء كراسي الدراسات الإسلامية في جامعات العالم الكبرى والعظمى مثل كرسي الدراسات الإسلامية في جامعة كاليفورنيا وهي واحدة من أفضل عشر جامعات في العالم كله حسب آخر تصنيف للجامعات، وكذلك كرسي الملك فهد للدراسات الشرعية الإسلامية بكلية الحقوق جامعة هارفارد وهي أعلى وأرقى جامعة في العالم حسب آخر تصنيف للجامعات.
هذا العطاء الهادئ المتزن الذي لا يسعى للشهرة ولا لحصد الأنصار ولا لجمع الأتباع والمحاسيب هو ما سينفع الناس في النهاية، وهو ما سيبقى في الأرض"وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ"العطاء الإسلامي تعتبره كل حكومة سعودية كأنه جزء من منظومة عملها وواحد من أولوياتها العظام.
شرف الله هذه البلاد أن تستقبل كل عام ملايين المسلمين وأن تعيش معهم ويعيشوا معها ويختلطون بها وتختلط بهم وتمتزج أرواحهم وأفئدتهم معها، هي لا تستطيع الانفصال عن العالم الإسلامي ولا يستطيع الأخير الانفصال عنها.
اللهم زد هذه البلاد والحرمين الشريفين تعظيماً وتكريماً وزدها رخاءً وأمناً وسلاماً وبهاءً.
كانت هذه الكلمات تلخيصاً لدور السعودية في العالمين العربي والإسلامي مستلهمة رسالة السماء التي تشرفت مكة بكلماتها الأولي"اقرأ"ونمت وترعرعت في المدينة المنورة أحببت أن أسوقها إلى القراء مجملة جداً.
ولعل البعض يتساءل أين دور بقية دول الخليج في استلهام هذه الرسالة السماوية العظيمة والانفتاح على العالمين العربي والإسلام، فأقول: إن دورهم عظيم وكبير جداً فالكويت، والإمارات، والبحرين، وقطر، وعمان لهم أدوار كبيرة، ورغم مكانة هذه الدول لن تكون بحجم السعودية لأسباب كثيرة سقت بعضها في سياق البحث وأهمها وجود الحرمين في السعودية وتدفق الحجيج سنوياً والمعتمرين في كل فصول السنة إلى السعودية مع ما في ذلك من حركة تلاقح إيماني وفكري وثقافي واجتماعي بين هذه الملايين وبين السعودية عامة ومكة والمدينة خاصة.
هذه خاصية حبا الله بها الحرمين الشريفين والأرض المقدسة وهذه هبة الله يهبها لمن يشاء من بلاده وعباده، كما أن مساحة البحث لا تتحمل سرد أدوار كل هذه البلاد في هذا البحث الذي لم تتحمل صفحاته سرد جزء قليل من جهود المملكة السعودية.
تحية إلى كل حاملي رسالة الإسلام العظيمة، رسالة الأمن والسلام والتبشير لا التنفير، والجمع لا التفريق، والتيسير لا التعسير، والأمل والتفاؤل لا التشاؤم واليأس، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب ومفكر إسلامي