array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 168

الإعلام الثقافي بحاجة لمشروع يضم النخب وصناع الإعلام والمؤسسات الحكومية

الأحد، 28 تشرين2/نوفمبر 2021

واقع حال الإعلام الثقافي الحالي يشير إلى غياب الدور الثقافي الفاعل لوسائل الإعلام العربية، المطبوعة والمسموعة والمرئية، وقد تجلى هذا الغياب في تناقص توزيع الصحف، بل واحتجاب مجلات ثقافية رفيعة المستوى وضعف البرامج الثقافية في الراديو والتليفزيون أمام تدفق وحيوية السوشيال ميديا وقدرتها اللامحدودة على جذب القطاع الأكبر من الأجيال الشابة.

 ومن ناحية أخرى، عجزت هذه المجلات وتلك الصحف عن تجديد شبابها والتفاعل مع الإعلام الجديد كما عجزت عن اجتذاب جيل جديد من كبار الكتاب، مثقفين وعلماء، في مختلف التخصصات للكتابة في صفحاتها واعتمدت على محرريها وكبار صحافييها، وفي هذا ما فيه من خلط بين دور الصحفي المتخصص في تحليل الأحداث وبين دور كبار الكتاب الذين يتمتعون بالرؤية المستقلة والمستقبلية وبالخبرات العلمية والأدبية والفلسفية التي تمكنهم بالفعل من صنع القدوة وقيادة الرأي العام بعيدًا عن مجرد تحليل الأخبار السياسية والاقتصادي، الأمر الذي أدى إلى شيوع وذيوع المحتوى الثقافي السطحي .

 ورغم كثرة القنوات الفضائية العامة والمتخصصة المنتشرة كالنار في الهشيم، إلا أننا لا نجد لها أية فاعلية ثقافية ولا نجد لها تأثيرًا إيجابيًا يذكر في نشر ثقافة التقدم والتنوير والتثوير!، بل العكس حدث حين تخصصت قنوات في السحر وجلب الحبيب ونشر ثقافة الخرافة والخزعبلات والفتاوى الدينية الضحلة، كما رأينا قنوات أخرى همها نشر ثقافة المطبخ، يتباهى فيها الطباخون بنوعيات من الطعام تحتاج إلى ميزانية لص بنوك لا مواطن عادي لدرجة تجعل المشاهد يضيق بحياته ويشعر بالدونية والعجز!

وحدث ولا حرج عن تلك الثقافة التي تنشرها البرامج الرياضية المليئة بالتعليقات الرياضية المتهافتة المستوى والألفاظ الخارجة بدلاً من متابعة ما يجري على أرض الواقع من منافسات وبطولات عجزت أصلاً عن نقلها لمشاهديها!

وقد يحتج البعض بأن مصر خصصت للثقافة قناة .. هي النيل الثقافية، أليس في هذا ما يشير الى اهتمام رسمي بالثقافة؟ والرد ببساطة. نعم القناة موجودة وتقاتل لتقديم المفيد لكنها تعاني من ضمور وتهافت بسبب نقص المورد المالي، وهو عصب الينتاج الثقافي، مما حال دون استضافة شخصيات لها وزنها الثقافي ومكانتها الفكرية والعلمية وعطل مسيرتها في متابعة الأحداث الثقافية الكبرى.

لقد اضطرب المشهد الثقافي المصري والعربي بشكل كبير خلال الأعوام الأخيرة الماضية مما أثر على نوعية البرامج الثقافية المقدمة على الشاشات الفضائية والبرامج الإذاعية وصفحات ثقافية متخصصة ومجلات كانت تمثل علامات ومنارات ثقافية ..

ومن المفارقات الغريبة أن الوظيفة التثقيفية لوسائل الإعلام كانت أكثر بروزًا خلال النصف الثاني من القرن العشرين في إعلامنا العربي بعد انتشار الراديو ثم البث التلفزيوني في كل أنحاء العالم، مما ارتقى كثيرًا بالثقافات المحلية والإقليمية والعالمية، وسهل أمام الشعوب العربية فرص "التواصل" و"التثاقف" وظهر حينها مصطلح الاتصال الحضاري باعتباره أحد مستويات الاتصال التي يهتم لها أساتذة وخبراء الإعلام في الجامعات والمعاهد الإعلامية.

وقد عاينت ذلك حين عملت بالإعلام الثقافي في حياتي الباكرة مذيعًا للبرامج الثقافية بالإذاعة المصرية لسنوات طوال، ومراقبًا للحركة الثقافية والأدبية، كنت أقدم عرضًا أسبوعيًا لما يدور في (حياتنا الثقافية)، وهو برنامج ثقافي أسبوعي، مدته نصف ساعة أسبوعيًا، شرفت بتقديمه قرابة 15 سنة ( بالإذاعة المصرية) عبر موجات إذاعة البرنامج العام!، وكنت ألمس عن قرب تلك العلاقة الوثيقة بين المؤسسات المعنية بالإنتاج الثقافي ومؤسسات الإنتاج الإعلامي الثقافي.

وهنا يمكنني القول باطمئنان: إن العلاقة بين الثقافة والإعلام علاقة تكاملية، والفصل بينهما خطأ منهجي يعرقل انتشار الثقافة ويقلل من دورها في تشكيل وجدان الناس، خاصة أن تقنيات الإعلام الجديدة المجاني وشبه المجاني قد صنعت تهديدات اقتصادية لوسائل الإعلام التقليدية التي تأثرت بالفعل بطوفان السوشيال والمواقع الأدبية الشبابية التي تميل للسطحية هربًا من الثقافة بمعناها العميق، خاصة مع ظهور مواقع وصفحات أدبية وصالونات عبر الانترنت لتجمعات أدبية ومجموعات شبابية مهتمة بالشأن الأدبي والثقافي.

على ضوء ذلك، يفترض أن تسهم وسائل الإعلام (تقليدية وجديدة) في ابتكار رسائلها الإعلامية/الثقافية المناسبة للتقنيات الجديدة وللشباب بالقدر الذي لا يوقعها في السطحية ويرقى بالمنتج الإعلامي الثقافي.

ولا يفوتني في هذا المقام، أن أنوه بدور المهتمين بالشأن الثقافي وأن أحملهم المسؤولية عن ضعف الإعلام الثقافي وأن أدعوهم إلى الإسهام في الساحة الإعلامية الثقافية وعدم الخضوع للموجة العاتية التي جاءت مع الفيس وكل وسائط التواصل الاجتماعي التي انحرفت بنا الى سطحية ثقافية بائسة.

وهذا لا يعني أنني أعفي الإعلام الثقافي والمسؤولين عنه من مسؤوليتهم باعتبارهم أصحاب الدور الرئيس في اختيار المنتج الثقافي وتقديمه للجمهور، كذلك أحمل المسؤولية لوسائل الإعلام الجديدة -ومنها وسائل التواصل الاجتماعي -التي أبرزت هذا الدور بشكل متهافت أضر بالحركة الثقافية وتسارع الشباب الى تعاطي أجناس أدبية رقمية غريبة لا يتجاوز الأمر أحيانًا عبارة قصيرة، أو صورة، أو مقطعًا مصورًا ثم تجد تفاعلاً من رواد هذه الصفحات السطحية يصل أحيانًا لعشرات الآلاف وهو رقم لم يحظ به نجيب محفوظ أو يوسف إدريس ..!

 الغريب أن مثل هذا الإنتاج الثقافي السطحي وجدناه يحقق انتشارًا واسعًا كما يحقق المتعة للشباب من رواد هذه الصفحات.  

ومع هذا، فإنني أجد أن الفرصة سانحة أمام وسائل الإعلام الثقافية لتقديم ثقافة ثرية عميقة دون وقوع في براثن السطحية وذلك من خلال تطوير المحتوى الثقافي المناسب بمشاركة فاعلة بين المثقفين والمؤسسات الإعلامية.

وهنا يسرني أن أطرح مبادرة ربما تتحول إلى مشروع مشترك لـ "صناعة إعلام ثقافي " يؤلف بين النخب الثقافية وصناع الإعلام والجمهور بحث تشترك فيه المؤسسات الرسمية مثل: وزارات الإعلام والتعليم والثقافة والشباب والمؤسسات الدينية، وأزعم أن لدينا نخبًا من المشتغلين في هذه الوزارات والهيئات ذات الطابع الثقافي يمكن الإفادة منهم بالارتقاء بالثقافة والإعلام الثقافي وإيصال الثقافة المحلية إلى الإقليمية والعالمية.

أقول: دعونا لا نبكي على لبن سكبته تطورات تقنية ضخمة في الإعلام فنالت من الوظيفة التثقيفية لوسائل الإعلام التقليدية، المهم أن نتجاوز تلك المحنة التي يمر بها الدور التثقيفي للإعلام بفعل الإعلام الجديد، ولنشغل أنفسنا بالتفكير في أشكال برامجية متطورة وقضايا تجذب الشباب وتشركه في التفكير والبحث عن مخرج، فما زال محتوى الإعلام الثقافي الرقمي ما يزال تقليديًا حتى على مواقع الصحف والمجلات والفضائيات العربية، وربما يعود ذلك إلى طبيعة المادة الثقافية التي لا تصاغ بطريقة مبسطة.

من كان يتصور أن تتقلص مساحات الصفحات الثقافية وتتناقص أو تختفي المجلات الثقافية وتحل محلها صحافة ثقافية سطحية تدعمها موجات العولمة الشرسة التي تعمل على تذويب الشخصية القومية للدول العربية.

نحن أمام تحدّ كبير يتمثل في كيفية استثمار الإعلام من أجل التنمية الثقافية، وحماية الأمن القومي العربي بالتركيز على القيم الإنسانية المشتركة التي تتجاوز الانقسامات الانتمائية (العشائرية والمذهبية)، وخروج المنتج الثقافي من التقليدية إلى أفق إنساني أرحب يسهم في رقي ثقافة المجتمع.

ولعل معرفة علل وأدواء تناقص الاهتمام بالإعلام الثقافي في الإعلام التقليدي يساعدنا في التعامل مع الإعلام الرقمي الجديد ومن تلك العلل مثلاً .. ، عدم اهتمام كثير من المستمعين والمشاهدين والقراء بالمادة الثقافية، إضافة إلى فقر المردود المادي من ناحية الإعلانات مما أثر في دعم البرامج الثقافية. إضافة إلى جودة المحتوى الثقافي وافتقاره في كثير من الأحيان للشكل الجذاب، كما تعاني المادة الثقافية من ضعف التسويق والترويج لها بما يراعي متطلبات الإعلام، مع نقص في المتخصصين في الإعلام الثقافي الذين يستطيعون تحويل المنتج الثقافي إلى مادة إعلامية مقبولة لدى الجمهور.

صدقني، أيها القارئ الكريم، الأمر سيان الآن .. سواء في وسائل الإعلام التقليدية أو الجديدة، حيث إن جهدها في كثير من الأحيان يقتصر على إعادة نشر ما هو مطبوع أو مُشاهد بطريقة سيئة، بحيث تكون المتابعة للمواد الثقافية ضعيفة. وهنا لا بد من تطوير المحتوى الثقافي في الإعلام الجديد، ليواكب الأدوات الموجودة في العالم الافتراضي.

وأخيرًا، عندي عتاب على المؤسسات والهيئات الثقافية الحكومية لتقصيرها في التعاون مع وسائل الإعلام المختلفة في نشر المادة الثقافية وإنتاجها، والمساهمة في إعطاء الدورات وإعداد البرامج في الإعلام الثقافي، حتى تسهم في تعزيز ونشر الثقافة وتطوير قدرات العاملين في الحقل الإعلامي، تصور مثلاً .. قناة النيل الثقافية المصرية كانت تواجه مشكلات لدخول دار الأوبرا المصرية ونقل حفل موسيقي أو ندوة شعرية أو وقائع مؤتمر ثقافي وكان يطلب منهم مقابلاً ماليًا وإلا فلن يسمح لهم بالعمل .. ، هل عجزت الهيئة الوطنية للإعلام ودار الأوبرا عن عمل اتفاقية تعاون بين المؤسستين لخدمة المشاهد العربي ؟

أيها المسؤولون عن الإعلام الثقافي العربي:

 أين المناقشة الجادة لقضايا الثقافة والتنمية والتقدم في مجتمعنا؟!

أين دوركم في مواجهة التغريب؟

 أين المناقشة الجادة لغياب أدوار المؤسسات الثقافية الرسمية والأهلية؟!

أين المناقشة الجادة لما يصدر من مؤلفات فكرية وعلمية جادة تطرح قضايانا القومية وتقدم الحلول لأهم مشكلاتنا في مختلف التخصصات؟!

يجب أن نعلم علم اليقين أن المشكلات التي تواجه الإعلام الثقافي لا تَكمن في حرية الإعلام فقط وهي مهمة إنما قبلها مشكلة غياب السياسات الإعلامية الثقافية التي تربط بين الإعلام والمجتمع والثقافة، ما أدّى إلى فوضى إعلامية مكّنت العوامل الخارجية الأجنبية من السيطرة على الإعلام الثقافي وغير الثقافي.

لدينا أيضًا مشكلة في ضوضاء لا تصنع ثقافة، ناجمة عن كثرة وسائل الإعلام العربية وعدم وجود تكامل بين نشاط هذه الوسائل والأنشطة الأخرى في المجتمع، ما أدى إلى فشلها في إجراء حوار ثقافي إيجابي بين الفئات الاجتماعية المختلفة.

مشكلة الإعلام الثقافي ليست في القوانين بل في الرؤية الخاطئة لمديري وسائل الإعلام العام الذين لا يولون اهتمامًا بالثقافة وينصرفون إلى إرضاء المسؤول والمموّل وفقدان المسؤولية الاجتماعية لدى وسائل الإعلام، وعدم تعرّض مناهج تدريس الإعلام في كليات الإعلام بجامعاتنا للدور الثقافي الذي يمكن أن تلعبه وسائل الإعلام في المجتمع،

لقد نتج عن فشل وسائل الإعلام العربية والمصرية في إطلاق حوار ثقافي وطني شعور المواطن بأن ما يحدث في وطنه هو خارج مجاله، فوسائل إعلامه لا تبحث في الأمور التي تَهمه غالبًا، بل ما يَهم الجماعة أو الفئة المتحكّمة في هذه الوسائل. وبالتالي فإن المواطن يشعر بأن ما تعطيه إياه وسائل الإعلام من مضمون، لا صلة له بواقعه. وأدى هذا الوضع إلى اندفاع المواطن إلى الثورة على قيمه وطرقِ معيشته، فأصبح غريبًا عن مجتمعه وحتى عن نفسه.

إن تحول الإعلام من خدمي لتجاري قد حكم بالموت على الإعلام الثقافي فالمعلن لا تعنيه ثقافة ولا مثقفين بقدر ما يعنيه رواج سلعته حتى وإن توسل لذلك بثقافة سطحية تعينه على جذب المزيد من الجمهور..، أما الإعلام الثقافي فلا يعنيه في شيء لكونه بحاجة لميزانيات ضخمة بعكس البرامج الإعلانية السطحية التي تقدم بميزانيات أقل،

ولعلنا لاحظنا أن المتحكم الأول الآن في اختيار محتوى البرامج حاليًا هم المعلنون وليس صناع الإعلام الثقافي أو غير الثقافي ..! . ان سيطرة المعلنين على الفضائيات العربية كانت سببًا مباشرًا في اختفاء البرامج بشكلها الثقافي عن الشاشات الفضائية. وإن غيابها خلف وراءه فراغًا لدى المشاهد وهو ما يجعل هناك فرصة لملء هذا الفراغ بالأفكار المتطرفة.

سأضرب مثلا لتجربة إعلامية ثقافية كانت ناجحة اسمها قناة النيل الثقافية منذ تأسيسها كان لها دور ثقافي كبير وكان لديها مكتبة فيلمية ثقافية لا مثيل لها في الوطن العربي لدرجة أن بعض الدول العربية طلبت محاكاتها، ولكن الوضع تغير حيث تحول الدعم بشكل كامل للتغطية الإخبارية على حساب الوظيفة الثقافية للإعلام المصري ..، أيضًا اختلاف البيئة الثقافية في الوقت الحالي أثر بشكل كبير على مستوى المحتوى الأدبي والثقافي على شاشات الفضائيات.

ضعف التعليم كان مؤثرًا بقوة في غياب البرامج الثقافية الجادة وقد رأينا خريجين لا يحسنون كتابة فقرة دون أخطاء إملائية أو نحوية، بالإضافة إلى أن مخرجات التعليم هذه تصدر لنا المذيع والمعد والمخرج والمحرر ومقدم البرامج وهم بهذه الحالة من البؤس الفكري والثقافي.

الأمر جلل وبحاجة إلى نظرة اهتمام من صناع القرار لإعادة البريق والوهج لصناعة الإعلام الثقافي ليقف حائط صد ضد هجمات العولمة التي تجرف كل شيء أمامها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ وعميد كلية الإعلام جامعة السويس ومقدم البرامج الثقافية بإذاعة جمهورية مصر العربية

 

مقالات لنفس الكاتب