array(1) { [0]=> object(stdClass)#13009 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 169

رؤية أوروبا للخليج بعيدة المدى ولا تركز على الاستقرار قصير المدى

الخميس، 30 كانون1/ديسمبر 2021

قبيل انطلاق عام 2022م، يستمر الجدل حول تأثير أوروبا وقدرتها على العمل في الصعيد العالمي. وفي نوفمبر 2021م، صرح جوزيف بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بأن الاتحاد الأوروبي يتعرض لخطر "الانكماش الاستراتيجي"، بسبب الضغوط الجيوسياسية والاقتصادية والأيديولوجية المهولة التي تواجهها أوروبا من جميع الأطراف. وأضاف أن الأمر يرجع إلى البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لتحديد ما إذا كانت التحولات الجيوسياسية الجارية اليوم ستشكل جرس إنذار آخر لا يُـلـتَـفَـت إليه، وما إذا كان الحوار المتجدد بشأن الدفاع الأوروبي مجرد بداية مغلوطة أخرى."

إن تلك الدعوات ليست جديدة بالطبع، وحتى الآن فشلت هذه الدعوات في دفع أوروبا لأن تصبح لاعبًا جيوسياسيًا أكثر قدرة على مواجهة التحديات. وفي الواقع، يبدو أن أوروبا تحاول باستمرار اللحاق بالركب الدولي المتسارع. ومع ذلك، لا ينبغي الاستهانة بأوروبا كقوة لا يُمكن إغفالها، وقد يكون عام 2022م، هو العام الذي تصبح فيه بعض ملامح السياسة الخارجية والأمنية الأوروبية المستقبلية أكثر وضوحًا وفعالية.

الجدل الدائر حول دور أوروبا كلاعب استراتيجي

بادئ ذي بدء، من المهم أن ندرك أن أولويات أوروبا في عام 2022م، ستكون الاهتمام بالشأن الداخلي في المقام الأول. وتوضح قائمة الموضوعات التي تناولتها أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية في خطاب حالة الاتحاد لعام 2021م، هذا الأمر بوضوح، حيث بدأت بجائحة فيروس كورونا "كوفيد-19"، ثم ركزت على التعافي الاقتصادي الأوروبي، ثم الحاجة إلى تعزيز الرقمنة بصورة أفضل، وتوسيع مظلة الحقوق الاجتماعية، و"الصفقة الأوروبية الخضراء" وتحديات تغير المناخ، بالإضافة إلى إعلان عام 2022م، عام الشباب الأوروبي. وسلطت دير لاين الضوء في النصف الأخير من خطابها فقط على أهداف أوروبا الأمنية وسياستها الخارجية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن التوجهات العالمية الرئيسية التي ستهيمن على أجندة السياسة الأوروبية تتعلق بصورة كبيرة بمواضيع معينة، بعيدًا عن التركيز بشكل أساسي على الجغرافيا السياسية وعلى مناطق جغرافية محددة. ويشمل ذلك قضية تغير المناخ والتحديات البيئية الأخرى، والترابط الرقمي الكبير والتحولات التقنية، وضغط النماذج الديمقراطية للحوكمة، والتحولات في النظام العالمي. ومع ذلك، يجب النظر إلى هذا التركيز على مواضيع بعينها على أنه جيوسياسي بطبيعته، وذلك في ظل البيئة الحالية المترابطة والمعولمة.

ومن حيث التحولات العالمية، تدور التوقعات داخل أوروبا حول زيادة المنافسة والهشاشة العالمية. ولذلك، فإن المنافسة متعددة الأبعاد وكذلك الترابطات العميقة قد تحدد ملامح نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب بشكل متزايد. كما تعني إعادة توزيع القوة العالمية أن مركز الثقل الجغرافي الاقتصادي سيستمر في التحول شرقًا مع الثقل الاقتصادي للدول السبع الناشئة "بريكس" (البرازيل، والصين، والهند، وإندونيسيا، والمكسيك، وروسيا، وتركيا)، والذي يفوق وزن مجموعة الدول السبع الحالية (كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة). ولذلك تحاول أوروبا أن تجد لنفسها موطئ قدم ضمن هذه التحولات.

وهناك قناعة واسعة النطاق داخل أوروبا بأن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى لعب دور أكبر في الدبلوماسية الوقائية وفي حماية النظام متعدد الأطراف، وتحديثه. ويمكن الاعتماد على أزمة جائحة فيروس كورونا، وأزمة المناخ كمثالين ممتازين يؤكدان الحاجة إلى التوصل لحلول متعددة الأطراف واستجابات عالمية منسقة. ومع ذلك، لا يوجد اتفاق يذكر حول الطريقة الدقيقة للمضي قدمًا أو الآليات المطلوبة من قبل أوروبا للاضطلاع بهذا الدور بشكل مناسب. وقد أنفقت أوروبا الكثير في عام 2021م، على مناقشة كفاءات الاستقلالية الاستراتيجية وكيف يمكن ترجمة ذلك إلى إجراءات ملموسة. ومن المقرر أن تتضح النتائج الأولية لهذه النقاشات.

التحديات الجيوسياسية

عندما يتعلق الأمر بالأولويات الجيوسياسية، تبدو القائمة طويلة لا تنتهي، فالمصالح الأوروبية تبدأ بتحالف متجدد عبر المحيط الأطلسي، وتعزيز التعاون في حلف الناتو ودمج دول غرب البلقان في شبكة المؤسسات الأوروبية. وبالنسبة لدول الجوار، تم تحديد شكل من أشكال المشاركة البناءة مع روسيا، وبناء علاقة فعالة مع تركيا، وإقامة شراكة استراتيجية أوسع مع إفريقيا، مع دعم الاستقرار في الشرق الأوسط كأولويات رئيسية.

ويعتبر العامل الرئيسي لأولويات أوروبا هو العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. ففي الوقت الذي يقتنع فيه مسؤولي السياسة الأوروبية اقتناعًا تامًا بأن التعاون بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة سيظل حيويًا للسلم والأمن والازدهار الدولي لمجرد أن التقارب لا يزال موجودًا فيما يتعلق ببعض القيم والمصالح، هناك أيضًا إدراك كبير بأن دعم الولايات المتحدة للتكامل الأوروبي وللدور الأوروبي عالميًا لم يعد من الممكن اعتباره ضمانة حقيقية للأبد. وقد أظهرت التجربة خلال التعامل مع إدارة ترامب مدى السرعة التي قد تتدهور فيها العلاقة بين الطرفين، لدرجة أنه حتى التزام الولايات المتحدة بالدفاع الأوروبي أصبح موضع تساؤل. وبعد رحيل ترامب، تحاول إدارة بايدن تهدئة الأوضاع إلى حد ما وشهد التواصل بين الطرفين تحسناً ملحوظاً. وفي أعقاب القمة الأوروبية ــ الأمريكية التي عقدت في يونيو 2021م، عاد التعاون في مجال الصحة العالمية وتغير المناخ والتجارة والتكنولوجيا إلى جدول أعمال أوروبا وأمريكا. ومع ذلك، لا يزال الضوء مسلطًا على سياسة "أمريكا أولاً" في ظل رئاسة بايدن من خلال إعلان اتفاقية "أوكوس".  وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين لاحقًا أن الطريقة التي تعاملت بها الولايات المتحدة مع اتفاقية أوكوس يجب أن يُنظر إليها على أنها تحذير من اعتماد الاتحاد الأوروبي المفرط على دول أخرى، بما في ذلك أقرب حلفائه، الولايات المتحدة.

ويعد الحشد العسكري الروسي على الحدود مع أوكرانيا القضية الأكثر إلحاحًا في الوقت الحالي في أوروبا، نظرًا لما له من تداعيات كبيرة على الأمن الأوروبي بصفة عامة. وفي الوقت الحالي وطالما لم يقع أي عدوان آخر، فإن أوروبا عقدت العزم على المضي قدمًا في المزيد من الجهود الدبلوماسية بما في ذلك محادثات "صيغة نورماندي" وكذلك اتفاقية مينسك. ولكن أوروبا أصدرت قرارًا بالفعل لتمديد العقوبات المفروضة على روسيا لمدة ستة أشهر أخرى وحذرت من "عواقب وخيمة" و"تكاليف باهظة"، في حال قررت روسيا شن عمل عسكري ضد أوكرانيا. وفي قمة الشراكة الشرقية التي عقدت في 15 ديسمبر 2021م، دعا الاتحاد الأوروبي إلى مزيد من التعاون مع دول مثل أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا بما في ذلك تعميق اتفاقيات الشراكة القائمة وتنفيذ مناطق تجارة حرة عميقة وشاملة. وهذا يُشير إلى استمرار التوتر في العلاقة مع روسيا طوال عام 2022م، مع عزم الاتحاد الأوروبي على رسم خطوط مواجهة واضحة.

وبعيدًا عن هذه القضية الملحة، تحاول أوروبا الوصول إلى مناطق أخرى بعيدًا عن دول الجوار، وهو ما أبرزته استراتيجيتها التي أطلقتها لتعزيز التعاون في منطقة المحيطين الهندي والهادئ في 16 سبتمبر 2021م، وبهذه الخطوة، أكدت أوروبا أن "الثقل الاقتصادي والسياسي للمنطقة يجعلها لاعبًا رئيسيًا في تشكيل النظام الدولي، وأنها بحاجة إلى إعادة تقييم استراتيجية مشاركتها في هذه المنطقة سريعًا. وفيما يتعلق بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، يعد الاتحاد الأوروبي المستثمر الأول وأحد أكبر الشركاء التجاريين لهذه الاقتصادات، وتعد المنطقة ثاني أكبر وجهة لصادرات الاتحاد الأوروبي. ونتيجة لذلك، تعتمد الاستراتيجية على كون أوروبا لها حصة في المنطقة، وتحتاج إلى بذل المزيد من الجهود "لتعزيز وصولها الاستراتيجي وسلاسل توريدها."

وهذه القضايا مدفوعة بالطبع بالدور الذي تلعبه الصين على الصعيدين الإقليمي والدولي، حيث تقدم الصين لأوروبا تحديًا فريدًا؛ إذ يُنظر إليها بوصفها شريك ومنافس اقتصادي وشريك تفاوضي مهم ومنافس نظامي في نفس الوقت. وقد وضع هذا الأمر أوروبا في موقف صعب. فبينما تدخل الولايات المتحدة في صراع واضح مع بكين، يبدو أن عبء الحفاظ على النظام الدولي القائم على القواعد ومنع حدوث توترات أكبر بين الولايات المتحدة والصين يقع بشكل غير متناسب على عاتق أوروبا في المقام الأول. ومع ذلك، فقد بدأت المواقف الأوروبية تأخذ شكلا أكثر تشددًا، وقد أشارت وزيرة الخارجية الألمانية الجديدة أنالينا بربوك إلى "الحوار والصلابة في التعامل مع الصين".

أوروبا تتجه نحو اتخاذ قرارات أكثر تكاملاً

في ضوء العدد الهائل من التحديات التي يواجهها المجتمع الدولي، تسلك أوروبا عدة طرق لتقديم إجابات مؤقتة للمشكلات المتصاعدة في العالم. وسيكون أحد التحديات الرئيسية في القارة العجوز اعتماد وثيقة البوصلة الاستراتيجية من قبل مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي في مارس 2022م، والهدف من البوصلة هو تبسيط وتعزيز سياسة الأمن والدفاع في الاتحاد الأوروبي، وهو جهد مستمر منذ بداية رئاسة ألمانيا للمجلس في يوليو 2020م، وستوفر الوثيقة التوجيه السياسي الاستراتيجي خلال السنوات 5-10 القادمة، مع التركيز على تعزيز القدرة التشغيلية في المجالات الاستراتيجية الرئيسية، مثل الفضاء الخارجي والوجود البحري والفضاء السيبراني. وتعتبر المحاور الأربعة التي تُقسم البوصلة حولها هي القدرات وإدارة الأزمات والمرونة والشراكات.

ومن الجوانب الرئيسية الأخرى لاستراتيجية الاتحاد الأوروبي هي الحفاظ على الشراكات وتوسيعها. ويشمل هذا، على سبيل المثال، إطلاق حوار أمني ودفاعي مخصص بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بحلول عام 2022م، فضلاً عن تبادل المعلومات بصورة أكبر بين مجلس شمال الأطلسي واللجنة السياسية والأمنية للاتحاد الأوروبي. وبالفعل، أكد إعلان الناتو في بروكسل عام 2021م، ضرورة "تكثيف المشاورات والتعاون" مع الاتحاد الأوروبي.

كما سيشكل عام 2022م، أيضًا عامًا مهمًا على صعيد التعاون الدفاعي للاتحاد الأوروبي، حيث ستُعقد قمة الدفاع الأوروبية تحت رئاسة فرنسا في النصف الأول من العام، ومن المتوقع أيضًا أن يتبنى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي إعلانًا مشتركًا جديدًا لتوجيه التعاون الثنائي بين المنظمتين.

والأهم من ذلك، أن أوروبا ستلقي بثقلها وراء بعض القضايا الموضوعية التي تم تحديدها في بداية المقال، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بالتجارة، حيث يسمح الاقتراح الذي قدمته المفوضية الأوروبية في ديسمبر 2021م، لإنشاء أداة لمكافحة الإكراه بفرض عقوبات تجارية ضد أي دولة خارج التكتل الأوروبي، وذلك بدعم واسع النطاق من أعضاء الاتحاد الأوروبي. وصرح فالديس دومبروفسكيس المفوض الخاص بالتجارة في الاتحاد الأوروبي بأنه "في وقت تتصاعد فيه التوترات الجيوسياسية، يتم تسليح التجارة بشكل متزايد وأصبح الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه أهدافًا للترهيب الاقتصادي، ولذلك فنحن بحاجة إلى الأدوات المناسبة للاستجابة، فالمهم هنا هو تزويد أوروبا بما تحتاجه في منطقة يتمتع فيها الاتحاد الأوروبي بنفوذ كبير.

أوروبا والخليج

ضمن المجالات المختلفة الخاضعة للنقاش المذكور أعلاه، تلعب منطقة الخليج أيضًا دورًا متزايد الأهمية بالنسبة لأوروبا، وقد شدد الممثل السامي جوزيف بوريل، وخلال زيارته التي استمرت أربعة أيام إلى المملكة العربية السعودية، وقطر والإمارات العربية المتحدة في بداية أكتوبر 2021م، على ضرورة بناء شراكة أقوى مع دول مجلس التعاون الخليجي. وأعقب ذلك الإعلان عن عقد اجتماع وزاري بين دول مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي في ربيع عام 2022م، وافتتاح مكتب آخر للاتحاد الأوروبي في الدوحة، وكلاهما خطوتين مهمتين في إضفاء المزيد من طابع العمل المؤسسي على العلاقة بين أوروبا والخليج.

وفي الوقت نفسه، فإن الموضوعات التي أبرزها السيد بوريل – ومن بينها الاتحاد الأوروبي كسوق رئيسي للطاقة المتجددة، والأمن المائي، والاتحاد الأوروبي كمشرف لاستراتيجية الأمن الناعم ونموذج للتكامل الإقليمي -ابتعدت عن القضايا الأمنية الصعبة للغاية التي تواجه المنطقة حاليًا. وبالتالي، فإن نظرة الاتحاد الأوروبي لمنطقة الخليج نظرة بعيدة المدى، بدلاً من التركيز على متطلبات الاستقرار على المدى القصير، وهي قضية يجب أن يستمر طرحها في حالة ظهور شراكة استراتيجية أوسع. وبينما تقترح مسودة "وثيقة البوصلة الاستراتيجية"، على سبيل المثال، التعاون مع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا والأمم المتحدة ورابطة دول جنوب شرق آسيا بشأن الإنذار المبكر ومنع النزاعات، لم تذكر الوثيقة مجلس التعاون الخليجي في هذه المرحلة، بالرغم من أن ضم دول مجلس التعاون الخليجي إلى مثل هذه القائمة، سيعد إشارة ومؤشرًا قويًا يحكم العلاقة بين أوروبا والخليج.

 

مقالات لنفس الكاتب