array(1) { [0]=> object(stdClass)#13009 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 169

تقـارب الهند وإسـرائيل والإمارات تطوير للنظام الإقليمي بدون رؤية مشتركة

الخميس، 30 كانون1/ديسمبر 2021

 

في شهر أكتوبر / تشرين الأول السابق أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عقد الاجتماع الأول بين الوزير أنتوني بلينكن ونُظرائه من الهند وإسرائيل والإمارات. بسبب أزمة كورونا، وكان اللقاء افتراضيًا، وعلى الرغم من هذا مثلّت المقابلة حدثًا تاريخيًا للمنطقة لاسيما من الناحية الدبلوماسية بالنسبة إلى تنظيم محادثات علنية بين الهند والإمارات وإسرائيل. فاللقاء لم يكن حدثًا رمزيًا فقط، لكنه بحسب الإدارة الأمريكية شمل برنامج الاجتماع عدة مواضيع لتوسيع التعاون بين الدول الأربع مثل: التجارة، التغير المناخي، الطاقة والأمن البحري، إذن تضمن اللقاء بعدًا اقتصاديًا وبعدًا استراتيجيًا، وأيضًا في الواقع لا نستطيع الآن أن نؤكد إذا أدّت هذه المبادرة إلى إطار دبلوماسي إقليمي فعّال ومستمر، ولكن يمكننا أن ملاحظة أن بعض عناصر تغيّر النظام الأمني الإقليمي التي سوف نقدمها في هذا المقال.

 

أولاً تعكس هذه المبادرة تطوير السياسة الهندية والإماراتية نحو قضية العلاقات مع إسرائيل. بالنسبة إلى الحكومة في نيو دلهي يشير الاجتماع إلى مدى التقارب الثنائي الذي بدأ بعد نهاية الحرب الباردة لمّا اعتبرت الحكومات الهندية المتعاقبة التعاون العسكري والاقتصادي مع إسرائيل مهمّاً لتنمية الهند وفي الوقت نفسه تخلت عن موقف الدولة الهندية بالابتعاد الدبلوماسي عن إسرائيل بسبب علاقات الهند مع العالم العربي وتأييدها لحركة "الانحياز". شهدنا تعزيز هذه العلاقة بين نيو دلهي وإسرائيل خلال السنوات السابقة خاصة من خلال العلاقة الشخصية العميقة بين رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ونظيره الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، فمودي كان رئيس الوزراء الهندي الأول الذي زار إسرائيل عام ٢٠١٧م، وتبعه نتنياهو بالسفر إلى الهند في السنة التالية وخلال هذه المرحلة زادت التبادلات الثنائية في كل المجالات من بيع الأسلحة إلى تطوير مشاريع صناعية مشتركة.

 

 بالنسبة إلى الإمارات يمكننا أن نعتبر اللقاء نتيجة من نتائج قرار أبو ظبي بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل عام ٢٠٢٠م، وبعد توقيع اتفاقيات إبراهيم في نفس السنة، أخذت السلطة الإماراتية منذ هذه الخطوة التاريخية مقاربة مفتوحة وعلنية حول تعاونها مع الإسرائيليين عبر إرسال السفير الإماراتي الأول لإسرائيل محمد الخاجة في شهر فبراير ٢٠٢١م، وعبر زيادة التبادلات الثنائية على المستوى التجاري والصناعي والسياحي،  وفي نفس المضمار لا تخشى الإمارات من تطوير التقارب أيضًا في المجال العسكري و بشكل علني كما شهدنا مع زيارة قائد القوات الجوية الإماراتية إبراهيم ناصر محمد العلوي إلى إسرائيل في شهر أكتوبر الماضي، و بالتالي تنظيم التدريب العسكري في البحر الأحمر في شهر نوفمبر بين القوات البحرية الإسرائيلية ومملكة البحرين والإمارات والولايات المتحدة.

 

تفسّر سلسلة هذه الأحداث الاختلاف العميق بين المقاربة الإماراتية نحو علاقاتها مع إسرائيل وبين موقف الدول العربية الأخرى التي اعترفت بالدولة العبرية في الماضي والتي كانت لديها دائمًا صعوبات حول إعلان علاقاتها مع إسرائيل فاعتبرت الدراسات الاستراتيجية حول الصراع العربي ــ الإسرائيلي هذه المشكلة كـأعراض "مرض العلاقة السرية" ما يعني أنّ دول المنطقة استفادت من تعاونها السري مع إسرائيل لكنّها لم تُرِد إظهار هذه العلاقات أمام الرأي العام.

 

هكذا نرى عبر هذا اللقاء رفض "أعراض هذا المرض" فيما يتعلق بالحكومتين في نيو دلهي وأبو ظبي، بالتأكيد هذا التغير يعتبر فوزًا دبلوماسيًا كبيرًا للحكومة الإسرائيلية بسبب الجهود المستمرة من الدبلوماسيين الإسرائيليين بتشكيل علاقات طبيعية وعلنية مع دول الشرق الأوسط وآسيا منذ تأسيس الدولة الإسرائيلية في عام ١٩٤٨م، وفي هذا الإطار مثّل اللقاء بين وزراء الخارجية خطوة جديدة في استمرار العملية السياسية التي بدأت مع اتفاقيات إبراهيم.

 

وفيما يتصل بالولايات المتحدة يعكس هذا اللقاء رغبة إدارة الرئيس الجديد جو بايدن بتأسيس سياستها الإقليمية متعددة الأطراف بما في ذلك كل شركاء واشنطن في المنطقة. هكذا من الممكن أن نحلل التقارب بين الدول الأربعة مثل مبادرة جديدة تتبع نفس النمط كالمبادرات الأمريكية في آسيا خلال السنوات السابقة. في الواقع تذكرنا هذه المبادرة بين الدول الأربعة بتشكيل الــ "كواد" الذي يشمل الهند وأستراليا واليابان والولايات المتحدة.  أُنشأ الـ "كواد" -الحوار الأمني الرُباعي في عام ٢٠٠٧م، في عصر جورج بوش الابن وكان هذا الحوار الدبلوماسي خطوة مهمة لإدارة بوش لتعزيز مقاربتها الاستراتيجية الآسيوية مع حلفائها الإقليميين، ومن الواضح أن تشكيل الـ "كواد" كان رد فعل الولايات المتحدة أمام تصاعد دور الصين على المستوى الاقتصادي والعسكري.

 على الرغم من تعليق محادثات الـ "كواد" في عام ٢٠٠٩م، بسبب قلق أستراليا من تأثيرات الائتلاف على علاقتها مع الصين، شهدنا عودة الـ "كواد" وتقويته خلال رئاسة دونالد ترامب. بالتالي أكمل بايدن الخطوط الأساسية للسياسة الإقليمية لسلفه في البيت الأبيض، لاسيما مع تشكيل حلف ثلاثي جديد بين أمريكا والمملكة المتحدة وأستراليا "أوكوس" في سبتمبر ٢٠٢١م، والهدف المشترك للـ "كواد" و "أوكوس" كان احتواء الصين عبر تشكيل نظام إقليمي جديد بين الولايات المتحدة ودول صديقة.

 

إذاً نستطيع أن نرى التشابه بين الـ "كواد"، "أوكوس" والتقارب بين الإمارات وإسرائيل والهند بالنسبة إلى الهدف الأمريكي ويجب ألّا ننسى أّن الولايات المتحدة تنظر من الآن فصاعدًا إلى العالم عبر المفهوم الجيوسياسي "الهندي الهادي" الذي يعتبر منطقتي المحيط الهادي والمحيط الهندي منطقة متحدة بسبب الوجود الاقتصادي والاستراتيجي للصين هناك.  لكن يوجد تباين كبير في سياق اللقاء بين الإمارات والهند وإسرائيل والولايات المتحدة وبين الـــ "كواد" و"أوكوس"، فإذا كان التهديد الصيني القاسم المشترك للمبادرتين في آسيا بشكل واضح، فإننا لا نرى هذا الإجماع بين الحكومات الأربعة في الشرق الأوسط. من المسلم به أنّ هذه الدول تعتبر التعاون في مجال الدفاع بينها أولوية تقاربها لكن يبدو أن هذا التعاون العسكري سيركز على مشاريع صناعية مشتركة وعلى تعزيز الأمن البحري عبر مناورات وتدريبات بين قواتها البحرية لكن لا يوجد نفس التقييم بين الدول الأربعة حول إطارها الأمني وخصوصًا حول علاقاتها مع الصين. من جهة الولايات المتحدة والهند في عصر ناريندرا مودي تنظران إلى بكين كتهديد لمصلحتهما الوطنية وللاستقرار في منطقة "الهندي الهادي"، لاسيما عبر المشروع الإقليمي لشي جين بينغ "مبادرة الحزام والطريق" لكن من جهة أخرى لا تعتبر إسرائيل والإمارات الوجود الصيني في المنطقة كتهديد بل كفرصة اقتصادية حقيقية كما نرى مع استثمارات الصين في البلدين، مثلا في البنى التحتية للموانئ في أبو ظبي وحيفا.

 

لذلك أكد المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، أنور قرقاش في المؤتمر الدولي في أبو ظبي خلال شهر سبتمبر السابق : "نشعر جميعاً بقلق شديد من حرب باردة تلوح في الأفق... إنها أخبار سيئة لنا جميعاً لأن فكرة الاختيار تمثل مشكلة في النظام الدولي، وأعتقد أن هذا لن يكون قراراً سهلاً". عكس بيان قرقاش بدقة الموقف الحذر لدول الخليج حول رغبة واشنطن بتطوير النظام الأمني الإقليمي مثل تأسيس سدٍّ ضد النفوذ الصيني فمن خلال هذا الخلاف بين الأطراف نتطرق هنا إلى القضية المحورية خلف المشروع الإقليمي الأمريكي واللقاء بين الدول الأربع.

 الخلاصة، إنّ تقارب الهند وإسرائيل والإمارات يمثل خطوة تاريخية لتطوّرات النظام الإقليمي بسبب الزيادة الأساسية في التبادلات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية بين هذه الدول لكن بدون رؤية استراتيجية مشتركة حول قضية العلاقات مع الصين لايزال هناك قيودًا لنطاق المبادرة الأمريكية.                        

            

 

مقالات لنفس الكاتب