array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 170

3 متغيرات لتفعيل الحوكمة: الشفافية والحد من البيروقراطية ومشاركة القطاع الخاص

الثلاثاء، 01 شباط/فبراير 2022

   يعدّ التعليم ركيزة أساسية للنهضة والتطور في جميع الدول، حيث أصبحت مؤسسات التعليم بجميع مستوياتها مراكز للتوعية والتغيير والبناء الاجتماعي والثقافي الرامية إلى تحقيق التنمية المستدامة، ومن ثم باتت تتزايد أهمية التعليم ومؤسساته بدول مجلس التعاون الخليجي في الآونة الأخيرة وخاصة خلال العقد الماضي حيث أدركت دول المجلس أهمية الاقتصاد المعرفي من خلال التعليم لتحقيق الازدهار المطلوب والنهضة المأمولة، فقد أصبح صلب التركيز في معظم هذه الدول يصب اتجاه ركيزة ومحور ذات أهمية عالية وهو "التعليم الفعال" خاصةً في مؤسسات التعليم العالي، هنا أصبح الحديث حول نوعية التعليم وجودة مخرجاته. تضيف حقيقة أن مجلس التعاون الخليجي يتميز بديموغرافية سكانية شابة تستحق وتستلزم وضع سياسات تعليمية تعود بالمصلحة لأبنائهم، وبشكل آخر مستقبلاً، على اقتصاد الدولة، حيث أن السكان دون سن ١٥ سنة يشكلون نسبة عالية (٣١.٢٪) من إجمالي عدد سكان المنطقة، لذا تحتم على هذه الدول الاستثمار في خلق نظام بيئي تعليمي بناء وفعال. للإشادة يحسب لهم أن معظم دول مجلس التعاون مثل المملكة العربية السعودية قد نفذت بالفعل عدة مبادرات كالحوافز المالية لجذب الطلاب إلى الجامعات وبرامج الابتعاث الداخلية والخارجية منذ زمن طويل ولاسيما في عهد الملك عبد الله -رحمة الله -حينما تضاعفت عدد الجامعات من ٨ جامعات إلى ٢٨ جامعة أهلية وحكومية و١٨ كلية في جميع مناطق المملكة وتم حينها زيادة عدد التخصصات العلمية والهندسية. وفي مكان أخر، وبشكل ملحوظ، استمدت قطر إشارات وتبنت برامج التلمذة المهنية (Apprenticeship) الواسعة النطاق في أوروبا وأنشأت برامج وخططًا مماثلة لطلابها تساعدها من الاستفادة من برامج الابتعاث المبتكرة لملء الفراغ الذي يتطلبه احتياجات سوق العمل في عملية مربحه للطرفين. ومن جهة أخرى، عززت دولة الإمارات نفسها كمحطة للتعليم العالي الدولي في المنطقة، حيث افتتحت العديد من الجامعات البريطانية والعالمية المشهورة مثلMiddlesex University and Hult Business School وغيرها من الجامعات الأمر الذي عزز وساعد على استقطاب الطلاب من شتى أنحاء العالم في خطوة لها أبعاد اقتصادية تنموية واسعة. وفي خطوة مشابهة، فإن المملكة العربية السعودية قررت في ٢٠١٩م، بالسماح بافتتاح جامعات أجنبية مما يخلق المزيد من المنافسة والاختيار في قطاع التعليم العالي فيما يعرف في علم الاقتصاد بــ “Quasi-Market” والتي دائمًا تصب في مصلحة المستهلك (الطالب).

 في جميع أنحاء المنطقة، تبنت معظم الدول أولوية الإنفاق على التعليم، وما زالت المبادرات بين أعضاء مجلس التعاون تناقش بشكل تعاوني مشترك من خلال مكتب التربية العربي مرورًا بالاجتماعات الدورية لوزراء التعليم والتي من خلالها يتم صياغة خطط وبرامج مشتركة لتطوير التعليم في المنطقة. وبالتالي أظهرت دول مجلس التعاون الخليجي التزامًا ماليًا حقيقياً تجاه هذا القطاع المهم، وخير دليل على ذلك هو إنفاق دول المجلس على مدى العقود الماضية، مبالغ كبيرة نسبياً على قطاع التعليم بمختلف مؤسساتها (ففي عام 2018م، خصصت السعودية والإمارات نسبة تفوق ٢٠٪ من ميزانيتها الوطنية للتعليم، في حين خصصت كل من عُمان والبحرين والكويت وقطر ١٢،٨٪ و١٠،٥ ٪ و.١٠،٢٪ و٩،٤%). ومع ذلك، ومع هذه الاستثمارات الكبيرة في هذا القطاع فإنه لا تزال الظروف العامة في قطاع التعليم في معظم بلدان المنطقة تحتاج الكثير من المعايير المرغوبة، لأن الغرض الأساسي والمأمول من الاستثمار في القطاع التعليمي بمؤسساته المختلفة هو أن تتبلور تلك المؤسسات لتُصبح بمثابة روافد لخلق المعرفة ونشرها في المجتمع ولتقديم أفكار تساهم في النمو الاقتصادي وكذلك توفير القوى العاملة الماهرة القادرة على ترجمة هذه الأفكار إلى مخرجات ذات منفعة اقتصادية واجتماعية تتماشى مع متطلبات و مهارات القرن ٢١ والثورة الصناعية الرابعة.

مع توفر الجهود والموارد بأنواعها المختلفة لاتزال هناك تحديات تتعلق بجودة المخرجات التعليمة ومدى اتساقها مع متطلبات سوق العمل والذي لا يعكس حجم الاستثمارات والجهود التي تقوم بها دول مجلس التعاون الخليجي في هذه المجال، وقد تكون تلك التحديات مرتبطة بمدى تطبيق أفضل ممارسات الحوكمة في قطاع التعليم. ونستطيع تعريف حوكمة قطاع التعليم العالي على أنها هيكلة وآلية اتخاذ القرار الموثوق على القضايا الهامة التي تخص وتخدم جميع أصحاب المصلحة المتنوعين سواء داخليًا أو خارجيًا وتأخذ بعين الاعتبار الأبعاد المتعددة التي تُظهر مقايضات معقدة ومترابطة بطريقة شمولية. توفر حوكمة الجامعة غرضًا مؤسسيًا مهماً، كونها توضح الاتجاه الاستراتيجي وتساهم في تحديد الأولويات (التدريس، البحث، الإدارة) عن طريق المجالس واللجان ذات العلاقة والتي بدورها تعكس في إدارتها وحوكمتها مواقف وقيم قادة الجامعات وثقافتهم التنظيمية المنغمسة فيها، ومن خلال تلك الهيكلة أو الصلاحيات، تستطيع المؤسسات التعليمية تحقيق أهدافها على المدى المتوسط والبعيد كونها تمارس السيطرة الكاملة والفعالة على مستويات مختلفة داخل المنظمة.

تعد حوكمة المؤسسات التعليمية في جميع أنحاء المنطقة في تطور مستمر والتي تتوقف حتماً على أربع قواعد أساسية يجب أن تصبح محاور النقاش الرئيسية للجامعات بالمنطقة:

 (١) هي إطار حوكمة شفاف، (٢) تسلسل هرمي تنظيمي مسؤول، (٣) بروتوكول صنع قرار تشاركي (٤) وأخيراً بيئة أكاديمية تعليمية مبنية على استراتيجية ومخرجات واضحة. لا تزال الجامعات في المنطقة التي تحظى بسمعة دولية قليلة مما يؤكد حقيقة أن هناك تحديات تتعلق بجودة وقيمة الأبحاث التي يتم نشرها من قبل جامعات دول مجلس التعاون الخليجي. إلى حد بعيد، لا يزال يُنظر إلى بعض مؤسسات التعليم العالي القائمة في المنطقة على أنها مدارس إنهاء للتعليم الابتدائي والثانوي، وربما أن هذا هو السبب في إقبال طلاب المنطقة على الالتحاق بمؤسسات المملكة المتحدة والولايات المتحدة وغيرها لإكمال تعليمهم العالي، لأنهم يشعرون أن هذه الدرجات العلمية والشهادات تحظى بمصداقية أكبر في سوق العمل الدولي والمحلي. لذلك، لا يزال التأثير الفعلي للعديد من هذه المبادرات والبرامج على الاقتصاد محل نقاش، لأنه على الرغم من تزايد مستويات التعليم العالي بين سكان المنطقة التي شهدت خلال العقدين الأخيرين أعلى نسب من حيث التحاق الطلاب بمؤسسات التعليم العالي بالمنطقة، إلا أنه لا يبدو أنها اكتسبت أو نالت التأثير الإنتاجي المرغوب منه على اقتصاد الدولة. وبالتالي فإن أفضل وصف للواقع الحالي لقطاع التعليم في دول مجلس التعاون الخليجي هو اعتباره عملًا جاريًا مع إدخال العديد من التغيرات الهامة التي لا تزال قيد تنفيذ.

في الآونة الأخيرة، شهدنا تطورات إيجابية في المملكة العربية السعودية متمثلة في النهضة الاستثنائية لجامعة الملك عبد العزيز التي ارتقت إلى المراتب الدولية لتحتل المرتبة 44 عالميًا والأولى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث يبدو أن الجامعة قد حصدت أجندتها البحثية من خلال العديد من المنشورات المشهود لها دوليًا على مر السنين، كما يُنظر أيضًا إلى معايير التدريس المطبقة في الجامعة على نطاق واسع على أنها تحظى بمعايير جودة عالية تكاد تكون الأفضل في المملكة العربية السعودية، لذا فإن جامعة الملك عبد العزيز تعتبر مثالاً طيبًا لبقية مؤسسات التعليم العالي النظيرة لها بالمملكة ودول مجلس التعاون الخليجي بشأن ما يمكن تحقيقه في حال وضعت السياسات الصحيحة. وفي السياق نفسه شهدنا تطورات جوهرية تم اطلاقها خلال العام ٢٠٢٠م، بمسمى "نظام الجامعات الجديد" والجاري تطبيقها حاليًا في جامعة الملك عبد العزيز والتي ترمي إلى ترسيخ مكانتها في صدارة الإصلاح التعليمي.

في هذا السياق، ومع مشاركة المملكة العربية السعودية في الاقتصاد العالمي على العديد من المستويات المختلفة فإنه يتم الحديث بين حين وآخر حول معايير الحوكمة في قطاعي التعليم والقطاعات الاقتصادية الأخرى على أنها بحاجة لأن تكون محل اهتمام وتطبيق، لتواكب المستويات المطلوبة للتكامل السلس والمتوائم من أجل التنافس مع المجتمع الدولي. يتفق المعلقون والخبراء على حد سواء على أن المؤسسات بحاجة إلى تغيرات حوكمة جذرية يمكن أن تمكنها من التنافس بفعالية مع أقرانها الدوليين وإرساء سمعتها الموثوقة. لطالما كانت هذه المؤسسات تُدار على أنها ملحق للإدارات الحكومية المعنية، مما أعاق تطورها وأثر على قدرتها على الابتكار لتحقيق نتائج أكاديمية ومخرجات اقتصادية أخرى متعلقة بالعمل ذاته. إن البيروقراطية وآلية الحوكمة الحالية المتعلقة بعمليات صنع القرار في هذه القطاعات أدت إلى الحد من فعالية هذه المؤسسات لدرجة أن التغيير وتبني تطبيق مبادئ الحوكمة الفعالة أصبح أمرًا حتميًا من أجل تمكين وتسريع آلية وضع الاستراتيجيات وعملية اتخاذ القرار، وإلا سيتسبب ذلك في عرقلة تحقيق الأهداف المأمولة واستمرارية استخدام الموارد بشكل غير فعال لا يعكس الاستثمار والجهود المبذولة في هذا القطاع المهم.

 

يُحسب للمملكة العربية السعودية أنها تنبهت لهذه المشكلة وبدأت في دفع القطاعات نحو إصلاح الحوكمة، مع الإعلان عن العديد من المبادرات الجديدة عبر كل من قطاعي التعليم والمؤسسات الحكومية، ولا تزال عملية التشاور وعقد ورش العمل قيد التنفيذ وأحدث تلك الأعمال هي البرنامج الأخير بمشاركة القطاعين العام و الخاص بين مركز الحوكمة بإنسياد المعهد الأوروبي المرموق و بين معهد الإدارة العامة التي تلعب دورًا فعالاً في التنظيم الإداري للإدارات الحكومية حيث تهدف هذه البرامج إلى تحسين أداء الجهات الحكومية من خلال تطبيق أعلى معايير أفضل الممارسات والتي من خلالها تعود بفائدة على الناتج المحلي للدولة على المدى المنظور والبعيد. وخير شاهد على هذا المسار الجديد هو صفقة أسعار الفائدة السلبية المبرمة مؤخرًا والتي وقعتها الحكومة السعودية للاقتراض في أسواق السندات باليورو التي من خلالها انضمت المملكة إلى قائمة دول حصرية كألمانيا واليابان المصدرة للسندات ذات العوائد السالبة، مما يعني بشكل آخر، أن المملكة العربية السعودية يُدفع لها من أجل الاقتراض في مؤشر واضح على الثقة الموجودة بالمسار الذي تتبعه الدولة في تطبيق معايير حوكمة عالية من حيث الشفافية وغيرها والذي يعكسه التصنيف الائتماني للمملكة. لذا بدأ المستثمرون يدركون أن الحكومة باتت جادة وملتزمة بشأن إصلاح الحوكمة. ومع ذلك، فلا يزال هناك طريقًا طويلاً على طريق إصلاح الحوكمة حسب المعايير المتبعة دوليًا ولكن ما يستحق الإشادة هو أن المملكة العربية السعودية بدأت شق طريقها نحو تحقيق ذلك واستخدام عملية "بنش ماركينج" مع التجارب الناجحة. ويتمثل هدف الدولة في تحقيق قطاع تعليمي يتماشى على قدم المساواة مع بقية العالم بحيث يمكنه المنافسة بفعالية في الأسواق من خلال وضع استراتيجيات للبقاء ومواجهة الاحتياجات المتغيرة لسوق العمل. وهنا تبرز المملكة المتحدة لتقدم مثالاً ممتازًا لدولة كانت في ريادة إصلاحات وتغيرات الحوكمة في مؤسساتها التعليمة بالتحديد مؤسسات التعليم العالي. إن تغييرات الحوكمة المستمرة والموزونة عبر ستة عقود لم تؤسس نظامًا بيئيًا مرنًا للمدارس والجامعات مع أحدث اللوائح التنظيمية فقط، ولكنها تحولت أيضًا إلى قطاع تعليمي شفاف وخاضع للمساءلة والقيمة مقابل المال في جميع أنحاء البلاد. من المؤكد أن هذا سيبرز بوصفه سراجًا منيرًا لدولة مثل المملكة العربية السعودية تنطلق بجدية على هذا المسار لتحسين الحوكمة ورفع كفاءة مؤسساتها.

ولكن السؤال الطبيعي الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا يعتبر إصلاح الحوكمة وتتبع أفضل الممارسات الدولية في قطاع التعليم بالغ الأهمية لتحقيق التنمية المستدامة في اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي؟ هناك العديد من النتائج المباشرة وغير المباشرة لتغيير الحوكمة؛ فمن المنظور المباشر، فإن مثل هذا التغيير في الحوكمة سيحول مؤسسات التعليم في الدولة، وسيخلق عدة جوانب من التميز الأكاديمي، مما ينتج عنه رأس مال بشري أكثر مهارة وقيمة مضافة يكون أكثر قدرة على مواجهة تحديات حل مشكلات العالم الواقعي. من الطبيعي أن يرتفع الناتج الاقتصادي عندما يزيد الإبداع والابتكار لهذه القوة العاملة التي من خلالها يتم نشئ شركات وخلق فرص عمل بذلك يحددان ويطبقان حلول التنمية المستدامة. على مستوى آخر، يتوافق تغيير الحوكمة في قطاع التعليم توافقًا جيدًا مع التغييرات المماثلة في المؤسسات الحكومية، مما يخلق نسيجًا من الإصلاح يغذي بعضها البعض. على سبيل المثال، يمكن لمؤسسة التعليم العالي المتميزة أن تتعاون وتتشارك مع إدارة حكومية خضعت للإصلاح لتوليد أفكار جديدة تدفع بإمكانيات الإنتاج إلى حدود الاقتصاد، مما يخلق حلولًا مربحة للجانبين. ومع ذلك، ومن منظور غير مباشر، تقوم المؤسسات التعليمية المحكومة بشكل أفضل على إنشاء أبحاث عالية الجودة ومعترف بها دوليًا، لن يرتقي هذا بسمعة هذه المؤسسات فحسب، بل يؤدي أيضًا إلى إنشاء مجموعة من الفرص التجارية الجديدة، وإنشاء منصات متنوعة للتعاون مع الشركات والشركاء الآخرين، ويرتقي بشكل عام بسمعة بيئة الأعمال العامة في الدولة. وهذا بدوره سيضيف المزيد من السُبل الملموسة وغير الملموسة إلى الناتج الاقتصادي ونموه. بشكل عام، فإن إصلاح حوكمة التعليم المتُبعّ دوليًا سيحول الاقتصاد إلى مسار نمو أعلى مستدام ذاتيًا بمرور الوقت.

أصبح هناك ثلاثة تغييرات رئيسية في الحوكمة تواجه قطاعي التعليم والحكومة في المملكة العربية السعودية؛ أولها هو تطبيق مبدأ الشفافية والمساءلة المعززة على جميع مستويات صنع القرار في مؤسسات القطاعين، حيث يوجد حاليًا بعض المؤشرات التي تشير إلى أن آلية اتخاذ القرارات تستدعي المزيد من التأني والتشاور الكافي والحوار الفعال بين أصحاب المصلحة. هنا تأتي أهمية استعراض تجربة المملكة المتحدة التي قامت بموازنة معايير المشهد التنظيمي "Regulatory Landscape" بذكاء لتحميل الجامعات المسؤولية أمام هيئة التدريس والطلاب ومجموعة واسعة من أصحاب المصلحة/الشأن. وقد ساعدت الشفافية والمساءلة المعمول بها بهذه الجامعات في الدولة على أن تصبح مستقلة ذاتيًا ومستدامة وتصل إلى مراتب التعليم العالمية. تمكنت هذه الجامعات البريطانية أيضًا من طمأنة الطلاب الدوليين على أن جودة تعليمهم هي الأفضل من نوعها. من المؤكد أن تنفيذ إصلاحات، أو تغيرات، أو تحسينات الشفافية والمساءلة في المملكة العربية السعودية سيمكّن الجامعات في الدولة من مواجهة تحديات عالمية مماثلة.

وتمثل التغيير الثاني في الحاجة إلى الحد من البيروقراطية والخطوط الحمراء أو الروتين على جميع مستويات التسلسل الهرمي للقطاعات في المؤسسات الحكومية والتعليمية.  لقد لوحظ بشكل ملموس أن القرارات تستغرق وقتًا طويلاً عبر هذين القطاعين، ولقد أثقلت القواعد أو اللوائح الصارمة وغير الضرورية جهاز صنع القرار، وأصبحت الجامعات مطوقة به. تحتاج الدولة إلى فك قيودها عن هذه السلاسل البيروقراطية بحيث تكون هناك درجة من الاستقلالية في صنع القرار ومع تلك الاستقلالية تأتي تحمل مسؤوليات قراراتها أمام الرقابة العامة والمساءلة.

أما عن التغيير الثالث المترابط مع إصلاحي الحوكمة المذكورين أعلاه، فيتمثل في إدراج وجهات النظر الجديدة القادمة من قطاع الشركات ورجال الأعمال التي تعرف بــ "Corporate Sector Perspective" واخذ آراءهم ووجهة نظرهم في عملية صنع القرار ووضع الاستراتيجيات والتي تعتبر من المدخلات، أو المساهمات، أو المشاركات، أو الأصوات التي تشتد الحاجة إليها في الجامعات والمؤسسات الحكومية في حدود إطار الحوكمة في المملكة العربية السعودية. لفترة طويلة جدًا، احتل الأكاديميون أعلى المناصب في التسلسل الهرمي التعليمي بخبرة قليلة عن عالم الاقتصاد وسوق الشركات الحقيقي أي السوق الحر، ومن الواضح ضرورة تغيير هذا إذا كانت مخرجات التدريس والبحث بالجامعة ستظل ملائمة ومركزة على حل مشكلات العالم الواقعي. يجب أن يتفاعل الأكاديميون ويتعاونون بشكل جماعي حتى تتطور عملية صنع القرار المتوازنة والمتضافرة في جامعات المملكة العربية السعودية. لقد كان هذا هو الاتجاه السائد في جميع أنحاء العالم، ولا يمكن أن تكون المملكة العربية السعودية استثناءً عن هذا.

إذا تم تنفيذ هذه التغييرات الرئيسية الثلاثة في الحوكمة عبر قطاعي المؤسسات الحكومية والتعليمية في المملكة العربية السعودية، فمن المحتمل أن تكون النتائج المفيدة الطبيعية متعددة الجوانب. فمن ناحية، سيظهر التعليم والقطاع الحكومي العام الخاضع للمساءلة والشفافية جديرًا بالثقة في أعين المستثمرين الدوليين، وسيكون هؤلاء المستثمرون واثقين نسبيًا من أن الاستثمار في المشاريع الجديدة في المملكة العربية السعودية لن يكون أكثر تعقيدًا بسبب القواعد المبهمة والمؤسسات غير المستجيبة. من ناحية أخرى، فإن التفكير الجديد واسع النطاق الذي سيتم نسجه وضخه في المستويات العليا للمؤسسة في كل من الحكومة والتعليم من شأنه أن يساعد كلا القطاعين على توليد أفكار جديدة للسياسية تعمل على تغيير قواعد الأعمال وجعلها صديقة للمستثمر، وهذا من شأنه أن يشجع أصحاب رؤوس الأموال ورواد الأعمال من جميع أنحاء العالم، وإحداث نقلة في الاستثمار في المملكة العربية السعودية.

على مستوى آخر، ستغير هذه الإصلاحات أو التغيرات في الحوكمة أيضًا من الثقافة والبيئة داخل القطاعات الحكومية. ستأخذ تلك المؤسسات الحكومية أخيرًا مكانها اللائق بصفتها "الميسر" وليس فقط "المنفذ" لإجراءات التغيير (laissez faire). ومن المأمول أن تتمحور معايرة السياسات، كما هو الحال في الجامعات هنا، حول التنمية المستدامة والتوسع في القطاع غير النفطي. يجب أن يؤدي ذلك إلى بيئة إدارية تدعم رؤية 2030 من خلال الشراكة الفعالة مع الشركات والجامعات ومجموعات أصحاب المصلحة الآخرين لتطوير العديد من المشاريع المربحة في مختلف قطاعات الاقتصاد غير النفطية.

بشكل عام، سيؤدي تغيير ممارسات الحوكمة في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية في كل من قطاع المؤسسات الحكومية والتعليمة إلى تغيير كامل لقواعد الأعمال التي يستند عليها الاقتصاد الكلي. إدراكًا للشفافية المعززة والتشاور والمساءلة في جميع الإدارات الحيوية للحكومة، وخاصة التجارة والصناعة، فإن شركات الاستثمار الأجنبية ستأخذها بالتأكيد كخطوة إيجابية. ستكون هذه الشركات على ثقة من أن عوائد المشاريع الجديدة ستكون الآن أكثر أمانًا عندما تلتزم الدول بممارسات حوكمة واضحة وصارمة في جميع الإدارات الحيوية. وبطبيعة الحال، سيرتفع الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة العربية السعودية محققًا عنصرًا مهمًا للغاية في خريطة رؤية 2030.

مقالات لنفس الكاتب