يعتبر الاستثمار هو المحرك الرئيسي لعملية التنمية الاقتصادية، ولا شك أن المنطقة العربية تتمتع بسوق كبير وهو ما يؤكد أن التكامل الاقتصادي العربي يساهم بشكل كبير في توسيع السوق أمام المشروعات في كل البلاد العربية بالشكل الذي يسمح بالاستفادة من وفورات الحجم الكبير، ومن ثم زيادة حجم الاستثمارات المنفذة داخل المنطقة العربية سواء العربي منها أو تلك الأجنبية.
وتجدر الإشارة إلى أن الدول العربية عملت منذ إنشاء جامعة الدول العربية على تعزيز التعاون الاقتصادي فيما بينها لزيادة التجارة والاستثمار البينيين وتبلورت هذه الرؤيا في ميثاق جامعة الدول العربية، وإقامة العديد من المؤسسات المالية العربية لتحقيق الأهداف المنشودة، وإقامة منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى اعتباراً من 1/1/2005م، حيث أصبحت جميع السلع ذات المنشأ العربي معفاة من الجمارك عند تبادلها بين الدول العربية.
كما وقعت الدول الأعضاء في الجامعة العربية في 22 نوفمبر 1980م، في الأردن على الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية بهدف تشجيع المستثمرين العرب والأجانب على زيادة استثماراتها في المنطقة العربية، وتوفير بيئة خصبة للاستثمار، وإزالة المعوقات التي تواجههم في هذا الشأن، وتوفير بيئة تشريعية وقانونية تحفز على زيادة حجم الاستثمارات بين الدول العربية، وأن تكون عنصرًا هامًا لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر للمنطقة العربية برمتها، واستحدثت الاتفاقية الموحدة "آلية تسوية المنازعات بين المستثمرين والدول (ISDS) لحل أي نزاع يقع ضمن نطاق الاتفاقية الموحدة، وتم الاعتماد الرسمي من قبل الدول الأعضاء على تعديل الاتفاقية الموحدة في يناير 2013م، وأضحت تعرف باسم "الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية (المعدلة)".
اتفاقية الاستثمار العربية الجديدة
وانطلاقاً من أهمية الدور الذي يلعبه مناخ الاستثمار في الدول العربية والذي يجري الآن عملية إصلاحه داخل البيت العربي على كافة المستويات، ومن هذا المنطلق الذي أدركته جامعة الدول العربية فقد أنهت حالياً بالشراكة مع البنك الإسلامي للتنمية ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) مشروع المسودة الأولى من "اتفاقية الاستثمار العربية الجديدة" والتي روعي في مسألة إعدادها مواءمتها للتشريعات الدولية الجديدة في مجال اتفاقات الاستثمار الدولية، على أن تشكل بعد الانتهاء منها حجر الأساس في قاطرة الاستثمار البيني بين الدول العربية.
واقع الاستثمار العربي
ومن الأهمية بمكان في هذا الصدد أن نشير إلى واقع الاستثمار العربي حيث أنه مما لا شك فيه أن مناخ الاستثمار في الدول العربية لم يكن بمعزل عن التداعيات السلبية التي شهدها العالم بأسره جراء انتشار جائحة كوفيد-19 والتي أثرت عليه بالسلب، وقام عدد كبير من الجهات الدولية المتخصصة في تقييم مختلف مكونات مناخ الاستثمار وبيئة الأعمال ومستويات المخاطر المرتبطة بها برصد كافة تلك التداعيات على مناخ الاستثمار.
بحسب تقرير "مناخ الاستثمار في الدول العربية" الصادر عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات (ضمان) لعام 2021م، تراجعت مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر في الدول العربية من حيث العدد بمعدل 38.3% إلى 616 مشروعًا بمعدل 40.5% إلى 34 مليار دولار لتشهد المنطقة أسوأ أداء منذ عام 2003م، كما تراجعت مشاريع الاستثمار العربي البيني بمعدل 42% إلى 110 مشروعات والتكلفة بمعدل 68.8% إلى 4.8 مليارا دولار لتمثل 14% من مجمل الاستثمارات الأجنبية في الدول العربية.
وفي اتجاه مغاير للتوقعات وبحسب بيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، فقد شهدت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة إلى الدول العربية ارتفاعاً بمقدار مليار دولار وبنسبة 2.5% لتبلغ 40.5 مليار دولار عام 2020م.
وبحسب صندوق النقد العربي فقد نجحت الدول العربية خلال الفترة (1970-2020) في استقطاب استثمارات أجنبية مباشرة بلغت قيمتها نحو 897 مليار دولار أمريكي، كان لدول الإمارات والسعودية ومصر نصيب الأسد منها بما نسبته 64% من إجمالي تدفقات تلك الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وكما أجبرت جائحة كورونا العديد من دول العالم على تبني سياسات اقتصادية جديدة تكون موائمة لمجابهة التداعيات الاقتصادية السلبية التي خلفتها الجائحة، وقامت الدول العربية أيضاً بالشيء نفسه من خلال تبنيها تدابير جاذبة ومشجعة للاستثمار الأجنبي المباشر عن طريق قيامها بالعديد من الإجراءات والتي اشتملت على تعديلات تشريعية تسمح بحق التملك الكامل للمستثمر الأجنبي في عدد من القطاعات اشتملت على ضمان تحقيق أعلى قدر من حق الملكية الفكرية والأسرار التجارية، واعتماد برامج تجنيس للمستثمرين الأجانب، والبدء في تسهيل إجراءات الاستثمار من خلال إيجاد منصات إلكترونية تؤسس للمشروعات في دقائق معدودة، وغيرها من الإجراءات الأخرى.
وتأسيساً على ما سبق، وفي ظل انخفاض نصيب الدول العربية في حصتها من الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد إليها على مستوى العالم إلى ما لا يزيد عن 3.6% من إجمالي تلك التدفقات، أضحت الدول العربية في حاجة ملحة لتحقيق نمو اقتصادي كبير من خلال العمل على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة خاصة بعد التداعيات السلبية التي خلفتها جائحة كورونا ليس فقط على مستوى الدول العربية وحدها بل على مستوى دول العالم بأسره على أن يوائم هذا النمو رؤى التنمية العشرية لدى دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية.
إيجاد واقع عربي جاذب للاستثمار
ويسوقنا هذا الحديث إلى تحديد ماهية المحاور اللازمة والتي يمكن الاستناد عليها لتفعيل الفرص الاستثمارية لدى الدول العربية ورؤى التنمية الخاصة بها وتحويلها إلى واقع جاذب للاستثمار من خلال القيام بجملة الأمور التالية:
- اتخاذ قرارات من شأنها تحفيز وتعزيز مستويات النمو وفق رؤية التنمية لدى كل دولة على حده بالشكل الذي يمكنها في النهاية من استقطاب استثمارات جديدة تساهم في تحقيق أعلى معدلات النمو والتوظيف من خلال الدعم الذي يتم تقديمه للمستثمرين الأجانب لتحقيق تلك الأهداف.
- عقد شراكات مع المستثمرين الأجانب للمشروعات التنموية التي ترتكز على مهارات البحث والتدريب وتطوير المهارات بالشكل الذي يؤدي في النهاية إلى زيادة الإنتاجية والمرونة التنافسية للمشروعات وقدراتها الإبداعية.
- أن تركز الدول العربية على المستثمرين الأجانب داخل الإقليم العربي بهدف العمل على إيجاد فرق عمل تقوم بتعزيز الروابط الاقتصادية المتعلقة بأهداف التنمية من خلال تقوية الروابط المحلية وتزيد من قدرة تلك المشروعات على الإبداع والابتكار.
- تبني نهج الاستدامة الشامل للاستثمار الأجنبي المباشر لدى الدول العربية من خلال دعم الانتعاش الشامل والأخضر وما يتطلبه ذلك من تعاون وثيق بين المستثمرين والحكومات العربية باعتبار أن ذلك حجر الأساس لدى خطط التنمية الخليجية والعربية.
- تحقيق أقصى قدر ممكن من الاستفادة للدول العربية من شركات الاستثمار الأجنبي لديها بالشكل الذي يمكنها من زيادة الأثر الإيجابي والمنشود لهذه الشركات في تحقيق المشروعات التنموية عن طريق تقوية الروابط بين تلك الشركات والمؤسسات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر وإيجاد العديد من فرص العمل وغيرها من الأمور ذات الصلة.
نحو مستقبل استثماري واعد
وفي إطار ما سبق فإنه من الأهمية بمكان التأكيد على ضرورة أن تعمل الدول العربية وفق رؤية ونهج مستقبلي يضمن تحقيق معدلات استثمار مرتفعة تقوم في الأساس على التكامل لا التنافس، ووفقاً للمزايا النسبية للدول العربية والخليجية بوضع خارطة طريق تستمد روحها من "اتفاقية الاستثمار العربية الجديدة" التي ستمثل بعد إقراراها من المجلس الاقتصادي والاجتماعي لجامعة الدول العربية حجر الأساس لفتح آفاق استثمار أوسع وأكبر فيما بين الدول العربية بما من شأنه تحقيق نمو اقتصادي كلي مستدام ومنصف يوفر المزيد من فرص العمل وهو ما يتطلب من الدول العربية العمل على قدم وساق نحو إيجاد سياسات اقتصادية ناجعة وفعالة تعمل على خلق مناخ استثماري فعال ونشط، عن طريق تحقيق جملة الأمور التالية:
- ضرورة إعداد تشريعات قانونية وتنظيمية وفق أطر جاذبة للاستثمار تضعها في مصاف الدول الرائدة في مجال تدفق الاستثمارات إليها.
- قيام هيئات الاستثمار المعنية في الدول العربية بإعداد دراسات تستهدف في الأساس:
أ-تحسين تدفقات الاستثمار من خلال الوقوف على مكامن القوة والضعف والفرص المتاحة لدى كل دولة على حده خاصة بعد المستجدات التي فرضتها جائحة كورونا.
ب_ إجراء التعديلات اللازمة لتشجيع الاستثمار من خلال صياغة تشريعات شاملة بالتنسيق مع كافة جهات الاختصاص المعنية بالاستثمار مع ضمان عدم ازدواجية الإجراءات وضمان تيسيرها.
ج-دمج كافة السياسات والأطروحات والتشريعات المتعلقة بالاستثمار الأجنبي المباشر ضمن رؤى التنمية الوطنية التي تقرها الدول العربية باعتبار أن الاستثمار هو المحرك الرئيسي لعجلة التنمية.
- إحداث تناغم وثيق الصلة فيما بين تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي حددتها الدول العربية لنفسها وخاصة فيما يتعلق بقضايا تغير المناخ، وبين الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتدفقة إليها مع التأكيد على أهمية إحداث تنمية متوازنة لدى كل منهم على حده.
- أن تراعي سياسات الدول العربية الحد من القيود المفروضة على الشركات المعنية بالاستثمار الأجنبي المباشر خاصة فيما يتعلق بالإجراءات التنظيمية لعمل تلك الشركات وتبني آلية المسار التلقائي لجذب تلك الاستثمارات وفق القطاعات ذات الأولوية حسب رؤية كل دولة عربية على حده.
- عمل دراسات جدوى لمشروعات الاستثمار الأجنبي للوقوف على قياس الأثر الاقتصادي لهذه المشروعات ومن ثم إقرار سياسات للحوافز الضريبية وغير الضريبية لتلك المشروعات بناءً على عدد من المعايير التفضيلية كبناء رأس المال البشري، والاهتمام بالبحث والتطوير وغيرها من الأمور ذات الصلة.
- التركيز على المجالات الجديدة الجاذبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة خاصة تلك المتعلقة بتقنيات الثورة الصناعية الرابعة وتسريع وتيرة التحول نحو الاقتصاد الرقمي.
- العمل على تذليل كافة العقبات التي تواجه المستثمرين وإقناعهم بإعادة استثمار أرباحهم التي حققوها في الداخل بدلاً من تحويل تلك العائدات للخارج، وما يتطلبه هذا الأمر من توطيد للعلاقات القائمة بين هيئات الاستثمار في الدول العربية والمستثمرين الأجانب.
- اتباع سياسات داعمة لاستقرار الاقتصاد الكلي من خلال السيطرة على العجز الحكومي ومستويات الدين والحفاظ على معدلات تضخم منخفضة واستقرار أسعار الفائدة.
- العمل على تزويد كافة المواطنين بكل ما يحتاجونه من أدوات للدخول بقوة في عصر اقتصاد المعرفة من خلال إنشاء أنظمة تعليمية ديناميكية إيماناً من أن بناء رأس المال البشري هو أحد الركائز الرئيسية في عملية التنمية الاقتصادية.
- اتباع سياسات من شأنها زيادة حركة التجارة الدولية كالتوسع في القطاعات الموجهة للتصدير، وإدارة سعر الصرف بفاعلية، وخفض أو رفع العوائق أمام التجارة مثل التعريفات والرسوم والتراخيص والحصص.
- ضرورة تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر واعتبارها حجر الزاوية في توفير العديد من فرص العمل خاصة بين قطاعات الشباب على أن تراعي الحكومات العربية ضرورة القيام بخفض العوائق البيروقراطية المرهقة التي تواجه تلك الشركات، وإيجاد تشريعات توظيف وفصل مرنة، وتقليل الدعم للشركات المرتبطة سياسياً أو المملوكة للدولة، والتخلص أو الحد من الفساد بإضفاء العديد من معايير الشفافية خاصة فيما يتعلق بتعامل تلك الشركات مع الحكومة في عمليات الشراء أو غيرها، وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنه يمكن للدول العربية الاستعانة بــ "الميثاق العربي الاسترشادي لتطوير قطاع المؤسسات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر" الذي أقرته الدورة العادية الرابعة من القمة العربية التنموية: الاقتصادية والاجتماعية والتي انعقدت في بيروت 20 يناير 2019م.
- أن تقوم الحكومات العربية بالتعامل مع مواطنيها كشركاء أساسيين في المشاريع الوطنية وأن تستثمر فيهم بكل ما يحتاجونه من مهارات وخبرات لازمة للمنافسة في الصناعات القائمة على المعرفة مع التركيز على فئات الشباب والنساء حيث يشكلون معاً ما يقرب من ثلثي سكان معظم المجتمعات العربية.
- الإسراع في قيام الحكومات العربية بوضع أطر تنظيمية واضحة وشفافة وموحدة للتنفيذ تساهم في الحد من القيود والشروط الموجودة داخل كل بلد على حده ويؤدي إلى تحقيق النمو الاقتصادي العادل وخلق فرص العمل الديناميكية.
- بناء مؤسسات أكثر فاعلية حول القدرات والكفاءة والشفافية، مما يمنح البلديات والمجتمعات المحلية حرية أكبر في إدارة شؤونها الخاصة.
ويتضح مما سبق بأنه على الدول العربية أن تتبنى نماذج جديدة في الاقتصاد تؤكد على تحقيق النمو الشامل وتعطي المزيد من الحقوق والمسؤولية للمواطنين، وهو ما يتطلب قيام الحكومات العربية ببناء مؤسسات اقتصادية حديثة والبدء الفوري في اتخاذ الخطوات السياسية اللازمة لتحقيق ذلك إذا أرادت إيجاد مسارات نحو نمو اقتصادي ديناميكي منصف ومستدام للعالم العربي ينبئ بمستقبل استثماري مزدهر.
محفزات للاستثمار العربي
ومن الأهمية بمكان الإشارة في هذا الصدد إلى ماهية الإجراءات الواجب اتخاذها لتقديم الحوافز وتخفيف المعوقات المتعلقة بالاستثمار من خلال القيام بجملة الأمور التالية:
- توفير بيئة داعمة لنمو ونشر التقنيات المبتكرة من أجل ومن خلال الشركات والمتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر للاستفادة من الاقتصاد القائم على المعرفة.
- أن تحافظ خطط السياسة الحكومية على "التكامل الوثيق" بين السياسات المتعلقة بأعمال القطاع الخاص والسياسات الاقتصادية العامة بما من شأنه إيجاد بيئة أكثر استقرارًا وإحداث المزيد من التطور في نطاق الاقتصاد العام مما يساهم في تعزيز القدرة الاستيعابية وبالتالي جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
- أن تعمل سياسات الحكومات العربية على تخفيف القيود المؤسسية وتعزيز اللوائح التنظيمية للشركات الناشئة ومناخات الاستثمار بالشكل الذي يمكن من سهولة ممارسة الأعمال التجارية مما يزيد من القدرة الاستيعابية للاقتصاد.
- النظر في السياسات الهادفة إلى الحفاظ على الاستقرار والشفافية داخل مؤسسات الاقتصاد وإنشاء خط اتصال بين مختلف المنظمات والهيئات المسؤولة عن تنمية المؤسسات المحلية على أن يكون هذا الاتصال بين القطاعات وبين الشركات والمؤسسات الحكومية وحتى الوسطاء الماليين، إذ أنه من المحتمل أن يؤدي وجود تطابق واضح بين هذه القطاعات المختلفة إلى تقليل فجوات المعلومات، وبالتالي خلق مناخ استثماري أكثر جاذبية.
- ضرورة العمل على إيجاد سياسات موجهة نحو القضاء على مستويات الفساد أو الحد منها والقضاء على ظاهرة عدم تناسق المعلومات وبالتالي ضمان تصرف كافة قطاعات الدولة في إطار من سيادة القانون.
- إيجاد سياسات تعزز مهارات رأس المال البشري والاستثمار فيه مما يساهم في زيادة المهارات والتعليم والخبرة للأفراد في البلاد العربية.
وإذا كانت تلك الإجراءات تنطبق على جميع الدول العربية بشكل عام فإنه من الأهمية بمكان مراعاة جملة الأمور التالية لدول مجلس التعاون الخليجي:
- استمرارية تنوع اقتصاداتها من خلال تطوير قطاعات إنتاجية خارج قطاع النفط والغاز.
- استكمال بناء صناديق الثروة السيادية وتجنب المشاريع التي تتطلب دعمًا حكوميًا مستمرًا أو إعانات.
- إشراك المواطنين بشكل أوثق في جهود الثروة والتنويع الاقتصادي على أن يشمل ذلك تشجيع الادخار والاستثمار على المستوى الفردي.
- أن توفر بيئة أعمال قوية أكثر استجابة لاحتياجات واهتمامات المستثمرين التي ترغب في الاستثمار في المنطقة.
- استكمال بناء البنية التحتية الصناعية وإنشاء مناطق حرة للتنافس ضد الشركات المصنعة منخفضة التكلفة في آسيا، وإنشاء اقتصادات معرفية عالية التقنية، وتوفير ما يتطلبه ذلك من مهارات البحث والتنمية.
- العمل على إيجاد ميزة تنافسية عالية في مجال الخدمات المصرفية الإسلامية.
- أن يكون الدور الذي يلعبه القطاع الخاص أكثر تنافسية واستقلالية عن المؤسسات الرسمية للدولة لضمان تحقيق النتائج المرجوة منه عن طريق الابتعاد عن تمويله من الحكومة أو أن تتدخل في تنظيم شؤونه مما يساهم في إيجاد نمو اقتصادي مستدام في مستقبل ما بعد النفط والغاز.
مجالات للاستثمار العربي
يتضح من العرض السابق أنه من الأهمية بمكان أن تركز الاستثمارات المنشودة للمنطقة العربية خلال الآونة القادمة على المجالات التالية:
- الأمن الغذائي والصحي وبشكل خاص القطاعات الزراعية والغذائية وكل المستحضرات الصيدلية التي شهدت ارتفاعًا ملحوظاً في الطلب عليها جراء جائحة كورونا.
- القطاعات وثيقة الصلة بالتحول الرقمي حيث أن المنطقة العربية بحاجة لأن تسير في ركب الدول المتقدمة حيث إن هذا القطاع الحيوي يعتبر بمثابة داعم رئيسي لتحقيق أقصى قدر من مستويات المرونة الاقتصادية ومواجهة أي صدمة طارئة.
- قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، والاقتصاد الرقمي، وكذلك التقنيات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة.
- قطاع الطاقة المتجددة، والصناعات صديقة البيئة خاصة مع الزيادة الكبيرة في مشروعات القوانين المعنية بالحد من الانبعاثات الكربونية، إذ يعكس الاستثمار في هذا المجال مدى الاهتمام بقضايا المناخ والوفاء بأهداف اتفاق باريس للمناخ.
- القطاعات الصناعية ذات الصلة بالتصنيع المحلي لبعض مدخلات الإنتاج التي تدخل في العديد من الصناعات وتدعم في الوقت نفسه الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتعزز التحول الهيكلي.
- الموارد الطبيعية، والمدن المرنة والمستدامة، والمجتمع المدني وتمكين المرأة، فضلاً عن تمكين الشباب والمجتمعات المحلية.
- الشراكات بين القطاعين العام والخاص، والتمويل المختلط، والتمويل الأخضر.
وخلاصة القول إن مسألة الاستثمار وحمايته أضحت واحدة من الركائز الأساسية في الدول العربية على مدى العقود الماضية، ما جعلها تعي تماماً الحاجة الملحة لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) من أجل تحقيق رؤى التنمية الاقتصادية الخاصة بكل منها، غير أن بعض القيود المؤسسية تظل واحدة من العقبات الرئيسية التي تؤثر على العوامل الخارجية الإيجابية للاستثمار الأجنبي المباشر على النمو لا سيما من حيث "القدرة الاستيعابية" للاقتصاد المضيف أو قدرته على التعامل مع الاستثمارات المتقدمة والواردة من الخارج، وبالتالي من الأهمية بمكان تخفيف هذه الحواجز المؤسسية لضمان حركة استثمار مطردة في المنطقة العربية.
وختامًا يمكن القول بأن الدول العربية تواجه تحديات فريدة في بناء أطر مؤسسية منتجة فهي بحاجة لإيجاد مصادرها المبتكرة للثروة وقيمة الإنتاج، وتحسين توزيع الموارد الاقتصادية، وبناء المؤسسات السياسية المناسبة، ما يتطلب إنشاء أطر تنظيمية قائمة على القانون تكون عادلة وشفافة لتعزيز معايير جديدة للمساءلة، وتضمن تحقيق أعلى مستويات المشاركة وتزيد من فرص العمل والتوظيف، وتراعي قضايا المناخ وتمكين النوع الاجتماعي، بالشكل الذي يؤدي في نهاية المطاف لإيجاد مناخ استثماري جاذب وآمن للمنطقة العربية.