يؤكد علماء التاريخ والحضارة على أن شبه الجزيرة العربية حاضنة للحضارات القديمة وشاهدة عليها، وعلى أرضها نشأت حضارات عريقة سادت العالم منذ فجر التاريخ، ولعلنا نتوقف عند أبرز محطات التاريخ الحديث والمعاصر لشبه جزيرة العرب باعتبار أن التاريخ القديم موثق وشاهد عليه الزمن، وبداية الحقبة المعاصرة كانت من قلب جزيرة العرب النابض المحرك لأحداث التاريخ ، ومدينة الدرعية في نجد رسمت خريطة مستقبل جزيرة العرب والمنطقة العربية، فقبل ثلاثة قرون كانت البداية عندما تأسست الدولة السعودية الأولى عام 1727م، بقيادة الإمام محمد بن سعود، وكانت الانطلاقة الأولى لتأسيس نواة دولة مركزية بعد قرون من التناحر والتشرذم وعدم الاستقرار وغياب الأمن، وهو ما حدا بالقيادة الحكيمة للمملكة العربية السعودية في الوقت الحاضر أن تعيد إحياء الاحتفال بتأسيس الدولة السعودية الأولى اعتبارًا من العام الحالي وتحديدًا في الثاني والعشرين من شهر فبراير لتأصيل لتاريخ الدولة السعودية، وقد صدر الأمر الملكي الكريم من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بأن يكون الثاني والعشرين من فبراير من كل عام يومًا لذكرى تأسيس الدولة السعودية وتحت مسمى يوم التأسيس ويكون هذا اليوم إجازة رسمية، وهو يوم تاريخي ومن الضروري التوقف أمامه لاستلهام روح التأسيس والتأصيل لما جاء بعده، حيث جاءت الدولة السعودية الثانية بعد أقل من سبع سنوات على انتهاء الأولى، وتأسست على يد الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود عام 1824م، واستمرت حتى عام 1891م، وبعد هذا التاريخ بعشر سنوات جاء تأسيس الدولة السعودة الثالثة على يد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود في عام 1902م، والتي استمرت على النهج القويم منذ التأسيس وحتى الآن، واستطاعت أن تكون دولة ذات شأن عظيم ودخلت التاريخ المعاصر بقيادات حكيمة حققت الاستقرار والسلام والازدهار ، وكانت وستظل محور الارتكاز العربي والإسلامي بفضل حكمة القيادة والتحام الشعب معها ووقوفه خلفها لخدمة الشعب السعودي، ودعم استقرار دول مجلس التعاون الخليجي والأمتين العربية والإسلامية، والمساهمة في تثبيت دعائم استقرار العالم واقتصاده، وكان من معالم نجاح هذه الدولة أنها ظلت بمنأى عن الاستعمار القديم والحديث بعزيمة قيادتها وتلاحم ووحدة صفوف شعبها.
وكانت المحطة الثانية في تاريخ منطقة الخليج عام 1971م، بعد انقشاع الاستعمار البريطاني عن دول مجلس التعاون على شاطئ الخليج ، ذلك الاحتلال الذي بدأ عام 1820م، وقد أسس هذا الاستقلال لعصر جديد من القوة الخليجية وكانت البداية مع تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة في مطلع سبعينيات القرن العشرين، والتي تضم 7 إمارات عربية متجاورة ومتجانسة ، ثم جاءت المحطة الثالثة في عام 1981م، بقيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، هذا المجلس الذي ولد ليستمر وهو يحتضن دول المجلس الست، ووضع أسس تجربة عربية نادرة لأنه يحمل بذور استمراره وقوته ونجاحه حيث أكد نظام تأسيسه على تعميق وتوثيق الروابط و التعاون بين دول المجلس، وشدد على أن ما يربط دول المجلس من علاقات خاصة وسمات مشتركة وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية والمصير المشترك ووحدة الهدف، وأن التعاون فيما بينها يخدم الأهداف الأساسية للأمة العربية، وحدد نظام المجلس أهدافه في تحقيق التنسيق والتكامل والترابط في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها.
وشهدت المحطة التاريخية الرابعة وحدة الصف الخليجي عندما اندلعت الثورة الإسلامية في إيران وأزاحت نظام الشاه عام 1979م، وكذلك مواجهة تداعيات هذه الثورة والوقوف في وجه الطموح الإيراني في المنطقة والرغبة في الهيمنة على دول الجوار، وكان من تداعياتها نشوب الحرب العراقية ـ الإيرانية التي استمرت من عام 1980م، إلى عام 1988م، وما لبثت أن بدأت حرب جديدة في المنطقة باحتلال العراق لدولة الكويت العضو في مجلس التعاون ، وكان هذا الاحتلال اختبارًا حقيقيًا لإرادة دول المجلس وتماسكها، والحمد لله نجحت الدول الست في هذا الاختبار وتم تحرير الكويت بعد عام من احتلالها وإعادتها إلى شعبها وحكومتها و مجلس التعاون الخليجي، كما صمدت دول المجلس في حرب الخليج التي أسقطت نظام صدام حسين عام 2003م، ولم تشارك في هذه الحرب حرصًا على الشعب العراقي الشقيق وبذلت ما في وسعها لتجنيب العراق ويلات هذه الحرب لكن القيادة العراقية في ذلك الوقت اختارت الطريق الذي كلفها وكلف الشعب العراقي الكثير.
وجاءت المحطة الخامسة بعد قيام ما يسمى بثورات الربيع العربي حيث وقفت المملكة ودول المجلس مع الشعوب العربية واحترمت خياراتها وساندت الحكومات الشرعية ضد موجات إرهاب جماعات الإسلام السياسي ، ورفضت محاولات تصدير الإرهاب والسيطرة على الحكم بالقوة ومازالت تدافع عن مصالح الشعوب العربية التي تعاني من ويلات هذه الثورات التي كلفت شعوبها الكثير، ومن بين هذه الجهود التي بذلتها المملكة للدفاع عن الشعوب العربية وشرعيتها، جاءت عاصفة الحزم عام 2015م، لمساندة الشعب اليمني الشقيق وحكومته الشرعية ومخرجات الحوار الوطني اليمني وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وقدمت الكثير من المساعدات للشعب اليمني الشقيق من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، وأخيرًا دعت الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي إلى اجتماع موسع لكافة الفصائل والأحزاب اليمنية للحوار حول مستقبل بلدهم واختيار الطريقة المثلى لإنهاء حالة الحرب والانقسام ، وخرجت عنه توصيات مهمة من أجل مستقبل اليمن، وتُوج ذلك بقرار الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي بالاستقالة وتشكيل مجلس رئاسي لإدارة شؤون اليمن برئاسة الدكتور رشاد العليمي، ورحبت المملكة ودول مجلس التعاون بهذا المجلس الرئاسي الجديد باعتباره خيارًا يمنيًا خالصًا ورغبة حقيقية من كافة أطياف الشعب اليمني ونخبه الحاكمة لفتح صفحة جديدة للحوار وإنهاء أزمته.
في النهاية نستطيع القول إن التاريخ السعودي والخليجي مشرف منذ القدم، فهذه المنطقة خرج منها نور الإسلام ليضيء العالم كله، وهي حاضنة لمقدساته وخادمة للحرمين الشريفين وضيوفهما، وهذا ما استمر في التاريخ الحديث والمعاصر، وفي المستقبل إن شاء الله، بفضل رغبة الأسر الحاكمة في التفاني من أجل شعوبها، وتقدير الشعوب لدور الأسر الحاكمة والاتفاق المشترك على بناء الأوطان وسلامة الشعوب ورفاهيتها.