حكمة قديمة تقول إن (أول ضحايا الحرب هي الحقيقة) وقد أضيف إليها حقيقة أخرى أن من بين ضحايا الحرب أيضًا (مواثيق الأمم والمتحدة التي اتفق عليها بعد الحرب العالمية الثانية) لذلك فإن معطيات الحرب بين روسيا وأوكرانيا حتى الآن شديدة الضبابية ومعقدة الخيوط ومتداخلة الأسباب وكل يوم تضيف القوى المتحاربة أو أنصارها (أخبارًا ومعلومات) تفسر ما ترغب من (حقائق). الإعلام الدولي والعربي انقسم حتى على تسمية الحرب، فروسيا تسميها (عملية عسكرية) وآخرون يرونها (غزوًا روسيًا على أوكرانيا) وبين التسميتين تسميات أخرى! وربما هذه الحرب من الحروب القليلة التي تخاض أمام العالم من خلال شاشات التلفزة اليومية!
إلا أنها حربًا تسمع سلبًا ليس في الجوار بل وفيما بعد الجوار، وتضع على العالم ضغوطًا اقتصادية هائلة في الطاقة والغذاء والمواصلات العالمية، كما أنها قد تمهد لحروب أخرى وقد تكون كبيرة ومدمرة!
روسيا تدعي أن أسباب (العملية العسكرية) أنها استفزت بانجراف أوكرانيا (التي كانت جزءًا من الاتحاد السوفيتي لفترة طويلة) إلى حلف الأطلسي، وهو حلف تراه موسكو مهددًا لأمنها الوطني، وأوكرانيا تدعي أن روسيا لا زالت ترغب بالتوسع في شهوة (قيصرية/ تاريخية) لهيمنتها السابقة ورافضة الاعتراف بالأمر الواقع، وهو أن أوكرانيا أصبحت دولة مستقلة معترفًا بها في الأمم المتحدة. بين التفسيرين تفاسير كثيرة منها أن روسيا الاتحادية تواجه معضلات داخلية وتحتاج إلى رص الصفوف الوطنية لتحقيق هدف قد ينقذها جزئيًا من تلك الأزمة، ومنها أن الولايات المتحدة (استدرجت) روسيا إلى الحرب من أجل استنزافها!
خلفيات الحدث:
بعد الحرب العالمية الثانية وضعت الدول المنتصرة مصفوفة قواعد سمتها (القواعد الدولية) منها تحريم أن تقوم دولة باحتلال أراضي دولة أخرى، وقد جرت حروب عددية منذ انتهاء تلك الحرب العظمى الثانية، ولكن معظمها كان حروبًا بالوكالة، قليلة هي التي خاضتها (الدول الكبرى) أي الدول ذات حق النقض في مجلس الأمن. وحتى تلك التي خيضت من دول كبرى يفرق الدارسون بين (حروب التحرير) و (حروب الضم و الاستحواذ) وتذهب تلك المقاربة للقول إنه صحيح أن الولايات المتحدة قد خاضت حروبًا ( كونها دولة كبرى) إلا أن تلك الحروب (على الأقل في الظاهر) ليست حروب ضم ولا استحواذ، وقد خرجت قواتها من تلك الدول، كما فعلت في أفغانستان أخيرًا، اما الحروب التي خاضتها روسيا ( بعد سقوط الاتحاد السوفيتي) فهي حروب ضم و استحواذ، كما فعلت في الشيشان و جزء من جورجيا (ابخازيا) و أيضًا شبه جزيرة القرم ( وكل واحدة لها ظروفها) إلا أن المشترك هو (الضم) لا ( التحرير) تحت مسميات في الغالب أن هناك مواطنون روس قد نالهم الضيم .
لقد اتخذت الدول في العالم موقفًا في أغلبه يدين (الاعتداء) الروسي على أوكرانيا، كما ظهر في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة ( وهو تصويت غير ملزم) ولكن له ثقل أدبي وسياسي، كما فشل مجلس الأمن باتخاذ قرار للإدانة لأنه واجه بحق الرفض الروسي، كما تم تعليق عضوية روسيا من مجلس حقوق الإنسان الدولي، واتخذت دول عديدة، وخاصة غربية، خطوات كبيرة لمعاقبة روسيا اقتصاديًا وعلى نطاق واسع، كما قررت أن تقدم الدعم المالي و السلاح إلى الحكومة الأوكرانية لتمكينها من المقاومة، على خلفية أن روسيا قد انتهكت القانون الدولي و قامت بمحاولة احتلال و تغيير نظام دولة جارة مستقلة.
من مجريات الأحداث أن المعارك في أوكرانيا (أبريل 2022) تقول إن المعركة كبيرة ويسقط فيها مئات الآلاف من الضحايا وكثير منهم مواطنين أوكران غير محاربين، كما دمرت العديد من المدن والقرى وبعضها مسح من على وجه الأرض، وتدفق اللاجئون الأوكران على دول الجوار وما بعد دول الجوار، ويقدر عدد من تركوا منازلهم بحولي عشرة ملايين نسمة (أبريل 2022م)، كما تحدث الإعلام العالمي عن احتمال استخدام أسلحة محرمة في المعارك!
لا يبدو في الأفق أن الحرب يمكن أن تضع أوزارها، كما لا يبدو أن روسيا تقبل أن تهزم، وكذلك الغرب لا يقبل أن يتراجع، فنحن أمام احتمال تصعيد تراه موسكو من منظور أن (الاستسلام التام) والنهائي لأوكرانيا هو المطلوب ولا أقل منه، كما ترى دول الغرب أن الحرب لا يتوجب أن تنتهي بانتصار روسيا، العالم أمام معادلة صعبة.
الموقف الأمريكي:
يرى بعض المحللين أن (سياسة الولايات المتحدة الأمريكية) والتي نفذت تحت شعار كبير (الانعزال) الذي تبنته إدارات عديدة، وعلى الأقل منذ إدارة السيد باراك أوباما ( 2008م) وما بعدها، هي التي جعلت من الدول الأخرى تحاول ملء الفراغ و العودة إلى التوسع، لقد غضت الإدارة الأمريكية الطرف عن التدخل الروسي النشط عند غزو روسيا لأبخازيا و أستونا الجنوبية في جزء من جمهورية جورجيا ( 2004-2008م) ثم ضم شبه جزيرة القرم 2014م، ثم التدخل الروسي في سوريا 2015م، والذي لم يُسمع في الإدارة الأمريكية بل تم تجاهله تحت ذرائع مختلفة، وأخيرًا غزو أوكرانيا . يرى البعض أن إشكالية (الاقتصاد والسياسة الداخلية) المتشابكة في الولايات المتحدة هي التي أدت إلى سياسية انعزالية، على قاعدة أن الولايات المتحدة تكبدت خسائر مالية ضخمة في عدد من الصراعات، كما بدأت نقدًا لاذعًا، خاصة تحت إدارة دونالد ترامب تجاه حلف الأطلسي، وجاء النقد للحلف أيضًا من فرنسا كما أن خروج الولايات المتحدة (انسحابها من أفغانستان 2021م) الذي وجده البعض مذلاً، قد شجع قوى طامحة للتمدد. على مقلب آخر انسحاب أمريكا من مسرح الشرق الأوسط شجع قوى محلية على الحلول محلها كما فعلت تركيا وأيضًا روسيا في ليبيا وأيضًا بعض مناطق إفريقيا وكذاك تمدد إيراني في الجوار. دخلت الولايات المتحدة من ثلاثة أبواب لتبرير الانسحاب من معظم المسرح العالمي أولاً التفرغ لمواجهة الصين، والثاني على قاعدة نقد (اصدقائها) حول ملف ملتبس عنوانه (حقوق الإنسان) والثالث من جانب (توفير في النفقات). مجمل تلك السياسة قادت إلى رخاوة في الساحة الدولية، كما تبين أنها بجانب كونها خاطئة فهي (مكلفة) ماليًا، لقد أنفقت الولايات المتحدة وخلفاؤها الغربيون خلال أشهر فقط (في حرب أوكرانيا) بلايين الدولارات ولا زال الحبل على الحرار، لذلك فإن مجمل السياسات التي اتخذتها الولايات المتحدة والغرب (الانعزال) وترك الأمور للآخرين، إلى أن تصبح الساحة العالمية في حالة سيولة أو عدم يقين.
موقف دول الخليج:
بعد اشتعال الحرب (آخر فبراير 2022م) أخذت دول الخليج مواقف غير محددة من الحدث، في مجلس الأمن امتنعت دولة الإمارات (وهي عضو في المجلس في هذه الفترة) عن إدانة روسيا، علمًا بان أية إدانة سوف ينسفها حق (الفيتو) الروسي، لكنها مع كل دول الخليج أيدت الإدانة في الجمعية العامة، كما ذهب إلى موسكو كل من وزير خارجية الإمارات، ووزير خارجية البحرين من أجل استطلاع واكتشاف الرأي الروسي، دون الكثير من النتائج، كما أن الكويت شجبت الاحتلال، وقامت المملكة العربية السعودية بالتبرع من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة.
من ضمن النتائج للحرب أن ارتفعت اثمان الطاقة (النفط والغاز) وسبب ذلك ضيقًا في الاقتصاد الغربي مما دعا الولايات المتحدة وبريطانيا أن تحاول الضغط على المنتجين الخليجيين بضخ كميات أكبر من النفط في السوق، إلا أن تلك الضغوط لم تحقق نتائج بسبب ارتباط دول الخليج باتفاقات (أوبك بلس) وروسيا جزء منها، كما أن وجهة نظر دول الخليج المنتجة للنفط أن ارتفاع الأسعار الكبير هو في الغالب بسبب (المضاربة). ومع أخذ قرار أوروبي / أمريكي بمقاطعة اقتصادية واسعة لروسيا، وهي المزودة الأكبر للغاز والنفط للدول الغربية احتاجت الدول الغربية إلى بديل. روسيا بعد تلك المقاطعة قررت أن تبيع (الغاز والنفط) على (الدول الصديقة) في تعبيرها (بالأسعار المخفضة) ولو حدث ذلك بالفعل فإن سوق النفط سوف يشهد تراجعًا كبيرًا أو على الأقل اضطرابا في الأسعار، مما يترك أثرًا سلبيًا على اقتصاديات الخليج، ويدخل العالم (حرب أسعار)، لأن الصين وهي مستهلكة للنفط من دول الخليج، وفي نفس الوقت حليفة لروسيا سوف تحصل على محروقات بأسعار متهاودة ويمكن أن تستغني عن نفط الخليج.
فيما إذا طال الصراع (وهو احتمال ممكن) فإن الطرفين (الأمريكي والروسي) سوف يضطران أن يضغط كل منهم على بقية الدول في العالم أن (تأخذ موقفًا واضحًا من الصراع) وقد أشارت بعض الصحف الأمريكية بعد أن وقفت الكويت في التصويت على طرد روسيا من مجلس حقوق الإنسان موقف الحياد، أشارت تغمز من زاوية (تحرير الكويت) !!
في الوقت نفسه فإن أسعار السلع الاستهلاكية و خاصة الغذائية ترتفع وقد يحدث شح في السوق العالمي للقمح و الذرة ( كون كل من روسيا وأوكرانيا) مصدر كبير في تلك السلع، مما يضع ضغوطًا كبيرة على ميزانيات دول الخليج وعدد من الدول العربية كما أن تكاليف النقل و المناولة ارتفعت مما يجعل نقل السلع أكثر كلفة، ويزيد الضغط على تلك المجتمعات و ربما شح في بعض السلع و ارتفاع أثمانها، سوف يحمل ميزانيات دول الخليج أعباءً أخرى، كما تزداد تلك الأعباء في محاولة مساعدة الجوار (مصر / الأردن) وربما غيرها لمواجهة الاضطراب المالي المفاجئ من جانب آخر فإن ارتفاع أسعار السلع سوف يشكل ضغطًا على الجمهور الخليجي مما قد يسبب خللاً في النسيج الاجتماعي.
على صعيد الدول الغربية:
وأهم ما يلاحظ هنا من تغيرات جذرية هو ما صار يعرف بإيقاظ المارد الألماني و الذي ظل راقدًا لسبعين عامًا تقريبًا، ألمانيا هي قلب الصناعة في أوروبا الغربية وتملك من الإمكانيات الفنية والتقنية حجمًا أكبر من أية دولة أوروبية أخرى، وبالتحرك نحو التسلح و ربما الذهاب إلى التجنيد الإجباري، يمكن في فترة قصيرة نسبيًا أن تصبح قوة ضاربة وقد تتغير أولوياتها، فلها الكثير من الأماني التاريخية، غير أن أوروبا بشكل عام استيقظت بسبب طبول الحرب في أوكرانيا على أهمية أن يكون لها قوة عسكرية مستقلة أو شبه مستقلة، كانت الفكرة متداولة في أروقة الاتحاد الأوروبي، ولكن الحاجة الفعلية ظهرت بقوة بعد اندلاع حرب أوكرانيا، وقد بدأت الدول الأوربية، حتى الصغيرة، منها تجدد سلاحها وتستعد للأسوأ دون الحاجة المباشرة للغطاء من الولايات المتحدة. أما التغير الأبرز فإن فنلندا والسويد التي ظلتا لفترة طويلة على الحياد، أفصحتا عن رغبتهما للإنضمام إلى الحلف الأطلسي، خوفًا من القادم، مما يثير من جديد رسيا الاتحادية! لقد كانت أوروبا في حال من السيولة السياسية، فجاءت الحرب لتقدم لها فرصة التكاتف غير المسبوق، كما أن الحرب قد تأتي بقوى (قومية) في القارة تناصر السيد بوتين في نظرته للعالم، وهو احتمال ليس ممكن فقط ولكنه حدث! إذن تداعيات الحرب في هذا الملف تنظر الإفصاح أكثر.
تغير مواقف الدول: الأقرب إلى اليقين أن مواقف دول عديدة سوف تتغير من خلال ضغط المعسكرين على الدول الجالسة الآن على (الحياد) كما تسميه، فالحياد هنا (من وجهة نظر المعسكرين) هو نزع أوراق مهمة في الاصطفاف السياسي! قريبًا سوف تتعالى نغمة (من ليس معنا فهو ضدنا) مما قد يشعل صراعات بينية، يؤججها كل معسكر بما لديه من قدرة، مستفيدًا من المتناقضات المحلية أو الإقليمية في هذه الدول أو بينها، بعضها داخلي وبعضها في الجوار ويستخدمها لصالحه، كان يحرك طرف إيران على التمدد أكثر في الجوار، أو حتى تركيا أو إسرائيل!
الخطر الإقليمي: حتى الآن إسرائيل تظهر الحياد، وربما أيضًا يتمنى بعض ساستها القيام بالتوسط بين المتحاربين، ولكنها تركز اهتمامها على الاتفاق النووي الإيراني، فإن ذهبت الولايات المتحدة في استرضاء طهران إلى درجة تشعر بها تل أبيب أن مصالحها الحيوية مهددة، قد يحدث اشتباك ساخن تجبر فيه الولايات المتحدة أن تناصر إسرائيل (بسبب قوة اللوبي الإسرائيلي في داخلها)، وقد تجبر روسيا الوقوف مع إيران بل إطلاق يد الأخيرة بشكل أكبر في كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن! ودول أخرى ترى إيران أن لها حاضنة فيها! هنا يقترب الخطر من آبار النفط العربية وتدخل المنطقة في ساحة اللا يقين! وتتأثر دول الخليج سلبًا في مثل تلك التطورات المحتملة!
الخيارات لدول الخليج : اختبار المكان الصحيح للتاريخ عملية صعبة، وكان النقد في أدبيات السياسة العربية أنهم غالبًا ما يختارون المكان الخطأ من التاريخ في الوقت الخطأ، وبعض الدول العربية الآن يفعل ذلك، إلا أن الخيار العقلاني هو الانحياز إلى القانون الدولي، و الذي يقول بصريح العبارة ( تحريم وتجريم أي دولة تعتدي على دولة أخرى) وهذا ما حصل في الحالة الأوكرانية، بصرف النظر عن قبائح المعسكر الغربي، إلا أنه معسكر يمكن إيجاد مساحة للتعاون معه لضبط المصالح المشتركة وهي كثيرة، كما أن الانحياز إلى نظام شمولي، حتى لو بدا يحقق مصالح آنية فإن المراهنة عليه تاريخيًا قد لا تكون حصيفة . أما الأكثر حصافة فهو الفهم الأكثر دقة للصراع الأممي والذي يقول على الجميع أن (يقلعوا شوكهم بأيديهم) وهنا الأهمية القصوى لمحور عربي (بمن حضر) للتفكير في جدار عربي معتمد أساسًا على النفس، ومركب من درجتين، تصفية الخصومات وربط المصالح الأمنية معًا، ولا أكثر من حاجة دول الخليج إلى ذلك التكاتف المصلحي من أجل دفع الشرور المحدقة بالإقليم
الحرب وتأثيرها على العلاقات مع إيران:
في خضم الأخذ والرد في مفاوضات فيينا بين إيران والدول الخمس زائد واحد حول الملف النووي الإيراني بمجرد اندلاع الحرب تغيرت الموازين، فطالبت روسيا أن أي اتفاق مع إيران يجب أن يخضع للعقوبات المفروضة من الغرب على روسيا، على ساس أن التبادل التجاري سوف ينتعش في حال الوصول إلى اتفاق، و رضخت الدول الغربية إلى هذا الشرط ، ربما أن عينها على (النفط و الغاز) الإيراني الذي يمكن أن يروي عطش الدول الغربية للطاقة، كما استغلت إيران ظروف الحرب من أجل رفع سقف الشروط التي تريد تحقيقها والمحت إلى قدرتها في سد النقص من الطاقة للدول الأوروبية، لا زال هذا الملف قائمًا إلا أن زيادة في ارتفاع أسعار الطاقة و ضيق المستهلك الغربي والأمريكي قد يدفع الطرف الغربي بقبول شروط إيرانية جديدة، كما دخل حقل الدرة الواقع بين الكويت والسعودية في حلبة السباق كونه غني بالنفط و الغاز، وبدأت إيران بالمطالبة بحصة فيه تعويقاً للمشروع من جهة ومن جهة أخرى رفع الحاجة لنفطها و غازها،
على مقلب آخر فإن الغزو الروسي لأوكرانيا قد يغري النظام الإيراني بالتدخل، حيث أن روسيا تذرعت بأن هناك مواطنين روس يتكلمون الروسية في تلك المناطق التي ترغب في ضمها، وفي المقابل يزيد هذا المنطق (المعوج) من منطق إيران في كونها الممثل الوحيد للشيعة في المنطقة، ولذلك فإن التدخل يصبح (من وجهة نظرها) شرعي! الاستراتيجية الإيرانية معتمدة في التدخل في شؤون الجيران على أن تشكل لها قوى (في الغالب مذهبية) في الداخل الوطني في عدد من الدول، وتبني عليها تبرير التدخل والذي يقدم لها قدرة سياسية واقتصادية في التأثير، كما يحدث في لبنان والعراق واليمن، وتدخلها في سوريا تدعي أنه بدعوة من النظام (وهو نظام طائفي) في الأساس! التحدي في إيران هو الخروج من شرنقة (الفئوية / المذهبية) إلى فضاء الدولة الحديثة، وهي المعضلة التي يواجهها شعب إيران (بمكوناته المختلفة) إلى درجة أن المعارضة الإيرانية ترفع شعار لافت (إذا لم يوضع الملالي في كفن فليس هناك وطن)! الاحتمال الآخر أن لا يصل الغرب مع إيران إلى اتفاق في فيينا، وبالتالي تفتح خيارات أخرى من بينها التصعيد، والأقرب أن يكون تصعيدًا إسرائيليًا /إيرانيًا.
الخلاصة
من الواضح أننا أمام حالة من العلاقات الدولية تتجلى فيها (إكراهات الجغرافيا) والتي تجعل دولة تعتدي على أخرى بسب خلافات (جوارية)، كما أننا أمام معركة (كسر عظم) بين الدول (الغربية الديمقراطية) بالمعنى الواسع، وبين الدول (أو الدولة الشمولية)، أو بين قوى ليبرالية وقوى أوتوقراطية – يمينية التي تتمثل في (الأصولية البوتينية الجامحة) الملتفة حول الأرثوذكسية والمجد القيصري القائم على الاستبداد السياسي. والمسطرة هي أن هناك معارضة للحرب في بعض دول الغرب، ولكن لا توجد معارضة في الاتحاد الروسي وقد خرج بعض المواطنين الروس إلى الخارج بسبب احتياجهم أن يقولوا رأيهم في الحرب. كما أثبت الحرب الأوكرانية الدائرة (التحيز النسبي) للغرب والشاهد هنا هي معاملة اللاجئين الأوكران (ذوي العيون الزرق) والذين استقبلوا بلا تحفظ في دول الغرب بينما عانى ويعاني اللاجئون من العالم الثالث (والعربي منه) الأمرين كي يقبل، رغم ما يمر به من ظروف قاهرة! كما أن الحرب لفتت إلى أن من أسبابها (تصدير الأزمة الداخلية) وهو نموذج قد يتكرر في الجوار الخليجي، كما قد يتكرر نموذج (حق الوصاية)! من دولة على أخرى! إلا أن أكثر ما يرى المراقب أن الغرب أخيرًا التفت إلى ما كان يفعله الروس في سوريا حتى بدأت صحافتهم تقارن بين التدمير الشامل لمدن أوكرانية وما حل بمدن سورية من قبل! وتبين للعالم أن الظلم لا يتجزأ، ولكن ذلك أمر آخر !!!