array(1) { [0]=> object(stdClass)#13022 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 175

تحتاج الكويت إعادة النظر في توزيع الدوائر وتمكين الفئات الأكثر هشاشة

الثلاثاء، 28 حزيران/يونيو 2022

تمتلك الكويت تجربة برلمانية فريدة من نوعها لاعتبارات التركيبة الديموغرافية المتنوعة وتقاطعاتها مع دول الجوار، فضلًا عن موقعها الجغرافي وتأثيره في التفاعلات بين مكونات تلك التركيبة من جهة، وبينها وبين السلطة من جهة أخرى رغم النهج المتوازن لسياسة الدولة الخارجية.

وظل دور المكونات القبلية والمجتمعية حاضرًا في تاريخ دولة الكويت منذ التأسيس، إلا أن تغيرات عدة طرأت على علاقتها بالحكومة في العهد الدستوري 1963م، عنها في تلك المرحلة، وصولًا لعهد الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وحتى الآن والذي انعكس في التمثيل النيابي والعلاقة المضطربة بين مجلس الأمة ومجلس الوزراء.

ولعل التحول الأهم في الحياة السياسية الكويتية تغير التحالفات التقليدية التي أرست قواعد النظام السياسي الحالي بفعل التحولات الاقتصادية والاجتماعية بالدولة وتطور البنى الأساسية والخدمات العامة، فضلًا عن إعادة توزيع الثروة الناجمة عن صادرات النفط.

وتتناول الورقة تأثير التحول الديموغرافي بدولة الكويت على علاقة الدولة بالمكونات الاجتماعية من جهة وانعكاسه على تشكيل مجلس الأمة من جهة أخرى، وقياس ارتباطها بالعلاقة المتوترة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في صيغتها الحالية، وتخلص إلى رؤية مقترحة لمعالجة الموقف الحالي.

أولاً: القبيلة والدولة .. تحالفات متغيرة

شهد تأسيس الإمارة ميلاد تحالف محوري بين الحاكم الأول الشيخ صباح بن جابر 1756م، ومبايعيه من العائلات التجارية، يعد بمثابة عقد اجتماعي لإدارة الشؤون العامة، وكانت تلك العائلات ركنًا هامًا في سياسة الكويت خلال فترة الإصلاحات بين 1921 إلى 1938م، التي أكدت على ديمومة ذلك التحالف عبر إشراك العائلات التجارية السنية دون غيرها في مجلس الشورى الأول من 12 عضوًا مناصفة بين عائلات منطقتي الشرق والقبلة، مع استبعاد الشيعة والأسر الفقيرة والبحارة.

وساعدت الطفرة النفطية على تبدل خارطة المجتمع الكويتي وبرز صراع رئيسي بين المكون الحضري الآخذ في التبلور والمكون القبلي الذي يصارع التغيير، وقد حظي الأخير بدعم حكومي في مواجهة التيار القومي الذي برز في ستينيات القرن الماضي بفضل المد الناصري في المنطقة العربية، كما استفاد الأخير من برامج الدولة والتعيين بالوظائف العامة، بخلاف الفئات الحضرية وفي القلب منها العائلات التجارية الأكثر تعليمًا ونفوذًا والأقل ارتباطًا بالحكومة.

هذا التحول من الموالاة إلى المعارضة سيضرب المكون القبلي على ضوء تضخم نفوذه وحضوره بالمجلس النيابي حتى يصبح الامتداد الأهم للمعارضة البرلمانية وأكثرها حدة على خلفية قاعدة التأييد الثابتة، كما أن التنظيم السياسي للقبائل في العملية الانتخابية يزداد رسوخًا عن طريق "الانتخابات الفرعية" أو التمهيدية التي تجرى لفرز مرشح القبيلة الأوفر حظًا، في ممارسة تحاكي تجربة العمل الحزبي المحظور في البلاد.

هذه المركزية للقبيلة في المشهدين الاجتماعي والسياسي انتقلت بالانتماءات الأولية إلى صدارة الاهتمامات على حساب الهوية الكويتية الجامعة، وترسخت مكانيًا بأسماء الفرجان أو الأحياء السكنية، ومنها على سبيل المثال فريج العوازم وفريج الرشايدة وفريج المطران، نسبة للقبائل الثلاث.

شكل (1) ديموغرافيا الكويت وفق بيانات 2006

وتنعكس تلك الثنائية على الانقسام بين الحضر والبدو في المجتمع الكويتي خاصة مع تمييز قانون الجنسية بين الكويتيين أساسًا المتوطنين بالدولة قبل 1920م، وقد انخرطوا في حياة المدينة، والكويتيين المجنسين والذين ينقسمون إلى بدو قادمين من شرق المملكة العربية السعودية ويغلب عليهم التماسك الثقافي والعقائدي، وحضر من مناطق متفرقة تشمل مجموعات شيعية وعربية سنية من إيران وعرب مسيحيين من العراق وفلسطين. 

ثانيًا: التمثيل النيابي ونظام الانتخاب

مرت الدوائر الانتخابية في دولة الكويت بثلاث مراحل، فقد بدأت بنظام 10 دوائر يمثل كل واحدة منها 5 نواب حتى انتخابات 1981م، التي جرت وفق نظام 25 دائرة بواقع نائبين عن كل دائرة، فيما تكون برلمان 2008م، بنظام خمسة دوائر بأربعة أصوات لكل مواطن، فيما يمثل كل دائرة 10 نواب، وصولًا إلى التعديل الأخير على نظام التصويت ليقتصر على صوت واحد لكل ناخب منذ 2012م.

انعكس التعديل الأخير في اتساع نطاق الدوائر وتقليص فرص التمثيل العادل لشرائح المجتمع الكويتي، فمن ناحية تتأثر فرص المرشحين المستقلين وفئات الشباب والمرأة ومرشحي القبائل الصغيرة في التمثيل لصالح مرشحي الفئات الأكثر تنظيمًا والتي تتمتع بقاعدة تأييد شبه ثابتة، ومن ناحية أخرى تجهض أي تحالفات انتخابية بين المرشحين الذين يتنافسون ويتقاسمون أصوات الناخبين.

ومنذ تطبيق نظام الصوت الواحد، تشهد تركيبة مجلس الأمة تغيرًا بنسبة تراوح 50%، بينما لم تشهد تغيرًا فعليًا في ديناميات الحياة النيابية، ويعود ذلك في جزء منه إلى تورط نواب في قضايا فساد مالي وإحباط الجيل الجديد من القاعدة الناخبة من مساهمتهم في تغيير حقيقي لمشكلات المجتمع الكويتي.

كما أن ظهور المعارضة الفردية المشبعة في الغالب بالطموح الشخصي في تحصيل الثروة واغتنام المناصب بالشركات العامة أو الانضمام إلى الحكومة، أدى لتوظيف المطالب الشعبية في أجندة النواب دون وجود برامج واضحة للإصلاح.

يرصد الكاتب الصحفي أحمد الصراف ما أسماه "ظاهرة مسلم البراك"، باعتباره نموذجًا للمعارضة البرلمانية التي تحظى بالتأييد الواسع جماهيريًا نتيجة "صوته الجهوري وملكة الخطابة وقدرته على المواجهة، لكن تاريخه السياسي منذ 1996 وحتى 2012م، لم يشهد مشاركة برلمانية فعالة في طرح قضايا الثقافة والتعليم"، مقابل تركيزه على إسقاط الوزراء عبر أداة الاستجواب وقانون إسقاط القروض باعتبارها قضية تدعم قاعدته الجماهيرية، فضلًا عن تقديم الخدمات لأبناء منطقته، فهو "رمز سياسي مناطقي".

وتظهر نتائج مجلس الأمة 2020م، تفوق القبائل في السباق الانتخابي بعدد 29 نائب، على رأسهم قبيلة العوازم بعدد 7 مقاعد (قبل إسقاط عضوية بدر الداهوم)، 4 في الدائرة الخامسة واثنين في الدائرة الأولى وواحد في الدائرة الثانية.

جدول (1) النواب القبليون في مجلس الأمة 2020

القبيلة

 

عدد المقاعد

العوازم

 

7

المطران

 

6

الرشايدة

 

4

العجمان

 

4

العتبان

 

3

الشمر

 

2

الدواسر

 

1

الظفير

 

1

العنزة

 

1

وبالتوازي مع نجاح الحركة الدستورية الإسلامية "حدس" التابعة لجماعة الإخوان في حصد 3 مقاعد، سقط التجمع الإسلامي السلفي للمرة الثانية على التوالي في الانتخابات، مقابل صعود الإسلاميين القبليين، وهم النسخة الأقرب إلى الشعبوية.

وعلى صعيد آخر ساهم انتصار الثورة الإيرانية بالتوازي مع بزوغ تيار الصحوة وتمدد السلفية، في تشكيل موقف الشيعة من المشهد السياسي وتوجس الأطياف السياسية كافة من ولائهم للدولة، ويمثل انحيازهم إلى الحكومة في كثير من المواقف خصمًا من رصيد المعارضة وإفقادها الصفة الوطنية الجامعة. 

وحافظ الشيعة على تواجدهم الدائم في مجلس الأمة على الرغم من اختلاف مرجعياتهم واختلاف أصولهم، نتيجة تركزهم الجغرافي في مناطق محددة، وانتمائهم إلى كتلة ناخبة حضرية، مما ساعدهم في حصد 6 مقاعد في الانتخابات الأخيرة، منها مقعد وحيد للتجمع الإسلامي الوطني ممثل الإسلام السياسي الشيعي.

وارتبط حجم ونوعية التمثيل الشيعي بالشد والجذب في الساحة السياسية، حيث بلغ أوجه في مجلس الأمة المبطل ديسمبر 2012م، بعدد 17 مقعدًا، نتيجة مقاطعة المعارضة للانتخابات، كما ساهمت أجواء الاحتقان في المنطقة عقب أحداث الربيع العربي، والتطورات في البحرين وسوريا في إعطاء بعد طائفي للسجال السني –الشيعي، مما دعم وجود التيارات الأكثر تشددًا في جماعات الإسلامويين السنية والشيعية.

ثالثًا: المؤسسية مطلب أساسي

لا شك أن المشهد السياسي في الكويت مر بتحولات ديموغرافية وتاريخية هامة خلال العقدين الماضيين، تتطلب بالتوازي تطورًا في الممارسات النيابية والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لتمرير إصلاحات سياسية واقتصادية ملحة، والحفاظ على وحدة وتماسك مكونات المجتمع عبر تعزيز قيم المواطنة.

وثمة إجماع في أوساط النخب الأكاديمية والسياسية وحتى الأسرة الحاكمة بوجود خلل في العملية السياسية بالبلاد، دفعت الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح لتشكيل لجنة موسعة لهذا الغرض، لكن لظروف الجائحة ومرض الشيخ صباح انزوت تلك اللجنة عن المشهد تمامًا.

ويقترح الأكاديمي والكاتب د. محمد الرميحي حزمة متكاملة من الإصلاحات لتطوير عقد اجتماعي جديد يتناسب مع التطورات الاجتماعية، في إطار الدستور الحالي مع تطوير الآليات وتفسير النصوص المساندة للدستور، ومنها زيادة عدد الدوائر الانتخابية وتنظيم قانون لـ"المنابر السياسية" على أن تكون جامعة لأطياف المجتمع الكويتي.

كما أن اعتماد الأغلبية النسبية شرط لنيل المرشح مقعده النيابي يعزز من ارتباط النائب بقاعدته الناخبة التي اختارته من بين المرشحين على أساس برنامجه الانتخابي ومدى التزامه بتنفيذه.

العامل الآخر الذي لايقل أهمية أن يشتمل مجلس الأمة على مقاعد مخصصة لفئات الشباب والمرأة لضمان التمثيل العادل والمتوازن لعناصر المجتمع.

خاتمة

تدعم المؤشرات تعاظم قوة القبائل كفاعل سياسي مستقل في مجلس الأمة مع تطويرها آليات الحشد والتعبئة وامتلاك رموزها أطر أيديولوجية قد تكون نواة لمعارضة قبلية موحدة تنظيميًا وأكثر تشددًا من التيارات السياسية التقليدية، تسبب متاعب للحكومة والمكونات الاجتماعية الأخرى.  

وللخروج من تلك المعضلة تحتاج الكويت لإعادة النظر في توزيع الدوائر الانتخابية ونظام الصوت الواحد، وتمكين الفئات الأكثر هشاشة من الوصول إلى مجلس الأمة عبر تخصيص مقاعد لكل منها لضمان التمثيل العادل لفئات ومكونات الشعب الكويتي.

كما أن إضفاء البعد المؤسسي على الممارسة السياسية وفتح المجال أمام الأحزاب أو "المنابر السياسية" في إطار عقد اجتماعي متجدد قد يزيل كثيرًا من أسباب عدم الاستقرار ويحافظ على تماسك النسيج الاجتماعي للبلاد عبر تقليص نفوذ التيارات المتشددة، وقد يكون من المفيد تدشين غرفة برلمانية أخرى تراعي التوازن بين المكونات الاجتماعية وتعمل على تطوير آليات المشاركة السياسية.

مقالات لنفس الكاتب