شهدت مرحلة وصول رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية الديموقراطيون إلى البيت الأبيض مع بدايات القرن الحالي، شهدت تغيرًا في التوجهات الجيواستراتيجية الأمريكية وخاصة تجاه حلفائها فى منطقتي الخليج وجنوب آسيا،وتحديداً تجاه دول مجلس التعاون الخليجى والعراق وأفغانستان. وكان هذا التغير فى مجمله يشكٍل نوعًا من التراجع (التكتيكى) فى مجالات متعددة وإن كان أكثرها حساسية هو التراجع فى المجال الاستراتيجى العسكرى الذى قد يؤدى إلى درجة من الانكشاف المؤثر للأمن القومي لهؤلاء الحلفاء فى مواجهة العدائيات والتهديدات الإقليمية،التى تشكل فى نفس الوقت ذات العدائيات والتهديدات لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية.
ولكى نقيم مدى إمكانية تصويب العلاقات الاستراتيجية بين كل من الولايات المتحدة وحلفائها فى الخليج، يجب أن نعود إلى نقطة إنطلاق فارقة وهامة،وهى قيادة الولايات المتحدة للتحالف الدولى لتحرير الكويت، 1991م، والذى تزامن مع تفكك الاتحاد السوفيتى، مما أطلق يد الولايات المتحدة عالميًا وإقليميًا وخاصة فى منطقة الخليج الاستراتيجية، إلا أن مرحلة حكم الرئيس اُوباما شهدت استراتيجية بدء (تخفيف) وانسحاب القوات الأمريكية من المنطقة بالتزامن مع الصعود الإيرانى التسليحي وخاصة الصاروخي والنووي،وأيضًا التقدم الروسى والصينى التدريجى لملء الفراغ الأمريكى، مما يحتاج إلى إعادة تقييم الاستراتيجية الراسخة بين الولايات المتحدة والخليج مرورًا بمرحلة الرئيس ترامب، حيث برهنت كل تلك الحِقَبْ على ثبات المصالح المشتركة بين الجانبين وإن اختلفت المسارات.
أولاً : حرب تحرير الكويت أسست لعلاقات استراتيجية أمريكية خليجية قوية:
فقد ظل التعاون الاستراتيجي وخاصة الدفاعي بين كل من الولايات المتحدة ودول الخليج العربى،فى تنامى مستمر ومؤثر فى أعقاب تحرير الكويت وهزيمة العراق1990-1991م، - دون احتلال أرضه أو القضاء الكامل على جيشه - ليكون العراق بقيادة الرئيس صدام حسين بمثابة المُوازن الاستراتيجى الدفاعى فى مواجهة إيران الآخذة فى التعافى والتطورالعسكرى منذ نهاية حربها مع العراق 1988م، التي انتهت بنوع من (توازن الضعف) الذى أفضى مرحلياً إلى صالح دول مجلس التعاون الخليجي وإن باتت لاحقًا تواجه تهديداً مزدوجاً من كلتيهما.
إمتد التنامي الأمريكى تجاه بعض الدول العربية غير الخليجية التي ساهمت بدور عسكري فعال في حرب تحرير الكويت وخاصة مصر التي شكلت القوة العسكرية الثالثة غيرالخليجية بعد الولايات المتحدة وبريطانيا حيث من الممكن أن يؤسس ذلك لنواة احتياطي استراتيجي في أي ترتيبات أمنية مستقبلية في المنطقة مع أطراف عربية أخرى ،خاصة بعد النجاح المشترك لتجربة التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية لدعم واستعادة الشرعية فى اليمن.
استمرت المرحلة منذ تحرير الكويت وبدء القرن الجديد قرابة عقد من الزمان، وشهد هذا العقد بدء الخلل في التوازن الاستراتيجي العسكري العراقي الإيراني لصالح الأخيرة التي ركزت على بناء قدرات ذاتية صاروخية كبيرة ومتنوعة المديات لتعوض بها ضعف قواتها الجوية، ولتكون وسائط حمل لأي (قدرات نووية) مستقبلية !! وهو ما قابلته الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون بمبيعات قوات جوية متطورة كماً ونوعاً إلى دول الخليج مع نشر نظام الدفاع الجوي والصاروخي الأمريكي في المنطقة والشروع لا حقًا فى بناء نظام اعتراض صاروخي متكامل على غرار نظام القبة الحديدية الذي لم يخرج إلى حيز التنفيذ بعد، لأسباب غير واضحة من الجانبين الأمريكي والخليجي. كما امتلكت بعض الدول الخليجية قدرات صاروخية باليستية كالسعودية والإمارات، لتدخل ضمن موازين القوى غير التقليدية فى منطقة الخليج..
كانت تلك المرحلة فى المجمل فى صالح تنامي العلاقات الاستراتيحية وخاصة الدفاعية والاقتصادية النفطية بين كل من الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجى(بعد تشكيل المجلس) حيث اجتذبت الولايات المتحدة بعض حلفائها الغربيين كبريطانيا وفرنسا عسكريًا إلى الخليج مع تشكيل و بناء الأسطول البحرى الخامس ومقره المنامة بالبحرين، وأيضًا ظلت القيادة المركزية العسكرية الأمريكية داخل إحدى الدول الخليجية، كما شرعت دول مجلس التعاون الخليجي فى بناء قوة عسكرية مشتركة تحت مسمى (قوات درع الجزيرة) تمهيدا لبناء جيوش ذكية تعتمد على الكيف أكثر من الكم، وبما يتناسب مع القدرات الديموجرافية لمعظم دول المجلس، وصولًا لمرحلة الاعتماد على الذات تدريجيًا بديلاً للحماية الأجنبية وخاصة الأمريكية التى بدت إرهاصات تراجعها مؤخراً..
ثانيًا : التداعيات السلبية لأحداث 11سبتمبر وغزو العراق،على العلاقات الأمريكية الخليجية :
تزامن ذلك مطلع القرن الجديد ووصول الرئيس الأمريكى بوش الابن إلى البيت الأبيض، مع حادثين أضرا بالمنطقة العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص كالآتي:
الأول : أحداث 11 سبتمبر 2001م، بإسقاط برجي التجارة العالميان وإصابة (قدس أقداس) العسكرية الأمريكية لمقر وزارة الدفاع (البينتاجون) بعملية إرهابية نوعية متزامنة بواسطة أربع طائرات مدنية مختطَفة، خلًفت الآلاف من القتلى والجرحى،حيث كان الجرح الأكبرغوراً فى الكبرياء الأمريكي العام والدفاعي الخاص. بمشاعر شبيهة بمأساة (بيرل هاربور) خلال الحرب العالمية الثانية. خاصة أن رئاسة الجمهوريين الجديدة وقتها ينتمى معظمها إلى الصقور،مما أصابها بحرج كبير أمام الشعب الأمريكي. وكانت النظرة إلى الشرق الأوسط سلبية نظراً إلى انتماء كل المنفذين للعمل الإرهابي ،كما كان أغلبهم من دول الخليج ،رغم أن ذلك انتماء فردى وشخصي وهو ما ينطبق على إدانة تمويل العملية الإرهابية أيضاً.
والثاني : بني على الأول وسوًقته القيادة الأمريكية للشعب الأمريكي لامتصاص غضبه، وكان أكثر سوءًا ؟؟ وهو غزو واحتلال العراق بإعتبار أن الخطوة التالية للإرهاب ضد الوليات المتحدة، هى استخدام الأسلحة النووية بأحجام وأوزان صغيرة التي يملكها العراق أو على وشك، وأن صدام حسين لن يتورع فى ذلك إنتقاما لهزيمته وإزاحته عن الكويت. ورغم أن الهيئة الدولية للطاقة الذرية لم تجد شيئًا فى العراق،إلا أن الغزو قد تم - خارج إطار مجلس الأمن- حيث تم تفكيك العراق جيش وشرطة وحزب، وهو ما نتج عنه خلل وضرر كبيرين.الخلل كان فى ميزان القوى الإقليمي لصالح إيران وغير صالح دول الخليج، والذى استمر وتفاقم حتى الآن، مع طموح امتلاك الأسلحة النووية.. أما الضرر فكان تقوية وانتشار داعش التى ولدت من رحم القاعدة فى بلاد الرافدين، حيث دعمها الكثير ممن سُرٍحوا من الجيش والشرطة العراقية.
ثالثًا : السياسة الأمريكىية الجديدة والخلل فى موازين القوى فى الخليج :
تزامنت فترة حكم الديموقراطيين للرئيس اوباما ونائبة بايدين-الرئيس الحالى-مع بدء السياسة العسكرية الجديدة للولايات المتحدة والتراجع الاستراتيجي في عدة محاور رئيسية تتمحور فى (الأرتدادات و التخفيف) بشكل عام أو من مناطق استراتيجية لدعم مناطق استراتيجية أخرى، مع تنويع المواجهة فى شكل احتواء مزدوج لكل من الصين وروسيا، و استمرار الاعتماد على الحروب بالوكالة لدعم الحلفاء، وأخيرًا مجابهة المشروع النووي الإيراني، والتي تتم بشكل غير حاسم وفعال.
1-الارتداد والتخفيف: وتم من أفغانستان وكذلك منطقة الخليج العربى سواء من العراق أو دول مجلس التعاون الخليجى وإن اختلف التكتيك، ففى أفغانستان تم الانسحاب لكامل القوات دون الأسلحة، وفى العراق تم إنسحاب للقوات والأسلحة مع ترك مستشارين ومدربين عسكريين،أما فى الخليج فقد تم سحب أقل للقوات وبعض الأسلحة ومنها بعض الأسلحة النوعية الحرجة كالدفاع الجوى وهو ما قوبل بعدم ارتياح ليس خليجى فقط بل وعربى أيضًا.
وبنظرة جيوبوليتيكية نجد أن تلك الانسحابات والتخفيفات الأمريكية كانت فى صالح إيران على حساب الحلفاء الأمريكيين، فأفغانستان على حدود إيران الشمالية الشرقية والعراق على طول حدودها الشمالية الغربية ودول مجلس التعاون الخليجى غربها عبر الخليج العربى.
2-الاحتواء المزدوج الأمريكى لكل من روسيا والصين: كان ذلك ضمن (نظرية) هيلارى كلينتون وزير الخارجية فى حكومة الرئيس أوباما ثم كان جزء من برنامجها للانتخابات الرئاسية التى خسرتها أمام الرئيس الجمهوري دونالد ترامب. -تجاه روسيا: وتتلخص فى تمدد معظمه يابسي لاحتوائها روسيا من خلال توسع حلف الأطلنطى الذى ضم معظم دول أوروبا الشرقية ودول حلف وارسو السابق ليصل إلى 30 دولة ويقع بعضها على الحدود الروسية مباشرة مثل استونيا ولاتفيا،والمحاولة مع أوكرانيا الكبيرة وهوما كان أحد أسباب نشوب الحرب الروسية على أوكرانيا. مع استمرار تركيا للاحتواء الجنوبى للبحر الأسود والممرات الاستراتيجية إلى البحر الأبيض.
-تجاه الصين : وتم التخطيط لذلك من خلال إنشاء (التفاهمات الأمنية)لتجمع (كواد) عام 2007م، الذى ضم بالإضافة إلى الولايات المتحدة كل من الهند واليابان واستراليا،ثم تجمع (أوكاس)الدفاعى الذى ضم مع الولايات المتحدة كل من بريطانيا واستراليا عام 2021م، وتم التأسيس له ببيع عدد 8 غواصات نووية أمريكية شديدة التطور من طراز فيرجينيا إلى استراليا(القاسم المشترك بين التجمعين) وهو ما أزعج الصين تجاه بحر الصين الجنوبي الذي تعتبره فنائها البحري، خاصة أنه يضم كل من تايوان وهونج كونج.
يهدف المخطط الأمريكي البحري لاحتواء الصين بحريًا-بالتعاون مع بريطانيا-على إنشاء أسطول بحري خاص(تاسك فورس-إندو باسيفيك) يتشكل معظمه من الأسطول السابع الأمريكي القوي فى المحيط الهادي وقيادته فى اليابان، ويستكمل هذا الأسطول من الأسطول الخامس فى الخليج العربي وقيادته فى البحرين- وهذا ما يهمنا- إذ سيتم التخفيف البحري الحليف الداعم للدول الخليجية محدودة القوى البحرية،لصالح إيران المتفوقة بحريًا، مما يزيد الخلل فى ميزان القوى البحري الخليجي الإيراني لصالح الأخيرة.
3-الولايات المتحدة وزيادة الاعتماد على الحروب بالوكالة :
كانت آخر حروبها بالاصالة عن نفسها فى فيتنام فى ستينيات القرن الماضى، ورغم أنها كسبت معظم المعارك الميدانية إلا أنها قد خسرت الحرب لإخفاقها فى تحقيق الهدف منها كما تنص الاستراتيجيات الدولية المستقرة. ولتجنب سخط الرأي العام الأمريكى نتيجة الخسائر البشرية، فقد اتجهت إلى الحروب بالوكالة التي أرستها في أفغانستان بواسطة الميليشيات المسلحة للقاعدة بمواجهة الاتحاد السوفيتي، ثم كان آخرها وما زال باستخدام الجيش الأوكراني ضد روسيا الاتحادية وكان الاستثناء في منطقة الخليج خلال حرب تحرير الكويت من الغزو والاحتلال العراقي، حيث كان مطلباً دولياً وأخلاقياً تحت غطاء الأمم المتحدة ومن خلال قرار مجلس الأمن،حيث تمت هزيمة الجيش العراقى وإزاحته عن الكويت دون احتلال العراق،وكان ذلك أيضًا إخلالًا بموازين القوى لصالح إيران فى منطقة الخليج العربى ككل بما فيها العراق، ثم ذاد ذلك الخلل بالاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003م، استتبعه تفكيك الدولة العراقية التى كانت واعدة..
رابعًا : المشروع النووي الإيراني وإخلال التوازن فى الخليج وتحفظات على المجابهة الأمريكية:
كان المشروع النووي الإيراني-ومازال- أحد أهم الطموحات الإيرانية منذ الثورة عام 1979م، التي أطاحت بنظام الشاه محمد رضا بهلوى شرطى الولايات المتحدة فى المنطقة وحليف وداعم إسرائيل الدولة النووية الوحيدة فى المنطقة قبل الثورة الإيرانية بعقد من الزمان على الأقل، حيث روجت إيران لأهمية التوازن النووي مع إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، كما أطلق البعض مسميات مستحدثة مثل(القنبلة الإسلامية-أو التوازن النووي الإسلامي في مواجهة إسرائيل).
زاد الترويج الإيراني لاستراتيجية التوازن النووي الإقليمي مع إسرائيل، بنجاح باكستان لذلك التوازن مع الهند قرب نهاية القرن الماضى.. حيث زادت القوة الدافعة الإيرانية لمشروعها النووى مع الاستفادة من أخطاء تجربة الماضى العراقى وبناء مفاعلات ضخمة فى(اوزراك) سَهُل استهدافها بواسطة الطيران الإسرائيلى فى بداية الحرب العراقية الإيرانية عام 1981م، ولذلك انتهجت إيران نهج (تكنيك) الطرد المركزى(سينترفيوج) بآلاف الوحدات السوفيتة/الروسية فى أنفاق جبلية عميقة تقاوم الضربات الجوية والصاروخية-وربما النووية- وهو ما تنفذه إسرائيل حاليًا دون إعلان كضربات مجهولة المصدر. وحتى فى حالة إعطاب أو تدمير بعضها، فإنه يمكن استعاضتها وإعادة التشغيل عكس المفعلات الضخمة.
اتفاقية 5+1 بين الإرساء والإلغاء ومحاولة إعادة الإحياء :
1-إرساء الاتفاق 5+1 فى 14يوليو 2015:
أرادت حكومة الريئس أوباما- فى مرحلة حكمها الثانية- ألا تغادر البيت الأبيض قبل توقيع هذا الاتفاق ليحسب فى سجلها-مع تخفيف القوات الأمريكية فى الخارج بالإضافة إلى إغتيال أسامة بن لادن قائد القاعدة التى نفذت أحداث 11 سبتمبر 2001م، خلال فترة سلفه الجمهوري بوش الابن- ولذلك بذلت جهودًا كبيرة مع حلفائها وروسيا والهيئة الدولية للطاقة الذرية للوصول لهذا الاتفاق مع إيران التى راوغت بشدة واستنفذت الوقت ليخرج الاتفاق بشكل هزيل لم يرض حلافاء وأصدقاء الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي وحتى إسرائيل.
وتلخص ضعف الاتفاق فى نقاط ثلاثة: الأولي : هى عدم احتوائه وشموله على القوة الصاروخية الإيرانية التى تمثل وسيلة نقل وتوصيل الرؤوس النووية إلى أهدافها خاصة أن الترسانة الصاروخية آخذة فى التطور من حيث المديات المتدرجة من القصير إلى المتوسط إلى الطويل، ومن الوقود السائل إلى الجاف الذى يقلل فرصة الاعتراض الصاروخى فى المراحل الأولى للإطلاق.
والثانية: عدم إعطاء الصلاحيات الأكبر للوكالة الدولية للطاقة الذرية لإحكام السيطرة والمراقبة على البرنامج الإيراني خاصة مع المراوغات الإيرانية المتوقعة التى تعلمتها إيران من كوريا الشمالية خلال مشروعها النووي المشابه الذى وصل إلى حد طرد مندوبي وكالة الطاقة الذرية والولايات المتحدة من مجمع(يونج بيونج)النووى فى 16 أبريل 2009 م!! . أما الثالثة: فكانت عدم تعرض الاتفاق ولو على خطوط عريضة عن عدم التدخل الإيراني فى الشؤون الداخلية لبعض دول الإقليم كما هو فى اليمن والعراق وبشكل أقل في البحرين، مع استمرار احتلال الجزر الإماراتية الثلاثة وهو ما يؤثر بالسلب بشكل مباشر أو غير مباشر على دول مجلس التعاون والعراق واليمن.
كان مُكوٍن القدرات والتهديد النووي سابقًا يقاس بامتلاك السلاح النووي(قنبلة أو رأس حربية) بالإضافة لوسائل النقل و التوصيل إلى الأهداف برًا أو بحرًا أو جوًا، ولكن مؤخرًا تمت إضافة (إرادة الاستخدام) للدولة المالكة وقياداتها وهو ما لا تفتقر إيران إليه اُسوة بإسرائيل وكوريا الشمالية، مما يضيف بعدًا آخر للتهديد الإيراني وخاصة لمنطقة الخليج العربى المتاخمة.
2-إلغاء الإتفاق 5+1 فى 8 مايو 2015:
وتم بواسطة الرئيس الجمهوري ترامب مرتكزًا على بعض النقاط السابق الإشارة إليها بالإضافة إلى تسجيل نقطة ضعف ضد خصومه الديموقراطيين، وهو ما أضاف ضررًا تراكميًا استغلته إيران بذكاء- رغم العقوبات الاقتصادية - في تسريع برنامجها النووي مع عرقلة الرقابة الدولية والابتعاد عن أى قيود فرضها الاتفاق المُلغى،ومن المرجح أن البرنامج النووى الإيرانى تخطى مرحلة(تخصيب/إثراء) اليورانيوم لتوليد الكهرباء دون درجة نقاء 20% وتجاوزها إلى درجة 55 -65% متجاوزًا المرحلة الرمادية بكثير مقتربًا من مرحلة نقاء 90% التى تضعه على العتبة النووية لإنتاج سلاح نووي، والتي يمكن أن يصلها خلال مدة من عدة أشهر إلى عام ،إذا ما استمر استنزاف الوقت خلال المفاوضات الجارية.
3-محاولة إعادة إحياء الاتفاق 5+1 :
وهى المرحلة الحالية التى تحاولها حكومة الرئيس بايدين الديموقراطية دون الوصول إلى نتائج ملموسة سواء فى فينا أو الدوحة، حيث تحاول الولايات المتحدة ملافاة نقاط الضعف السابق الإشارة إليها فى الاتفاق الأول وهو ما ترفضه إيران ،التى تُصِر على ضرورة رفع العقوبات أولاً، عازفة على وتر احتياج أوروبا للنفط والغاز الإيرانى نتيجة تداعيات الأزمة الأوكرانية وخاصة قبل فصل الشتاء، وهو ما تستغله إيران لكسب الوقت وعرقلة عمل فرق هيئة الطاقة الذرية التى وصلت إلى مستوى فصل كاميرات المراقبة وإخفاء بعض مناطق التخزين وإنكار الإشعاع الصادر منها الخ.. وصولاً إلى العتبة النووية كما سبق،ليستيقظ العالم يومًا على تفجير نووي إيرانى فى (جبال زاجروس أو صحراء لوط) يغير معادلة التوازن وحسابات القوة والردع بشدة فى الشرق الأوسط وخاصة منطقة الخليج ، التى ستكون مسرحًا لأي حسابات خاطئة للأطراف الثلاثة، إيران- وإسرائيل- والولايات المتحدة.
خامسًا : التداعيات السلبية للحرب الروسية على أوكرانيا،على منطقة الخليج :
ونرصد هنا ترابط تلك التداعيات من خلال مثلث، أمريكا والغرب- وروسيا- والخليج العربى وإيران. حيث التقارب الروسى الإيرانى فى مواجهة أمريكا والغرب من منطلق(عدو عدوي صديقي)وأثره على الخليج العربي وخاصة مجلس التعاون فى المجالين العسكري والاقتصادي.
1-التداعيات الاستراتيجية العسكرية:
أدت أزمة الحرب الروسية على أوكرانيا فى فبراير الماضي ،إلى إدانة دولية شبه إجماعية فى الأمم المتحدة (عدا خمس دول منها روسيا والصين وكوريا الشمالية) بعدم جواز احتلال أراضي الغير بالقوة المسلحة،مما حدا بروسيا بتثمين دور والتقرب ممن امتنعوا عن التصويت وكسب مساحة مناورة مع المناوئين للولايات المتحدة، فكان التقارب الروسي الإيراني فى مجالات التسلح التي تتفوق فيها روسيا والتي هى مجالات الضعف الإيراني مثل سلسلة طرازات طائرات القتال المتقدمة (ميج- وسوخوي) وكذلك نُظم الدفاع الجوي المتطورة(س س300- س س400) وقد يتم التفاوض المبكر على (س س500) فور إتاحته، للحماية المتدرجة لمشروع إيران النووي في مواجهة أي تهديد جوي متطور إسرائيلي منفرد أو مشترك مما يُخِل بموازين القوى فى المنطقة مع تحييد نقاط القوة الخليجية الجوية المتفوقة كمًا ونوعًا.
2-التداعيات الاستراتيجية الاقتصادية :
وهى مرتبطة أساساً بمصادر الطاقة النفطية والغازية،حيث يعتبر الخليج وروسيا أكبر مصادره عالمياً. وإذا كانت إيران مازالت تحت العقوبات الاقتصادية، فإن الطلب الأمريكي والغربي سيقع على الدول العربية الخليجية وخاصة السعودية لزيادة الإنتاج لمجابهة المقاطعة الأوروبية للغاز الروسى عقابًا على غزوها لأوكرانيا، حيث أضرت تلك المقاطعة بدول أوروبية تعتمد كليًا على الغاز الروسى مثل المجر أو بشكل كبير مثل ألمانيا أو بشكل متفاوت مثل معظم باقى الدول الأوروبية.
سادسًا: ملامح وأهمية تصويب العلاقات الخليجية الأمريكية لصالح الطرفين :
مما سبق تظهر ملامح القلق الخليجى سواء بشكل مباشر تجاه العلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة والمستقرة منذ عقود، أو بشكل غير مباشر سواء تجاه إيران ومشروعيها النووي والصاروخي، أو تنامي العلاقات الروسية الإيرانية التسليحية إنعكاسًا على تداعيات الأزمة الأوكرانية. هذا بالإضافة إلى عدم قيام الولايات المتحدة بدور فعال لحل الأزمة اليمنية المؤثرة بالسلب على أمن واستقرار الخليج. ليبرز السؤال الهام : ما هو التصويب المتوقع والمسارات المحتملة لاستعادة العلاقات الاستراتيجية الأمريكية الخليجية واستعادة التوازن والتفوق في ظل التهديدات الإيرانية والإرهابية المتنامية فى الإقليم ؟
حيث يؤسًسْ للانطلاقة الجديدة لتلك العلاقات،على مخرجات مؤتمر (جدة للأمن والتنمية) فى 16 يوليو الماضي والذى دعا إليه الملك سلمان بن عبد العزيزوحضره الرئيس جو بايدن ورؤساء وملوك وأمراء دول مجلس التعاون الخليجى وكل من مصر والعراق والأردن.
1-إعادة دعم التواجد العسكري الأمريكي النوعي فى الخليج لمواجهة إيران :
مما سبق يتضح أن دول الخليج العربى بما فيها العراق باتت مهددة وأن التهديد طال كل شبه الجزيرة العربية بما فيها اليمن المغلوب على أمره، وإن هذا التهديد العسكري قد يتحول إلى تهديد وجودي حالة وصول إيران إلى قنبلتها الذرية التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى من ملامسة عتبتها النووية. وأن ذلك يتوازى مع التطور الكبير للقوة الصاروخية الإيرانية التي وصلت إلى مدى حوالى 2000 كم بما يغطي كل شبه الجزيرة العربية ويتجاوزها إلى الأردن وفلسطين وإسرائيل ولبنان وأجزاء من سوريا و مصر.
مما حدى بالولايات المتحدة أن تفكر فى شكل تعاون وشراكة أمنية تضم كل تلك الدول عدا اليمن وسوريا ولبنان، أى العشرة دول الحليفة والصديقة للولايات المتحدة التى ستقود وتنسق لذلك التعاون.خاصة بعد فشل مشروع الشرق الأوسط الكبير.
تبقى إشكالية السؤال الهام، كيف تستطيع الولايات المتحدة دمج إسرائيل ضمن هذا التجمع بشكل أو بآخر؟ ومدى تقبل الأطراف العربية لذلك؟خاصة التى لا يربطها بإسرائيل اتفاقيات سلام أو تطبيع؟ وأهمها المملكة العربية السعودية التى سيتم الطلب منها إتخاذ خطوات فى اتجاه التطبيع. وأعتقد أن هذا ممكن بشرط ،أن تقدم إسرائيل خطوة تتناسب مع ثقل ومكانة المملكة وهذا التجمع ،وخاصة تجاه القضية الفلسطينية،وليس أقل من المشروع السابق للملك عبد الله في بيروت وهو الأرض مقابل السلام وحل الدولتين الذى تناوله الرئيس بايدن خلال زيارته لرام الله وأيضًا خلال مؤتمر جدة.
ومهما كانت صيغة التحالف ومسمياته المقترحة، فيجب أن يركز على إرساء نظام دفاعي متكامل ضد الصواريخ والقوات الجوية الإيرانية بوسائل متدرجة ومتطورة ، تبدأ من المستوى التسليحي التقليدي وحتى مستوى الاعتراض من الفضاء، مرورًا بفوق التقليدي بما فيه ما يشبه تقنية القبة الحديدية، وكذلك الحرب الإليكترونية والسيبرانية. وهوما سنراقبه عن كثب..
2-ضرورة تحجيم المشروع الإيرانى النووي والصاروخي :
أهمية ملاقاة نقاط ضعف 5+1 الأول الملغي والإصرار على إدراج البرنامج الصاروخي المرتبط والمكمل للمشروع النووي-وليس كمشروع منفصل-بل وسيلة توصيل للرؤوس النووية إلى أهدافها، مع عدم السماح لإيران باستهلاك الوقت وصولًا لهدفها النهائى بامتلاك أسلحة نووية، ووضع العالم والمنطقة أمام الأمر الواقع خاصة أن قيادات الملالي تملك إرادة الاستخدام، مثلها مثل إسرائيل وكوريا الشمالية.
3-مواجهة التعاون التسليحي الإيراني الروسي النوعي:
بالحفاظ على التفوق النوعي والكمي للدول العربية الخليجية في مجالات القوات الجوية والدفاع الجوي والصاروخي القادر على مهاجمة مرابض القوة الصاروخية الإيرانية ثم القدرة على اعتراض ما ينفذ منها خاصىة مع صعوبة قلة زمن الإنذار والوصول إلى الأهداف لقصر المسافة عبر الخليج، خاصة أن معظم الأهداف الخليجية العربية تقع فى مرامي جميع مديات الصواريخ بما فيها قصيرة المدى.
مع دراسة إمكانية امتلاك الخليج العربي لتلك الأسلحة النوعية الروسية وخاصة نظم الدفاع الجوي من عائلة(إس إس 400 و 500 )عند إتاحة الأخيرة، بالتنسيق مع الولايات المتحدة لصالح الخليج العربي دون حساسية أمريكية غربية.
4-المشاركة الأمريكية الفعالة لحل الأزمة اليمنية :
أهمية أن تبدي الولايات المتحدة اهتمامًا زائدًا بحل الأزمة اليمنية وثبات موقفها من الميليشيات الحوثية الإرهابية طبقًا لقرار مجلس الأمن رقم 2624 أول مارس 2022م، بعد سابق رفعها فى 16 فبراير 2021 م، بواسطة القيادة الأمريكية !! مما كان موضع استنكار عربي وخليجي .. مع دعم المبادرات السعودية وغيرها للحل السياسي، وتفعيل تواجدها وقيادة التحالف الدولي البحري في القرن الإفريقي وخليج عدن، لحصار الموانئ اليمنية لمنع وصول الإمدادات العسكرية الإيرانية وخاصة الصاروخية إلى الحوثيين، وتفتيش السفن المشتبه فيها كما تم مؤخرًا في فبراير الماضي بواسطة الدورية البريطانية تجاه سفينتين إيرانيتين تم مصادرتهما بما تحمل من محركات صواريخ باليستية وصواريخ كروز ذات مدى حتى 1000كم، وهو ما سبق أن كررناه كثيرًا بأهمية إحكام السيطرة على المنطقة من ميناء المكلا وشرقًا حتى قرب الحدود العمانية حيث يتم التفريغ من السفن الكبيرة إلى الصغيرة وبرًا إلى صنعاء أو الجوف وصعدة قرب الحدود السعودية.
5- بالإضافة إلى : استمرار محاربة الإرهاب في الإقليم وكذلك الأزمة الغذائية التى ضاعفتها الحرب الروسية على أوكرانيا وأيضًا توابع أزمة المناخ والبيئة.
ونخلص إلى :
أنه ربما أجاب مؤتمر جدة للأمن والتنمية - الذى تزامن مع إنهاء المقال - على معظم السؤال المحوري عن مدى الحاجة إلى تصويب العلاقات الأمريكية الخليجية/الشرق أوسطية لصالح الطرفين، متى وضعت توصيات بيانه الختامي موضع التنفيذ، بعودة الولايات المتحدة لملء فراغها للعمل المشترك لمواجهة التهديدات الإيرانية المتنوعة فى الإقليم وأيضًا تهديدات الممرات المائية الاستراتيجية وكذلك القضاء على الإرهاب وروافده، والحل العادل للقضية الفلسطينية المركزية،ومجابهة التأثيرات السلبية لتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا وخاصة فى المجالات العسكرية والطاقة والغذاء.
وذلك من خلال خطة شاملة واضحة المعالم مع إعطاء أولوية لمجابهة المشروع النووي الإيراني وإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل، لتتوجه الخطة إلى الجزء الثاني من المؤتمر وهو التنمية من أجل السلام والتقدم ورفاهية الشعوب..