array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 177

تمارس أمريكا مع إيران سياسة ظاهرها العداء وباطنها تمكين ايران في المنطقة

الأحد، 28 آب/أغسطس 2022

 " لن نتخلى (عن الشرق الأوسط) ولن نترك فراغا تملؤه الصين أو روسيا أو إيران. سنسعى للبناء على هذه اللحظة بقيادة أمريكية فاعلة وذات مبادئ".

كان هذا ما قاله الرئيس الأمريكي في كلمته أثناء مؤتمر " الأمن والتنمية" والذي عقد في مدينة جدة في المملكة العربية السعودية بتأريخ 16/7/2022 م

وأضاف " «لن تسمح لإيران بنشر التوترات وسنوفر الدعم لحلفائنا في المنطقة».

كان لمثل هذا الخطاب أن يؤخذ على محمل الجد والاطمئنان لو كان  قاله السيد بايدن في بداية توليه مقاليد الرئاسة . وكان للسيد بايدن أن يقول ذلك بمنتهى الثقة من منطلق الشراكة التي كانت سائدة بين الولايات المتحدة ودول الخليج.

ولكن وبعد تنصل السيد بايدن عن الكثير من بنود هذه الشراكة  أثناء دخوله البيت ألبيض وبعد المتغيرات الكثيرة التي حدثت في المنطقة فإن مثل هذا التصريح يعني الولايات المتحدة وحدها، وسيؤخذ بكثير من عدم المصداقية هنا،  ولم يعد للولايات المتحدة حق الإملاءات او أتخاذ القرارات من طرف واحد .

ولقد عبرت سفير خادم الحرمين الشريفين في واشنطن سمو الأميرة ريما بنت بندر عن ذلك بقولها " ان نموذج النفط مقابل الأمن عفا عليه الزمن.

وبالتالي فأن نوعا من العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية قد اعيد تأسيسها اعتبارا من مؤتمر جدة، بل وقبل ذلك، علاقة تمليها مصالح المملكة  وامنها  واستقلاليتها في  المقام الأول، ثم التزاماتها الدولية ووزنها المتصاعد كأحد الدول الرئيسة في العالم.

ولن تكون المملكة ورقة في اجندات القوى العالمية  ومحاورها، وانما  دولة لها كامل استقلاليتها ويحدد علاقتها بهذه الأحلاف والمحاور مصلحتها ودورها الريادي في هذه المنطقة من العالم وكأحد الدول الرئيسة الفاعلة فيه.

ويؤكد هذا القول المكتسبات الكبيرة التي حققتها المملكة العربية السعودية كدولة محورية فاعلة في الشرق الأوسط والعالم ،ليس على مستوى النفط كمنتج رئيسي لهذه  المادة ،ولكن على المستوى الاقتصادي والأمني والثقل السياسي ، بحيث لن تنجح أي ترتيبات سياسية أو اقتصادية في العالم دون الأخذ في الاعتبار مكانة ومشاركة و موافقة المملكة في ذلك.

وهذا ما جعل السيد بايدن يتراجع عن كل تصريحاته الانتخابية، ويطلب زيارة المملكة والاجتماع بزعماء المنطقة كاعتذار غير معلن ، ثم و من أجل محاولة دعم موقف أمريكا والغرب في النزاع السوفيتي  الغربي حول الأزمنة الأوكرانية  وتأمين احتياجاتها النفطية، ومن أجل ترتيبات مواجهة الصين على المستوى الأبعد.

 .قراءة خاطئة

كل مراكز الابحاث و خبراء مراكز الفكر  لدى الولايات المتحدة عجزت عن فهم توجهات القيادات الجيدة في منطقة الخليج وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية.

كانت مراكز الدراسات ومراكز الأبحاث قد فهمت أن عصر النفط قد أنتهى وأن نفط الخليج فقد اهميته بعد تعرض أسعار النفط إلى اهتزازات كبيرة  بحكم الوفرة النفطية في اماكن اخرى من العالم وشيوع ثقافة البدائل والنفط الصخري.

ووجدت أمريكا نفسها تتنصل من هذه الشراكة التي ربطتها بدول وحكومات الخليج على مدى سبعين عاما، وجعلت هذه الشراكة في أولوية  متدنية جدا، جاعلة من تصاعد نفوذ العسكري الصيني  والاقتصادي هاجسها الاول، بل وأطلقت ودعمت ما يسمى بالربيع العربي في محاولة منها لخلق ثقافة الفوضى في المنطقة .

 وقد أجادت  قيادات المنطقة قراءة هذه المتغيرات  مبكرا وبدأت العمل فيما بينها من لإفشال المشروع الأمريكي أولا، ثم خلق وتطوير قدراتها الذاتية نحو التحرر من ثقافة الهيمنة،  وفي المقابل خلق عالم مواز  يعمل بمبدأ الندية وتكريس الاعتماد على الذات، وتزعم هذا المحور كلا من الرياض والقاهرة وابوظبي.

وما لبثت أسعار النفط أن استقرت ثم بدأت في الصعود ،بعد جهود مضنية قادتها المملكة العربية السعودية  وروسيا في ما عرف ب (اوبك بلس).

واخيرا اندلع النزاع الروسي الغربي في الساحة الاوكرانية وليصعد بأسعار النفط نحو اسعار غير مسبوقة، وادركت الولايات المتحدة أهمية مصالحها النفطية في الخليج مجددا، وأن دول الخليج وحدها وعلى المستوى البعيد لديها القدرة على التحكم في أسعار واستقرار النفط والغاز ، غير أن هذا الإدراك جاء  متأخرا وبعد أن تسببت سياسية الولايات المتحدة (السيد بايدن تحديدا) في الكثير من تشويش العلاقات، ورغم تصريحات المسؤولين الأمريكيين ورحلاتهم المتتابعة الى الرياض لإصلاح هذه العلاقة إلا أنها لم تفعل الكثير،  ولم تستطع  الحصول على وعد بضخ المزيد من النفط  من الدول الفاعلة (الرياض وأبوظبي) والتي أكدت التزامها بقرارات (أوبك بلس)  تاركة الإنتاج مرهونا  لسياسة العرض والطلب و وفق حصص الدول المقررة.

ولهذا تعيد الآن الولايات المتحدة وعودها وتؤكد رغبتها و التزامها بمبدأ الشراكة  كما أكد ذلك رئيس الولايات المتحدة في مؤتمر جدة ( دعوني فقط أوضح بأن الولايات المتحدة ستبقى دائما ناشطة هنا وشريكة للشرق الأوسط ومع اشتداد التنافس في العالم، ومع تعقيد المنافسة بيننا فيتضح لي بكل تأكيد كيف أن مصالحنا مشتركة وأن نجاحنا مرتبط تمامًا معًا.)

غير ان هذا التأكيد على الالتزام وكما قلنا  يبدو وكأنه قد تأخر، وأن على الولايات المتحدة أولا اصلاح الكثير من العطب وكسب الثقة مجددا وقبل الحديث عن أي شراكة .

فوارق في الرؤية

في ندوة افتراضية عقدت في معهد الخليج العربي بواشنطن في  19 يوليو الماضي لتقييم ما حققه الرئيس بايدن وشركاء الولايات المتحدة اثناء زيارته للمنطقة ذكر المشاركون (وهم من عدة دول) نقطة مهمة  جدا وهي عدم المام أو تفهم  الولايات المتحدة أو السيد بايدن تحديدا لعقليات القيادات الشابة والجديدة في المنطقة وتوجهاتها  وعدم القدرة على خلق علاقة تواصل شخصية معها . وقد بدا ذلك واضحا على ملامح الرئيس الأمريكي وهو يلقي خطابه في مؤتمر الأمن والتنمية في مدينة جدة. وكان يبدو تائها وهو يتحدث بلغة ضبابية وغير مقنعة وبها الكثير من الأنا، وكان يتحدث كصوت من الماضي، وإلا كيف يقرر من طرف الولايات المتحدة وحدها ويقول " ولن نترك فراغا تملؤه الصين أو روسيا أو إيران." وكأنه لا خيارات لدول المنطقة؟.

وما لبث أن جاء الرد من السلطات الصينة بالقول " نحن على قناعة بأن إخواننا في الشرق الأوسط لديهم القدرة والحكمة للحفاظ على الوضع العام للسلام والاستقرار وحل المشكلات التي خلفها التاريخ" وأضاف المصدر الصيني  "إن المنطقة ليست باحة خلفية لأحد."

هذا التصريح من جانب الولايات المتحدة يبين مدى التباين في المواقف بينها وبين حلفائها السابقين في المنطقة والتي تعمل على تطوير علاقات شراكة ومصالح متبادلة مع الصين وروسيا ودول آخري، علاقات تتسم بالمصداقية والموثوقية والندية ،ودول المنطقة مطمئنة وماضية في هذه الشراكة وتنميتها ليس على المستوى الأمني كما تتحدث الولايات المتحدة  دائما وإنما في جميع المجالات الصناعية والعسكرية والتقنية .

ولذلك اختارت دول المنطقة النأي بنفسها بعيدا عن ترتيبات الولايات الأمنية في المنطقة، وهي بكل تأكيد لن تكون ورقة ضمن سياسات الأحلاف والمحاور والتي تحاول الولايات المتحدة حشدها من أجل مواجهة  تنامي القدرات الصينية، دول المنطقة وقادتها مختلفون جدا  في ورؤيتهم لمصالح بلادهم ولما يحدث في العالم عن الولايات المتحدة والحاضر مختلف جدا عن الماضي، لكن هذا المختلف لم تدركه الولايات المتحدة أو على الأقل الادارة الحالية .

ثقافة الفوضى

كان مستشار الأمن القومي السابق  في عهد الرئيس الأمريكي كارتر السيد  "زبغنيو بريجنسكي" والباحث   في مركز الدراسات السياسية والدولية في واشنطن، أول من أطلق مصطلح "سياسية الفوضى" والتي عرفت في ما بعد باسم الفوضى الخلاقة، والتي تدعو الى خلق نزاعات صغيرة حول العالم  وذلك عبر تشجيع العرقيات والإثنيات والنزاعات المسلحة ومن ثم تقوم الولايات المتحدة بدور رجل الإطفاء.

وقد اعتمدت إدارات الولايات المتحدة المتعاقبة هذا المبدأ ومن أجل ذلك حافظت على علاقتها مع الجماعات المتطرفة المنطقة وحاولت مساعدتها على التمكين في ما سمي بالربيع العربي، وتمارس مع إيران سياسة ظاهرها العداء وباطنها تمكين ايران في المنطقة وغض الطرف عن توسعها ونشر أيديولوجيتها في وسط آسيا ودول الشرق الأوسط ، وهذا يفسر كيف أن السيد بايدن والذي وعد بعلاقة شراكة مع المملكة العربية السعودية، ما لبث  أن صرح بعد عودته مباشرة إلى واشنطن أن جماعة الحوثيين ليست جماعة إرهابية رغم انها ليست أكثر من فرع للحرس الثوري الإيراني والذي تصنفه أمريكا داعما للإرهاب وهي جماعة بذات الفكر والسلاح المتدفق على اليمن .

ثم إن دول الخليج وإسرائيل أيضا على يقين أن الولايات المتحدة  لن تردع إيران عسكريا في سعيها للحصول على القدرات النووية، وستمضي في مفاوضات ماراثونية  لا طائل من ورائها سوى منح ايران الوقت،  وايران ماضية في مشروعها النوي سواء المعلن أو السري، ولهذا تؤسس دول الخليج  والمملكة تحديدا القاعدة العلمية والتقنية لامتلاك القدرات النووية إذا ما دعت الحاجة، وقد أعلن سمو ولي العهد ذلك صراحة حين قال ( في حال طورت إيران القنبلة الذرية فالسعودية سترد بالمثل و بأسرع وقت ).

وحتى يجنب سمو ولي العهد المنطقة هذا التسابق ويبعد شبح الأحلاف، رفضت المملكة الدخول في مظلة الدفاع الجوي المقترحة  وترتيبات ما سمي بـ( ناتو الشرق الأوسط ) وطرحت بدلا عنها إيجاد حلولًا سياسية واقعية لأزمات المنطقة حيث قال سمو ولي العهد  حفظه الله  " أن اكتمال منظومة الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة يتطلب إيجاد حلول سياسية واقعية للأزمات"

و وجه الحديث الى ايران قائلا  : "ندعو إيران باعتبارها دولة جارة إلى التعاون مع دول المنطقة لتكون جزءاً من هذه الرؤية من خلال الالتزام بمبادئ الشرعية الدولية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية".

ولكن إيران لن تقبل ولن تتخلى عن دورها في نشر ثقافة الفوضى والتوترات في المنطقة  والذي أدخل حتى الآن خمس دول عربية  في نطاق ما يسمى(  بالدول الفاشلة) وستستمر في دورها المشبوه والذي يكرس التواجد الأجنبي في المنطقة  ويبقيها كفزاعة .

الادارة الأمريكية و وهم الفراغ

أطلق اجتماع دول مجموعة السبع في جنوب ألمانيا 25 يونيو الماضي والذي تتزعمه الولايات المتحدة، ما يسمى مشروع "الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية" ورصد لهذا المشروع مبلغ ستمائة مليار دولار على مدى خمس سنوات وذلك من أجل  قطع الطريق على الصين والتي قطعت شوطا كبيرا في هذا المجال و قدمت مبالغ وتسهيلات كثيرة وكبيرة  لدول في افريقيا ووسط آسيا ودول المحيط الهادئ فيما عرف بمشروع " الطريق والحزام " والذي  اطلقته بكين في العام 2013 وفي أكثر من مئة دولة.

و أوضحت الدول المجتمعة  أن الدول المستهدفة ستكون أمريكا الوسطى وجنوب شرقي آسيا، وآسيا الوسطى. وهو جزء من مشروع الحد من تنامي النفوذ الصيني,

وهنا يجدر بنا القول أنه ما من فراغ  في الخليج لتملأه أمريكا ودول السبع، ولأن كان السيد بايدن يعني الفراغ الأمني والذي تركته أمريكا متخلية عن شراكتها الطويلة مع دول المنطقة (وهذا اعتراف منه بتراجع دور أمريكا ) إن كان يعني ذلك فقد ادركت دول الخليج ذلك مبكرا ، وعملت على تطوير قدراتها وتنويع مصادر تسليحها ومن كل المصادر، إضافة الى انخراطها الجاد والسريع نحو بناء قدراتها الدفاعية الخاصة سواء تلك التي أنشأتها أو بالشراكة مع شركات عالمية رائدة  ثم تنويع مصادر السلاح ووفق خطط زمنية ورؤية طموحة إضافة إلى الانخراط في حوارات بناءة لحل مشاكلها السياسية  وخفض حدة التوتر كما تفعل المملكة العربية السعودية الآن مع إيران كنموذج لذلك .

ولذلك  فمفردة (ملأ الفراغ ) مفردة لا تعني دول المنطقة في شيء وعلى الولايات المتحدة حل مشاكلها مع الصين وغير الصين وحدها، وعليها أيضا القبول بالحتمية التأريخية والتي تؤكد انها لم تعد سيدة العالم ولا القطب الأوحد وهو ما حذر منه  مبكرا السيد (  زبغنيو بريجنسكي ) قبل فترة طويلة في كتابه ( رقعة الشطرنج الكبرى   )

مصالح لا  محاور

 ادركت المملكة العربية السعودية مبكرا تخلي السياسة الامريكية عن الاهتمام بالمنطقة ، بل ورغبتها في زراعة الفوضى كما اسمتها السيدة كوندليزا رايس وزيرة خارجية أمريكا  حينها  في حديث للواشنطن بوست" عام 2005م، ورتبت لذلك ورصدت له مبلغ ثمانية ملايين دولار في حينه واطلقت من اجل ذلك قناة الحرة وراديو سوا ، وقد تمكنت بالفعل من نشر هذه الفوضى في عدد من الدول العربية وكانت الجائزة الكبرى المستهدفة هي مصر، غير أن الملك عبد الله  ـ رحمه الله ـ وبحنكته السياسية، وبوصول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم في  مصر  أفشلت هذا المشروع .

وقد أكد ذلك نشر السيد مايك بومبيو، وزير الخارجية الأميركي الأسبق  رسائل البريد الإلكتروني التي تعود إلى هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، بعدما أثيرت أقاويل تشير إلى استخدام بريدها الشخصي والتي ذكرت فيها  أن الأمير سعود الفيصل ـ رحمه الله ـ كان قد اقفل الهاتف في وجهها عندما طلبت منه التوقف عن إرسال قوات درع الجزيرة إلى البحرين في عام 2201م.

وبوصول الملك سلمان لسدة الحكم توجه شرقا نحو الصين و روسيا ودولا أخرى من أجل إقامة علاقات وثيقة أسست على الاحترام وتبادل المصالح والشراكة العميقة ، وبالتالي فإن تصريح السيد بايدن بقوله إنه لن يترك المنطقة للصين وروسيا هو تصريح يفتقر إلى اللياقة الدبلوماسية وكأن دول المنطقة احجار على رقعة شطرنج تستخدمها الولايات المتحدة.

واذا كان من لوم فهو على الولايات المتحدة التي اخلت بالتزاماتها والغت صفقات أسلحة كانت قد اعتمدت مع دول المنطقة، بل والتي  بادرت الولايات المتحدة إلى سحب بطاريات دفاعاتها الجوية من المنطقة في الوقت الذي كانت تتعرض فيه  المملكة والإمارات إلى هجمات من إيران و وكلائها في المنطقة .

ولقد تعلم الخليجيون الدرس جيدا في عدم الثقة مطلقا بالولايات المتحدة، والسعي إلى تطوير قدراتها الذاتية وتنويع مصادر السلاح.

ولأن كانت الولايات المتحدة ومجموعة (كواد) بحاجة إلى تكوين تحالف ضد الصين وروسيا، فبكل تأكيد لن تكون دول الخليج جزءً من هذا التحالف ولا تحالف ما سمي ( الناتو شرق اوسطي) إلا إذا حدثت تغيرات سياسية مهمة تؤدي إلى حلحلة المشاكل العالقة وأعادت إيران إلى الشرعية الدولية.

عالم يعاد تشكيله

عندما تتصادم الدول الكبرى يغدو مجلس الأمن عديم الفاعلية في القيام بدوره ، بل ويتحول إلى ساحة للنزال والتصفيات وتسجيل الموافق. وتغدو قراراته مجرد ملفات ورقية تحفظ لا أكثر ، و يغدو سيف (الفيتو) مسلطا على أي قرار حتى وإن كان بعيدا عن مواضيع نزاع الدول الكبرى كما رأينا في معارضة روسيا لقرار ادخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا رغم أن القرار إنساني بحت ويهدف إلى إدخال المساعدات لمخيمات اللاجئين المهددين بالمجاعة، وهذا ما يعيد التأكيد على ضرورة إصلاح المنظمة العتيدة والذي تشكل منذ اكثر من سبعين عاما، والذي منح في حينه  الدول التي لديها قدرات نووية حق الفيتو.

واليوم هناك دول كثيرة تمتلك قدرات نووية معلنة (الهند وباكستان) ودول كثيرة تمتلك قدرات غير معلنة كإسرائيل وكوريا الشمالية وربما جنوب أفريقيا، ودولا لديها القدرة التقنية على ذلك (اليابان وكوريا الجنوبية)  وغيرها،  بل وهناك دول مؤثرة على المستوى العالمي الآن وتستحق عضوية دائمة  كألمانيا ، اليابان، المملكة العربية السعودية، البرازيل، تركيا وكندا ولكنها لا تمتلك هذا الحق، حق الفيتو .

وبالتالي فإن منظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها بحاجة إلى الاصلاح وحتى تقوم بالحد الدنى من مسؤولياتها على المسرح العالمي، وسبق وأن شكل الأمين السابق للمنظمة السيد كوفي عنان  لجنة مكونة من16 شخصية اعتبارية لوضح مقترحات لهذا الاصلاح .وخرجت بتقرير مكونا من 101 مقترحا وبتوسيع المجلس ليضم 24 دولة بدلا من الدول الخامس.

والآن وأكثر من أي وقت مضى وبتغير مراكز القوى وصعود الصين لتكون قوة مهيمنة ، وبتسارع تقنيات غزو الفضاء وتقنية الذكاء الصناعي فإن اصلاح المنظمة اصبح أكثر أهمية وحتى لا تفقد فاعليتها واحترامها.

إن وثيقة  هلسنكي المنعقدة في عام 1975م، التي أسست  لعلاقات وثيقة بين الغرب والشرق وساعدت في الحد من سباق التسلح وقننت اعداد الرؤوس النووية لكل دولة تبدو اليوم عديمة الجدوى، وحل بدلا عنها التلويح باستخدام الأسلحة النووية وهو سلوك غير مسؤول ولم يحدث في ذروة الحرب الباردة.

ومؤخرًا أعلنت روسيا عقيدة بحرية جديدة، حددت مسؤوليات المصالح الوطنية  الروسية ليشمل كامل القطب الشمالي والبحر الأسود وشرق البحر الأبيض المتوسط ، وتمتد من بحر الكوريل شرقا حتى مضيق بيرنغ الفاصل ما بين ولاية الاسكا الأمريكية وسيبيريا الروسية غربا  ،مع إنشاء قواعد بحرية في البحر الأحمر والمحيط الهندي . وهي مناطق واسعة جدا قد ترهق البحرية الروسية لفرض السيادة عليها.

لقد أفرز  غزو أوكرانيا وتبعاته عالما جديدا من لا يقين (الجيوسياسي ) واعادت تشكيل الصراعات والقوى وليس على أساس قوتين او قطبين وانما تبدو وكأنها  اقطاب ثلاثة أو اقطاب متعددة، قطب الولايات المتحدة ودول حلف الناتو مضافا إليها  كوريا واليابان وأستراليا، وقطب روسيا وروسيا البيضاء وربما صربيا وبعض دول آسيا الوسطى (الشيشان) ، ثم الصين وكوريا الشمالية  وتحاول الهند وباكستان (باعتبارهما دولتين نوويتين) لحفاظ على نوع من الحياد الهش تمليه المصالح وتحدده العداوات القديمة لكن الفيصل فيه هو الاقتصاد .

وتسعى دول الخليج ومصر والأردن نحو المزيد من التقارب والتكامل لتبقى على الحياد ، وتطوير قدرات دفاعية مشتركة ومن ثم العمل  على مواجهة وافشال المشروع الإيراني المعلن .

عصر القيادات الملهمة

الغزو الروسي  لأوكرانيا  افرز تبعات كثيرة على مستوى العالم ،تبعات وتداعيات بدأت وستستمر .

وفي عالم يفتقر إلى القيادات الملهمة تأتي دول الخليج بقياداتها الاستثنائية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية للظفر باستحقاقها العالمي من التأثير والمكانة، والسير في ركب تنافسي يستلهم عناصر القوة ويؤصل للمكانة المستحقة وبأدوات وطنية بالكامل، منطلقة من قدراتها الشابة والطموحة والمدعومة بإمكانات لا حصر لها ، وهي لن تكون شرقية ولا غربية، ستكون وطنية بالمطلق، مع نسج علاقات متكافئة  مع الشرق والغرب وحيث ما تتحقق مصالحها الوطنية ثم العربية والاسلامية .

 وهي اليوم (دول الخليج) لا تراهن على أحد سوى قدراتها، وماضية وأكثر من أي يوم مضى في تفجير طاقاتها الإبداعية وضمن رؤية طموحة، ترسم الأهداف وتمضي نحوها بوعي مطلق، مدركة أن العالم يعاد تشكله وأن مكانها هناك حيث تستحق  بين الكبار وكما هو  اليوم وغدا والى ما شاء الله .

مقالات لنفس الكاتب