لعل الملياردير الأمريكي أيلون ماسك لم يكن مازحًا عندما أفاد أمام القضاة في الدعوى التي أقامتها ضده (تويتر) "أنا لم أطلب إلغاء الصفقة، بل طلبت مهلة أسبوعين لاستنتج إذا كانت الحرب في أوكرانيا سوف تتطور إلى حرب عالمية ثالثة". ولعل ماسك ما زال ينتظر، ومعه العالم كله، ودول مجلس التعاون من بينها، بروز قوى سياسية واقتصادية واجتماعية تحسم مصير النظام العالمي الجديد بعد تهاوي نظام القطب الواحد بزعامة الولايات المتحدة، وإرهاصات نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب والمحاور والكتل.
ماهي ملامح هذا النظام، وما هي احتمالات أن تكون الحرب في أوكرانيا هي الجبهة التي تتوالد من رحمها جبهات أخرى، ربما تشمل العالم بأكمله ولا تكتفي بتغيير الماضي، بل الحاضر والمستقبل أيضًا وتكون الطاقة أبرز محاوره.
يرى العديد من المحللين أن دول مجلس التعاون ستبقى منطقة مهمة من الناحية الاستراتيجية خلال العقود المقبلة، فمن المتوقع أن يزداد الطلب على الطاقة بنسبة 30 % من الآن وحتى العام 2040م. وستزداد الحاجة إلى 70 مليون برميل إضافي في اليوم من النفط والغاز الطبيعي بالرغم من التراجع المتوقع في المخزون. إلا أن هناك تحديًا يواجه جميع منتجي النفط ناتج من الدعوات نحو ضرورة تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وأثره على البيئة. خصوصًا حيال الأثر الذي ستخلفه الزيادة في عدد السيارات الكهربائية والاتجاه نحو الكهرباء وأثر ذلك على الطلب على النفط. وعلى الجانب الآخر هناك من يرى أن "استمرار الاستثمار في النفط والغاز ضروري حتى في ظل سيناريو تسارع وتيرة عملية الانتقال إلى مصادر طاقة أقل إنتاجًا للكربون." فمن المتوقع أن يستمر النفط في لعب دور رئيسي في تحديد التركيبة الجيوسياسية على مدى السنوات المائة المقبلة. ففي حين كان الطلب على النفط حوالي 75 مليون برميل يوميًا في عام 2000م، فإنه وبعد أقل من عشر سنوات ترى وكالة الطاقة الدولية "أن عطشنا العالمي للنفط الخام سوف يتضاعف بحلول عام 2030".
لقد ساهمت الصدمات المزدوجة الناجمة عن الوباء والحرب إلى حد كبير في زيادة أسعار الطاقة بصورة كبيرة لم تعهد منذ 20 عامًا، وأحدثت ليس فقط اضطرابًا في إمدادات النفط والغاز بل أنها أثرت على الصناعة النفطية التي أصبحت تحتاج إلى تعزيز قدرتها على الصمود وتأكيد أهميتها في عالم الطاقة سريع التغير. لذلك فإن سوق الطاقة بحاجة إلى تضافر الجهود ومزيد من التنسيق على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي من أجل الحفاظ على توازن إمداده والتنسيق لتطوير بدائله بما يخدم مصالح دول العالم جميعها. فالتوجه إلى تطوير مصادر بديلة للطاقة يتطلب خبرة تقنية ومالية وجيوسياسية واستثمارًا وتعاونًا.
وبلغة الأرقام فإن الإنتاج العالمي من المتوقع أن يرتفع بمقدار 4.8 مليون برميل يوميًا، ليصل إلى 100 مليون برميل يوميًا لعام 2022م، ومن المقرر أن تساهم الدول الأعضاء في أوبك+ بمقدار 3.1 مليون برميل يوميًا، في حين من المقرر أن تزيد الدول الأعضاء في أوبك+ الإمدادات بمقدار 1.7 مليون برميل يوميًا في عام 2023م. ليصل إلى مستوى سنوي قياسي يبلغ 101.7 مليون برميل يوميًا، بارتفاع المعروض من خارج أوبك+ بنحو 1.9 مليون برميل يوميًا.
وفي الشرق الأوسط، يواصل المنتجون زيادة المعروض مع تخلصهم التدريجي من تخفيضات أوبك+. وفي يوليو الماضي ضخت المملكة العربية السعودية 10.83 مليون برميل يوميًا من النفط الخام، بزيادة قدرها 250 كيلو بايت يوميًا على أساس شهري، مع زيادة المملكة الشحنات إلى أسواق النفط العالمية. وارتفع الإنتاج في الكويت 90 كيلوبايت في اليوم إلى 2.77 مليون برميل يوميًا، وواصلت الإمارات الضخ فوق هدفها في أوبك + خلال شهر يوليو، حيث ارتفع الإنتاج بمقدار 40 كيلو بايت يوميًا.
ربما تكون التوقعات الاقتصادية الأكثر قتامة وتأثيرها على نمو الاقتصادي العالمي ونمو الطلب على النفط هي الدوافع الرئيسية للتغيرات التي حدثت للسوق.
قضايا الطاقة والسياسات النفطية الخليجية لدعم التوازن والاستقرار لقطاع النفط والغاز
أدت الأزمة الناجمة عن الصراع في أوكرانيا وحاجة أوروبا إلى تنويع موردي الطاقة بعيدًا عن روسيا إلى الالتفات إلى دول المجلس لكونها تعد من أهم مصدري النفط في العالم، فحصتها من استخراجه عالمياً تعادل نحو 19 %، ومن الغاز الطبيعي 8 %، وتمتلك 37 % من الاحتياطي العالمي، و25 % من احتياطي الغاز. وتحتل المملكة العربية السعودية المركز الأول في احتياطي النفط، وقطر المركز الثالث في احتياطي الغاز، ولهذا برزت الأهمية الاستراتيجية للمنطقة بصورة كبيرة والتي من المتوقع أن تنمو خلال العقود المقبلة ليس فقط بالنسبة للغرب بل للشرق أيضاً، إذ في العام 2009م، فاق حجم النفط الذي تصدره السعودية إلى الصين لأول مرة حجم صادراتها إلى الولايات المتحدة. وتشير التوقعات إلى أنه خلال السنوات القليلة القادمة سيظل النفط والغاز يشكلان أكثر من 50% من إجمالي إمدادات الطاقة عالميًا. ورغم زيادة المخاوف من التغير المناخي والدعوات إلى ضرورة الانتقال إلى الطاقة البديلة إلا أنه من المتوقع زيادة الطلب على النفط حتى عام 2030م.
هذه التطورات جعلت الأنظار وخصوصًا في الدول الأوروبية تتجه إلى منتجي النفط والغاز في العالم العربي وخصوصًا كبار مصدري الطاقة في دول المجلس كالسعودية والإمارات فقد شهدنا في الفترة السابقة زيارات رفيعة المستوى إلى أوروبا تم التأكيد خلالها على الوعود بالتعاون في قضايا الطاقة.
ويشكل الغاز الطبيعي المسال مصدرًا آخر هامًا للطاقة ووقودًا انتقاليًا أقل ضررًا على البيئة من أنواع الوقود الأحفوري الأخرى وهو أيضًا أكثر جدوى اقتصاديًا من مصادر الطاقة النظيفة. ومن المتوقع أن يصبح وبمرور الوقت لاعبًا أكثر هيمنة في نظام الطاقة وأسواقه وسيستمر في النمو والتوسع إلا أنه من المتوقع مستقبلاً أن تصبح الطاقة المتجددة أرخص من الوقود الأحفوري بكل أنواعه وعلى مستوى العالم مما يقلل من نمو الطلب على الغاز. ولكن على المدى القصير إلى المتوسط، حتى وأن أصبحت الطاقة المتجددة تشكل مصدرًا رئيسيًا في سوق الطاقة العالمي، فإن الغاز الطبيعي المسال سيظل مصدر طاقة موثوقًا به. وتمتلك قطر إمدادات وفيرة منه وبحجم إنتاج أكثر من 178 مليار متر مكعب وستساهم عمليات التوسع الهائلة في تصدير الغاز الطبيعي المسال القطري بشكل كبير في الإمدادات العالمية. أما السعودية وهي تاسع أكبر منتج للغاز بحجم إنتاج يصل إلى 113.6 مليار متر مكعب. ومن المتوقع أن تنمو قدرة توليد الطاقة من الغاز الطبيعي في الشرق الأوسط من حوالي 965.4 كيلووات في الساعة إلى أكثر من 1,667 كيلووات في الساعة بحلول عام 2035م. وحيث أن مستقبل النفط والغاز عالمي الأفق فإن شركة أرامكو بهدف تنويع استثماراتها خلال السنوات القادمة تخطط لشراء أصول لشركات النفط والغاز في الولايات المتحدة والصين وروسيا وأستراليا في عام 2023م.
الطاقة البديلة والمتجددة
وبالرغم من أهمية الطاقة التقليدية لاقتصادات دول المجلس ومع انتعاش الطلب العالمي على النفط منذ 2021م، بعد التراجع الكبير الناجم عن كوفيد 19، والتوقع بأن يستمر الطلب في الزيادة في السنوات القادمة، إلا أن عدم اليقين حول ما يمكن أن يحدث على المدى الطويل نتيجة تزايد الاتجاه نحو الاستثمار في الوقود البديل، يفرض على دول المجلس تحديًا مستقبليًا، يستوجب عدم التأخير في التخطيط في التحول إلى الطاقة البديلة، فمن المؤكد أن أزمة الطاقة التي فرضتها الحرب في أوكرانيا تدعم الحاجة والإلحاح للتحول إلى الطاقة المتجددة، وحيث توفر الطاقة في دول المجلس بأسعار مواتية يجعل التحول أكثر يسرًا وأقل تكلفة بالمقارنة بالدول الأخرى التي تعاني من ارتفاع أسعار الطاقة.
ومن المتوقع أن تنمو استثمارات الإنفاق الرأسمالي العالمي في مشاريع الطاقة النظيفة في عام 2022م، بنسبة 7٪ في النفط و14٪ في الغاز والغاز الطبيعي المسال وما يصل إلى 18٪ وقد ارتفعت النفقات الرأسمالية الأولية في أمريكا الشمالية بنسبة 20 %. وفي الوقت نفسه، برزت التزامات الاستثمار الرأسمالي لتحول الطاقة العالمية في بدائل الأصول الأكثر مراعاة للبيئة مثل الرياح البحرية والطاقة الشمسية والهيدروجين والوقود الحيوي.
لذلك من المهم لدول المجلس أن تشكل عملية التحول للطاقة النظيفة مكونًا أساسيًا في السياسات المستقبلية من أجل مواجهة تحديات التنمية المستدامة، وبالفعل بدأت جميعها التخطيط وزيادة استثماراتها في مجال الطاقة المتجددة. فالإمارات تخطط لزيادة قدرتها من 23 جيجاوات إلى أكثر من 100 جيجاوات بحلول عام 2030م، مع استثمار أكثر من 50 مليار دولار أمريكي في مشاريع الطاقة النظيفة في الخارج، وفي السعودية تم تخصيص 50 مليار دولار أمريكي لعام 2020م، للاستثمارات في الطاقة المتجددة وهناك خطط لاستثمار ما يصل إلى 80 مليار دولار بحلول عام 2030م. وتم توقيع العديد من الاتفاقات للتعاون في مجال الطاقة خلال زيارات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى أوروبا والذي أعلن "أن السعودية ستزود أوروبا بالطاقة المتجددة الأرخص". كما التعاون السعودي مع الصين في مجال البحث والتطوير يمكن أن يساهم في توفير 30 جيجاواط من الطاقة النظيفة.
وحيث أن التوجه المستقبلي الذي تقوده الدول الأوروبية لتخفيض واردات الطاقة الروسية هو استخدام الطاقة النووية فإن دول المجلس يمكنها الاستثمار في تطوير مصادر الطاقة النووية والهيدروجين ، فإن كلاً من الإمارات والسعودية تسيران في اتجاه الاستثمار في الطاقة النووية. فمحطة الإمارات النووية في براكة ستوفر ربع طاقة الكهرباء في الإمارات بمجرد تشغيل مفاعلاتها الأربعة، والسعودية تمتلك احتياطيات هائلة من اليورانيوم اللازمة لتوليد الطاقة النووية، مما جعلها تخطط أيضًا لأول مفاعل نووي بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما أن الظروف مواتية لإنتاج الهيدروجين الأزرق والأخضر ومشتقاته (مثل الأمونيا)، وقد اتجهت كل من الإمارات والسعودية وقطر إلى تشجيع الابتكار واجتذاب الاستثمارات الأجنبية وخصوصًا الشركات الأوروبية لكونها لاعبًا أساسيًا في مثل هذه المشاريع الناشئة بهدف استبدال الغاز بالهيدروجين، الذي يعتبر وقود المستقبل.
وتشير التوقعات إلى أن الابتكار سيلعب دورًا رئيسيًا في صناعة الطاقة فعلى سبيل المثال بحلول عام 2023م، فإن الابتكار في تقنية النانو يمكن أن تكون محركًا رئيسيًا للكفاءة في جميع مراحل إنتاج النفط والغاز من الاستكشاف إلى النقل والتكرير. كما أن سوق الرقمنة في الصناعة النفطية من الإنترنت إلى التحليلات والحوسبة السحابية سوف تتجاوز قيمتها أكثر من 20$ مليار. مما قد يزيد تكلفة استثمارات شركات النفط والغاز في الأمن السيبراني بصورة كبيرة. كما أن ما يقرب من نصف عقود النفط والغاز سوف تستخدم تكنولوجيا blockchain إجراء المعاملات بصورة أسرع ودقة أكبر مما يقلل مساحة النزاعات. ( BDO Global).
كما أن تحقيق عوائد كافية على الاستثمارات في أصول النفط والغاز التقليدية والبدائل الأكثر مراعاة للبيئة هي المفتاح لبناء اقتصاد أكثر تنوعًا ونظام طاقة مستقبلي مرن. وذلك يمكن تعزيزه عن طريق الاستفادة من التقنيات الجديدة لتبني الرؤى الحديثة واتخاذ قرارات أفضل وأسرع، وحيث أن شركات الطاقة الرائدة تقوم برقمنة عملياتها بشكل متزايد لتحقيق المزيد من الكفاءة وإدارة التغيير اليومي لأرباحها وخسائرها وتحسينه بشكل أفضل، فإنه على دول المجلس، ومع نضوج قدراتها التجارية، ضرورة الإسراع في أتمتة العمليات والتحول إلى النظم الإيكولوجية القائمة على السحابة، التي توفر البيانات الدقيقة. وفي نفس الوقت السعي إلى تطوير الأصول التقليدية بالاستثمار في التنقيب عن النفط وحقول الغاز وتحسين قدرة التسييل مع بناء القدرات المتنقلة والمنصات الالكترونية التي تتعامل مباشرة مع العملاء في الأسواق العالمية.
مستقبل أسواق الطاقة في ضوء التوتر الدولي القائم
في ظل التحديات الجيوسياسية يمر سوق الطاقة العالمي بحالة من الاضطراب وعدم اليقين على كافة الصعد وعلى المدى القريب والمتوسط والبعيد، ويرى بعض المحللين أنه في حين أن جائحة كوفيد-19 التي أضرت بالطلب على الهيدروكربونات في المدى القصير إلا أنها سرعت بالحاجة إلى التغيير. لذلك فإنه يمكن اعتبار عام 2020م، بداية عقد الاستقرار أو الانحسار لصناعة النفط والغاز التقليدية. فالتحول الهيكلي في الصناعة والوتيرة المتسارعة لتحول الطاقة، وزيادة المنافسة من المصادر البديلة نتيجة زيادة المخاوف من التغير المناخي دفعت بالفعل العديد من شركات الطاقة للتخطيط والتفكير خارج الأطر التقليدية المتبعة. مما أبرز حاجة الصناعة النفطية إلى تعزيز قدرتها على الصمود والمحافظة على أهميتها في عالم الطاقة سريع التغير خصوصًا في ظل أن الفجوة بين العرض والطلب ما زالت كبيرة مما يؤثر على السعر ويساهم في تذبذبه وأن المصادر البديلة للطاقة تحتاج إلى وقت لزيادة قدرتها على الوفاء بمتطلبات السوق.
وحيث أنه على مدى ما يزيد عن سبعة أشهر فاضت تصريحات قيادات فاعلة، ودوائر استخبارية، ومنتديات دبلوماسية وسياسية واقتصادية وإعلامية واجتماعية بتصريحات وتحليلات تؤكد أن الحرب الأوكرانية ستأخذ ما شاءت من الوقت كما قال الرئيس بايدن وأنها سوف تستمر حتى إضعاف روسيا إلى حد لا تستطيع فيه القيام بغزو دولة أخرى كما ذكر وزير الخارجية بلينكن. مما يعني أنها حرب مفتوحة سيكون لها تأثير مباشر على صناعة النفط والغاز وغيرها من الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، خصوصًا نتيجة نقص المعلومات حول مدة الحرب ومقدار العجز في الإمدادات الروسية ومستوى النقص في النفط والغاز الذي تحتاجه أوروبا وتداعيات العقوبات المفروضة على روسيا على أسعار الطاقة ومستوى الدمار الذي لحق بالبنية التحتية للنفط والغاز في أوكرانيا أو في أي مكان آخر.
وبالمقابل فإن روسيا لجأت ميدانيًا إلى استخدام النفط كوسيلة ضغط ربما تؤدي إلى انفراط عقد الاتحاد الأوروبي حين توسعت في قطع الطاقة عن ست دول أوروبية ثم تعطيل "نوردستريم" بما لا يبقي سوى 10%من طاقته لتزويد ألمانيا بشكل رئيسي. ترافق ذلك مع تعزيز علاقتها مع بكين ومع دول "تحالف البريكس" التي يضم الهند والبرازيل والصين وجنوب إفريقيا. وبانتظار شتاء صقيعي تعتقد موسكو أنه سيوجه الضربة القاضية للوحدة الأوروبية بما يقلص مساعداتها لأوكرانيا.
ضمن هذا السياق فإن دول المجلس ستكون لاعبًا رئيسيًا في سوق الطاقة لكونها منتجة ومصدرة كبيرة للنفط والغاز. إن قرار الاتحاد الأوروبي بإنهاء الاعتماد على الغاز الطبيعي الروسي والحد من واردات النفط الخام من روسيا هي فرصة لمنتجي النفط والغاز في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لملء الفراغ ولتحل محل الإمدادات الروسية المتضائلة. في حين أن هناك بعض الطاقة الإنتاجية الاحتياطية للنفط، تتركز في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لذلك من الطبيعي إننا نشهد بالفعل زيادة في صادرات النفط (الخام والمنتجات) من المنطقة إلى أوروبا، وخاصة من المملكة العربية السعودية. وفيما يتعلق بالغاز، تغتنم قطر، الفرصة للحصول على حصة سوقية أكثر أهمية، إلا أن الأمر سيحتاج إلى بعض الوقت لبناء قاعدة جديدة لإمدادات الغاز وبالتأكيد لن يأتي في الوقت المناسب للتخفيف من النقص المحتمل في أوروبا هذا الشتاء إذا استمرت روسيا في حجب شحنات الغاز عبر خطوط الأنابيب. ولكن يمكن القول إن هناك القليل الذي يمكن للمنتجين في الشرق الأوسط القيام به الآن لأن معظمهم ينتجون حاليا بالطاقة القصوى أو بالقرب منها. وبالنسبة للغاز فإن قطر، أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال، ترتبط بعقود طويلة الأجل، معظمها مع آسيا، ولن يكون لديها فائض من الغاز للتصدير قبل عام 2025م.
وعلى الجانب الآخر تعد كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر مستثمرين مهمين بشكل متزايد خارج حدودها، في مجال الطاقة المتجددة، بما في ذلك داخل أوروبا. ومن ثم فإن التعاون الخليجي / الأوروبي يمكن أن يفتح آفاقاً واسعة للمشاريع المشتركة في الطاقة المتجددة والخضراء فلدى جميع دول المجلس استراتيجيات مختلفة بشأن الهيدروجين الأخضر والأزرق، بشرط أن يكون الاتحاد الأوروبي محايدًا من الناحية التكنولوجية في نهجه تجاه الهيدروجين الخليجي وأن يركز بشكل أكبر على التكلفة والتوسع والتحسين التكنولوجي وحياد الكربون من خلال قواعد واضحة ومنطقية.
الخاتمة
وفي الختام يمكن القول إن الارتباك في أسواق الطاقة وتباطؤ النمو الاقتصادي وتسارع معدلات التضخم والاضطرابات في سلسلة التوريد تزيد التوقعات تعقيدًا وتفاقم من المخاطر التي تواجه العالم بأسره. وفي دول مجلس التعاون الخليجي فإن تقلب أسعار النفط ومعالجة بطالة الشباب تبرز الحاجة الملحة لتنويع اقتصاداتها وتوحيد رؤاها وتنسيق سياساتها والتركيز بشكل أكبر على قطاعات مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة، لتضمن نمو اقتصادي مستدام يخدم أجيال المستقبل ويوفر فرص العمل المواكبة للتطور والتغير. ولعل رؤية المملكة العربية السعودية 2030، التي تهدف إلى تقليل اعتماد البلاد على النفط وإشراك القطاع الخاص للعب دورًا محوريًا من خلال خصخصة جزء من شركة النفط الوطنية أرامكو؛ وتوسيع موارد ودور صندوق الاستثمار مع مواصلة تطوير البنى التحتية والموانئ والمعالم الثقافية خطوة هامة في المسار الصحيح. ويمكن أن تساعد خصخصة بعض الشركات الحكومية في سائر دول المجلس، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، في زيادة رأس المال وتوفير فرص الاستثمار. ويمكن لدول المجلس أيضًا الاعتماد على صناديق ثرواتها السيادية، التي استثمرت تقليديًا في الخارج من أجل توفير التنويع والحد من الاعتماد على النفط حيث يمكن لصناديق مثل مبادلة في أبو ظبي وممتلكات في البحرين أن تلعب دورًا أكثر جدية في جذب المستثمرين الأجانب إلى الشركات والصناعات المستهدفة.
وفي ظل تعقد الوضع الهش لسوق الطاقة وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي ولأن الاقتصاد هو أرقى مراحل السياسة فإن الفرصة تبدو سانحة لدول مجلس التعاون الخليجي لتفرض أولوياتها إقليميًا ودوليًا فهي في مركز قوة.