الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية منذ منتصف أربعينيات القرن العشرين والتي من أجلها تم تأسيس جامعة الدول العربية وما انبثق عنها من مؤسسات عربية مشتركة أو معاهدات كانت بهدف تفعيل العمل العربي المشترك ما زالت تداعياتها مستمرة، بل شهدت المنطقة أحداثًا مهمة أخرى عصفت بالدول العربية، وضربت الأمن العربي في خاصرته، بينما ظلت العديد من المعاهدات العربية التي كانت تستلزم التفعيل لمجاراة هذه الأحداث حبيسة أدراج الجامعة العربية ،ومن بينها معاهدة الدفاع العربي المشترك التي تم التوقيع عليها في عام 1950م، وتعطل تفعيلها لأسباب كثيرة منها ما هو داخلي وما هو خارجي، وظل العرب سنوات طويلة فريسة لاختلافات أيدولوجية وانقسامات وتوجهات سياسية تحت تأثير استقطاب دولي أو طموحات شخصية ضيقة على حساب المصلحة العربية العليا، وكان الأمن العربي الجماعي ضحية هذه الصراعات، بل طيلة هذا التاريخ لم يتم الاتفاق على تعريف للأمن العربي الجماعي، أو تحديد المخاطر والتحديات التي تواجه الأمة العربية، لكن ظهرت تعريفات مناطقية جهوية للأمن والمخاطر، فبدا ما يهدد أمن دول المغرب العربي غير تلك التي تهدد مشرقه، وما يهدد مركزه غير الذي يهدد أطرافه، لذلك ظهرت تجمعات إقليمية تعبر عن مصالح دول هذه التجمعات، فظهر مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ليضم دول الخليج العربية الست عام 1981م، وبعده ظهر مجلس التعاون العربي في عام 1989م، وضم العراق ومصر والأردن واليمن، وفي العام ذاته ظهر اتحاد دول المغرب العربي من خمس دول عربية إفريقية هي المغرب، موريتانيا، الجزائر، تونس، وليبيا، ولم ينجح إلا مجلس التعاون لدول الخليج العربية لأسباب واقعية، أما مجلس التعاون العربي فكان يحمل بذور انهياره حيث سرعان ما أدى غزو نظام صدام حسين لدولة الكويت إلى انتهاء هذا المجلس وموته، والتكتل الثالث وهو اتحاد المغرب العربي توارى خلف نزاعات بين دوله وتعرض بعضها الأخر لأحداث غيبتها عن العمل الجماعي أو لوجود سياسات ومصالح متباينة بين الدول الأعضاء.
ويظل على الدول العربية ونتيجة للتحديات التي تواجه الأمن العربي المشترك ضرورة تفعيل آلية للدفاع العربي المشترك نظرًا لكثرة التحديات التي تستهدف الوجود العربي نفسه، مع تصاعد المخاطر الإقليمية التي تستهدف المشروع العربي، بل الوجود العربي من أساسه، ثم جاءت أحداث ما يسمى بالربيع العربي التي جعلت مجرد حلم معاهد الدفاع العربي المشترك صعب المنال جراء ما تشهده العديد من الدول العربية من أنين الانقسامات والحروب الأهلية والمصاعب الاقتصادية ما جعلا بعضها دول رخوة وهشة بل مخترقة.
وعلى ضوء هذه الصورة العربية القاتمة، وعدم تحديد دقيق للمخاطر المحيطة بالعالم العربي ناهيك عن مواجهتها، تظل دول مجلس التعاون هي الأكثر تماسكًا، ولديها رؤية متقاربة وتكاد تكون متطابقة في نقاط كثيرة حول تحديد المخاطر والتحديات ، حتى وإن تباينت سبل مواجهتها، وهذه الدول نجحت في تشكيل نواة مهمة لجيش خليجي موحد بدأ بقوات درع الجزيرة والقيادة العسكرية الموحدة لدول مجلس التعاون ويمكن البناء عليها لتكوين منظمة إقليمية دفاعية خليجية، بدافع مؤثرات إيجابية تتمثل في تحديد المخاطر ، ومن ثم وضع الهدف خاصة مع وجود الخطر الإيراني الذي يمثل تهديدًا لجميع دول مجلس التعاون، إضافة إلى القدرة على تمويل هذه المنظمة والاعتماد في تسليحها على الأسلحة الذكية عالية التكنولوجيا لتعويض قلة العنصر البشري، وهذه العوامل جعلت النخب الخليجية تطرح فكرة إنشاء مظلة أمنية خليجية إقليمية للدفاع عن منطقة الخليج ، معتمدة على إمكانيات ذاتية وبشراكة الدول الكبرى والأشقاء العرب والأصدقاء في العالم، وهذه المظلة واقعية وتستند إلى رؤية موحدة للتحديات وهدف واحد هو تأمين منطقة الخليج، وكذلك تجد موافقة دولية كونها تسعى لتأمين أهم منطقة في العالم لإنتاج وتصدير النفط والغاز، كما أن دول المنطقة واضحة التوجهات ، ولديها أنظمة عاقلة تسعى للتنمية والمحافظة على مصالحها وتوفير الأمن والاستقرار والرفاهية لشعوبها، وهذه المظلة تكون نواة لمظلة أو منظومة أمنية عربية.
لذلك على الدول العربية الفاعلة في النظام العربي ألا تهمل منظومة الأمن الجماعية والتنسيق فيما بينها وبين دول مجلس التعاون للاتفاق على الحد الأدنى من وضع تعريف لمهددات الأمن العربي الشامل خاصة مع حالة السيولة التي يشهدها العالم بعد الحرب الروسية / الأوكرانية، والصراع الأمريكي ـ الروسي / الصيني وزيادة حدة الاستقطاب، ومساعي إيران لامتلاك القنبلة النووية وزيادة مساحة الفراغ الاستراتيجي في المنطقة ، وتغلغل أطراف إقليمية في الجسد العربي المنهك، وإلا سوف تتحقق المشاريع الإقليمية على حساب الوجود العربي في ظل إرهاصات واضحة قد تزيد مخاطرها في العام 2023م.