array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 179

مبادرة آسيوية خماسية تقودها الهند مرشحة لتحقيق التفاهم في منطقة الخليج

الخميس، 27 تشرين1/أكتوير 2022

منذ أن وطأت أقدام الرئيس جون بايدن البيت الأبيض، أبدت إدارته شعورًا بالتعب والإنهاك فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، وأرادت التركيز عوضًا عن ذلك على التكيف مع التحديات التي يفرضها الصعود المتنامي والمؤكد للصين. كما ركزت واشنطن اهتمامها مؤخرًا على الحرب الروسية-الأوكرانية، باعتبارها "محاولة أخيرة" من أجل الاحتفاظ بدورها القيادي المهيمن على النظام العالمي. ذلك إلى جانب سعيها إلى حشد حلفائها من الدول الأوروبية للانضمام إليها في هذا المشروع، لاسيما بعد أن فقدت واشنطن مصداقيتها كلاعب أساسي في شؤون الشرق الأوسط، وتدهورت مكانتها داخل المنطقة عقب انسحابها من أفغانستان بعد عشرين عامًا من الحرب، وتسليمها السلطة إلى أعداء أمريكا، فضلاً عن الفشل في بلوغ أهدافها الاستراتيجية داخل العراق، وسوريا، وليبيا. من ثم، ليس مفاجئًا ألا تبدي أي من القوى الإقليمية معارضة قوية تجاه غزو روسيا لأوكرانيا، أو تنضم إلى العقوبات الغربية المفروضة ضد موسكو بزعامة أمريكية. في الوقت ذاته، عكس تباطؤ الإدارة الأمريكية في توقيع اتفاق نووي مع إيران، خشية أن يصبح الأمر محل جدل قبل انعقاد انتخابات التجديد النصفي المقررة في نوفمبر المقبل، ضعف وعدم استقرار موقف الرئيس بايدن السياسي في الداخل الأمريكي.

المقترحات الأخيرة بشأن أمن الخليج

قبل أن تنجح منطقة الشرق الأوسط في التحرر من سطوة النفوذ الأمريكي، تعالت على مدار الأعوام الماضية، بعض الأصوات التي نادت بإحلال السلام في المنطقة، وسط نشاز أصوات الصراعات العسكرية والحروب الدائرة، وإن لم تنجح بسبب الظروف الإقليمية غير المشجعة، فقد ساهمت في تقديم أفكار وتصورات بشأن كيفية هندسة عملية سلام تتمتع بمصداقية والسعي إلى تطبيقها.

المقترح الأمريكي

في مايو 2017م، تقدم الرئيس الأمريكي السابق ترامب بمقترح خلال زيارته إلى الرياض، تحت عنوان: "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي"، والذي كان من المتوقع أن يضم دول مجلس التعاون الخليجي الست إلى جانب مصر والأردن، لمواجهة التهديدات الأمنية الإيرانية، والعمل، على المدى البعيد، من أجل تقييد النفوذ المتزايد لكل من روسيا والصين داخل المنطقة. كان هناك أيضًا حرص لدى الولايات المتحدة على تعزيز التعاون الأمني ​​المتنامي بين الدول الأعضاء، وبالتالي تقليل التزاماتها الدفاعية في المنطقة. انعقدت مؤتمرات "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي" خلال عامي 2018 و2019م، لكن سرعان ما فقدت زخمها بعد أن واجه المقترح مشكلة رئيسية نابعة من تركيزه على خدمة المصالح الأمريكية في المنطقة، بدلاً من تعزيز الأمن الإقليمي. حيث تضع المبادرة الأمريكية قيودًا على حرية الدول الأعضاء في شراء الأسلحة من مصادر غير أمريكية، حتى مع امتلاك الولايات المتحدة حق التحقيق في انتهاك اتفاقيات الاستخدام النهائي.

الأزمة الأكثر خطورة كانت شعور أعضاء التحالف بأن مصالحهم لم تعد تتطابق مع مصالح الولايات المتحدة. كما أصبح لديهم نظرة بأنه يتم استخدامهم من قبل واشنطن كأدوات فقط لدعم موقفها في مواجهة إيران، ولهذا قررت مصر الانسحاب من التحالف في أبريل 2019م، بسبب تزايد التوترات مع إيران كنتيجة للاستفزازات الأمريكية. فيما شعرت دول الخليج بشكل خاص بالانزعاج بعد الاغتيال الأمريكي لقائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، في يناير 2020م، وأوضحت كل من دولة قطر، والكويت، وعمان، عدم رغبتها في أن تكون جزءًا من تحالف صريح مناهض لإيران. وسرعان ما قام وزير الخارجية القطري بزيارة إلى طهران لمناقشة ترتيبات "الأمن الجماعي" الإقليمي. بينما كان المسمار الأخير في نعش المقترح الأمريكي، هو ذلك الشعور السائد لدى دول مجلس التعاون الخليجي بأن الولايات المتحدة تسعى للانسحاب من المنطقة، وبالتالي، لم يعد من الممكن اعتبارها داعم أمني موثوق به.

مفهوم “الأمن الجماعي" الروسي

في أواخر يوليو 2019م، فاجأت روسيا المراقبين عندما أصدرت "مفهوم الأمن الجماعي لمنطقة الخليج". وقدمت الخارجية الروسية في مذكرة تفسيرية وصفًا للسيناريو الإقليمي على النحو التالي: "استمرت التوترات في منطقة الخليج على مدى عقود طويلة، مما أثر سلبًا على الاستقرار الأمني، والسياسي، والاقتصادي في المنطقة والعالم بأسره. حيث يضاف باستمرار بؤر توتر جديدة إلى جانب تلك التي لا تزال مشتعلة. فضلاً عن ظهور مركز رئيسي لشبكة إرهابية عابرة للحدود بالقرب من منطقة الخليج. ودعا المقترح الروسي إلى تبني "برنامج عمل طويل الأجل من أجل تطبيع الوضع" والذي يقوم على المبادئ الرئيسية التالية:

  • أن يكون نظام الأمن الإقليمي عالميًا وشاملاً.
  • أن تكون التعددية هي الآلية الموجهة لأصحاب المصلحة.
  • ضرورة تطبيق النظام الأمني من خلال نهج تدريجي يستند إلى اعتماد تدابير بناء الثقة وضمانات الأمن المتبادل.
  • إنشاء مجموعة عمل ينوط بها التحضير لمؤتمر دولي حول الأمن والتعاون في منطقة الخليج، وذلك بعد عقد مشاورات ثنائية ومتعددة الأطراف بين أصحاب المصلحة.
  • أن يكون الهدف طويل الأجل للمؤتمر هو إنشاء "منظمة الأمن والتعاون في الخليج؛ والتي تضم بخلاف الدول الخليجية، كل من روسيا، والصين، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والهند، وكذلك مجموعات أصحاب المصلحة الآخرين كمراقبين أو أعضاء منتسبين.

وفي الوقت الذي رحبت الصين بالمقترح الروسي، صرحت رسميا بأنها تعتبر "السلام والاستقرار" في الخليج "ذا أهمية قصوى لضمان السلامة والتنمية في المنطقة والعالم ككل"، مشددة على ضرورة “إقامة علاقات حسن الجوار تعتمد على الاحترام المتبادل". لم تستجب إدارة ترامب للمقترح الروسي، خوفًا من أن يجعل روسيا لاعبًا نشطًا في شؤون المنطقة. كما كان من المفترض أن يخضع المقترح الروسي لقرارات مجلس الأمن الدولي، ما يمنح الأعضاء الآخرين حق النقض (الفيتو). وبالتالي تقييد الإجراءات الأحادية الجانب من قبل أمريكا. على الرغم من أن المقترح الروسي كان أكثر جاذبية مقارنة بالمبادرة الأمريكية بفضل طابعه الشامل، إلا أن الانقسام العميق بين السعودية وإيران في ذلك الوقت، منع دول المنطقة من النظر فيه بشكل جدي. ربما يعكس الانقسام الحالي بين المعسكر الغربي والشرقي نتيجة حرب روسيا وأوكرانيا، الحاجة إلى تقديم الأطراف الفاعلة في المنطقة مقترحاتها الخاصة.

مبادرة "هرمز للسلام" الإيرانية (أمل)

في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2019م، اقترح الرئيس الإيراني حسن روحاني فكرة إنشاء منصة للحوار الإقليمي بين الدول الثماني المطلة على مضيق هرمز: إيران، والعراق، إلى جانب دول مجلس التعاون الخليجي الست، مع ضم اليمن للمنصة في وقت لاحق. تشمل الموضوعات المطروحة للمناقشة ما يلي:

  • أمن الطاقة.
  • الحد من التسلح وتدابير بناء الثقة.
  • إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.
  • توقيع معاهدة عدم اعتداء بين الدول أعضاء مجتمع مضيق هرمز.

بموجب المبادرة الإيرانية، سيُشكل مجتمع مضيق هرمز فرق عمل مشتركة لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك مثل: تسوية النزاعات الإقليمية ومنع حدوثها، والأمن السيبراني، بالإضافة إلى الإتجار في البشر. وفي تصريحاته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، دعا روحاني، دول مجلس التعاون الخليجي بشكل مباشر أن تنظر إلى إيران باعتبارها “جارة لهم وستظل كذلك بعد انسحاب القوات الأمريكية من المنطقة"، كما طالب الرئيس الإيراني دول الخليج بإنهاء اعتمادها على الأسلحة الأمريكية، وارتباطها بالتحالفات الموجهة ضد دول المنطقة. إلا أن غياب الثقة المتبادل بين دول المنطقة، أفقد المقترح الإيراني جدواه، حيث لا تزال دول مجلس التعاون الخليجي قلقة حيال النوايا والدوافع المهيمنة على التحركات الإيرانية، واستخدامها للميليشيات الطائفية لخدمة مصالحها الإقليمية. لكن التطورات الأخيرة في المنطقة تشير إلى إمكانية أن يتغير السيناريو الأمني القائم حاليًا، بما قد يمهد الطريق أمام مبادرات دبلوماسية جديدة من إحلال السلام الإقليمي.

 

تفاعل دبلوماسي في غرب آسيا

 

تسبب الإنهاك الظاهر على سلوك إدارة الرئيس الأمريكي بايدن حيال قضايا الشرق الأوسط، بالتزامن مع خسارة واشنطن مصداقيتها كداعم أمني لدول المنطقة، في إسدال الستار على فكرة تأثير القوة العالمية المهيمنة. حيث استشعرت دول المنطقة الحاجة والحرية معا، في أن تبدأ في التفاعل مع الأصدقاء والخصوم دون توجيه أو تدخل من قوة عالمية. وتتجسد أهم صور التفاعلات بين القوى الإقليمية الرئيسية الحالية في:

 أولاً، تواصل تركيا مع مصر والمملكة العربية السعودية من أجل تجاوز الانقسام -الأيديولوجي والسياسي -الذي بدأ قبل سبع سنوات في أعقاب عزل الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي.

 ثانياً، اكتشاف العراق مكانته الإقليمية من جديد، وثقته في قدراته، التي مكنته من توفير مساحة للحوار السعودي -الإيراني، وإنشاء تكتل تعاون إقليمي ثلاثي جديد مع مصر والأردن، فضلاً عن استضافة مؤتمر لكافة دول المنطقة والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. حيث شهد المؤتمر حضور رؤساء دول وحكومات الأردن، ومصر، وقطر، والإمارات، والكويت، فيما حضر وزراء خارجية كل من تركيا، والسعودية، وإيران كممثلين عن دولهم. ركز المؤتمر على قضايا الأمن وإعادة الإعمار، والاستثمار الأجنبي، والتغير المناخي، والشراكات السياسية والاقتصادية والأمنية في العراق، ودعم الحوار البناء في المنطقة.

ثالثًا، بدأ عدد من الدول العربية من بينها؛ البحرين والإمارات ومصر التواصل مع حكومة بشار الأسد في سوريا خلال العام الماضي، مؤكدة أن الجهود السابقة لإحداث تغيير في النظام السوري لم تكن مثمرة. وأن غياب البعثات الدبلوماسية العربية عن العاصمة السورية، جعل إيران المستفيد الرئيسي من تنامي نفوذها السياسي والعسكري في البلاد. كما بدأت المملكة العربية السعودية من جانبها، اتصالات بين رؤساء جهاز المخابرات في البلدين.

 رابعًا، ذوبان الجليد بين المملكة العربية السعودية وإيران، الذي يعد التطور الأكثر أهمية على الساحة الإقليمية مؤخرًا، بعد انعقاد خمس جولات من المحادثات بين مسؤولي البلدين في العاصمة العراقية بغداد خلال العام الماضي. ويعد هذا التطور بمثابة رد على العداء الأمريكي، ليس فقط تجاه إيران، ولكن حيال المملكة العربية السعودية أيضًا. فمنذ تولي بايدن منصبه، لم يتلكأ في تسوية القضية النووية مع إيران فحسب، بل أوضح أيضًا عدم شعوره بالدفء الذي كان يشعر به ترامب ومستشاره في البيت. كما انتقد بايدن الحرب السعودية في اليمن، رافضًا تزويد الجانب السعودي بالأسلحة من أجل مواصلة الحرب.

شجعت هذه التطورات المملكة العربية السعودية وإيران على بدء التواصل في بغداد لمعالجة القضايا الخلافية بين الجانبين. وبعد انعقاد أربع جولات من الحوار بين رؤساء استخبارات البلدين، قال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان في أكتوبر من عام 2021م، إن المحادثات قطعت "مسافة جيدة". فيما أشار وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى أن المناقشات تعد قيد المرحلة الاستكشافية"، معربًا عن أمله في أن تساعد في "معالجة القضايا العالقة".

 

 وفي يوليو الماضي. زار بايدن الرياض للحصول على موافقة المملكة العربية السعودية لزيادة إنتاجها النفطي من أجل تعويض أزمة الطاقة الناتجة عن الحظر الذي تقوده واشنطن على إمدادات الطاقة الروسية. تم رفض هذا المطلب من قبل المملكة وشركائها في مجلس التعاون الخليجي. ثم جاء قرار أعضاء تحالف "أوبك +" النفطي مطلع أكتوبر الماضي بخفض إنتاج النفط بمقدار 2 مليون برميل يوميًا، على الرغم من الدعوات الأمريكية لزيادة الإنتاج. حمل هذا القرار في طياته رسالة واضحة مفادها أن الرياض باتت تمنح الأولوية الآن لمصالحها الخاصة، ولن تعُدل سياساتها وفقًا لإملاءات الولايات المتحدة.

يتمثل الشاغل الرئيسي للمملكة العربية السعودية حاليًا، في إنهاء الحرب "غير الحاسمة" و"المكلفة" في اليمن والتركيز على التنمية الاقتصادية، لا سيما متابعة المشروعات المدرجة ضمن إطار مبادرتها "رؤية 2030" من أجل تجهيز البلاد إلى مستقبل ما بعد النفط. من جانبها، تحرص طهران على عودة العلاقات إلى طبيعتها في المنطقة. ومن ثم، فهي تعطي الأولوية لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع المملكة، وإحياء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

عملية السلام في منطقة الخليج

تسعى الدول الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط إلى إقامة تفاعلات ومبادرات دبلوماسية مستقلة عن التأثير الأمريكي، ما يشير إلى بداية عودة قوية للمنطقة. على الرغم من ذلك، تظل هذه التفاعلات أو "الغزوات" مُجزئة وغير حاسمة. وذلك بسبب صعوبة تجاهل حالة انعدام الثقة المتبادل والمخاوف المتأصلة بين الأطراف الإقليمية. وهنا يتسنى للدول الآسيوية الخمس: الهند واليابان، وكوريا الجنوبية، وإندونيسيا، وماليزيا، مجتمعة تحت قيادة هندية، أن تلعب دورًا دبلوماسيًا فعالاً لسد الفجوات القائمة ونزع سوء التفاهم بين الأطراف الإقليمية، كما يمكنها إيصال الرسائل المتعلقة بالمخاوف المتجذرة لدول المنطقة، وما يمثل الخطوط الحمراء لكل طرف. وتوضيح شكل التسويات التي ستحظى بقبول كافة الأطراف.  ومن خلال المكانة التي تحظى بها هذه الدول في جميع أنحاء المنطقة، واهتمامها العميق بالاستقرار الإقليمي، وحنكتها الدبلوماسية المعروفة، فمن المحتمل أن تنجح فيما فشلت فيه الجهود السابقة.

الدول الآسيوية الخمس المقترحة، تمتلك السمات المطلوبة لأن تلعب دور" طرف ثالث" بين الأطراف الإقليمية؛ فلديها مصلحة جوهرية ودائمة في إحلال السلام والاستقرار في منطقة غرب آسيا، بسبب اعتمادها على المنطقة لتأمين إمداداتها من الطاقة، إلى جانب مصالحها الاقتصادية المتنوعة، ومشاريع الاتصال اللوجيستي التي تسعى من أجلها. كما أنها تحظى بأعلى مكانة ممكنة داخل الشرق الأوسط والمجالس الاستشارية العالمية. تمثل هذه الدول مجتمعة أهم سوق لصادرات الطاقة في المنطقة، كما تنعم بعلاقات سياسية ممتازة مع جميع الأطراف الإقليمية بمختلف انقساماتها السياسية. فيما تعد الدول الآسيوية الخمس أطراف فاعلة رئيسية على صعيد المشهد العالمي، ولديها علاقات كبيرة ومهمة مع القوى العالمية المهتمة بأمن الشرق الأوسط – وهي الولايات المتحدة والصين، وروسيا. وبخلاف الولايات المتحدة وغيرها من القوى الغربية، فهي ليس لديها تاريخ سلبي داخل منطقة غرب آسيا. وتُعرف جيدًا بنهجها غير المتدخل، وغير الملزم على مستوى العلاقات الخارجية، والذي سيكون موضع ترحيب في المنطقة. في الواقع، إن التنوع الداخلي لهذه البلدان، من حيث الانتماء العالمي الواسع (أي أن اليابان قريبة من الولايات المتحدة) سوف يضفي على مهمتها ثقلاً ومصداقية أكبر.

تعزيز الثقة المتبادلة

تم استخلاص المبادرة الدبلوماسية المطروحة وعملية السلام في حد ذاتها من العملية الدبلوماسية التي أنهت حرب الثلاثين عامًا (1618-48) في أوروبا فيما يعرف بصلح أو معاهدة سلام "ويستفاليا"، والتي تقدم دروسا مهمة لكيفية إقامة عملية السلام في الشرق الأوسط. يشمل ذلك:

 أولاً، الطبيعة الشمولية للكونكلاف (المجتمع المغلق) في "ويستفاليا" -والذي كان يعتبر عاملاً أساسياً بسبب الطبيعة المتداخلة للنزاعات حينذاك، وعدم قابليتها لأن تحل عبر حلول "متقطعة غير منهجية". على الرغم من أن ذلك تسبب في إطالة المناقشات وانخراط مجموعة واسعة من المشاركين، إلا أن الرأي التوافقي بين المؤرخين أجمع على أنه كان أفضل نهج لمعالجة مختلف القضايا الخلافية في جميع أنحاء أوروبا.

ثانيا، انصب التركيز في "ويستفاليا" على مخاطبة المخاوف الأمنية الأساسية للمشاركين، وتجنب قضايا اللاهوت. تم تسوية الأخيرة على أساس تقاسم السلطة بين الجماعات الطائفية، مع ضمانات حقوق الأقليات. في الواقع، وضعت "ويستفاليا" "دستورًا دينيًا" تم خلاله إدراج الفتنة الطائفية ضمن نطاق المراجعة القضائية. وحظر خطاب الكراهية الطائفية، فيما تم السماح بالتحويل بين الطوائف المعتمدة (الكاثوليكية وثلاث طوائف بروتستانتية)، وألا يُمنع أي شخص من تولي منصب مدني على أساس من عقيدته فقط.

 ثالثًا، دور "الطرف الثالث": لعبت هذا الدور سلطات الدولة، التي لها مصلحة ذاتية في إحلال السلام كونها تتأثر بشكل مباشر، وبالتالي لا يمكن أن تكون جهات وسيطة أو محايدة. بل ينبغي أن تسترشد بالهدف النهائي لإحلال السلام وتكون مستعدة للتعاون مع أي طرف. كما يجب أن تتمتع بنفوذ كافي -سواء من حيث القدرات الجيوسياسية أو من حيث الشرعية -لتمكينها من ممارسة الضغط بشكل فعال

يقترح هذا المقال، مسترشدًا بالأفكار التي دفعت عملية السلام في "ويستفاليا"، أن تتولى الهند قيادة دور "الطرف الثالث"، مع الشركاء الآسيويين المُختارين لرسم ملامح عملية السلام ومتابعتها، على أن يتم متابعة هذه الجهود على ثلاث مراحل:

  • أولاً، تعقد الدول الخمس محادثات فيما بينها بشأن المحتوى والإجراءات المتعلقة بالمبادرة المطروحة، والتشاور على أساس "المسار الثاني"، مع الأطراف الفاعلة الرئيسية في الصراعات بمنطقة غرب آسيا. ومن أجل تيسير ذلك، تقوم كل دولة بتعيين عدد من المبعوثين الخاصين ممن يتمتعون بأقدمية وخبرة وافية من أجل توجيه مسار عملية السلام من خلال التفاعلات الوثيقة مع بعضهم البعض.
  • ثانيًا، المرحلة التالية ستكون تعزيز الثقة المتبادلة بين الجارتين المتنازعتين، المملكة العربية السعودية وإيران. وسيشمل ذلك السعي إلى اتفاق على مبادئ لتوجيه التفاعلات ومخاطبة ثلاثة مجالات: الصراعات الجارية في سوريا واليمن. والانقسام الطائفي، والتركيز على القضايا ذات الاهتمام المشترك ومخاوف كلا البلدين.
  • ثالثًا، تعتبر المرحلة الثالثة هي عقد مؤتمر إقليمي لوضع اللمسات الأخيرة على ترتيبات التعاون الأمني الإقليمي.

سيتم منح الأولوية الأهم إلى بناء الثقة بين إيران والمملكة العربية السعودية قبل إنشاء التجمع الدبلوماسي، نظرًا إلى أن كلا البلدين لديهما فهم متباين لأسباب النزاعات الإقليمية. وبالتالي، فإن محاولة إعادة بناء الثقة بين الجانبين سيتطلب في البداية قبول كليهما للعمل وفق أربعة مبادئ ستشكل أساس الثقة المتبادلة بينهما: عدم التعرض للقضايا الداخلية؛ عدم التلميح لأية قضايا طائفية؛ عدم دعم الجماعات المعادية للطرف الأخر، ووضع قيود على وسائل التواصل الاجتماعي التي تعمل على نشر أفكار سامة ضد الجانب الآخر. بعد ذلك، سيكون من المفيد أن يتم مناقشة ما يحدث في ساحتي الصراع الإقليمي -سوريا واليمن-مع الخصمين. لاسيما مناقشة ما يتعلق بوضع ترتيبات لوقف إطلاق النار وتسليم المساعدة الإنسانية الفورية. فإن إحراز نجاح في هذه المجالات، سيقلل إلى حد كبير من حجم العداء المتبادل، ويمهد الطريق أمام المزيد من المناقشات الجوهرية في المؤتمر الإقليمي، حيث سيكون هناك حضور لأطراف أخرى فاعلة أيضًا في الصراع اليمني والسوري.

مؤتمر أمن إقليمي

تعزيز الثقة المتبادلة بين المملكة العربية السعودية وإيران نتيجة للجهود الدبلوماسية من قبل "الطرف الثالث" (بلغة ويستفاليا)، يجب أن يمهد الطريق لعقد مؤتمر إقليمي شامل لوضع ترتيبات التعاون الأمني ​​الإقليمي المنصوص عليها في الالتزامات التعاهدية، كما هو الحال في ويستفاليا، والمضمونة بشكل جماعي من قبل الدول المشاركة. ونظرًا إلى أن المجموعة الدبلوماسية ستعمل على تسهيل المفاوضات بين أطراف المنطقة، فمن المفترض أن يتم عقد المؤتمر بشكل رسمي من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، والذي ينبغي أيضًا أن يعين مبعوثًا خاصًا كامل الصلاحيات لتمثيله في المؤتمر.

قد يشهد المؤتمر في البداية جدلاً ساخنًا حول كيفية تلبية مصالح البلدين، السعودية وإيران، في منطقتي نزاعهما بالوكالة -سوريا واليمن. كما كان الحال في ويستفاليا، سيأخذ هذا في الاعتبار المصالح الجوهرية للأطراف الرئيسية في مثل هذه القضايا الخلافية. ومن المتوقع أن تكون القضية السورية المحور الأكثر تعقيدًا، نظرًا إلى احتدام الصراع بين الأطراف المتناحرة داخل البلاد على مدار ثماني سنوات، وجذبه للعديد من أصحاب المصلحة الآخرين. رغم ذلك يظل هناك بعض السمات الإيجابية متمثلة في استبعاد احتمالات تحقيق أي من الأطراف المتنازعة انتصارًا في ساحة المعركة، وعلى الرغم من الثقة التي تبدو عليها قوات الجيش السوري، إلا إنه من غير المرجح أن تتمكن من طرد الأكراد من الشمال الشرقي، أو الأتراك من الجزء الشمالي.

إن الالتزام بوحدة وسيادة سوريا وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، يوفر أسس صلبة لدفع عملية السلام إلى الأمام. يتطلب ذلك، التخلص من الميليشيات المتمردة وجميع المقاتلين والجيوش الأجنبية، وإنشاء جيش وطني قوي. كما تحتاج العملية السياسية إلى وضع دستور جديد ذا طابع فيدرالي، يلبي مصالح وتطلعات المجتمعات السورية المتنوعة، ولا سيما الأكراد، ربما على غرار ما تم تحقيقه في العراق. إن مفتاح التسوية السورية يكمن في تحقيق ميزان مصالح على أساس "ربح متساو، ألم متساو". وبدلاً من كونهما متنافسين، ستصبح إيران والمملكة العربية السعودية شريكين في إعادة تأهيل النازحين وإعادة إعمار المدن المدمرة. وبمرور الوقت، سيسهم السلام الإقليمي في تشجيع وتحفيز مشروعات الربط الإقليمية، لتحل محل الجسر البري "الإيراني". في هذه الحالة، لن تشعر طهران بحاجة إلى غرس مقاتليها داخل سوريا، ويتسنى لجماعة حزب الله العودة للبنان.

رغم أن الصراع في اليمن يعد على نفس القدر من القسوة، والدمار، والجذب لأطراف خارجية، إلا أنه، بخلاف النزاع السوري، يمكن أن يُعالج على أساس عدم وجود مصالح استراتيجية حاسمة لطهران على المحك. في حين أن المملكة العربية السعودية، التي تتشارك في حدود بطول 1400 كم مع اليمن، لها مصالح أمنية حاسمة في استقرار اليمن. ستكون إيران راضية إذا أمكن إدراج الحوثيين في النسيج السياسي والاقتصادي الوطني وإعطائهم مساحة للحفاظ على تقاليدهم، دون عناصر داخلية أو خارجية تمنح الأفضلية لطائفة الأغلبية في المجالات السياسية والعقائدية والثقافية.

بمجرد معالجة القضايا العاجلة التي تقسم دول الخليج الرئيسية، سيكون من الأسهل على الأطراف المعنية استخلاص الأفكار من مبادرات السلام التي تم طرحها مؤخرًا. وتشمل هذه، على سبيل المثال، إنشاء "منظمة الأمن والتعاون في الخليج المُضمنة في الاقتراح الروسي، والأفكار التي طرحتها إيران في مبادرة "الأمل"، لا سيما: (أ) إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل؛ (ب) معاهدة عدم اعتداء بين أعضاء مجتمع مضيق هرمز.

قبل ذلك، الأمر الذي من شأنه أن يساعد على توطيد العلاقات هو التركيز على القضايا ذات الاهتمام المشترك يشمل ذلك:

  • الحوار بين الطوائف.
  • الترويج لرحلات الحج.
  • محاربة التطرف من خلال الترويج لخطاب ديني معتدل وسمح.
  • قضايا الطاقة، بما في ذلك تنسيق السياسات المتعلقة بالمصادر التقليدية مثل النفط والغاز، والطاقة المتجددة والطاقة النووية.
  • تعزيز التعاون الاقتصادي داخل المنطقة.
  • الأمن الغذائي.
  • مشاريع الربط اللوجيستي الإقليمي.
  • توسيع منظمة التعاون الإقليمي الحالية، وتعزيز التعاون عبر الإقليمي، على سبيل المثال، رابطة المحيط الهندي للتعاون الإقليمي، ومنظمة شنغهاي للتعاون، مبادرة "الحزام والطريق"
  • على الصعيد السياسي، العمل عن كثب على تسوية القضية الفلسطينية ومحاربة الجماعات المتطرفة، وتعزيز عملية السلام في أفغانستان.

الخلاصة

 ساهم صلح "ويستفاليا" في إنهاء صراع طويل ومدمر بين الأشقاء في أوروبا. تحقق السلام من خلال دبلوماسية مبتكرة وجديدة تتسم بالصبر، كرست مبادئ الأمن الجماعي والتوافق الديني القائم على تحقيق "توازن المصالح" بين القوى المتصارعة، وجعلهم شركاء متوافقين ومتشاركين في ضمان تسوية النزاعات.

وبعد مرور ثلاثمائة عام بالتحديد، في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية، التي جعلت العالم يعايش واحدة من أكثر التجارب تدميرًا في تاريخ البشرية، اجتمع القادة السياسيون والدبلوماسيون مرة أخرى، هذه المرة في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية، من أجل إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي حدثت مرتين، جالبة معها حزنًا وشقاء للبشرية لا يمكن وصفه. وفي 24 أكتوبر 1948م، منح القادة السياسيون والدبلوماسيون الحياة لمؤسسة جديدة تعنى بإحلال السلام العالمي؛ الأمم المتحدة.

 ويرى بعض المراقبين إن سلام "ويستفاليا" حدث خلال حقبة زمنية كانت "ثقافتها أصلاً موجهة نحو السلام"، وهو الأمر الذي تفتقر إليه منطقة غرب آسيا اليوم. رغم ذلك، تظل هذه وجهات نظر سطحية: حيث لا توجد رغبة لدى أي دولة في المنطقة في عيش ويلات الحرب، للعديد من الأسباب ليس أقلها إنها لن تساعد حقًا في حل أو تسوية أيًا من النزاعات، التي تفصل بين الدول حاليًا. وهذا ما تؤكده الصراعات التي طال أمدها دون جدوى في سوريا واليمن، والصراعات السابقة في أفغانستان والعراق وليبيا، حيث استخدمت القوى الغربية كامل قوتها العسكرية من الأسلحة، دون أن تحصد شيئًا قد يخدم مصالحها، بل تركت وراءها بلاداً ممزقة أصبحت معاقل للجماعات المتطرفة التي أرهبت مجتمعات بأكملها عبر نهجها العنيف والوحشي. ومن خلال تقييم موضوعي، سيتضح أن منطقة غرب آسيا في أمس الحاجة لعملية سلام، مثلما كانت أوروبا تسعى جاهدة لتحقيق ذلك قبل أربعمائة عام.

مقالات لنفس الكاتب