array(1) { [0]=> object(stdClass)#13382 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 179

الخليجيون أمام إنتاج مشروعهم الأمني بالكامل وتجديد شروط التحالف مع واشنطن

الخميس، 27 تشرين1/أكتوير 2022

تتكرر مفردة الفراغ الاستراتيجي كلما تحدث أحدهم عن مسارات التعاون والصراع في العلاقات الخليجية-الخليجية أو العلاقات الخليجية -الإقليمية أو العلاقات الخليجية -الدولية طوال القرن العشرين، وبتركيز أشد في العقود الأربعة الأخيرة منه، ومطلع الألفية الثالثة، مما ولد في الغرب مفهوم استراتيجية ملء الفراغ، جراء التسويق الغربي و الدولي له، وبأن هناك فوضى استراتيجية عالمية، من فقدان حالة توازن الغرب والشرق، بعد تجاسر موسكو على ثوابت ما بعد الحرب الباردة، مما يدفع لتشكل فراغات استراتيجية يهمنا منها الفراغ الذي يدعون وجوده في الخليج العربي.

والغرب وعلى رأسهم واشنطن مسؤولة عن إشاعة وجود هذا الفراغ في الخليج العربي، ولا نبالغ أنها من يقف وراء إشاعة الفوضى الأممية، لإظهار عجز الآخرين عن تعبئة الفراغات وعجز أصحابها وهم الخليجيين عن حسم صدق أنها فراغات استراتيجية أم لا، بل ويتهم الخليجيين أن بعض دولهم لم تكن عامل استقرار إقليمي. ولقد جاء توقيت ترديد مقولة تشكل فراغ استراتيجي في الخليج متزامن مع تدافع الحوادث قريبًا منا وحولنا على نحو يومئ بأوضاع استراتيجية جديدة في الشرق الأوسط في إيران والعراق وسوريا واليمن، بل وفي عقر دارنا بعد الموقف الجريء من هيكل أوبيك بلص الذي خفض كمية النفط التي تصب في الأسواق العالمية وجلها خليجي متزامن مع الأزمة الروسية / الأوكرانية.

ولو تعاملنا مع ما يجري بحذر بالوقوف في تأهب ترقبًا لانسحاب واشنطن بعد التمرد الخليجي النفطي، فما هي خياراتنا وهل خلق نظام إقليمي جديد هو الحل؛ أم الاكتفاء بمجلس التعاون كمنظمة إقليمية يقع عليها عبء تطوير آلياتها لسد الفراغ الذي يهددوننا بتشكله طوال نصف قرن؟

 يعد الخليج العربي أحد العناصر الرئيسية في التوازن الاستراتيجي الدولي وقلب الشرق الأوسط، لذا كان ولا يزال ضمن مبادرات بناء منظومة أمن إقليمي جديدة كلما طرحت، رغم ظهور وانهيار العديد من الهياكل الأمنية ؛ففي عام 1950م، وقَّعت سبع دول عربية، هي:  اليمن، والعراق، والسعودية ،ومصر ، وسوريا، ولبنان، والأردن، معاهدة "الدفاع العربي المشترك" لرغبة الدول العربية في تقوية وتوثيق التعاون بين الدول الأعضاء في الجامعة العربية، ولا زالت قائمة لكن قصورها يثبته كثرة المطالبة بنظام أمن جديد، ففي كل خمسة أعوام أو حولها تطلب الدول العربية "الزيادة فتقع في النقصان"؛ وتلك جملةٌ قد تختصر ما يحدث حين الإعلان عن تشكيل قوة عربية  مشتركة جديدة بداعي الفراغ الاستراتيجي والحاجة لنظام أمن عربي جديد، بعد انهيار آخر أشكاله بعد الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت 1990م، أو تحالف إقليمي أو دولي.

ولتتبع ظهور مشروع بناء منظومة أمن إقليمي جديدة، نتساءل: ما محفزات بناء منظومة جديدة، وما أثر قيامها على الهياكل الأمنية الخليجية الموجودة أصلًا وما معوقات مشروع المنظومة ومآلاتها المستقبلية؟

**محفزات ظهور مشروع منظومة أمن إقليمي  

لا يطول السجال حول مسألة الحاجة لتحقيق فكرة منظومة أمن إقليمي، أو ما يشبهها لجبر نظام الأمن الخليجي؛ فقد كانت هناك محفزات منها:

- من المحفزات لقيام نظام أمن إقليمي جديد أن دول الخليج العربية أثبتت، جدارة في حربها في اليمن؛ ما يعني عدم الحاجة الملحَّة في بعض الحالات إلى وجود عسكري غربي، بل إن اتخاذ قرار "عملية عاصفة الحزم" في بُعده السياسي هو ما سيشجَّع على ظهور مشروع منظومة أمن إقليمي؛ فحزم الرياض كأكبر عاصمة خليجية أتى كقوة دفع في إمكانية التدخل المستقبلي عسكريًّا في أي شأن يهدد الأمن الوطني والإقليمي لدول الخليج العربية.

- ظهور هياكل عسكرية غيرت المشهد في المنطقة العربية، كقوات درع الجزيرة المشتركة؛ وتنظيم الدولة الإسلامية والحشد الشعبي، وحزب الله في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن؛ حيث يدفع امتداد الزمن العسكري لتشكل هياكل عسكرية موازية منظومة أمن إقليمي.

-تعرَّض أقوى بلدين خليجيين عُدَّةً وعتادًا كالسعودية والإمارات لهجمات إرهابية أثبتت مدى القصور في التعاون الخليجي-الغربي. وفشل الغرب والتحالف معها في صد ما يتعرض له الخليج من عمليات إرهابية في بقيق والهجوم على الإمارات، وبصورة عامة من إيران وأذنابها. رغم تسويق الغرب لنفسه في المنطقة بأنه الحامي لها من الإرهاب؛ فتنظيمات محور المقاومة لم تتوقف عن عدوانها ما أدَّى إلى التشكيك في قدرة الغرب كحليف أمني.

- من المحفزات لقيام نظام أمن إقليمي حالة التشرذم السياسي الذي يعيشه العالم العربي فدفع بالضرورة للبحث عن آليات أخرى، منها التعاون الاقتصادي الذي كان له معوقات كثيرة؛ مما جعل التفكير في التعاون العسكري آلية للخروج من حالة الجمود التي يرزح تحتها العالم العربي.

-ليس للجامعة العربية قدرة على التدخل العسكري لو طلبت حكومة خليجية منها العون، لعدم وجود آلية لذلك، لأنه لم يتم إقرار منظومة أمن إقليمي كذراع عسكرية قوية للجامعة العربية.

أثر قيام منظومة أمن إقليمي على الهياكل الأمنية الخليجية

  من استراتيجيات البقاء التي مارستها دول مجلس التعاون الخليجي تبنِّي نظام الدوائر الأمنية، التي تبدأ بدائرة الدفاع الذاتي لكل دولة ثم دائرة الأمن الجماعي مع دول الخليج، ثم الدائرة العربية، تليها دائرة الحلفاء، وأخيرًا دائرة الأصدقاء. صحيح أن التأجيل للكثير من أفكار التعاون قد جاء في محله كضم الأردن والعراق وحتى المغرب لتحالف أمني استراتيجي ليس لعدم الرضا عن الفكرة نفسها، فالخليج يدعم فكرة الوحدة الأمنية العربية، لكن لأن قيامها سيكون له أثر على الهياكل الأمنية الخليجية مثل:

** دائرة الدفاع الذاتي: لن تُحدث منظومة أمن إقليمي جديدة انقلابًا في المشهد العسكري الخليجي داخل كل دولة، وسيكون التعاون من خلال قنوات الاتفاقية العربية الأمنية كمعاهدة الدفاع المشترك بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية والتي وقعت منذ 18 يونيو 1950م، في القاهرة تبعها إنشاء مجلس الدفاع المشترك وأيضًا من خلال اتفاقية مكافحة الإرهاب الخليجية التي اعتُمدت في عام 2004م، لكن ما سيثقل كاهل دائرة الدفاع الذاتي هو فقدان المنظومة العسكرية لكل دولة لجزء كبير من قواتها الصغيرة حين تشارك خارج الحدود في أية منظومة أمن إقليمي جديدة، وما لذلك من تبعات حادَّة؛ فكما في حالة بعض دول الخليج في التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية ممثَّلًا بعمليتي عاصفة الحزم وإعادة الأمل؛ حيث تمثِّل المفارز الجوية والقوات البرية المتواجدة على الجبهة خصمًا من رصيد دائرة الدفاع الذاتي إذا طال زمن الحرب. إلا بحل معروف وهو التبديل للقوات كل ستة أشهر.

**دائرة الأمن الجماعي الخليجي وتقوم على اتفاقية الدفاع الخليجي المشترك لعام 1998م، وذراعها العسكرية هي قوات درع الجزيرة التي تتألف من فرقة مشاة آلية بكامل إسنادها وهي (المشاة والمدرعات والمدفعية وعناصر الدعم القتالي) وتتألف القوة التأسيسية من لواء مشاة يقدر بحوالي 5 آلاف جندي من عناصر دول مجلس التعاون الست (السعودية، والإمارات، والكويت، وقطر، والبحرين، وعمان). فبعد الغيبوبة التاريخية، وبعد أن أخذت الإفاقة العربية منحى تعبويًّا من خلال عملية عاصفة الحزم، أصبحت قوات درع الجزيرة المشتركة الأكثر تأهيلًا من غيرها، وهي أمام خيارين: إمَّا التفكك لمنع الازدواجية والكُلفة، أو أن تكون نواة لمنظومة أمن إقليمي جديدة وهو الأجدى. لقد تغيَّر هيكل القوات الخليجية منذ العام 1991م، وأصبحت من أوضح التحالفات العسكرية في القرن الحادي والعشرين، فلديها قوة بحرية وجوية وبرية حديثة وتعمل تحت شبكات موحدة للرقابة والإنذار الجوي والصاروخي المبكر، ومربوطة بغرفة مراقبة وإنذار مركزية، ولها قيادة مشتركة. كما يبدو هيكل درع الجزيرة الحالي معطًى مناسبًا لتجاوز إشكاليات البدايات وعوائقها نحو تشكيل القوة العربية المشتركة؛ حيث يعتبر مقر قوات درع الجزيرة في حفر الباطن بالمملكة العربية السعودية بمثابة موقع استراتيجي لقربه من مناطق التهديد بدوافع إيرانية. ودرع الجزيرة نواة جاهزة تتألَّف من فرقة من 30 ألف مجند، بل إن قيادتها بخبرة عقود من العمل المشترك تجعلها الأكثر تأهيلًا لقيادة الحلف العربي.

** الدائرة العربية في نظام الأمن الخليجي كانت مهمَلة جرَّاء تجارب عربية سابقة لم يُكتب لها النجاح كهيكل "دول إعلان دمشق" في مارس 1991م، الذي وقع بين 8 دول عربية. فرغم توضيح أن الإعلان لن يكون بديلاً للجامعة العربية، والصيغة التي تم الاتفاق عليها بأنها ليست بديلاً لميثاق الجامعة بل صيغة لتفعيل أهداف هذا الميثاق المطروح؛ إلا أن الضغط الخارجي وعوائق التمويل حالت دون نجاح تلك الصيغة. وبما أن إنشاء قوة عربية فاعلة سوف يكون مكلِّفًا جدًّا من حيث الرواتب والبدلات والتسليح فإن المنطق العربي السائد هو أن تأمين موازنتها ستتحمله دول الخليج العربية التي تعاني أصلًا من مشاكل تمويل مشاريعها الخاصة في ظل تقلب حادِّ في أسعار النفط بالتزامن مع كلفة الحرب الدائرة في اليمن وتبعات كورونا الاقتصادية ثم الحرب الروسية / الأوكرانية. فإذا كانت القوى البشرية غير خليجية والتمويل خليجي؛ فمن سيملك القرار؟ فعند أول تعارض في القرارات سوف تصبح هذا القوة المقترحة عاطلة وفارغة من المضمون كما حدث في هيكل "دول إعلان دمشق". لقد طُرحت في الماضي أفكار حول ضمِّ دول عربية أخرى للحلف الخليجي كشريك استراتيجي؛ ومشروع منظومة أمن إقليمي جديدة تحقيقًا لتلك الفكرة عبر فرز قيادات وحدات عسكرية نخبوية من القوات الخاصة للجيش المشترك مع بقاء تلك القوات في بلدانها وإدامة العمل المشترك بالتمارين فلا تكون عبئًا على القواعد العسكرية في دول الخليج العربية، ولا تسبِّب مشاركتها فراغًا في بلدانها، مع اعتماد قوات درع الجزيرة المشتركة كقوة ضاربة للتدخل السريع.

**ظهرت دائرة الحلفاء في نظام الأمن الخليجي جرَّاء انهيار نظام الأمن العربي على ضفاف الخليج العربي بعد الغزو العراقي للكويت 1990م، فخلقت دول الخليج العربية لنفسها أنظمة أمن فرعية خاصة بها كقوات درع الجزيرة المشتركة، أو من خلال الاتفاقيات الأمنية التي أبرمتها مع الدول الكبرى، والقواعد والتسهيلات التي منحتها لدول غربية عدَّة، وتعزيز العلاقة مع حلف الناتو من خلال "مبادرة إسطنبول للتعاون" التي أُبرمت في عام 2004م، إلا أن هناك ثغرات تتشكل في دائرة التعاون الخليجي الأمريكي؛ مثل نغمة تقليص الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، وتمثلت شواهد الانسحاب في عدم التدخل الأمريكي في التشابك الفلسطيني ـ الإسرائيلي، مرورًا بالانسحاب من العراق واقتصار تواجد قوات للقيام بمهام استشارية وتدريبية للقوات العراقية، والانسحاب الكلي من أفغانستان، وسحب بطاريتين من صواريخ باتريوت والطائرات المقاتلة من السعودية وسحب صواريخ وأفراد من القوات في الكويت والأردن، والانسحاب مشهد أمريكي استمر لعقود بين قصف واحتلال أمريكي للدول ثم خروج سريع، وهو سلوك متكرر على مدى عقود بدأ من الصومال مرورًا بالعراق، وأفغانستان، وسوريا، وليبيا، ونتوقعه في أوكرانيا.

أما الثغرة الثانية فهي التقارب الإيراني-الأمريكي اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي نجح في التشبيك بين مؤسسات غير حكومية ومنظمات سياسية ومدنية وشركات تجارية لها مصالح اقتصادية مشتركة مع النظام الإيراني. وقد تعاظم نشاط هذا اللوبي ووصل إلى أوجه وتوجت جهوده بتوقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية، ثم ضمان تمريره في الكونجرس.

وهذا يفرض على الخليجيين إعادة إنتاج مشروعهم الأمني بالكامل من خلال التقليل من الاعتماد على دائرة الحلفاء وتجديد شروط علاقات التحالف القائمة حاليًا مع واشنطن وتقوية بقية الدوائر خصوصًا دائرة الأمن كبديل لدائرة الحلفاء. ولن تتأثر الدول الصديقة بوجود مثل هذه المنظومة بحكم أن الفكرة ستتحكم في فترة وحجم تدخل الأصدقاء؛ إلا أن ما تجدر الإشارة إليه هو أن نظام أمن إقليمي سيكون أكثر مصداقية من مكونات دائرة الأصدقاء الحالية، ولنا في موقف باكستان من دول التحالف العربي في حربها في اليمن خير مثال على ذلك، فسرعان ما تبدَّد ذلك الوهم الاستراتيجي كاشفًا واقع هذه الدائرة.

ويبقى الدور الروسي؛ حيث أن من المجازفة عدم دراسة العلاقات الخليجية-الروسية إن كانت تقاطع مصالح عابرة تحت هيكل أوبيك بلص أم تحول استراتيجي؛ قد يفيد في إقامة منظومة أمن إقليمي جديدة، فقد كان الاتحاد السوفيتي السابق دائما في المسكر المناوئ لدول الخليج في الحرب الباردة، كانت دول الخليج تخشى "المد الشيوعي" في المنطقة وتقف في صف المعسكر الغربي في مواجهة المعسكر الشيوعي. بسبب الدعم السوفييتي لأنظمة الحكم اليسارية في جنوب اليمن وجبال أفغانستان وفي إثيوبيا، بل ودعم الأحزاب اليسارية في المنطقة في عمان والعراق. وحدثت الحرب الروسية/ الأوكرانية ففتحت صفحة جديدة في علاقات موسكو الخليج شملت العديد من الملفات، وتم توقيع عدد من الاتفاقيات في مجالات مختلفة حيث نجحت دول الخليج في ممارسة فن قلب العقبات إلى فرص. لكن بقيت معوقتان حيث يبرز المحور الإيراني، والدعم الروسي في الملف النووي، وضبابية الموقف الروسي من ميليشيات الحوثيين، والصراع داخل سوريا، يبرز هذا المحور المتخم بالخلافات الخليجية ـ الإيرانية ليتقاطع مع علاقات روسيا ودول الخليج، ويحيل فرص التقارب الروسي الخليجي إلى ضباب. أما المعوق الثاني فهو مشروع موسكو لأمن الخليج والذي طرحة لافروف 2019م، عبر صيغة مختصرة أمام مجلس الأمن لـ «وضع تدابير للحيلولة دون التصعيد، وتأسيس نظام يمكن الاعتماد عليه للأمن الجماعي في الخليج». مع عدم دعوة دول الخليج العربية إلى هذا الاجتماع؛ بينما سيتكرم الدبلوماسي المتجهم لافروف لاحقًا بدعوتنا للمشاركة إلى جانب الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لوضع «الخطوات العملية لتنفيذ تلك الأفكار». يعني تعالوا لتنفذوا ما قررنا، كما أن علة المقترح الروسي أنه مجرد مقترح سابق لحسن روحاني طرحه عام 2007م، بفكرة تأسيس منظمة للأمن والتعاون في الخليج. مما يدل على التنسيق الروسي الإيراني، كما أن النظام الأمني الروسي المقترح يتطلب قدراً كبيراً من تبادل المعلومات الحساسة، متجاهلاً عدم الثقة في طهران.

 معوقات مشروع قيام منظومة أمن إقليمي جديدة ومآلاتها المستقبلية

أظهر السعي لإنشاء هياكل أمنية مركزها الخليج وآخرها قوة عربية مشتركة لمحاربة الإرهاب ومواجهة الأخطار الخارجية على الأمة العربية؛ أظهر ذلك السعي حالة تمرد على الجمود العربي. وتَظهر التحفظات التي ظهرت على المشاريع الأمنية السابقة حتى الآن كبذور خصومة لمشروع قيام منظومة أمن إقليمي جديدة قد تتحول مستقبلًا إلى غابة من المعوِّقات إذا لم يتم تداركها في مراحل المشروع الأولى. أضف إلى ذلك الضغوط الخارجية المحتملة على دول الخليج وعلى بقية الدول العربية الأخرى؛ فتشكيل وقيام منظومة أمن إقليمي جديدة هو انتفاء للحاجة للأنظمة الأمنية الخليجية الفرعية عبر الاتفاقيات الأمنية، والتي هي مصلحة غربية بدرجة كبيرة يشرعن لتواجدها بالقواعد والتسهيلات في المنطقة. كما أن ظهور منظومة أمن إقليمي جديدة هو تفكيك للتحالف الاستراتيجي العراقي-الإيراني، وعودة محتَّمة لبغداد إلى أحضان أمتها العربية وذلك مرفوض إيرانيًا عبر الدبلوماسية أو رشقات المليشيات الموالية لها ليس في العراق فحسب بل عبر حزام الهياكل العسكرية الشريرة المسماة محور المقاومة. فإذا تشكَّلت منظومة أمن إقليمي جديدة ولم تتحول، كبقية الهياكل الأمنية العربية، إلى حزمة من الأماني مفرغة من شحنتها التعبوية، وأظهرت عزمها على دخول جولات النزاع بتصميم وقوة، فسيتشكَّل مزاج وحدوي إقليمي وعربي وسيدعم عملها خصوصًا أن تظهر كما ظهر مشروع (القوة العسكرية المشتركة) من تفاصيل لملَكات القوة يُظهر قوة ضاربة قوامها 40 ألف جندي، إضافة إلى 1000 طيار حربي، و3000 عنصر من القوات البحرية، محكومة ببروتوكول ويسري مفعوله لمدة 5 سنوات، ويحتوي 12 بندًا تتحدث عن مرتكزات نبيلة كحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للأعضاء، وعدم الانحياز لأي اعتبارات مذهبية ،بالطبع، لن تكون منظومة أمن إقليمي جديدة  بحجم وفعالية قوة حلف شمال الأطلسي "الناتو"، لكنها ستجعل مصدر التهديد يعيد حساباته ويقدِّر أن مغامراته لن تكون نزهة يسيرة كما هي الحال مع التحديات التي واجهها بعض الدول العربية من دول تشنُّ حربًا لا متماثلة.

أخيرًا

يجب أن تكون بصمات الخليجيين واضحة في ثنايا مشروع منظومة أمن إقليمي جديدة بشكل يُظهر تنامي الدور الخليجي العسكري؛ حيث أن المحفزات الخليجية هي الأساس رغم أن لتأسيس منظومة أمن إقليمي جديدة أثرًا على الهياكل العسكرية الخليجية ودوائر الأمن فيها، إلا أنه من الممكن تجاوز معوقات مشروع المنظومة بجهود خليجية وعربية، خصوصًا وأن مستقبل هذا المشروع يخدم نظام الأمن الخليجي والعربي معًا.

مقالات لنفس الكاتب