تحميل ملف الدراسة
في هذا المقال نقترح تطوير رؤية الأمير سعود الفيصل ـ رحمه الله ـ لأمن الخليج العربي والتي قدمها في مؤتمر المنامة عام 2004م، وترقيتها إلى مشروع مبادرة سعودية لبناء منظومة أمنية إقليمية، تكون منطلقاً لنقاشات موسعة غير رسمية يشارك فيها نخبة من الشخصيات البارزة من دول المنطقة وعدد من الدول المعنية بهذه المسألة مع كبار المسؤولين ضمن ما يعرف بدبلوماسية المسار واحد ونصف " Track 1.5 "ومن ثم إعلانها دولياً أملاً في أن تنهي حالة التوتر الدائمة التي تعانيها دول المنطقة.
هذا المقترح ينطلق من الحقائق الآتية: (1) أن أمن الخليج العربي قضية تحظى باهتمام واسع من أطراف إقليمية ودولية (2) أن عدداً من هذه الأطراف تقدم بمبادرات لأمن الخليج رغبة في لعب دور محوري في صياغة أي ترتيبات مستقبلية (3) أن المملكة بحكم حجمها وإمكاناتها وتاريخها جديرة بأن يكون لديها رؤية لأمن الخليج تعكس أولوياتها وأولويات دول مجلس التعاون (4) هناك مستجدات تقتضي التفكير الجاد في مسألة الوضع المستقبلي للأمن في الخليج من أبرزها: (أ) تراجع اهتمام الولايات المتحدة والتي كان دورها ركيزة أساسية للأمن في الخليج (ب) استئناف المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني وما قد يترتب على توقيع الاتفاق الجديد من آثار على سلوك طهران تجاه جيرانها(ج) دخول أطراف جديدة في معادلة الأمن في الخليج من خلال شراكات واسعة مع بعض دوله ( تركيا وإسرائيل) وهو ما قد يؤثر على توازن القوة في الخليج (د) زيادة اهتمام الصين بالخليج، والقفزة التي تشهدها العلاقات الثنائية بينها ودول الخليج واحتمالات تأثر الخليج بالمنافسة المتصاعدة بينها وبين الولايات المتحدة.
نعرض أولاً ملخصاً عن مسألة الأمن في الخليج العربي منذ انسحاب بريطانيا في نهاية الستينيات، ثم نقدم المبادرات والرؤى الإقليمية والدولية المقدمة من عدة دول لأمن الخليج ونختم بوضع تصور أولي لمبادرة سعودية لأمن الخليج يحدد العناصر التي لابد من النظر فيها لبناء المبادرة ومن ذلك: المبادئ التي تقوم عليها المبادرة وأهدافها ونطاقها وآلياتها وكذلك الأطراف المشارِكة.
إن الهدف من هذا المقترح هو جعل المملكة تأخذ زمام المبادرة في أي حوارات حول أمن الخليج وألا تكتفي بالمشاركة في مناقشة لأطروحات تقدمها أطراف أخرى. ولذلك سواءً لقيت المبادرة السعودية تأييداً وتحولت إلى واقع أو بقيت محل جدل بين الأطراف المشارِكة، فإن المهم هو أن يدرك هؤلاء أن المملكة لن تكون المتلقي لما يطرحه الآخرون من مبادرات حول مسألة تتعلق مباشرة بأمنها الوطني ومصالحها الحيوية.
أمن الخليج خلال خمسة عقود
يمكن القول إن مسألة الأمن في الخليج طرأت مباشرة بعد الانسحاب البريطاني في نهاية الستينيات وما ترتب على ذلك من وجود "فراغ أمني" اقتضى البحث في آليات وترتيبات تضمن الأمن لجميع دول الخليج. وقد تأكدت تلك الحاجة بعد مسارعة الشاه لاستغلال الانسحاب البريطاني باحتلال الجزر الإماراتية الثلاث ومحاولة ضم البحرين. ومع تنامي الأهمية الاستراتيجية للخليج نتيجة ارتفاع أسعار النفط والعوائد المالية الضخمة زاد الاهتمام بمسألة الأمن في الخليج والبحث عن آليات تمنع هيمنة أي قوة إقليمية أو دولية، وتمنح دول الخليج ضمانات لأمنها ضد أي تهديدات في ضوء الفجوة الكبيرة في الإمكانات والطموحات.
ونتيجة ذلك شهدت منطقة الخليج تحركات كان أبرزها تعزيز الوجود العسكري الأمريكي وبناء تحالفات إقليمية وتخزين الأسلحة وطرح مشاريع للتعاون والتكامل. وجاء تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية كأهم دلالة على هذا القلق الدائم بشأن الأمن.
وخلال نصف قرن ساد التوتر في العلاقات وسادت حالة من عدم الثقة بين دول الخليج وراجت الاتهامات المتبادلة وجاءت الثورة الإيرانية لتزيد من المخاوف والقلق بسبب مساعي النظام الجديد في طهران لتصدير الثورة وتهديد الأمن الداخلي لدول الخليج. كما أكدت الحرب العراقية ـ الإيرانية وغزو الكويت، الشكوك في نجاعة الترتيبات الأمنية القائمة آنذاك وعدم كفايتها وضرورة البحث عن آليات جديدة أكثر فعالية لتحقيق الأمن والاستقرار.
وخلال السنوات الأخيرة زادت حالة القلق بشأن الأمن والاستقرار نتيجة البرنامج النووي الإيراني وتراجع الاهتمام الأمريكي بالخليج كجزء من انسحابها من الشرق الأوسط، إضافة إلى تنامى الخلافات بين دول المجلس، ودخول تركيا وإسرائيل للمنطقة من خلال علاقات متشعبة مع عدد من دوله تتعارض مع الالتزامات الجماعية ضمن مجلس التعاون، وطُرحت تساؤلات حول جدوى استمرارية المجلس في ضوء عجزه عن توفير الأمن وضعف قدرته في تنسيق المواقف والسياسات بين أعضائه.
ولا شك أن دخول تركيا وإسرائيل في المنطقة سيعقّد معادلة الأمن في الخليج ويزيد من الفجوة في إدراك مصادر التهديد وكيفية التعامل معها، وهذا ما يقتضي من دولة بحجم ومكانة المملكة العربية السعودية المسارعة في بحث هذه التطورات بشكل جاد واتخاذ خطوات استباقية ولو على مستوى التفكير وصياغة الرؤى ووضع الأجندة المستقبلية لأمن الخليج.
مبادرات حول الأمن في الخليج
هنا سنعرض لعدد من المبادرات والرؤى حول الأمن في الخليج العربي.
المبادرة الروسية
المبادرة الروسية تعد امتداداً لرؤية تم التعبير عنها في نهاية التسعينيات وعملت وزارة الخارجية الروسية على تطويرها من خلال عقد حلقات نقاش للخبراء، وفي يوليو 2019م، سلمت نسخة منها إلى الأمين العام للأمم المتحدة.
هدف المبادرة
إقامة نظام أمن إقليمي قادر على تحقيق الأمن والاستقرار وحل النزاعات واكتشاف المخاطر المستقبلية المحتملة ومنع الأزمات قبل وقوعها.
أبرز المبادئ التي تقوم عليها المبادرة
- توحيد جميع أصحاب المصلحة المهتمين بالقضاء على بؤر التطرف والإرهاب في الشرق الأوسط في تحالف واحد لمكافحة الإرهاب وضمان تسوية سياسية مستدامة في سوريا واليمن ودول أخرى في المنطقة.
- تعبئة الرأي العام عبر الدول الإسلامية والدول الأخرى بهدف التصدي المشترك لخطر الإرهاب، بما في ذلك من خلال الجهود المتكاملة في الفضاء الإعلامي.
- التزام جميع الأطراف بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
- أن يكون النظام الأمني في منطقة الخليج شاملاً. يجب أن يقوم على أساس احترام مصالح جميع الأطراف الإقليمية والأطراف الأخرى المعنية، وفي جميع مجالات الأمن بما في ذلك أبعادها العسكرية والاقتصادية والطاقة.
- مشاركة جميع أصحاب المصلحة في التقييم المشترك للوضع وعملية صنع القرار وتنفيذ القرارات، وعدم استبعاد أي صاحب مصلحة لأي سبب من الأسباب.
- التدرج في إحراز تقدم نحو إنشاء نظام أمني بدءًا من المشاكل الأكثر صلة وإلحاحًا. وهذا يتعلق أولاً وقبل كل شيء بمكافحة الإرهاب الدولي، وحل الأزمات العراقية واليمنية والسورية، وتنفيذ جميع الاتفاقات التي تم التوصل إليها بشأن البرنامج النووي الإيراني.
- مع الأخذ في الاعتبار الترابط الوثيق بين المشاكل الإقليمية، يعتبر إنشاء نظام أمني في منطقة الخليج جزء من الحل الهادف إلى ضمان الأمن في منطقة الشرق الأوسط ككل.
آلية تحقيق المبادرة
يمكن الشروع في العمل العملي لبدء نشر النظام الأمني في منطقة الخليج من خلال المشاورات الثنائية والمتعددة الأطراف بين أصحاب المصلحة، بما في ذلك الدول الإقليمية وغير الإقليمية، ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية. وينبغي أن تؤدي هذه الاتصالات إلى تشكيل مجموعة عمل للتحضير لمؤتمر دولي حول الأمن والتعاون في منطقة الخليج.
إجراءات بناء الثقة والأمن والمراقبة
فيما يتعلق بالوضع في منطقة الخليج، يتعين على دول المنطقة وأصحاب المصلحة من خارج المنطقة القيام بما يلي:
- إعادة تأكيد المجموعة الكاملة لالتزاماتها القانونية الدولية وعلى وجه الخصوص عدم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في تسوية المنازعات، واحترام سيادة دول المنطقة وسلامتها الإقليمية، والالتزام بتسوية النزاعات الإقليمية والحدودية من خلال المفاوضات أو بوسائل سلمية أخرى، والوفاء بحسن نية بالتزاماتها الدولية.
- الالتزامات المتبادلة بشأن الشفافية العسكرية (الحوار حول العقائد العسكرية، واجتماعات وزراء الدفاع، وإنشاء خطوط ساخنة، وتبادل الإشعارات الأولية بشأن التدريبات العسكرية والتحركات العسكرية، وتبادل المراقبين، والتخلي عن النشر الدائم لقوات من دول خارج المنطقة على أراضي دول الخليج، وتبادل المعلومات بشأن شراء الأسلحة والقوات المسلحة.
- توقيع اتفاقيات بشأن الحد من التسلح يمكن أن تشمل على سبيل المثال إنشاء مناطق منزوعة السلاح وحظر التكديس المزعزع للاستقرار للأسلحة التقليدية، بما في ذلك أسلحة الدفاع الصاروخي، والتخفيض المتوازن للقوات المسلحة من قبل جميع الأطراف.
- اتخاذ خطوات لتحويل المنطقة إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.
- إبرام اتفاقيات لمكافحة الإرهاب العابر للحدود، والاتجار غير المشروع بالأسلحة والهجرة غير الشرعية، وتهريب المخدرات، والجريمة المنظمة.
- ومع إحراز مزيد من التقدم في بناء النظام الأمني ينبغي الشروع في مناقشة تقليص الوجود العسكري الأجنبي في المنطقة ووضع تدابير مشتركة لبناء الثقة بين الدول الإقليمية وغيرها.
- يتمثل الهدف المركزي طويل الأجل لهذه المبادرة في إنشاء منظمة للأمن والتعاون في الخليج العربي (PGSCO) من شأنها أن تشمل بالإضافة إلى دول الخليج، روسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والهند وأصحاب المصلحة الآخرين كمراقبين أو الأعضاء المرتبطين.
- ينبغي مواصلة الجهود لحل النزاعات المزمنة، وفي مقدمتها النزاع الإسرائيلي ــ الفلسطيني، الذي لا يزال أحد العوامل الرئيسية المزعزعة للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بأكملها والتي تمكن المتطرفين من تجنيد مقاتلين جدد. في المستقبل، في سياق التسوية العربية الإسرائيلية، يمكن أن تصبح PGSCO عنصرًا في نظام الأمن الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
المبادرة الإيرانية: هرمز للسلام Hormuz Peace Endeavour
قدم الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني هذه المبادرة ضمن كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في الدورة الرابعة والسبعين أكتوبر 2019م.
من أبرز أهداف المبادرة
- تعزيز السلام والاستقرار والتقدم والازدهار لجميع دول وشعوب "مجتمع هرمز" Hormuz community. (دول الخليج)
- تشجيع التفاهم المتبادل والعلاقات السلمية والودية والتعاون بين شعوب ودول الخليج.
- التعاون من أجل استئصال الإرهاب والتطرف والتوترات الطائفية ونزع فتيل التوترات وحل النزاعات والصراعات في دول الخليج سلمياً ومن خلال الحوار والتواصل المعزز والإنذار المبكر.
- ضمان أمن الطاقة وحرية الملاحة والتدفق الحر للنفط والموارد الأخرى من وإلى دول الخليج.
المبادئ التي تقوم عليها المبادرة:
- الالتزام بمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة.
- علاقات حسن الجوار.
- احترام السيادة والسلامة الإقليمية.
- حرمة الحدود الدولية.
- التسوية السلمية لجميع النزاعات.
- رفض التهديد أو استخدام القوة أو المشاركة في التحالفات أو التكتلات ضد بعضها البعض.
- عدم التدخل في الشؤون الداخلية أو الخارجية.
- الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة والمساواة.
- احترام المقدسات والرموز التاريخية والدينية والوطنية لدول وشعوب دول الخليج.
خطة العمل لتحقيق المبادرة
- اجتماعات على مستوى الخبراء ومراكز الفكر والقطاع الخاص وكبار المسؤولين والوزراء ورؤساء الدول للنقاش والوصول إلى مقاربات مشتركة بشأن الأهداف التالية:
أولاً. أمن الطاقة وحرية الملاحة للجميع
ثانيًا. تدابير الحد من التسلح وبناء الثقة والأمن.
ثالثًا. تعزيز عدم الانتشار وإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.
رابعًا. الاتصالات العسكرية وتبادل البيانات والمعلومات.
خامسًا. منع نشوب النزاعات الإقليمية وحلها.
سادسًا. إبرام ميثاق عدم اعتداء.
- تشكيل فرق عمل مشتركة لوضع تصور للتدابير العملية لبناء الثقة تدريجياً وتوسيع التعاون في عدد من المجالات من أبرزها:
أولاً. الأمن المشترك، بما في ذلك الخطوط الساخنة وأنظمة الإنذار المبكر.
ثانيًا. التعاون الاقتصادي.
ثالثًا. تعزيز أمن الطاقة وحرية الملاحة للجميع.
رابعًا. تشجيع الأعمال والتجارة ومشاركة القطاع الخاص.
خامسًا. التعاون الثقافي والاجتماعي.
سادسًا. التعاون العلمي.
- ستوفر الأمم المتحدة المظلة الدولية اللازمة، وهذا من شأنه أن يساعد على تعزيز الثقة بين دول الخليج، وضمان المصالح المشروعة للمجتمع الدولي، وإقامة الروابط الضرورية فيما يتعلق بالقضايا التي تتجاوز بطبيعتها حدود أي منطقة بمفردها.
الرؤية الأمريكية
يتسم الموقف الأمريكي من مسألة الأمن في الخليج بالتكيف المستمر مع التحولات التي تشهدها المنطقة؛ فقد انتقل من مبدأ نيكسون الذي استمر حتى نهاية السبعينيات والقائم على الاعتماد على قوى إقليمية لحماية الأمن وضمان تدفق النفط إلى مبدأ كارتر بعد الثورة الإيرانية والغزو السوفيتي لأفغانستان حيث أعلنت واشنطن الاستعداد للتدخل العسكري المباشر لمواجهة أي تهديد تتعرض له المصالح الحيوية الأمريكية في الخليج. وخلال الأربعة عقود الماضية أقامت الولايات المتحدة شبكة من العلاقات العسكرية مع دول المنطقة كانت رادعاً لأي محاولات للنفوذ. ولاحقاً تبنت واشنطن سياسة الاحتواء المزدوج لإيران والعراق من خلال فرض عقوبات وحظر اقتصادي خاصة على التقنيات ذات الاستخدام المزدوج بهدف الحيلولة دون تعزيز قدرات الدولتين يزيد من تهديدها لأمن بقية دول الخليج.
ومثّل احتلال العراق وتفكيك الدولة العراقية التحول الأكبر في السياسة الأمريكية حيث تسبب في نتائج مأساوية وساهم في رجحان ميزان القوة لصالح إيران وتوظيفها الميليشيات لتوسيع نفوذها في المنطقة. ولأسباب تتعلق بإعادة ترتيب أولويات السياسة الأمريكية بالتركيز على صعود الصين الذي أصبح المنافس الأهم للهيمنة الأمريكية. على النظام الدولي تبنت الإدارات الأمريكية خلال العشر سنوات الأخيرة خطاباً وإجراءات تظهر تراجع الاهتمام بمنطقة الخليج، وكان أكبر شاهد على ذلك الموقف الأمريكي من الهجمات التي تعرضت لها المنشآت النفطية في بقيق التي كادت أن تتسبب في أزمة طاقة عالمية. ومنذ عهد الرئيس باراك أوباما تبنت واشنطن فكرة " تقاسم النفوذ" مع إيران رغم التباين الواضح في القدرات والأهداف والطموحات بين دول المنطقة.
ورغم استمرار التواجد العسكري الأمريكي في عدد من دول الخليج، إلا أن توجهات السياسة الأمريكية الراهنة تؤكد انتهاء الدور الأمريكي الذي بدأ قبل خمسين عامًا في ضمان الأمن والاستقرار في منطقة الخليج. ولعل هذا يعد أهم مبرر لدول الخليج لاستكشاف ترتيبات جديدة تضمن لها الأمن والاستقرار، والانتقال من حالة الصراع إلى التعاون وتعزيز الثقة بما يمنحها التركيز على برامج التنمية الشاملة.
الرؤية الصينية
قدم وزير الخارجية الصيني خلال مقابلة مع قناة العربية في مارس 2021م، مبادرة من خمس نقاط بشأن تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط عموماً. وتتمثل هذه العناصر في:
(أولاً) الدعوة إلى الاحترام المتبادل. الشرق الأوسط هو موطن الحضارات الفريدة التي طورت أنظمة اجتماعية وسياسية فريدة من نوعها. يجب احترام خصائص ونماذج ومسارات الشرق الأوسط. من المهم تغيير العقلية التقليدية والنظر إلى دول الشرق الأوسط كشركاء في التعاون والتنمية والسلام، بدلاً من النظر إلى المنطقة من خلال عدسة المنافسة الجغرافية. من المهم دعم دول الشرق الأوسط في استكشاف مسارات التنمية الخاصة بها وتعزيز الحوار بين الحضارات لتحقيق التعايش السلمي بين جميع الأعراق في الشرق الأوسط.
(ثانياً) دعم الإنصاف والعدالة. لا شيء يمثل الإنصاف والعدالة في الشرق الأوسط أكثر من حل قضية فلسطين والتنفيذ الجاد لحل الدولتين. نحن ندعم الوساطة النشطة من قبل المجتمع الدولي لتحقيق هذا الهدف وعقد اجتماع دولي رسمي حول هذا الموضوع عندما تكون الظروف مناسبة. ستواصل الصين دعوة دعاة السلام من فلسطين وإسرائيل إلى الصين للحوار، كما ترحب بالممثلين الفلسطينيين والإسرائيليين في الصين لإجراء مفاوضات مباشرة.
(ثالثا) استئناف الامتثال لخطة العمل الشاملة المشتركة. تتمثل المهمة الملحة في أن تتخذ الولايات المتحدة إجراءات جوهرية لرفع العقوبات الأحادية الجانب على إيران وأن تستأنف إيران الامتثال لالتزاماتها النووية والعمل على إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى في الشرق الأوسط.
(رابعاً) تعزيز الأمن الجماعي بشكل مشترك وهو ما يقتضي مراعاة الشواغل المشروعة لجميع الأطراف وتشجيع الحوار والتشاور على قدم المساواة والتفاهم المتبادل والتوافق وتحسين العلاقات بين دول الخليج “الفارسي”. تقترح الصين عقد مؤتمر حوار متعدد الأطراف في الصين حول الأمن الإقليمي في منطقة الخليج “الفارسي” لاستكشاف إنشاء آلية ثقة في الشرق الأوسط، بدءًا من مواضيع مثل ضمان سلامة المنشآت النفطية والممرات الملاحية، وبناء إطار عمل تدريجيًا. من أجل الأمن الجماعي والشامل والتعاوني والمستدام في الشرق الأوسط.
(خامسًا) تسريع التعاون الإنمائي. يتطلب السلام والأمن الدائمان في الشرق الأوسط التنمية والتعاون والتكامل. من المهم مساعدة البلدان الخارجة من الصراع على إعادة البناء، ودعم تنوع أكبر في النمو الاقتصادي للدول المنتجة للنفط، ومساعدة دول الشرق الأوسط الأخرى في تحقيق التنمية. ستواصل الصين عقد المنتدى الصيني العربي للإصلاح والتنمية ومنتدى الأمن في الشرق الأوسط لزيادة تبادل الخبرات في مجال الحكم مع دول الشرق الأوسط.
نحو مبادرة سعودية لأمن الخليج
خلال منتدى الحوار الخليجي في المنامة عام 2004م، ألقى الأمير سعود الفيصل ـ رحمه الله ـ كلمة تضمنت رؤية المملكة لأمن المنطقة من خلال بناء نظام أمني جماعي لمنطقة الخليج يستوعب كافة دولها. ما قدمه الأمير ـ رحمه الله ـ يعبر عن موقف ثابت تبنته القيادة السعودية منذ منتصف السبعينيات أساسه تحقيق الأمن للجميع. تلك الرؤية يمكن أن تكون أساساً لصياغة مبادرة سعودية للأمن في الخليج تكون أكثر تفصيلاً حيث تتضمن المبادئ والأهداف والنطاق والآليات للأطراف المشاركة.
لكن قبل البحث في المقترح نشير إلى ما يلي:
- تسود حالة من عدم الثقة والاتهامات المتبادلة ويغلب الصراع على التفاعلات بين دول الخليج ما تسبب في دخولها في سباق تسلح مكلف.
- يفتقر الخليج لوجود أي نظام محلي مشترك للأمن يمكن التعويل عليه في حل النزاعات أو السيطرة عليها، وبالتالي الحؤول دون تحولها إلى صراعات عسكرية مدمرة.
- تغيب التفاهمات والآليات القادرة على حل الخلافات القائمة، أو محاصرتها ومنع تطورها والأمر في الغالب متروك لتوجهات القيادات (قارن على سبيل المثال بين محمد خاتمي وأحمدي نجاد).
- لا يوجد قنوات اتصال يمكن توظيفها لاحتواء أي أزمة طارئة ولا يوجد آلية مؤسسية للتباحث في قضايا المنطقة وتتيح لكل دولة فرصة للتعبير عن همومها ومخاوفها والبحث عن حلول مشتركة.
- هناك حالة قلق دائمة من تجدد الصراعات تسببت في إشغال الحكومات عن التركيز على أولوياتها الداخلية.
من جانب آخر هناك من يرى:
- أن الخليج يمثل نظام أمن فرعي من نظام الشرق الأوسط الواسع ولذلك فأمنه واستقراره مشروط بالأمن والاستقرار في المنطقة ككل، ومن ثم ليس هناك فائدة من طرح أي مبادرات لترتيبات خاصة بأمن الخليج.
- ليس هناك حاجة لأي ترتيبات أمنية جماعية في الخليج، فباستثناء إيران والعراق، فإن دول الخليج تعيش حالة استقرار ونمو وازدهار ولذلك يجب ألا تدخل في أي ترتيبات قد تقيد تحركاتها.
لماذا نحتاج لمبادرة سعودية لأمن الخليج
- الحاجة لترتيبات أمنية جديدة في ضوء دخول أطراف جديدة (إسرائيل وتركيا)، وتنامي نزعة التحرك المنفرد من دول مجلس التعاون دون اعتبار لتداعيات ذلك على الالتزامات الجماعية، وتراجع الاهتمام الأمريكي بالمنطقة.
- استمرار الآخرون في تقديم مبادراتهم
- لا يوجد مبادرة واضحة من دول مجلس التعاون (الاكتفاء بدور المتلقي)
- مكانة ودور المملكة تجعلها الأكثر تأهيلاً لأخذ زمام المبادرة في وضع التصور الملائم لترتيبات الأمن الإقليمي
- الحاجة للعب دور محوري في أي صياغة محتملة لأجندة أمن الخليج
إن بناء مبادرة سعودية للأمن في الخليج يقتضي مناقشة جميع العناصر الآتية:
أولاً: أسم المبادرة. نقترح هنا أن تسمى بــ مبادرة الملك سلمان للأمن والتنمية في منطقة الخليج
ثانياً: المبادئ التي تقوم عليها المبادرة. هنا نحن لسنا بصدد إعادة اختراع العجلة فمبادرات من هذا النوع لن تخرج عن المبادئ التي تضمنها الفصل الأول من ميثاق الأمم المتحدة. وهذه مبادئ تمثل ركائز مستقرة في السياسة الخارجية السعودية وتتمثل في احترام السيادة وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وعدم استخدام القوة والحل السلمي للنزاعات.
ثالثاً: الأهداف التي تسعى المبادرة لتحقيقها:
- تحقيق الأمن والاستقرار في الخليج.
- بناء علاقات إيجابية بين دول الخليج.
- ضمان التعاون المشترك بين دول الخليج.
- إنشاء آليات مشتركة لمواجهة أي تهديدات للأمن في الخليج.
- تمكين دول الخليج من استثمار مواردها للبناء الداخلي وتحقيق الازدهار لشعوبها بدلاً من الانشغال المستمر بالتهديدات والأزمات المتكررة.
رابعاً: شمولية الإطار المقترح للأمن في الخليج من حيث أطرافه ومجالاته:
المبادرة تهدف إلى تأسيس منظومة أمنية ذات نطاق واسع في أطرافها حيث لا تقتصر أطرافها على دول الخليج بل تشمل دول أخرى لها مصلحة في الأمن والاستقرار في الإقليم. ولذلك نرى أن تكون المبادرة على صيغة 6+2+5 وهي دول مجلس التعاون والعراق وإيران والدول الأعضاء في مجلس الأمن. ومن جانب آخر لابد أن تتعدد المجالات التي تشملها المبادرة من أجل ضمان استمرارها (فالتعثر في مجال يقابله التقدم في مجال آخر) وكذلك من أجل تعظيم الفائدة المرجوة منها لكل طرف.
خامساً: آليات تنفيذ المبادرة:
وتتضمن مستويين: المستوى الأول إطلاق حوار غير رسمي يشارك فيه نخبة مختارة من الشخصيات البارزة إقليمياً ودولياً وعدد من كبار المسؤولين من الدول المشاركة (ما يعرف بدبلوماسية المسار الأول ونصف التي تمزج الممثلين الرسميين وغير الرسميين) يجتمعون لمدة أو مدد زمنية محددة من أجل البحث المفصَل في المبادرة وصياغتها في شكلها النهائي ويمكن عقد الاجتماعات بالتناوب بين عواصم دول الخليج. المستوى الثاني ويتمثل في عقد مؤتمر لوزراء خارجية الدول المشاركة لإعلان المبادرة.
سادساً: المنتج النهائي للمبادرة يتمثل في تأسيس منتدى الخليج للأمن والتنمية Gulf Forum for security and development (GFSD) نقترح الأخذ بصيغة المنتدى كونها أكثر مرونة مقارنة بالمنظمة.
وبجانب المنتدى تقترح المبادرة إنشاء مؤسسات إقليمية مشتركة مثل: بنك الخليج للتنمية الإقليمية، المركز الإقليمي لمكافحة التطرف، المجموعة الخليجية للاتصال العسكري، المجموعة الخليجية للاتصال الأمني بهدف تبادل الرأي وتعزيز الشفافية وبحث أي مستجدات تتعلق بالأمن والاستقرار في الخليج، ويترك تفاصيل هذه المؤسسات لمناقشات الخبراء.
وقد يكون من المناسب بعد وضع التصور الأولي للمبادرة السعودية دعوة الأمانة العامة لمجلس التعاون لعقد حلقة أو حلقات نقاش لتبادل الرأي حولها وتطويرها لتكون معبرة عن رؤية جامعة لدول المجلس. وفي كل الأحوال يمكن أن تقوم المملكة بتسجيل المبادرة في الأمم المتحدة أو تدعو لعقد مؤتمر دولي حولها لإكسابها الدعم الدولي.