في ظل الأوضاع الاقتصادية الدولية المتأزمة بفعل تداعيات جائحة كوفيد – 19، والحرب في أوكرانيا، تتطلع مختلف الدول والتكتلات الاقتصادية الإقليمية والدولية إلى شراكات وفرص جديدة، يمكن أن تحفز النمو المستدام والمتواصل والمرن. يُعد كل من مجلس التعاون لدول الخليج العربية (السعودية، الإمارات، قطر، البحرين، الكويت، وسلطنة عمان)، الذي تأسس عام 1981م، وكذلك تجمع ميركوسور أو السوق المشتركة للجنوب (البرازيل، الأرجنتين، باراغواي، وأوروغواي)، الذي أُنشئ عام 1991م، من التجمعات الاقتصادية المهمة على مستوى العالم.
بلغ الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون عام 2020م، 1.418 تريليون دولار، وفقًا لبيانات المركز الإحصائي لدول المجلس، بينما بلغ الناتج المحلي الإجمالي لتجمع ميركوسور، في العام نفسه 1.522تريليون دولار، وفقًا للبنك الدولي. ويشكل التجمع أيضًا قوة بشرية كبيرة، بإجمالي عدد سكان بلغ 268 مليون نسمة عام 2021م، وهو ما يعني سوق ضخمة للصادرات الخليجية. إضافة إلى أن القوة الشرائية الكبيرة لمواطني دول مجلس التعاون، يمكن أن تعود بالفائدة على اقتصادات دول ميركوسور.
مع ذلك، لا يزال مستوى التعاون بين مجلس التعاون وميركوسور، حتى الآن، دون المستوى المرجو، مما يستدعي دراسة القيود والمعوقات التي تحول دون تحقيق ذلك، واقتراح آليات لتعزيز التعاون بين الجانبين.
أولًا: السمات الرئيسية للتعاون بين التكتلين
يتميز التعاون بين مجلس التعاون وتجمع ميركوسور ببعض السمات الرئيسية، من أبرزها:
1-تفضيل التعاون الثنائي على حساب التعاون متعدد الأطراف
من المُلاحظ من دراسة التفاعلات الاقتصادية بين التكتلين، وجود ميل واضح لدى الدول الأعضاء إلى تفضيل التعاون الثنائي على حساب التعاون متعدد الأطراف. يتضح هذا في عدم إحراز أي تقدم منذ التوقيع على الاتفاق الإطاري لتعزيز التعاون الاقتصادي بين مجلس التعاون وتجمع ميركوسور في مايو 2005م، بسبب الخلافات السياسية بين أعضاء ميركوسور، إلى جانب المخاوف الخليجية بشأن دعم قطاع البتروكيماويات، إضافة إلى أن التنسيق على مستوى التكتلين يتم في الغالب بشكل ثنائي وغير منتظم.
على الجانب الآخر، هناك اهتمام واضح من قبل دول ميركوسور فرادى بتقوية الشراكات الاقتصادية مع دول مجلس التعاون، يتضح ذلك في الزيارات التي يقوم بها كبار مسؤوليها، ومن أحدثها زيارة الرئيس البرازيلي المنتهية ولايته "جايير بولسونارو" لدول مجلس التعاون مرتين، الأولى في عامي 2019م، وشملت السعودية، الإمارات، وقطر، أما الزيارة الثانية فكانت عام 2021م، وشملت الإمارات، قطر، والبحرين (حيث افتتح سفارة البرازيل هناك). إضافة إلى الزيارة التي قام بها رئيس باراجواي "لويس لاكال بو" لدولة الإمارات في فبراير 2022م، حيث تمّ التوقيع على مذكرة تفاهم لتوسيع التعاون الاقتصادي في مجالات التجارة والصناعة والخدمات، إلى جانب توقيع مذكرة تفاهم بين السعودية والبرازيل في يونيو 2022م، لتعميق العلاقات الثنائية وتعزيز التدفق السياحي بين البلدين.
2-وجود علاقات اقتصادية تكاملية ولكن محدودة
يعتمد مجلس التعاون وميركوسور على المنتجات الأساسية لبعضهما البعض، كالمنتجات الغذائية والزراعية من تجمع ميركوسور، الذي يبرز كمصدر حيوي للواردات الغذائية لدول مجلس التعاون، وهو ما يتضح في النمو الملحوظ لصادرات أمريكا اللاتينية الزراعية بنحو 90 %بين عامي 2015 و2016م، مما يعد دليًلا على الدور المهم الذي تلعبه المنطقة بالفعل في استراتيجية الأمن الغذائي للدول الخليجية. من ناحية أخرى، تقدم دول مجلس التعاون لبلدان ميركوسور المحروقات والأسمدة، التي لا غنى عنها لنمو صادراتها الزراعية، وهو ما يعكس الطبيعة التكاملية في العلاقات بين التجمعين.
مع ذلك، تتسم العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي وتجمع ميركوسور، بمستوى متواضع من التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر، مقارنةً بإجمالي التجارة الخارجية واستثمارات كل تجمع مع بقية دول العالم. قبل انخفاضه في عام 2020م، بسبب جائحة كوفيد – 19، كان هناك نمو في التجارة الثنائية بين أمريكا اللاتينية ودول مجلس التعاون الخليجي، من 9.6 مليار دولار في عام 2016 إلى 17.2 مليار دولار في عام 2019م، لكنها انخفضت إلى 15.4 مليار دولار في عام 2020م. وكانت القيمة الإجمالية لصادرات دول مجلس التعاون لبلدان أمريكا اللاتينية منخفضة نسبيًا عند حوالي 2.5-3.5 مليار دولار بين عامي 2016 و2020م، وذلك وفقًا لبيانات تقرير صادر في مارس 2022م، عن غرفة تجارة دبي ومجموعة The Economist.
وفقًا لهذا التقرير، تمثل الواردات من أمريكا اللاتينية 3.2% فقط من إجمالي واردات دول مجلس التعاون الخليجي، في حين شكلت الصادرات 1.6%من إجمالي صادرات أمريكا اللاتينية. بالنسبة لإجمالي الاستثمارات الخليجية المباشرة في أمريكا اللاتينية بين عامي 2016 و2021م، فبلغ 4 مليار دولار، في حين أن الاستثمار الأجنبي المباشر من أمريكا اللاتينية إلى دول مجلس التعاون الخليجي كان أقل بكثير؛ إذ يُقدر بأقل من 500 مليون دولار بين 2017 و2021م.
3-مركزية دور بعض القوى الإقليمية
من المُلاحظ أن التعاون بين مجلس التعاون وميركوسور تقوده بدرجة أساسية بعض القوى الإقليمية، وهما دولة الإمارات والسعودية في الجانب الخليجي، والبرازيل والأرجنتين في الجانب اللاتيني. داخل تجمع ميركوسور، تعتمد دول مجلس التعاون الخليجي على بعض الدول أكثر من غيرها. تُعد البرازيل الشريك التجاري الرئيسي لدول المجلس، خاصة من اللحوم والدواجن، كما تعتمد عليها بشكل شبه حصري في وارداتها من المعادن والمنتجات الأخرى التي تتراوح من الآلات إلى الخشب. تستحوذ البرازيل على النصيب الأكبر من واردات دول مجلس التعاون الخليجي من أمريكا اللاتينية (42%)، وهي أكبر منتج ومصدر للحوم الحلال للعالم وخاصة لدول الخليج. إضافة لكونها من بين الدول الخمس الرائدة في الإنتاج الزراعي العالمي، وتقوم بتوريد منتجات مهمة، كفول الصويا وقصب السكر والقهوة ولحم البقر والإيثانول.
أما الأرجنتين فتشتهر بإنتاجها من فول الصويا والقمح واللحوم، وهي ثاني أكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون في أمريكا اللاتينية وتجمع الميركوسور بشكل خاص، وتعتمد عليها دول المجلس في وارداتها من الحبوب (الذرة والشعير). مع ذلك، هناك مجال لتوسيع التبادل التجاري خارج هذين البلدين، في ظل وجود قطاع صناعي متطور في مجال الأغذية في كل من باراغواي وأوروغواي.
فيما يتعلق بالاستثمارات الخليجية في أمريكا اللاتينية، فجاء 77%منها من دولة الإمارات، تليها السعودية بنسبة 22%، وقطر بنسبة 1% أما الاستثمارات المباشرة من دول أمريكا اللاتينية في دول مجلس التعاون، فكانت البرازيل مصدر 85٪ منها، في حين جاء 13% من هذه الاستثمارات من الأرجنتين.
4-تركز التبادل التجاري والاستثمارات في قطاعات محددة
خلال الفترة (2016 – 2020م)، تألفت واردات دول مجلس التعاون من بلدان أمريكا اللاتينية بشكل أساسي في الذهب (%23)، اللحوم (15%)، وخام الحديد (9%)، إضافة للحبوب، السكر، والقهوة. أما صادرات دول مجلس التعاون لبلدان أمريكا اللاتينية خلال الفترة نفسها، فتمثلت في البوليمرات البلاستيكية (20%)، الأسمدة (17%)، والألومنيوم (12%)، بجانب الأمونيا والنفط.
بالنسبة للاستثمارات الخليجية في أمريكا اللاتينية، فحوالي نصفها موجه إلى الخدمات اللوجستية وشركات التوزيع والنقل، إضافة إلى الاستثمار في البنية التحتية للكهرباء وإعادة التدوير، بالإضافة إلى الاهتمام بالانخراط في مجال الطيران واللوجستيات والزراعة، كما تشارك شركات دول مجلس التعاون الخليجي في القطاع الصناعي في بعض دول ميركوسور، مثل استثمارات دولة الإمارات بقطاع البتروكيماويات والتعدين في البرازيل.
أما استثمارات دول تجمع ميركوسور في بلدان مجلس التعاون، خاصة من البرازيل، فتتركز في قطاع الأغذية. قامت شركة BRF البرازيلية، والتي تعد أحد أكبر شركات تجهيز الأطعمة في العالم والمورد الرئيسي للدواجن لأسواق دول مجلس التعاون الخليجي، بضخ استثمارات كبيرة، شملت إنشاء مصانع لتجهيز الأغذية في السعودية والإمارات. مع ذلك، هناك اهتمام بتنويع مجالات الاستثمار؛ حيث قامت شركة مستحضرات التجميل البرازيلية Natura بالاستثمار في دولة الإمارات، كما تعمل شركة التقنية الحيوية في الأرجنتين Biogenesis Bago, على إنشاء مصنع لتصنيع لقاح حيواني في السعودية بقيمة 60 مليون دولار.
ثانيًا: أهمية توثيق التعاون الاقتصادي بين التكتلين
تنبع أهمية تقوية الشراكات الاقتصادية بين دول مجلس التعاون وميركوسور من المكاسب المتنوعة التي يمكن تحقيقها، والتي من بينها:
1-التعزيز المتبادل للنمو الاقتصادي
على المدى الطويل، يعتمد النمو الاقتصادي لدول ميركوسور على زيادة صادراتها وتنويعها، وجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي إلى القطاعات القائدة للنمو. يُمثل مجلس التعاون الخليجي شريكًا واعدًا؛ إذ يمكن أن يوفر فرصًا هائلة لنمو مصدري الأغذية في دول ميركوسور، بينما يمكن أن تساعد استثماراته شركات دول التجمع التي تحتاج إلى التمويل ورأس المال الأجنبي.
2-تبادل المعارف والخبرات
نفذت دول مجلس التعاون الخليجي بنجاح مجموعة ضخمة من مشاريع البنية التحتية للطرق والكهرباء والاتصالات. في الوقت نفسه، تعد بلدان ميركوسور وأمريكا اللاتينية عامة، موطنًا لصناعة التكنولوجيا المالية سريعة التوسع ولديها قطاع زراعي راسخ، حيث تُعد من كبريات الدول الزراعية في العالم. لذلك، هناك فرصة غير مستغلة لتبادل المعرفة والخبرات ومشاركة أفضل الممارسات في القطاعات القائدة للنمو داخل التجمعين.
3-تقوية الشراكات في القطاعات الرائدة
هناك إمكانيات هائلة لتعزيز التعاون بين دول التكتلين في بعض القطاعات والمجالات الحيوية، منها:
- قطاع الزراعة والأمن الغذائي: هناك بالفعل استثمارات خليجية، من الإمارات وقطر على وجه التحديد، في قطاع الزراعة بدول ميركوسور، بما في ذلك امتلاك حصص في المشروعات الزراعية وشركات تصنيع الأغذية.لا يزال هناك إمكانيات لتوسيع نطاق الشراكة بين دول التكتلين في هذا المجال، ليس فقط من خلال تعزيز العلاقات التجارية، ولكن أيضًا من خلال الاستثمار في الأراضي ومرافق إنتاج الغذاء. إضافة إلى أن بعض دول مجلس التعاون، مثل الإمارات، تعمل كمراكز لاستيراد المنتجات وإعادة تصديرها .
* قطاع الخدمات والتكنولوجيا المالية: بحلول النصف الثاني من عام 2021م، كان هناك أكثر من 2300 شركة في مجال التكنولوجيا المالية في أمريكا اللاتينية. كان لدى البرازيل 771 شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا المالية عام 2021م، ومنها أبرزها شركة Nubank، وهي أكبر مؤسسة مالية ناشئة في هذا المجال بأمريكا اللاتينية. أما الأرجنتين فهي ثاني أكبر سوق للتكنولوجيا المالية في دول ميركوسور، بحوالي 272 شركة. مع وجود أكثر من 280 مليون عميل في مجال التكنولوجيا المالية بأمريكا اللاتينية في عام 2021م، يمكن لدول مجلس التعاون الاستفادة من النمو الكبير في هذا القطاع.
- تطوير البنية التحتية: يُمثل ضعف البنية التحتية أحد التحديات التي يمكن أن تعرقل النمو الاقتصادي في دول ميركوسور وأمريكا اللاتينية عمومًا، خاصة في قطاع الزراعة. قدرت دراسة صادرة عن بنك التنمية للبلدان الأمريكية في عام 2021م، أن أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي تحتاج لاستثمار 12 %على الأقل من ناتجها المحلي الإجمالي في البنية التحتية، سنويًا، حتى عام 2030م، خاصة في قطاعات المياه والصرف الصحي والطاقة والنقل والاتصالات. يمكن أن تلعب دول مجلس التعاون الخليجي دورًا مهمًا في هذا الشأن.
- قطاع الطاقة المتجددة: هو أحد المجالات الواعدة للشراكة بين مجلس التعاون وميركوسور، في ظل مساعي الجانبين للتحول إلى الاقتصاد الأخضر والحد من ظاهرة التغير المناخي. إلى جانب امتلاك دول التجمعين إمكانات بارزة في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وإنتاجالهيدروجين الأخضر، إضافة لاحتفاظ بلدان ميركوسور باحتياطيات وفيرة من المعادن الاستراتيجية، كالليثيوم، اللازمة لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية ومعدات الطاقة المتجددة.
- تنويع سلاسل التوريد: هناك فوائد هائلة لشركات دول ميركوسور من ترسيخ حضورها داخل دول مجلس التعاون، التي تتمتع بموقع جغرافي متميز يُسهم في تقليل تكاليف النقل بين أماكن الإنتاج وكبار المستهلكين العالميين. لذلك، شرعت بعض شركات دول التجمع في تأسيس مرافق صناعية في منطقة الخليج لمعالجة المواد الخام القادمة من بلدانها الأصلية، على أن يتم إعادة توجيه المنتجات المصنعة بعد ذلك إلى آسيا وأوروبا. على سبيل المثال، قامت شركة Vale بإنشاء مصنع للحبيبات الفولاذية في عمان، وتجلب المواد الخام من البرازيل، ثم تصدر المنتج المعالج لشركات البناء في الصين والهند.
ثالثًا: العقبات والقيود
يسود العلاقات بين دول مجلس التعاون والميركوسور مبادئ الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر. وفي ظل غياب ميراث تاريخي سلبي للعلاقات الثنائية، فإن عدم وجود قضايا خلافية جوهرية، قد يُمهد الطريق للارتقاء بالعلاقات إلى مستويات أعلى. مع ذلك، هناك بعض القيود التي حالت دون إحداث طفرة نوعية في هذه العلاقات حتى الآن، ومنها:
1-تباين أولويات السياسة الخارجية
أولت دول التكتلين اهتمامًا قويًا بتقوية الشراكات الاقتصادية مع مجموعة من الدول، في حين يأتي التعاون بين التكتلين في مرتبة متأخرة في أولويات سياستها الخارجية. يتضح هذا في استحواذ الصين والولايات المتحدة على 54% و29% على التوالي من إجمالي التجارة الخارجية لميركوسور (الصادرات والواردات السلعية) لعام 2021م، في حين احتلت الصين المرتبة الأولى من بين أهم الشركاء التجاريين لمجلس التعاون، واستحوذت على ما نسبته 39 %من إجمالي الصادرات والواردات السلعية للمجلس، فيما احتلت الهند المرتبة الثانية بنسبة 19.1% في عام 2020م.
٢-تعقيدات البيئة الداخلية والإقليمية
ساهمت الأزمات الاقتصادية في بعض دول ميركوسور في دفعها لتبني سياسة حمائية، مما أدى لانخفاض حجم التجارة الخارجية للتجمع، والتي بلغت 899.5 مليون دولار عام 2021م، إضافة إلى أن تغير حكومات الدول الأعضاء يقود في الغالب إلى عدم تناسق السياسات وتباين الرؤى بشأن اتفاقات التجارة الحرة مع الشركاء التجاريين لميركوسور. اتضح هذا في رفض الرئيس الأرجنتيني "ألبرتو فرنانديز" مطالب أوروغواي والبرازيل بتخفيض التعريفة الخارجية المشتركة للكتلة لعام 2022م، من أجل حماية الصناعات المحلية. أدى الانقسام الداخلي بشأن سياسات تحرير التجارة إلى تباطؤ التقدم في العديد من اتفاقيات التجارة الحرة مع البلدان الأخرى. في الوقت نفسه، أعلنت أوروغواي مؤخرًا، نيتها البدء في مفاوضات مع الصين بشأن اتفاقية للتجارة الحرة، وهو أمر محظور بموجب قواعد التجارة في ميركوسور.
3-محدودية الأطر التشريعية والتنظيمية
هناك عدد محدود من الاتفاقات التي تنظم التبادل التجاري والاستثمارات بين دول تجمع ميركوسور ومجلس التعاون. تقود دولة الإمارات هذه العملية، من خلال توقيعها على اتفاقيات لتعزيز الاستثمار المشترك مع البرازيل، الأرجنتين، وباراجواي. إضافة إلى وجود اتفاقيات لتجنب الازدواج الضريبي بين الإمارات وجميع دول ميركوسور أما دولة قطر فلديها اتفاقيات مع الأرجنتين وباراجواي. في الواقع، كان ارتفاع معدلات الضرائب، ولا سيما في البرازيل والأرجنتين عاملًا مثبطًا بشكل كبير لتدفق الاستثمارات الخليجية.
في المقابل، لدى دول مجلس التعاون الخليجي اتفاقيات تجارة حرة مع العديد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة وبعض دول جنوب شرق آسيا، مما يضع دول تجمع ميركوسور في وضع غير موات في مواجهة المنافسة القوية مع هذه الدول، خاصة فيما يتعلق بالمنتجات الصناعية.
4-عدم وجود خطوط نقل بحري مباشرة
يعود هذا إلى ضعف حجم التبادل التجاري بين الجانبين، ولكن مع نمو التجارة الثنائية خلال السنوات الأخيرة، سيكون من الضروري العمل على التغلب على العقبات اللوجستية.
5-صعود التوجهات القومية
ارتبط صعود بعض قادة اليسار الشعبوي في أمريكا اللاتينية إلى سدة السلطة خلال السنوات الأخيرة، بتنامي التوجهات القومية بشأن إدارة الاقتصادات والسيطرة على الثروات الطبيعية. يمكن أن يمثل هذا تهديدًا للاستثمارات الخليجية، في ظل ميل قادة اليسار الشعبوي اللاتيني إلى تأميم بعض القطاعات الاقتصادية الحيوية كالنفط والمعادن وفرض شروط إضافية على المستثمرين الأجانب وكذلك زيادة نسب الضرائب.
رابعًا: سُبل تعزيز التعاون المشترك
يمكن تقوية الشراكة بين مجلس التعاون وميركوسور من خلال عدة آليات، منها:
1-زيادة التمثيل الدبلوماسي والتجاري
لا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به لزيادة الوعي والمعلومات حول الفوائد المحتملة للروابط الأعمق بين دول مجلس التعاون الخليجي وتجمع ميركوسور وبلدان أمريكا اللاتينية عمومًا، ولا سيما خارج البرازيل والأرجنتين. يمكن أن يًسهم المزيد من النشاط الدبلوماسي والبعثات التجارية في تعزيز المعرفة حول كلا التكتلين، إضافة إلى أهمية تكثيف عقد الاجتماعات والمعارض لشرح الفرص الاستثمارية وزيادة وتيرة الزيارات المتبادلة لوفود رجال الأعمال من الجانبين.
2-توسيع الروابط الجوية المباشرة
حاليًا، تطير شركات الطيران الخليجية (الإماراتية والقطرية) مباشرة إلى ثلاث وجهات في دول ميركوسور، وهي: ساو باولو وريو دي جانيرو وبوينس أيريس. وهناك خطط قائمة لزيادة عدد الرحلات الجوية المباشرة، منها تسيير رحلات جديدة مباشرة من الإمارات إلى مناطق الأمازون والشمال الشرقي للبرازيل لجذب مليون سائح من الشرق الأوسط، مما سيسهل من عملية نقل البضائع وحركة الأشخاص.
3-تطوير الموانئ والخطوط الملاحية
ستلعب الموانئ والبنية التحتية للطرق دورًا لا يمكن إنكاره في تسهيل الإمداد السلس للغذاء لدول الخليج. تعمل هيئة موانئ دبي العالمية في الوقت الراهن، في الأرجنتين، على سبيل المثال، لتعزيز ربط الشحن مع الخليج، الأمر الذي من شأنه ليس فقط تسهيل التجارة ولكن أيضًا معالجة مخاوف الأمن الغذائي.
4-الإسراع في التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة
من المهم اتخاذ خطوات ملموسة في المفاوضات بشأن التوصل لاتفاقية للتجارة الحرة بين التكتلين، لما سيكون لذلك من مردود إيجابي على التبادل التجاري بين الطرفين، مع عقد اجتماعات دورية بين كبار المسؤولين للتغلب على العوائق المحتملة، من المفيد أيضًا التفاوض والتصديق على الاتفاقيات الثنائية في مجال التجارة والاستثمار وتجنب الازدواج الضريبي بين دول التكتلين.
من جملة ما سبق يمكن القول إنه في ظل اهتمام دول مجلس التعاون بتنويع اقتصاداتها القومية واهتمام دول تجمع ميركوسور بتنويع سلاسل الإمداد العالمية والشركاء التجاريين، فإن التعاون بين التكتلين يمكن أن يعزز مكانتهما الدولية بشكل أكبر ويعظم من قوتهما التفاوضية، وذلك في مواجهة حالة عدم اليقين الاقتصادي العالمي. يأتي هذا في ظل الدور المحوري الذي يلعبه مجلس التعاون وميركوسور، الأول كمورد استراتيجي للنفط والغاز ولاعب فاعل في تحقيق أمن الطاقة عالميًا، والثاني كمساهم مهم في تحقيق الأمن الغذائي العالمي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ