array(1) { [0]=> object(stdClass)#13382 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 180

شراكة الخليج ومنظمة شنغهاي تعزز الحوار السعودي/الإيراني والحضارات الآسيوية

الثلاثاء، 29 تشرين2/نوفمبر 2022

سعيًا منها لبناء مجتمع آسيوي يتسم بالشمولية ليواكب العصر الحديث الذي نعيشه اليوم فإن منظمة شنغهاي للتعاون؛ تلك المنظمة ذات الثقل الإقليمي والتي تشكلت عام 2001م، تمتد اليوم من شمال آسيا إلى جنوبها ومن شرق آسيا إلى غربها لتضم ثماني دول أعضاء وهي جمهورية الصين الشعبية، وكازاخستان، وجمهورية قيرغيزستان، وروسيا، وطاجيكستان، وأوزبكستان، والهند، وباكستان، كما أنه من المتوقع أن تحصل جمهورية إيران الإسلامية على عضويتها الكاملة في المنظمة في عام 2023م.

لقد تمكنت المنظمة من إقامة العديد من العلاقات الوثيقة مع غيرها من المنظمات الدولية والإقليمية على مدار العقدين المنصرمين وقد كان من بين تلك المنظمات على سبيل المثال منظمة الأمم المتحدة ورابطة الدول المستقلة ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي ومؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا واللجنة الدولية للصليب الأحمر وغيرها، وقد انضمت كل من قطر والمملكة العربية السعودية إلى صفوف المنظمة بصفتهما شركاء حوار كما تقدمت كل من البحرين والكويت والإمارات العربية المتحدة لشغل نفس المقعد في المنظمة وهي مسألة قيد النظر، بيد أن ذلك الغياب لم يكن يومًا ليشكل عقبة في طريق التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي ومنظمة شنغهاي للتعاون؛ حيث أن التعاون المؤسسي قائم بالفعل بين منظمة شنغهاي للتعاون ودول مجلس التعاون الخليجي حتى الآن.

  1. أهمية التعاون بين منظمة شنغهاي للتعاون ودول مجلس التعاون الخليجي

توسعت منظمة شنغهاي للتعاون خلال العقدين المنصرمين  في اتجاهين، شرقًا وغربًا، وعبر مرحلتين، فانضمت كل من الهند وباكستان إلى المنظمة خلال المرحلة التوسعية الأولى بينما من المزمع أن تنضم كل من إيران و -على الأرجح- غيرها من دول غرب آسيا إلى المنظمة خلال المرحلة الثانية، وتُعد منظمة شنغهاي للتعاون كِيانًا يعكس إعادة التنظيم السياسي للدول الأوروبية الآسيوية التي تعرضت في الأمس للتهميش لكنها اليوم تخطو خطاها المحسوبة لتحتل مكانها في قلب خريطة العالم، فمنذ ازدهار القوى البحرية الأوروبية واستعمار أوراسيا في القرن الثامن عشر تراجعت القوى القارية الأوراسية واضطرت إلى إعطاء الأولوية لعلاقاتها مع الغرب، أما اليوم فنجد الصين تنفذ مبادرتها المعروفة باسم "الحزام والطريق" وتستكشف روسيا وإيران والهند طرق ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب بينما تدعو تركيا بدورها إلى الممر الأوسط في الوقت الذي تتطلع فيه دول مجلس التعاون الخليجي إلى الشرق، وبالتالي فإن هذه البلدان كلها "تعود إلى الماضي" مرة أخرى وتشارك بعضها البعض اقتصاديًا وسياسيًا لتضطلع كل منها بدورها الرئيسي في الشؤون والعلاقات الأوروبية الآسيوية.

بادئ ذي بدء،  تقيم دول مجلس التعاون الخليجي علاقات تجارية وثيقة لتربط بينها وبين الدول أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون؛ ففي عام 2013م، تخطت الدول الآسيوية كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وأصبحت أكبر الشركاء التجاريين لدول مجلس التعاون الخليجي، واعتبارًا من عام 2021م، ، كان الشمال العالمي يمثل 40 ٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وكان يضم على أراضيه ربع سكان العالم وكانت الدول الآسيوية تتوسع آنذاك على الصعيدين التجاري والسكاني، وفي عام 2020م، وعلى الرغم من تلك الضربة القاضية التي وجهتها لها جائحة كورونا، فقد حلت الصين محل الاتحاد الأوروبي بصفتها أكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي حيث ارتفع حجم التجارة المتبادل بين الإقليمين حتى وصل إلى 161.1 بيليون دولار أمريكي، ومن الجدير بالذكر أن حوالي 30٪ من واردات الصين من النفط و 25٪ من الغاز الطبيعي قد قدما إليها من دول مجلس التعاون الخليجي بينما بيعت 25٪ من منتجات البتروكيماويات الخليجية إلى الصين، ومع نمو القوى الآسيوية تزداد أهمية دول منظمة شنغهاي للتعاون بصفتهم الشركاء الاقتصاديين لدول مجلس التعاون الخليجي.

 ثانيًا، هناك العديد من الفرص الاستثمارية التي يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي أن تستكشفها في أوراسيا؛ حيث إن التكامل الاقتصادي الذي تتسم به دول منظمة شنغهاي للتعاون يعني بدوره إتاحة الفرصة الاستثمارية لدول مجلس التعاون الخليجي صاحبة رؤوس الأموال، وتقوم دول منظمة شنغهاي للتعاون بتنفيذ العديد من المشاريع الضخمة للربط البيني للبنية التحتية فتشيد الطرق وتنشئ السكك الحديدية وخطوط أنابيب النفط وشبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية التي تربط المنطقة الأوسع معًا في وحدة اقتصادية، وتُعد خطوط السكك الحديدية الممتدة بين الصين وقيرغيزستان وأوزبكستان بالإضافة إلى شبكة الصين وأوروبا السريعة والشبكة الرقمية لمنظمة شنغهاي للتعاون أمثلة في هذا الصدد، كما أن مشاريع السكك الحديدية والطرق والممرات والشبكات الرقمية تلك بحاجة إلى استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي، وقد انضمت كل من قطر وعُمان والإمارات والمملكة العربية السعودية إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB)، كما أبدت المملكة العربية السعودية والإمارات وغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي اهتمامًا بالاستثمار في الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، ويُعد توطين التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والموانئ البحرية والكهرباء والزراعة والطاقة الخضراء من المجالات الرئيسة التي تقع ضمن الاستثمارات المشتركة بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول منظمة شنغهاي للتعاون.

ثالثًا، أصبح من الممكن لدول مجلس التعاون الخليجي أن توسع من رقعة تعاونها في مجال حوكمة الأمن في منطقة أوراسيا حيث أن أمن دول مجلس التعاون الخليجي يُعد أمرًا متوقفًا على دول منظمة شنغهاي للتعاون؛ فمع انتهاء الارتباط الاستراتيجي للولايات المتحدة وحلف الناتو بأفغانستان ومنطقة الشرق الأوسط الكبير يواجه قلب أوراسيا عجزًا أمنيًا، كما أن التباطؤ الاقتصادي والبطالة وأزمة الغذاء والهجرة غير الشرعية والنزاعات العابرة للحدود حول المياه والموارد وتصاعد وتيرة الإرهاب والانفصالات تُعد كلها عوامل ذات تأثير كبير وغير مباشرعلى دول مجلس التعاون الخليجي، فعلى سبيل المثال يوجد اليوم أكثر من مليون لاجئ أفغاني في إيران ودول آسيا الوسطى كما أن تهريب المخدرات قد أصبح ظاهرة تهدد جميع دول منظمة شنغهاي للتعاون ولا ننسى أيضًا تنظيم القاعدة وتنظيمات الدولة الإسلامية والجماعات التابعة لهما والتي تزايد تواجدها في المنطقة بعد الانسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان، ويمكننا هنا القول أن أفغانستان هي أكبر مصنع للمخدرات بينما استحوذت إيران على 74٪ من معدلات تهريب الأفيون في العالم وتم ضبط 25٪ من الهيروين والمورفين في العالم فيها، ولقد كثفت المنظمة جهودها التعاونية في مسألة الحوكمة الأمنية غير التقليدية كما رحبت المنظمة أيضًا بدول مجلس التعاون الخليجي لكي تنضم إلى بعثات الحوكمة الرشيدة فانضمت كل من قطر والإمارات العربية المتحدة والبحرين إلى مؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا؛ وهي مؤسسة تدعو إلى تعاون أمني آسيوي جديد.

رابعًا، أصبح من الممكن أيضًا لدول مجلس التعاون الخليجي أن تعمل على تعزيز استقلاليتها ونفوذها السياسي في دول منظمة شنغهاي للتعاون؛ حيث لا يُنظر إلى معظم دول منظمة شنغهاي للتعاون ودول مجلس التعاون الخليجي بوصفها ديمقراطيات غربية ليبرالية ينتقدها الغرب بسبب ما يُمارس فيها من "انتهاكات لحقوق الإنسان" ، وتقوم الولايات المتحدة باستخدام مساعداتها الاقتصادية والأمنية كسلاح موجه تجاه دول مجلس التعاون الخليجي لتتدخل في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون، ففي القمة العالمية للديمقراطية التي أطلقتها إدارة الرئيس الأمريكي بايدن في عام 2021م، لم تتم دعوة أي من زعماء دول مجلس التعاون الخليجي، وفي أكتوبر 2022م، صرح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين قائلًا: "إن الولايات المتحدة الأمريكية تنظر في عدد من الخيارات للرد و كان ذلك بعد أن أعلنت منظمة أوبك بلس قرارها بتقليص إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا، كما أن قرار دولة الإمارات العربية المتحدة بإنهاء صفقة الطائرات الحربية من طراز F-35 والتي كانت قد أبرمتها مع الولايات المتحدة الأمريكية كان بمثابة رفضها الرضوخ للضغوط الأمريكية، لذا فإن انخراط دول مجلس التعاون الخليجي في بوتقة دول منظمة شنغهاي للتعاون من الممكن أن يعزز استقلاليتها الاستراتيجية ويمنحها اليد العليا في موازنة الضغط والإكراه الأمريكي.

ويمكن لدول مجلس التعاون الخليجي بفضل شراكاتها مع دول منظمة شنغهاي للتعاون أن تنشر أذرعتها داخل مناطق لم تطأها من قبل؛ ولا سيما تلك الدول التي تقع في قلب آسيا ودول القوقاز مما يمنح دول مجلس التعاون الخليجي نفوذَا في أوراسيا ويعززه بصفتهم شركاء على قدم المساواة لا مواطنين من الدرجة الثانية.

  1. التحديات والقيود التي تواجه هذه الشراكات

إن النسيج الذي يشكل منظمة شنغهاي للتعاون لا يُعد نسيجًا من طيف واحد متجانس بل هو خليط من أطياف متعددة تنسجها ثماني دول أعضاء وأربع دول مراقبين وتسع دول شركاء حوار، ولكل دولة من تلك الدول أنظمتها السياسية المختلفة وقطاعاتها الاقتصادية وقيمها الثقافية المتباينة؛ بيد أن اللوائح المتبعة داخل المنظمة تعد لوائح لينة وبالتالي فإن أعضائها تربطهم روابط فضفاضة كما أن التحديات الداخلية التي تواجهها المنظمة لا تختلف في حدتها كثيرًا عن التحديات الخارجية ومن شأن هذه التحديات أن تقيد الشراكة بين دول مجلس التعاون الخليجي ومنظمة شنغهاي للتعاون.

أولًا: لقد أدت المنافسات الدائرة بين القوى العظمى إلى إضعاف سبل تضامن منظمة شنغهاي للتعاون؛ فبعد العداء بين روسيا وأوكرانيا في عام 2022م، اعتبرت كلاً من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان والاتحاد الأوروبي وغيرهم أن روسيا دولة تعديلية تتحدى النظام الليبرالي العالمي، وبالتالي فقد تم تنفيذ عقوبات اقتصادية ومالية قاسية ضد موسكو، كما أن العلاقات الأمريكية / الصينية بدأت في اتخاذ طابع متوتر أيضًا وذلك بسبب الزيارة الاستفزازية التي قامت بها رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان الصينية، علاوة على ذلك فقد تؤدي عضوية إيران في منظمة شنغهاي للتعاون في عام 2023م، إلى استفزاز حلف الناتو، ومن الجدير بالذكر هنا أنه قد تم استبعاد روسيا وإيران من جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك " نظام سويفت المالي " من قبل مجموعة العمل المالي بينما تُعد الصين وروسيا وكازاخستان وإيران وغيرها من الدول دولًأ غير ديمقراطية من وجهة نظر الولايات المتحدة ودول الغرب.

ومع ذلك لا تنظر جميع دول منظمة شنغهاي للتعاون إلى المنظمة بوصفها كتلة مناهضة لحلف الناتو؛ فقد انضمت الهند إلى تحالف رباعية المحيطين الهندي والهادئ والذي يضم الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند، كما انضمت أيضًا إلى مجموعة I2U2 والتي تضم الهند وإسرائيل والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة وذلك لأن نيودلهي لا ترغب في مواجهة الغرب، وعلى الجانب الآخر نجد أن دول مجلس التعاون الخليجي قد حافظت على إرساء روابط أمنية وسياسية واقتصادية متينة مع الغرب لكن لا رغبة لديها للاختيار بين "الغرب" و "الشرق"  وبالتالي فإن ذلك من شأنه أن يقيد شراكاتها مع دول منظمة شنغهاي للتعاون، ومن الجدير بالذكر أنه وبعد انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون كعضو كامل العضوية فقد تكون دول مجلس التعاون الخليجي أكثر تشككًا في دوافع المنظمة.

ثانياً، لقد أدت الصراعات الداخلية الدائرة بين دول منظمة شنغهاي للتعاون إلى انحسار دوافع دول مجلس التعاون الخليجي للتعاون للانضمام إليها؛ فمنظمة شنغهاي للتعاون تختلف عن منظمة حلف الناتو: فالأولى في الغالب تتعامل مع قضاياها الداخلية بينما تستهدف الأخيرة قضايا الأمن الخارجي، وحتى يومنا هذا لم يتم تسوية العداء الدائر بين كل من الهند وباكستان كما لم تُسوى النزاعات الحدودية بين الصين والهند، وقد اندلعت الصراعات العسكرية بين جمهورية قيرغيزستان  وطاجيكستان في عام 2022م، فأسفرت عن مقتل 55 مواطنًا (35 قيرغيزستانيًا و20 طاجيكستانيًا). وكما تمت الإشارة من قبل ففي عام 2023م، ستحظى إيران بالعضوية الكاملة، وتليها بيلاروسيا في عام 2024م، مما قد يؤدي إلى تفاقم معضلة الأمن الداخلي في منظمة شنغهاي للتعاون. ومن الجلي أن لكل عضو من أعضاء المنظمة مصالحه الخاصة به مما يعني أن هناك احتمالية لأن تتشتت مساعي المنظمة وتحيد عن مهمتها، وعلى الجانب الآخر فإن دول مجلس التعاون الخليجي تسعى إلى تطوير علاقات ثنائية ملائمة مع جميع دول منظمة شنغهاي للتعاون ولكن من الصعب عليها "السير على قشور البيض" أثناء تعاملها مع أعضاء تلك المؤسسات متعددة الأطراف.

ثالثًا، من الممكن أن تَحِدُ المنافسة المؤسسية بين القوى العظمى من كفاءة منظمة شنغهاي للتعاون وقد شهد عام 2021م، قيام جميع القوى العالمية والدول المحورية الإقليمية-تقريبًا-ببناء مؤسساتٍ لها في أوراسيا مما أدى إلى إضعاف بعضها البعض؛ فبينما كان حلف الناتو يرسي قواعد منظمته " الشراكة من أجل السلام" أطلقت روسيا منظمة معاهدة الأمن الجماعي وأسست كازاخستان وجمهورية قيرغيزستان وأوزبكستان وأذربيجان وتركيا منظمة الدول التركية. أما إيران فكانت تقود بدورها منظمة التعاون الاقتصادي في الوقت الذي كانت تشارك فيه جهودها مع كل من باكستان وبنجلاديش وماليزيا ومصر وإندونيسيا ونيجيريا وتركيا لإنشاء منظمة مجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية للتعاون الاقتصادي. وبصرف النظر عن المؤسسات الرسمية فقد كانت هناك مبادرات غير رسمية أخرى مثل مبادرة "قلب آسيا -عملية اسطنبول" والتي أُطلقت لحل القضية الأفغانية وغيرها، وبذلك وجدت دول مجلس التعاون الخليجي نفسها في حاجة إلى الحفاظ على حالة من التوازن الدقيق في تعاملها مع جميع المؤسسات متعددة الأطراف وهي مهمة يصعب تنفيذها.

  1. دور الصين

تُعد الصين أكبر الكِيانات الاقتصادية في منظمة شنغهاي للتعاون وهي الشريك التجاري الأكبر لجميع دول المنظمة ودول مجلس التعاون الخليجي؛ فعلى سبيل المثال حوالي 67٪ من تجارة إيران بين الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون قائمة بالفعل مع الصين وحدها أما بالحديث عن النسبة المتبقية والبالغة 33٪ فهي تلك القائمة مع الدول السبع الأخرى الأعضاء في المنظمة. والصين هي اللاعب الأكثر نفوذاً الذي يضفي الطابع المؤسسي على منظمة شنغهاي للتعاون حيث تسعى للتوسط في العلاقات العدائية الدائرة بين الهند وباكستان من جهة وبين جمهورية قرجيزستان وطاجيكستان من جهة أخرى وبين الدولة العضو المحتمل (إيران)-والدولة العضو شريك الحوار (المملكة العربية السعودية).

وفي ظل الحديث عن الجهود المبذولة لإحياء طريق الحرير التجاري فإن الصين تُعد من الداعمين والمروجين المتحمسين لقيام الشراكة بين منظمة شنغهاي للتعاون ودول مجلس التعاون الخليجي وذلك بسبب القيود المفروضة من قبل الولايات المتحدة عليها، وبسبب تاريخ الاستعمار الغربي وما خلفه من آثار على المناطق التي تواجد فيها فقد سُمي غرب آسيا بـ "الشرق الأوسط" ومع اندماج منظمة شنغهاي للتعاون ودول مجلس التعاون الخليجي فقد تعيد دول مجلس التعاون الخليجي اكتشاف هويتها الآسيوية وهي تتطلع في اتجاه الشرق، ومع التوجه الاستراتيجي للولايات المتحدة إلى المحيطين الهندي والهادئ في ظل سياسة الفصل التي تتبعها إدارة بايدن مع الصين فإن بكين قد وجدت نفسها مضطرة إلى الاعتماد على الجنوب العالمي وذلك عبر تفعيل مبادرتها المعروفة باسم "الحزام والطريق"، وقد يختلف أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون ودول مجلس التعاون الخليجي فيما يتبعونه من أنظمة سياسية ونماذج تنمية اقتصادية وموارد طبيعية لكنهم جميعًا وفي نهاية المطاف دولًا ناميةً وهم أيضًا أصدقاء للصين يتعاطفون معها وتجمعهم الحماسة لتعزيز التكامل الإقليمي والتعاون الاقتصادي.

وقد أكدت بكين في تقرير المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني الصادر في دورته العشرين والتي انعقدت في شهر أكتوبر 2022م، على إستراتيجية "الدورة المزدوجة" كما أوضحت أن الصين ستستمر في الانفتاح من أجل الانخراط في العالم، وفي ظل العزلة الاقتصادية الأمريكية والأوروبية تحولت الصين بأنظارها تجاه الغرب وإلى دول العالم النامي الواسع حيث يُنظر إلى كل من روسيا والهند وباكستان وكازاخستان وإيران وتركمانستان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بوصفها اقتصادات ناشئة تمتلك نموذجاً مختلفاً للحداثة مقابل ذلك القائم في الغرب، ومن الجدير بالذكر أن التضامن والشراكة بين دول مجلس التعاون الخليجي ومنظمة شنغهاي للتعاون يصب في مصلحة الصين لأن صعود الجنوب العالمي يمكن أن يشكل توازن للقوى مما يثبط الضغط الأمريكي المفروض على الصين واحتوائها لها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وباعتبارها حضارة آسيوية عريقة فإن الصين تؤمن بأن شعوب شرق وجنوب ووسط وشمال وغرب آسيا تجمعهم موروثات تاريخية مشتركة، وينعكس الصعود الجماعي للدول الآسيوية في إحياء الحضارات الآسيوية واضمحلال الحضارات الغربية، وقد شهدت السنوات الـ 21 الماضية إنشاء منظمة شنغهاي للتعاون وتوسيعها لتكون دليلًا على إحياء الحضارات الآسيوية فضلاً عن تحول مركز القوة العالمية من المحيط الأطلسي إلى المحيطين الهندي والهادئ.

وفي بيكين يسعى صانعو السياسة لتعزيز الجهود المبذولة لعقد المصالحات بين جميع دول أوراسيا ودول غرب آسيا والتي تُعد بدورها أصولًا استراتيجية لبكين لتحقيق التوازن بين أنظمة التحالف التي تقودها الولايات المتحدة. أما بالحديث عن الصراع الروسي / الأوكراني والقضية النووية الإيرانية فهما قضيتان معلقتان منذ زمن، وقد شددت الولايات المتحدة عقوباتها ضد كل من روسيا وإيران مما عزز تصميم البلدين على "ترك أوروبا والدخول الى آسيا" (كما صرحت روسيا) و "ترك الشرق الأوسط والدخول إلى آسيا" (كما صرحت إيران). وعلى سبيل المثال فقد كانت مشاركة إيران في "منتدى الحضارات القديمة" مشاركةً فعالة حيث دعت إيران إلى إحياء الحضارات الآسيوية القديمة مما عزز حماس طهران للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون وزاد من ثقتها في إحياء حقوقها في المناطق النائية في أوراسيا.

وقد شكلت كل دول شرق آسيا المتمثلة في الصين، ودول جنوب آسيا المتمثلة في الهند وباكستان، ودول وسط آسيا المتمثلة في كازاخستان، ودول غرب آسيا المتمثلة في إيران والمملكة العربية السعودية، ودول شمال آسيا المتمثلة في روسيا، ما يُعرف بـ "الأمة الآسيوية" وهي المجتمع الآسيوي المنخرط في آسيا الكبرى.

وفي إطار المبادئ التي تطبقها منظمة شنغهاي للتعاون نجد الصين وهي تنادي بمبدأ "السعي للوصول إلى أرض محايدة مع تنحية الخلافات جانبًا" خشية أن يؤدي الخلاف الداخلي في المنظمة إلى إعاقة تضامن العالم الجنوبي وخشية أن تنفذ الولايات المتحدة سياسة "فرِّق تَسُد" بين الدول أعضاء المنظمة وبين دول مجلس التعاون الخليجي. كما أن الصين تحاول إقناع أعضاء مجلس التعاون الخليجي بأن الاتفاقية الاستراتيجية المًبرمة بين الصين وإيران والتي تمتد لمدة 25 عامًا، إضافةً إلى عضوية إيران في منظمة شنغهاي للتعاون لا تستهدف أي دولة عربية، بل أنه يمكن للشراكة الاستراتيجية بين منظمة شنغهاي للتعاون ودول مجلس التعاون الخليجي أن تعزز التضامن الإسلامي بشكل غير مباشر، فالأعضاء الآخرون في منظمة شنغهاي للتعاون-باستثناء الصين وروسيا والهند-هم جميعهم دول إسلامية. وأكدت الصين أيضًا أنه يمكن للشراكة والتعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي ومنظمة شنغهاي للتعاون أن تعزز الحوار السعودي / الإيراني مما يخفف الصراعات الطائفية ويعزز فكرة إحياء الحضارات الإسلامية الآسيوية على المدى الطويل.

مقالات لنفس الكاتب