array(1) { [0]=> object(stdClass)#13138 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 181

إيران تنخرط في 3 أزمات عربية وحلها رهن بتفاهمات طهران مع قوى إقليمية ودولية

الأربعاء، 28 كانون1/ديسمبر 2022

حتى يمكن أن نرصد التطورات التي حدثت في أزمات المنطقة العربية لا بد من أن نتناول أولاً التطورات التي شهدها الإقليم، خاصة أن هذه الأزمات تمثل انصهارًا واضحًا بين أجندات إقليمية والتطورات الداخلية في الدول التي تشهد هذه الأزمات، فقد أدت الحرب الأوكرانية وتداعياتها على سوق الطاقة وتصاعد الأزمة الاقتصادية العالمية بصورة كبيرة إلى متغيرات كبيرة لم تقتصر تأثيراتها على الدول الكبرى والتوازن الدولي،

ولكن انتقلت إلى الأقاليم المختلفة ومنها إقليم الشرق الأوسط بصورة واضحة.

وكان من الملاحظ عدم توقع دول الاتحاد الأوروبي بصفة خاصة إمكانية تعرضها لأزمة اقتصادية على المستوى الذي تواجهه حتى الآن والتي ارتبطت أساسًا بأزمة الغاز الطبيعي والطاقة إثر العقوبات على روسيا، الأمر الذي أفرز تغييرًا واضحًا في سلم أولويات المصالح لتلك الدول، وأعاد صياغة علاقاتها بالدول الإقليمية التي تملك أوراق تأثير واضحة في هذا الملف. ومن الملاحظ كذلك أن تلك الأزمة وتداعياتها قد حررت بعض الدول الإقليمية من أطر التعاون التي كانت قائمة بينها وبين الدول الكبرى (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي) فقد دفعت الدول الكبرى إلى مراجعة مواقفها وإطار تعاملها مع الدول ذات التأثير على منطقة الشرق الأوسط والتي ترتبط بملفات تمس مصالحها بصورة كبيرة.

وقد أدت تلك التطورات إلى تفاعلات إقليمية غير مسبوقة، أدت إلى تزايد دور دول الطاقة المنتجة للبترول والغاز الطبيعي وساهمت في امتلاكها أدوات وأوراق تأثير واضحة فيما يتعلق بالتعامل مع المتغيرات الدولية وعلاقاتها بالدول الكبرى، وتوفير المزيد من مجالات الاختيار على هذا المستوى، ورفضها لسياسات الإملاء التي كانت تمارس من الدول الكبرى والأجندات التي كانت تطرح وتمثل ضغطًا عليها، وأدى ذلك إلى إتاحة حرية حركة لها لم تكن تشهدها قبل الأزمة الأخيرة.

وبصفة عامة، فإن تلك المتغيرات قد أفرزت مناخًا جديدًا على الإقليم أتاح للقوى الإقليمية الكبرى صياغة علاقات جديدة تحقق مصالحها وخلق مجالات للمصالح المشتركة ونوع من الشراكة يتجاوز أطر العلاقات التي كانت قائمة قبل ذلك، كما أن العقوبات التي فرضت على روسيا وإيران ساعدت على بلورة موقف إيراني يستفيد من الحاجة الروسية على المستوى العسكري، وكذلك فيما يتعلق بالطاقة، الأمر الذي كفل لإيران تأثيرًا واضحًا تسعى إلى استثماره في المنطقة، كما هيأت حضورًا تركيًا لافتًا استثمرته في تحقيق المزيد من المكاسب الإقليمية.

وكان من أهم التحولات الجارية في الإقليم ما يمكن تسميته بحراك الطاقة والغاز؛ ففي ظل الاحتياج المتزايد للدول الغربية إلى مزيد من الطاقة بعد العقوبات التي فرضت على روسيا، والحاجة إلى توفير بدائل، الأمر الذي ساهم في تبلور واقع جديد داخل منطقة الشرق الأوسط كفل المزيد من التأثير لكل من إيران وتركيا؛ إيران باعتبارها تمتلك القدرة على تغطية احتياجات البترول بديل للغاز والنفط الروسي، وتركيا باعتبارها تسعى لأن تكون مركزًا للغاز ومجالًا لإمدادات الغاز من خارج روسيا لدول الاتحاد الأوروبي.

وقد نجحت أنقرة في نسج علاقاتها مع روسيا مستفيدة من حاجة روسيا للتعامل معها وقيامها بدور وساطة، ولذلك قدمت روسيا لها تنازلات كبيرة فيما يتعلق بالغاز، وضرورة أن تكون تركيا طريقًا لعبور الغاز إلى أوروبا بعيدًا عن خطوط الدول التي تعتبرها روسيا خصوما لها كما هو الحال بالنسبة لخط نورد ستريم، وبالتالي زادت أهمية تركيا في هذا الإطار، ولعل الاتفاق على إقامة مركز روسي للغاز في تركيا دليل على ذلك.

إذًا لقد أصبح حراك الغاز عاملًا أساسيًا لتوجهات تلك الدول بصفة عامة للتعامل مع دول المنطقة، وزاد من ثقل تلك الدول خاصة إيران وتركيا في التعامل مع الدول الكبرى، كما أعاد أهمية المنطقة ودولها التي تمتلك التأثير في هذا الملف ضمن استراتيجية الدول الكبرى.

مواقف الأطراف والقوى المؤثرة في الأزمات العربية

تتحدد القوى الرئيسية التي تؤثر في الأزمات العربية والتي نحددها في الأزمة السورية والأزمة اللبنانية والأزمة اليمنية والأزمة الليبية ثلاث قوى إقليمية مؤثرة هي إيران وتركيا وإسرائيل، وبالتالي فإن حصاد العام فيما يتعلق بتحركات تلك القوى الثلاث في منطقة الشرق الأوسط ضروري لرصد تأثيراتها وطبيعة انخراطها في ملفات تلك الأزمات الأربع.

الموقف التركي

تركزت الحركة التركية في الفترة الأخيرة على عدد من المحاور ارتبطت بتوجه استراتيجي للرئيس التركي، حيث عاد مرة أخرى لما أعلنه حزب العدالة والتنمية في بداية حكمه في أعقاب 2002م، عندما كان "داوود أوغلو" مهندسًا للسياسة الخارجية التركية وطرح استراتيجية تصفير المشاكل مع دول الجوار، إلا أن الرئيس "أردوغان" بممارساته تسبب في زيادة المشاكل والخلاقات مع دول الجوار، وبعد الأزمة الاقتصادية التي تعرض لها الاقتصاد التركي والليرة التركية بشكل أساسي، أدرك أن إثارة الخلافات مع دول الجوار لن تحقق له النفوذ الإقليمي المطلوب، خاصة بعد استبعاد تركيا من بعض تحالفات الإقليم، بجانب زيادة التوتر بينها وبين دول المنطقة على اختلافها.

من هنا قام الرئيس التركي بتغيير سياسته مرة أخرى، وبدأ في نهج جديد، إلا أنه كان حريصًا في إطار تلك الحركة على تثبيت نقاط النفوذ التركي داخل المنطقة بما يبقيها دولة مؤثرة وقوية تستطيع أن تتعامل مع الدول الكبرى من منطق القوة والتأثير، ليس فقط في دائرتها ولكن في مجال حيوي أوسع يشمل الإقليم بأكمله.

أولًا: الأزمة الليبية

تكشف الأزمة الليبية بعناصرها المختلفة واستمرار حالة الاستقطاب الداخلي بين حكومة الدبيبة المنتهية ولايتها ومعها المجلس الأعلى للدولة وكذلك مجلس النواب ومعه حكومة باشاغا التي تم تشكيلها مؤخرًا عن استمرار تلك الأزمة، وقد زاد الانقسام بصورة كبيرة بعد أن أعلن البرلمان إنشاء محكمة دستورية في بنغازي، بعد رفض المحكمة الدستورية في طرابلس الالتزام بالدستور، وانحيازها بصورة واضحة لحكومة الدبيبة والسيطرة عليها.  الاستقطاب الحاد في ليبيا أعاق حتى الآن تنفيذ الأمم المتحدة مخططها لإجراء الانتخابات وحل الأزمة، وكلما مر الوقت زادت حدة الأزمة.

وكان الموقف التركي ولا يزال طرفًا أساسيًا في تعقد هذه الأزمة؛ إذ أن نقطة الارتكاز الأساسية فيما يتعلق بالسياسة الإقليمية لتركيا تتركز حول ليبيا، سواء في نسج علاقات وتعاون يكفل الهيمنة على المستوى الاقتصادي من خلال اتفاقيات خاصة بالاستكشاف عن البترول وترسيم الحدود بصورة غير قانونية وعدم الاهتمام بترسيم الحدود مع دول الجوار وتجاهلها، وفي نفس الوقت دعم حكومة الدبيبة وتجاهل البرلمان ومواقفه، بالإضافة إلى الاتفاقية العسكرية والحضور العسكري من خلال تقديم الدعم لفصائل عسكرية وميلشيات متهمة بالإرهاب، إلى جانب وجود قوات تركية بصورة مباشرة داخل أراضي ليبيا متجاوزة بذلك كل قرارات الأمم المتحدة التي تحظر تقديم الأسلحة للأطراف المتنازعة في ليبيا.

وبالتالي اعتبرت تركيا طرفًا أساسيًا ولا تزال تملك القدرة على حسم أي تسوية داخلية في ليبيا، وقد زادت تركيا من انخراطها في الأزمة الليبية خلال العام الأخير بصورة كبيرة، وقدمت الدعم الكامل سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا لحكومة الدبيبة والتحالف القائم معه من ميلشيات تسيطر على طرابلس وغرب ليبيا بصورة كاملة. وفشلت كل الجهود للتوفيق بين الأطراف المتنازعة في ليبيا وزادت حدة الاستقطاب بصورة كبيرة.

ووقفت دول الجوار من الأزمة الليبية مواقف ترتبط برؤيتها لطبيعة الحل ومستقبل ليبيا، فاذا كانت مصر قد حددت الخط الأحمر لمصالحها والتي رفضت فيها أي تجاوزات أو تمدد لقوات تركية أو ميلشيات عسكرية تساندها تركيا واستقرت الأوضاع على هذا الحال، إلا أن مصر مارست دورًا كبيرًا للتوفيق بين الأطراف واستقبلت وعقدت اجتماعات لكافة الأطراف في ليبيا في القاهرة، وحاولت اتخاذ مواقف أكثر اعتدالًا فيما يتعلق بالتعامل معهم، وساعدت اللجنة العسكرية المختصة بتوحيد القوات المسلحة ودعمتها، وحققت إنجازات كبيرة شهدت بها الأمم المتحدة.

إلا أن الانخراط التركي واعتبار ليبيا ورقة مساومة سواء في التعامل مع دول شرق المتوسط كاملة أو ما يتعلق بالعلاقات مع مصر أو التأثير على القدرات البترولية والغازية الليبية في التعامل مع الدول الأوروبية قد ساهم في عدم وصول الأزمة إلى مجالات الحل ولا تزال الأزمة عالقة. كما لم تتخذ دول الجوار خاصة الجزائر وتونس مواقف محايدة؛ فقد انحازت الجزائر إلى حكومة الدبيبة وأيدتها، وهناك نوع من التفاهم والتعامل الجزائري مع تركيا في ملفات أخرى ربما انعكس على الموقف الجزائري من الأزمة في ليبيا، بل إن هناك حديث عن أن الجزائر تحرص على أن تكون صاحبة النفوذ الرئيسي في ليبيا وتتحفظ على أي أدوار إقليمية عربية أخرى في الأزمة الليبية.

ثانيًا: الأزمة السورية

يعتبر الموقف التركي في الأزمة السورية أهم المتغيرات تلك الأزمة خلال العام المنتهي، ورغم أن الأزمة السورية قد استقرت خلال 2022م، على نوع من التسكين للمواجهات العسكرية، بحيث أصبحت الحكومة السورية تسيطر على حوالي 70% من أراضي سوريا، كما يسيطر الاتحاد الديمقراطي الكردستاني أو الأكراد على منطقة ما يسمى بالحكم الذاتي شرق الفرات، وتستقر جبهة تحرير الشام أو تنظيم القاعدة في محافظة إدلب بأكملها، فضلاً عن انتشار مجموعات تابعة للفصائل العسكرية التي تم ترحيلها إلى شمال سوريا ومعظمها يعمل تحت هيمنة تركيا بصورة أساسية .

وكان الحراك التركي في تلك الأزمة أهم ما طرأ على المشهد في سوريا بالرغم من هدوء المواجهات العسكرية بين الأطراف المختلفة هناك، إلا أن تركيا قد أعلنت منذ عدة شهور على عملية كاملة لإنشاء المنطقة الأمنة التي تروج لها منذ عام 2011م، والتي حددتها بامتداد على منطقة الشمال السوري على الحدود التركية بعمق ما بين 25 إلى 30 كيلو مترًا.

وقد حددت أن المستهدف بذلك طرد القوات العسكرية للحزب الكردي منها نظرًا لارتباطه بحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا حزبًا إرهابيًا. وهذه العملية التي تسعى تركيا لتنفيذها تعتبر العملية الرابعة التي استولت تركيا خلالها على مناطق من شمال سوريا، وفرضت فيها عملية تتريك واضحة وسيطرت عليها وأبعدت عنها قوات النظام السوري، إلا أن العملية قد تأجلت ارتباطًا بتفاهمات تركية روسية إيرانية من خلال عدة اتصالات كان آخرها في مؤتمر أستانا والذي تم خلال الشهر قبل الماضي، والحوار الذي لا يزال يجري بين الرئاسة التركية والروسية وفي غياب الحكومة السورية، حيث أن الأطراف الثلاثة أصبحت تدير العملية السياسية وتلتقي فيما بينها ثم تخطر الحكومة السورية بما يجري. 

وفي هذا الإطار، تبلور اتجاهان رئيسيان في الأزمة السورية حاليًا، أولهما اتجاه يرمي للضغط على تركيا لعدم القيام بالعملية العسكرية والوصول لحل وسط يكفل إخراج القوات العسكرية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية من المناطق التي حددتها تركيا، مع دخول قوات تابعة للجيش السوري والقوات الروسية المساندة لتلك المناطق بهدف تحقيق نوع من التأمين للحدود التركية دون سيطرة القوات التركية عليها، وهو ما يجري التفاوض بشأنه.

ويدور الاتجاه الثاني حول توجه الرئيس التركي لعقد اجتماع مع الرئيس السوري "الأسد" وهو تطور مفاجئ يقلب ميزان العلاقات بين تركيا وسوريا بصورة كاملة، وقد أعلن الرئيس التركي وكبار المسؤولين أنهم ليس لديهم مانع للقاء بالرئيس السوري في تطور يعتبر تغييرًا أساسيًا في الموقف التركي من الحكومة السورية، وتنسجم تحركات الرئيس التركي على هذا المستوى مع مجمل تفاعلاته الإقليمية التي تبلورت بصورة كبيرة سواء في التعامل مع إسرائيل أو حديثه عن العلاقات مع مصر ولقائه مع السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي وهو ما يعني أن الرئيس التركي قد أدرك مؤخرًا أن الملف السوري والعلاقات الإقليمية ستكون ذات تأثير على انتخابه كرئيس للجمهورية العام القادم، وهو ما دفعه لاتخاذ هذا النهج في سياسته.

وعليه فالأزمة السورية مرشحة لمزيد من التهدئة خلال الفترة القادمة، إذا ما نجحت روسيا في عقد لقاءات ما بين الرئيس التركي والرئيس السوري، والتي يمكن أن تنعكس بالإيجاب في مسار التهدئة شمال سوريا، وتعيد الاتفاقات التي سبق توقيعها ولم تنفذ، خاصة سحب القوات التابعة لفتح الشام في إدلب 20 كيلو داخل المحافظة، وإخلاء الطريق  القادم من اللاذقية إلى حلب بحيث تعود طرق التجارة التي تمر حتى دمشق، ودخول الإدارات الحكومية السورية إلى مناطق بعمق 20 كيلو في إدلب ومحاصرة نفوذ جبهة فتح الشام، كما أن طرد قوات حزب العمال الكردستاني من المناطق التي كانت تسعى تركيا للسيطرة عليها، إذا ما تم الاتفاق عليه، فإنه يعني حصار الفصائل العسكرية التي كانت موجودة ومد سلطة الحكومة السورية إليها، وهو ما يرتبط بالتفاوض الجاري حتى الآن وما يمكن أن يسفر عنه.

الموقف الإيراني

وفيما يتعلق بالدور الإيراني، والذي بدأ منذ عام 2013م، عند دخول قواتها العسكرية والميليشيات التابعة لها، وخاصة حزب الله والتنظيمات العراقية لسوريا ومشاركتها في العمليات العسكرية في مواجهة التنظيمات العسكرية المختلفة (داعش والقاعدة)، ما جعل سوريا نقطة ارتكاز أساسية لإيران في منطقة المشرق العربي.

وقد تنامى الدور الإيراني في الفترة الأخيرة وخلال العام الماضي بصورة كبيرة على عدة مستويات، سواء من خلال التموضع العسكري في المناطق المهمة والاستفادة من المؤسسات السورية في إعادة تجميع وتطوير الأسلحة وخاصة الطائرات المسيرة والصواريخ الأرض أرض، ورغم الضربات الإسرائيلية المتتالية فإن التموضع العسكري الإيراني يشهد تناميًا تمتلك من خلاله الفصائل المرتبطة بإيران تأثير في العملية السياسية في سوريا خاصة حزب الله.

 وقد تلاحظ خلال العام الماضي، إعادة انتشار للقوات العسكرية الإيرانية والفصائل الموالية لها، ما بين مواقعه حول الجولان وريف دمشق، امتدت كذلك إلى الساحل السوري سواء في طرطوس وبانياس وشمال شرق وغرب حلب، بالإضافة لمنطقة الميادين ودير الزور على الحدود العراقية السورية، وكشف ذلك بصورة واضحة أن هناك مناطق تخضع بصورة كاملة لسيطرة إيران، وأصبحت القوة التابعة لها تهيمن على عدة مناطق، وقد حدث فيها نوع من التغيير الديمغرافي لصالح تلك القوى والفصائل، فهناك تنظيمات من فصائل أفغانية، وعراقية، وباكستانية بجانب قوى محلية شكلتها إيران في تنظيمات وتعتبر قوة رديفة للحرس الثوري الإيراني الموجودة هناك.

ومن اللافت أن التحرك العسكري الإيراني في سوريا أصبح يسعى لتوفير قدرات عسكرية للفصائل المرتبطة به في سوريا من أجل التصنيع العسكري ودعم قدراتها وتحويلها لقوى داخليه لديها من الاستقلالية والقدرة على تسليح نفسها وتوفير مصادر للدخل.

وكانت إيران ولا تزال طرفًا أساسيًا في كل ما يجري من حوار في الأزمة السورية، حيث تشارك في مؤتمر أستانا وعدة لقاءات كما هو الحال في لقاءات تركيا وروسيا وإيران، وهنا نوع من التوافق بين إيران وروسيا فيما يتعلق بمستقبل الأزمة السورية واعتبار مسار أستانا مسارًا بديلًا لاتفاق جنيف. وقد اقتربت تركيا من التفاهم مع الطرفين تحقيقًا لمصالحها بعدما وافقت الدولتان على تقديم تنازلات فيما يتعلق بتلك المصالح والمطالب التركية.

وعليه فالأزمة السورية على النحو الحالي، تشهد نوعًا من التفاهم بين إيران وتركيا وبغطاء روسي في ظل انشغالها بالحرب الأوكرانية ورغبتها في التهدئة في الساحة السورية حتى لا تتحمل مزيدًا من الأعباء، وهذه التهدئة سوف تنعكس على الأزمة السورية في العام القادم، بما يتصور معه بقاء الحال على ما هو عليه وتهدئة الأوضاع التركية، وربما تمدد الحكومة السورية في مناطق كانت ترفض تركيا التمدد فيها وتنتشر فيها فصائل عسكرية.

ثالثًا: الأزمة اللبنانية

تتركز الأزمة اللبنانية حاليًا في الفشل في انتخاب رئيس جمهورية للبلاد أو إعطاء الفرصة لحكومة تصريف الأعمال لإدارة الدولة، واستمرار حدة الاستقطاب والتعامل ما بين حزب الله والتيار الوطني بزعامة باسيل في مواجهة الأطراف الأخرى، والعجز عن مواجهة الأزمة الاقتصادية الحادة الموجودة هناك.

ويمكن ملاحظة قيام إيران في الفترة الأخيرة بالعمل على التهدئة في مواقف أطرافها في لبنان ارتباطًا بما يجري ومحاولاتها تهدئة المسار للتفرغ لمواجهة الأزمة الداخلية التي تعاني منها منذ عدة شهور، وقد تبلور الموقف الإيراني بصورة كبيرة فيما يتعلق بترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل والذي كفل أن تصبح إيران طرفًا أساسيًا شرق المتوسط من خلال حزب الله.

ومن المرجح أن يكون الملف الآخر مرتبطًا بترسيم الحدود البحرية بين لبنان وسوريا، وسوف يكون ملفًا للحوار بين إيران وتركيا وعدد من القوى الإقليمية الأخرى المعنية بعملية الترسيم. وقد تلاحظ أن إيران قد حرصت على تمرير اتفاق ترسيم الحدود في رسالة واضحة إلى نوع من التهدئة مع القوى الدولية ومع إسرائيل حتى لا يتهم حزب الله بأنه العائق الرئيسي أمام حل الأزمة الاقتصادية في لبنان بعد تراجع شعبيته بصورة كبيرة، إلا أن إيران لا تزال تمتلك أدوات التأثير الأساسية في الملف اللبناني، فما زال حزب الله يمتلك الثلث المعطل سواء فيما يتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية أو تشكيل الحكومة من داخل البرلمان الحالي.

كما ترى إيران ضرورة تحقيق مساومات فيما يتعلق بانتخاب رئيس جمهورية يكون مواليًا لها ولا يكون معارضًا لحزب الله، وتجري التفاهمات على هذا المستوى. ورغم الانخراط الإقليمي والدولي خاصة الفرنسي في الأزمة اللبنانية، إلا أن إيران لا تزال تملك التأثير وتصر عليه وتعتبر لبنان أحد أدواتها المهمة للحركة وداعمة لدورها وتأثيرها في سوريا، وهو ما يقود للتوقع أن تستمر الأزمة اللبنانية على ما هي عليه، إلا إذا حدثت تفاهمات بين حزب الله والتيار الوطني برضا إيران على اختيار رئيس الجمهورية القادم، وهو ما قد يساعد في حلحلة الأزمة المتعلقة باختيار رئيس للبلاد، وهو ما قد يستمر لعدة شهور قادمة.

رابعًا: الأزمة اليمنية

تمثل الأزمة اليمينة نقطة ارتكاز رئيسية لإيران في منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية بالتحديد، ولا شك أن المساندة الإيرانية للحوثيين والتموضع والتمركز الإيراني داخل اليمن سواء على المستوى العسكري أو السياسي أو الاقتصادي يمثل هدفًا ونقطة تمدد استراتيجي لإيران تحرص عليها، بما تملكه من خلال هذا التمركز من تهديد للأمن القومي السعودي والخليجي والعربي بصورة كاملة.

ولا شك أن الموقف الإيراني خلال العام المنصرم قد تبلور في تصليب الموقف وزيادة التشدد الحوثي الرافض للتفاهمات أو الانصياع للخطط الدولية بهذا الخصوص، ولا شك أن انتهاء الهدنة وعجز الأطراف الدولية عن دفعها للعودة مرة أخرى دليل واضح على فشل المجتمع الدولي في توجيه الضغوط الكافية على الحوثيين للاستجابة للمطالب الدولية أو التوافق مع الاتفاقات التي تم توقيعها بهذا الخصوص.

وشهدت الأزمة اليمينة خلال العام المنتهي نوعًا من التهدئة في العمليات العسكرية ليس بصورة كاملة ولا تزال تجري بعض العمليات لتمدد الحوثيين في مناطق تابعة للجزء الجنوبي من اليمن، رغم التطورات التي جرت بانتخاب مجلس القيادة الرئاسي الجديد

وشهدت الأزمة اليمنية خلال العام المنتهي كذلك مساع متعددة تحاول استعادة الهدنة، حيث يواصل مبعوث الأمم المتحدة في اليمن جهوده في على هذا المستوى على أمل أن يتم تحقيق الهدنة مع العام القادم، وبهدف أن تساعد تلك الهدنة على بناء الثقة بين الأطراف المختلفة هناك ثم اختبار جهود تسوية الصراع. ولكن لا تزال فرصة استعادة تلك الهدنة أمرًا يشوبه الكثير من الصعوبات. وفي تقدير كثير من المراقبين أن مماطلة الحوثيين في العودة إلى الهدنة ترتبط بدرجة كبيرة بالموقف الإيراني، وقد تصاعد ذلك الموقف بصورة كبيرة في ظل التطورات الجارية في إيران، واتهام الأطراف الدولية المختلفة بالضغط أو ممارسة الضغوط أو تحريك الاحتجاجات الداخلية باعتبارها الطرف الرئيسي الذي يسعى لتقويض سلطة وسيطرة النظام الإيراني.

وبالتالي يرى هؤلاء المراقبون أن تحقيق إنجاز أو تقدم أو تهدئة في الموقف داخل اليمن أو عودة الأطراف المختلفة إلى مائدة التفاوض أو التوافق مع الصيغ المطروحة من المجتمع الدولي والأمم المتحدة بالتحديد سوف يظل رهنًا بالموقف الإيراني وعلاقة إيران بالدول الخليجية الكبرى وتعامل الدول الكبرى معها؛ فإذا ما زادت الضغوط على إيران وتصاعدت بصورة كبيرة سوف تعمد إلى نوع من عدم التهدئة وإثارة التوتر من خلال الحوثيين ورفضهم لكل ما يطرح حول التوفيق الداخلي أو التهدئة على اعتبار أن الحوثيين يسيطرون على جزء كبير من اليمن و يديرونه بصورة كبيرة، وقد حصلوا على عدد من التنازلات الفترة الأخيرة من سماح بعودة الطيران إلى مطار صنعاء وتخفيف الضغوط على دخول المحروقات إلى هناك، وهو ما يضفي على الحوثيين نوعًا من الشرعية الدولية والتهدئة والانفراجة الاقتصادية في الداخل.

ومن الجدير بالذكر هنا أن مسار الأزمة اليمنية في خلال العام المنتهي قد شهد تشكيل مجلس قيادة رئاسي بديلاً لرئاسة الدولة السابقة، وكان الأمل كبيرًا على أن يتمكن هذا المجلس من توحيد القوى المختلفة السياسية والعسكرية اليمنية لتوحيد القرار في التعامل مع الحوثيين، إلا أن العام المنتهي لم يشهد تحقيق هذا المجلس إنجازات كبيرة فيما يتعلق باستعادة دور الدولة ومؤسساتها في المحافظات التي تخضع لنفوذها.

ولم تتشكل حتى الآن جبهة داخلية صلبة توحد الجهود الداخلية في التعامل مع الحوثيين وهو ما يسمح للحوثيين لممارسة تأثير كبير وفرض وجهة نظرهم حتى الآن. كما عانى المجلس الجديد من انقسامات خاصة من الفصيل التابع للإخوان المسلمين والذين اصطدموا في شبوة وهو ما أثر على استقرار وشعبية المجلس الجديد وأدى إلى انشغاله عن التعامل مع الطرف الرئيسي وهو الحوثيون. كما أن المجلس الرئاسي رغم أنه يضم كافة القوى إلا أن بعض المكونات الرئيسية له خاصة المجلس الانتقالي لازال يطمح في تحقيق الانفصال للجنوب وهو ما يعني أن تماسك القوة حتى الآن تماسك شكلي يؤثر بصورة نهائية على قدرة هذا المجلس على إدارة العملية السياسية والعسكرية في مواجهة الحوثيين رغم ما يحصل عليه من دعم.

وبالتالي سوف تبقى الأوضاع المأزومة في اليمن على ما هي عليه خلال الفترة القادمة، وسترتبط بحدوث حراك في علاقة إيران بدول الإقليم وبطبيعة الضغوط الدولية والاهتمام الدولي بتحريك الأزمة اليمنية، وتجاوز التركيز الغربي بصورة أساسية على الاعتبارات الإنسانية فقط، وتجاهل الضغط للوصول إلى حل سياسي.

هكذا نرى أن إيران تنخرط بصورة كبيرة في ثلاث أزمات عربية، وتملك التأثير داخلها وتسعى إلى ممارسة مزيدًا من الانخراط والتموضع داخلها، وبالتالي سوف تبقى هذه الأزمات ومستقبل حلولها رهنا بما تحصل عليه إيران في ملفات أخرى تحقق مصالحها، وتفاهمات مع قوى إقليمية ودولية، بحيث تكون هذه الحراك في تلك الأزمات ثمنًا لما تحصل عليه بهذا المستوى، وهو أمر يرجح أن تبقى الأزمات على ما هي عليه خلال العام القادم.

مقالات لنفس الكاتب