array(1) { [0]=> object(stdClass)#13138 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 181

الخليج العربي قلب العالم .. والسعودية مصدر استقراره ومهوى أفئدة قواه العظمى

الأربعاء، 28 كانون1/ديسمبر 2022

  • شهدت الرياض، هذه السنة، حراكاً عالمياً تجاوزت فعالياته محيط المنطقة الإقليمي إلى آفاق كونية جذبت إليها قادة قواه العظمى، متجاوزة حساسية صراعاتهم البينية الأيدلوجية والأمنية، على مكانة الهيمنة الكونية .. ومنافساتهم القطبية للحظوة بالتواجد والنفوذ، في أكثر مناطق العالم حساسية وأجزلها غنىً بمواردها الاقتصادية ومكانتها الاستراتيجية.

العالم هو الذي أتى إلى الرياض، في تحول استراتيجي بالغ الأهمية لاستقرار العالم وأمنه، بصورة لم تشهدها المنطقة والعالم، قلبت كل معطيات تاريخ المنطقة وجغرافيتها، تأكيداً لأهمية المنطقة الاستراتيجية لاستقرار النظام الدولي وأمن وسلام العالم.

 

إلى الرياض دُرْ

 

العالم، بقواه العظمى، يتجه إلى الرياض، ولم تعد الرياض هي من تذهب إلى عواصم الدول العظمى، سعياً وراء المساعدة، ولا حتى طلباً للأمن. العالم وعى، وقد يكون متأخراً، أنه من الناحية الاستراتيجية، أن استقرار وأمن وسلام العالم، يبدأ من الرياض وينتهي إليها. وأن الرياض هي نقطة التقاء قوى العالم العظمى، لا لتسوية خلافاتها الأيدلوجية والسياسية، في إطار سعيها الحثيث للمنافسة على الهيمنة الكونية، بل لأن الرياض هي صمام الأمان لاستقرار النظام الدولي ومنها تنطلق أية جهود إيجابية مثمرة لخدمة سلام العالم وأمنه.

 

الرياض، بموقع المملكة العربية السعودية الجغرافي وثقافة شعبها وعراقة تاريخها ومكانتها الدينية المتميزة ومواردها الغنية، خاصةً في مجالات الطاقة، نجحت بدبلوماسيتها النشطة .. وحبها للسلام، ومركزية دورها الإقليمي والدولي، في تحويل مواقف وسلوك وتوجه الدول الفاعلة في النظام الدولي، من النظرة التقليدية الطامعة في موارد المنطقة وموقعها الجغرافي، إلى توجه استراتيجي للشراكة الندية مع الرياض لخدمة المصالح البينية المتبادلة، والبحث عن حلول إيجابية لتسوية الخلافات البينية، بعيداً عن الآليات والسلوكيات التقليدية، التي كانت تسبب الصراع بين القوى العظمى، بحثاً عن النفوذ والتوسع، بعيداً عن أي دور لشعوب المنطقة ودولها.

 

هذا العام، وفي أقل من سنة، زار المملكة قطبا النظام الدولي، في تحولاته غير التقليدية الجديدة، رغم ما بينهما من منافسة مريرة وحادة على مكانة الهيمنة الكونية. منتصف يوليو الماضي، زار الرئيس الأمريكي جو بايدن المملكة، مخالفاً أهم وعوده الانتخابية فيما يخص قضايا المنطقة، وبالأخص علاقة إدارته بالمملكة العربية السعودية. الرئيس جو بايدن وإدارته وعوا الحقيقة التاريخية والجغرافية لمكانة المملكة العربية السعودية، بما يستحيل معه تجاهل الرياض، دعك من تحمل تكلفة خسارة دورها الاستراتيجي في المنطقة… ولا نقول: تحمل تكلفة مقاطعتها أو القطيعة معها.

 

واشنطن، باختصار: لم يدفع مجيً رئيس الولايات المتحدة لجدة لمقابلة قادتها، الذين أبرزوا مدى نفوذهم الكبير في المنطقة بحضور زعماء تسع دول عربية للقاء القمة في جدة، ما يتردد عن العلاقة الثنائية الخاصة التي تربط الرياض بواشنطن لما يقرب من ثمانية عقود فقط، بل أرادت الرياض دعوة الرئيس جو بايدن لزيارتها، لتذكير واشنطن، أن الرياض، كما يقول المثل العربي: إن غضبت يغضب معها ألف سيف. بلغة دبلوماسية أكثر تهذيباً وأقل تشنجاً، أرادت الرياض من حشد هذا الحضور العربي في لقاء جدة مع الرئيس الأمريكي، إيصال رسالة إلى واشنطن، إن الإدارة الأمريكية، قد تكون في لحظة لا عقلانية تجاهلت حقائق التاريخ والجغرافيا، ذهب بها خيالها السياسي تحت تأثير جنون القوة، أن تتجاهل الرياض، دعك من التفكير في الإقدام على القطيعة معها. واشنطن، كما اكتشفت إدارة الرئيس بايدن، أنها لن تقوى على تجاهل نفوذ الرياض في المنطقة. إذًا خسرت واشنطن الرياض، فإنها ستخسر الكثير، كما أن الرياض لن تعدم الحلفاء والأصدقاء في العالم، بما يمثل خسارة استراتيجية لا تقوى واشنطن على تعويضها، دعك من تحمل تكلفتها.

 

لم تنقضي ستة أشهرٍ على زيارة الرئيس الأمريكي للمملكة، إلا ونرى الزعيم الصيني رئيس جمهورية الصين الشعبية (تشي بنج) يزور الرياض. الرئيس الصيني، بدون مبالغة، وضع كل إمكانات الصين الواعدة، بين يدي قادة المملكة، وكأن لسان حاله، يقول: أمامكم صديق يمكن الاعتماد عليه، لتلبية كل احتياجاتكم الأمنية والتنموية، وهو -في نفس الوقت – على استعداد التعامل معكم بندية مصلحية كاملة، غير تلك التي عهدتموها من شركائكم التقليديين في الغرب.

 

تماماً: مثل ما حصل مع الرئيس بايدن، أظهرت الرياض للزائر الصيني، أن المملكة ليست مجرد دولة تقليدية، كتلك التي عهدت وتعهد بكين التعامل معهم. بكين، عندما تعتزم إقامة علاقات بينية ثنائية متبادلة مع المملكة، فإنها لا تتعامل مع دولة تقليدية، بل تتعامل مع قوة إقليمية لها نفوذ وتأثير في منطقتها .. كما أن للرياض قضايا إقليمية ثابتة، ذات أبعاد قومية راسخة، وراء التزام الرياض بها، حقيقة نفوذ المملكة وتأثيرها على مستوى المنطقة. بالتالي: فإن بالعلاقة الندية الإيجابية، التي تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الدولية واحترام استقلال المملكة وقرارها السيادي، فإن بكين ستكسب ليس فقط صداقة المملكة العربية السعودية، فحسب… بل صداقة العرب من الخليج للمحيط.  

 

زيارة الرئيس الأمريكي لجدة وزيارة الرئيس الصيني للرياض، في أقل من ستة أشهر هذه السنة تعكس مؤشر بوصلة أهم قطبين رئيسيين عظميين أين يتجه، في عالم جديد يتشكل، غير ذلك الذي خبره النظام الدولي عقب انهيار عهد الحرب الباردة .. وذلك الذي يتشكل عقب سقوط القطب الثاني (الاتحاد السوفيتي)، الذي نافس على مكانة الهيمنة الكونية في عهد الحرب الباردة وورثته روسيا الاتحادية بعده، إلى أن غاصت موسكو في مستنقع حربها على كييف.

 

الرياض: علاقات دولية متوازنة

 

تاريخياً. الرياض لم. تكن علاقاتها مع الدول العظمى تحددها اتفاقات ومعاهدات لا تخرج عن نصوصها الجامدة. الرياض، مهما قيل عن اقترابها أو ابتعادها عن فعاليات النظام الدولي الاستراتيجية المهمة والنافذة، لم تكن في يومٍ من الأيام تحكمها معادلة صفرية، تحدد بدقة بوصلتها السياسية، تجاه طرفٍ دولي وآخر. الرياض حرصت في رسم سياستها الخارجية ومتابعة تنفيذها، على الالتزام بأسس راسخة، قوامها حرصها على استقلالها وسيادة قرارها السياسي، فيما يخص سياستها الخارجية .. وعلى الالتزام الراسخ بثوابت تحركها في دوائرها القريبة العربية والإسلامية .. والابتعاد عن أي شبهة تربط علاقتها مع أي دولة عظمى، تتجاوز تلك الثوابت الراسخة، التي تشكل نظام القيم الخاص بها، الذي يحكم تحركها وسلوكها في محيط السياسة الدولية المتلاطمة أمواجه والوعرة تضاريسه والخطرة متعرجاته.

 

لم تكن الرياض، طوال تاريخ سياستها الخارجية، تميل كل الميل، لطرفٍ دولي بعينه في مواجهة طرفًا دوليًا آخر. حتى في أحلك أوقات عهد الحرب الباردة العديم المرونة السياسية، كانت الرياض تضع نصب عين دبلوماسيتها العريقة، مصلحتها أولاً، ثم التزاماتها القومية إقليمياً، ثانياً، مع تمسك شديد باستقلال قرارها السيادي، تجاه أوضاع النظام الدولي، وتأثير صراعات الدول العظمى، على أمنها وأمن محيط حماها الإقليمي، في إطار منظومة الأمن القومي العربي.

 

استراتيجية الأمن القومي العربي

 

الرياض، على سبيل المثال: لم تتخلّ أبداً عن التزاماتها القومية، تجاه القضية الفلسطينية، رغم علاقاتها المتميزة مع الولايات المتحدة. وكان الخلاف بين الرياض وواشنطن، وبقية عواصم ما يسمى بالعالم الحر، دوماً وأبداً حول قضية الشعب الفلسطيني، ورفض أي شكلٍ من أشكال القبول بواقع إسرائيل، بما يفوق مواقف دول عربية مركزية في النظام العربي، تجاه وجود إسرائيل بالاعتراف بها وإقامة علاقات دبلوماسية معها… دعك من إقدام بعض الدول العربية، مؤخراً، على ما تردد من التطبيع مع الدولة العبرية.

 

الرياض، لم تساوم أبداً على قضية الأمن القومي العربي .. وكانت ومازالت، تعمل وتراهن على وحدة الصف العربي .. ودعم مؤسسات النظام الرسمي العربي .. وكذا مشاريع التكامل الإقليمي، والحرص في كل الأحوال على ابتعاد النظام العربي عن محاولات الاستقطاب الدولي، التي تضطرم من خلال المنافسة على مكانة الهيمنة، صراعات الدول العظمى على مسرح السياسة الدولية.

 

الريادة في مبادرات السلام والحياد ومناهضة استراتيجيات التحالف

 

الرياض، أيضاً: لم تكن أبداً ضد السلام في المنطقة، بما يصل إلى تجاهل واقع جود إسرائيل بها. السلام في المنطقة، وفق الدبلوماسية السعودية، ممكن، بشرط أن يكون سلاماً حقيقياً، لا تلوثه شبهة الاستسلام .. أو التفريط في حقوق العرب التاريخية والسياسية والأمنية .. ولا يكون على حساب قضية الشعب الفلسطيني، ولا على حساب استقرار المنطقة وأمنها. لهذا نجد أكثر مبادرات السلام الحقيقية، القابلة عملياً للتطبيق، وتلقى تفهماً وتعاطفاً من قبل فعاليات النظام الدولي ومؤسساته الأممية، انطلقت من الرياض، بدءًا بمبادرة الملك فهد للسلام أبريل ١٩٨١م، التي لم تلق حينها إجماعاً عربيًا، لذا جرى سحبها في قمة فاس العربية نوفمبر ١٩٨٣م.

 

لكن جهود المملكة العربية السعودية لإيجاد سلام عادل في المنطقة يقوم على معادلة الأرض مقابل السلام وإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة ومستقلة على الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في حرب الأيام الستة يونيو ١٩٦٧م، تكون عاصمتها القدس، لم تبرح مؤسسات صناعة السياسة الخارجية السعودية، فكانت مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي كان حينها ولياً لعهد المملكة، وتبنتها قمة بيروت العربية مارس ٢٠٠٢م.

 

ذهبت مبادرة الملك عبد الله إلى أبعد من مجرد الاعتراف بإسرائيل إلى التطبيع معها، مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية وإقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب ١٩٦٧م، وتكون القدس عاصمة الدولة الفلسطينية.

 

الرياض، لم تتوقف مسعى سياستها الخارجية لخدمة السلام واستقرار المنطقة والعالم، انطلاقاً من تأكيد تمسكها باستقلالها، بعيداً عن أي نفوذ وتدخل خارجي، وفي مقدمة كل ذلك القوى العظمى، التي كانت تتنافس على مكانة الهيمنة الكونية، في عهد الحرب الباردة. تطبيقاً لهذه الاستراتيجية الإيجابية في التعامل مع تناقضات نظام الأمم المتحدة، التي تحكمه مصالح توجهات وأيدولوجيات يحتدم بينها صراع المعسكرين الرئيسيين في عهد الحرب الباردة، حول مكانة الهيمنة الكونية، كانت الرياض دوماً ضد أي محاولات لاستقطاب المنطقة من قبل القوى العظمى، في نظام الأمم المتحدة.  

 

لذا نجد المملكة العربية السعودية، أواسط خمسينيات القرن الماضي في مقدمة الدول المشاركة في مؤتمر باندونغ أبريل ١٩٥٥م، الذي تمخضت عنه ولادة مجموعة عدم الانحياز، لخلق طريق ثالث تكون لدول العالم المستقلة حديثاً الريادة فيه، والكلمة المؤثرة في شكل ومضمون نظام الأمم المتحدة، بعيداً عن استقطاب نظام الحرب الباردة، بزعامة المعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة والمعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي. بمشاركة المملكة في ذلك المؤتمر، تحضيراً وحضوراً، بوصفها دولة مؤسسة للمجموعة الأممية الجديدة، أنها مهما بلغت علاقتها مع دولة عظمى، فإنها لن تساوم على استقلالها ولا سيادة قرارها ولا متطلبات أمنها، لتبقى دائماً المملكة العربية السعودية مستقلة .. سيدة قرارها .. ملتزمة بثوابت سياستها الخارجية إقليميًا ودوليًا .. مناصرةً لقضايا الحق والعدل، رافضةً لأي هيمنة كونية على مقدرات العالم، من قِبل أي قوة عظمى، ولا حتى أي نظام دولي يقوم على استقطاب أممي، يتجاهل مصالح الدول والشعوب وقضايا الحق والعدل، معرضاً سلام العالم وأمنه للخطر.

 

كما أن المملكة العربية السعودية كانت في مقدمة دول المنطقة في رفض سياسات الأحلاف، واستراتيجيات الاحتواء، التي كانت تهدف إلى ربط مصير المنطقة بمصالح أي قوة عظمى، خدمةً لاستراتيجية الهيمنة الكونية التي تتبعها في صراعها مع القوى الدولية الأخرى. لقد رفضت المملكة رفضاً قاطعًا حلف بغداد (١٩٥٥ – ١٩٥٨م). وبعد سقوط الحلف بثورة ١٤ يوليو ١٩٥٨م، في العراق، رفضت الرياض بقوة مشروع الحلف المركزي (١٩٥٩ – ١٩٧٩م)، الذي بدوره رغم استمرار مسماه لعشرين سنة، إلا أنه في حقيقة الأمر لم تكن له أية فعاليات إقليمية، بالذات على المستوى الأمني، إلى أن صُفي رسمياً بقيام الثورة الإيرانية فبراير ١٩٧٩م.

 

مقاومة الهيمنة الإقليمية

 

الرياض، كما كان لها موقف حازم مع استراتيجيات الاستقطاب الدولي، كان لها موقف أشد صرامة مع محاولات قوىً إقليمية لفرض هيمنتها على المنطقة. في الأساس مشكلة الرياض مع واقع وجود إسرائيل، وهذا ممكن يكون غاب عن بعض الدول العربية، التي نظرت إلى حالة الصراع مع إسرائيل من نظرة قطرية ضيقة، بعيداً عن استراتيجية الأمن القومي العربي الكلية، إن المملكة تشعر بخطرٍ جليٍ وناجزٍ لوجود إسرائيل في المنطقة، يرتبط استراتيجياً بأمن المنطقة ككل، الذي يشكل أمن المملكة جزءًا لا يتجزأ منه.

 

مشكلة الرياض مع وجود إسرائيل، هي مشكلة استراتيجية أمنية، بامتياز. إسرائيل، في حقيقة الأمر، لا تسعى إلى اعتراف الدول العربية بها ولا حتى التطبيع معهما. إسرائيل تسعى لأن تكون قوة إقليمية مهيمنة، لا أن تتعامل أو تُعامل بندية مع غيرها من الدول في المنطقة. إسرائيل بعد أن وضع العرب حدوداً لتوسعها الجغرافي، بعد أربع حروب نظامية (١٩٤٨، ١٩٥٦، ١٩٦٧ و١٩٧٣م) نشبت خلال ربع قرن، تسعى لأن يكون توسعها على حساب أمن العرب، استراتيجيا بكل ما يعني الاصطلاح من هيمنة إقليمية فعلية على مقدرات المنطقة على حساب استقرارها وأمن دولها وشعوبها. إسرائيل، بغرور قوتها العسكرية وتواطؤ دول فاعلة في النظام الدولي سياسياً مع طموحاتها التوسعية، تريد أن تشكل نظاماً إقليمياً في المنطقة، تكون فيه موضع الصدارة ومركز السيادة فيه، فتتحقق لها طموحاتها التوسعية، بما يفوق أحلام قبول العرب بواقع وجودها.

 

الرياض تشعر بهذا الخطر الاستراتيجي الوشيك والناجز على أمن المنطقة ومقدرات الأمة العربية .. وتعمل دبلوماسيتها بدأب على تحذير العرب، قبل غيرهم من طموحات إسرائيل التوسعية، في صورتها الاستراتيجية الخطرة. الرياض، وإن كانت تقبل بواقع وجود إسرائيل، على المستوى "التكتيكي" إلا أنها حتماً لن تقبل بمشروع إسرائيل الاستراتيجي، الذي يسعى لهيمنة إقليمية على المنطقة. الرياض، على سبيل المثال: لن تقبل أن تكون إسرائيل دولة نووية، بأي حال من الأحوال .. وأن أي سلام حقيقي في المنطقة، لابد أن يشمل جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أي سلاح غير تقليدي، بالذات السلاح النووي. كما أن الرياض، لن تقبل بأي شكلٍ من الأشكال الاتصال بإسرائيل وإقامة سلام معها، دعك من تصور التطبيع مع الدولة العبرية، دون قيام الدولة الفلسطينية، بعاصمتها القدس، لأن معنى مثل هذه الخطوة، يشكل في حقيقة الأمر الخطر الحقيقي على أمن وسلام المنطقة، بل والعالم بأسره.

 

كما تقاوم المملكة، بكل ما تملكه من قوة ناعمة، بل وحتى إمكانات القوة الصلبة، السماح لإسرائيل بتحقيق طموحاتها الإقليمية للهيمنة على المنطقة، بنفس القوة والعزم والحزم، تواجه أي محاولة من أية قوة إقليمية في المنطقة أن تفرض نفسها كقوة إقليمية مهيمنة. الرياض ما فتئت تحذر دول المنطقة والعالم، من محاولات إيران فرض هيمنة إقليمية على المنطقة. حتى قبل الثورة الخمينية في إيران واجهت الرياض، بكل حزم وقوة وتصميم، مشاريع شاه إيران بأن يكون شرطي المنطقة. وكان من ثمار جهود المملكة، في هذا المجال استقلال دول الخليج العربي في بداية سبعينات القرن الماضي، بالذات مملكة البحرين، التي كانت مطمعًا مباشرًا لشاه إيران، قبل أن تتطور المسألة الشيعية في منطقة الخليج، بتفجر الثورة الخمينية في إيران، نهاية عقد السبعينيات من القرن الماضي، تحت شعار تصدير الثورة.

 

إلى الآن ترفض الرياض رفضاً قاطعًا حصول إيران على إمكانات التصنيع الاستراتيجي غير التقليدي، تحت دعوى الاستخدام السلمي للطاقة الذرية. أن تملك إيران رادعاً نووياً مع امتلاك إسرائيل للرادع النووي، معنى هذا من الناحية الاستراتيجية، وقوع المنطقة بين فمي كماشة نووية، الأمر الذي يشكل خطراً وشيكاً وناجزاً بأمن المنطقة. وضعٌ إقليمي لن تقبل به المملكة بأي حال وتحت أي ظرفٍ من الظروف.

 

دبلوماسية القوة الناعمة

 

المملكة العربية السعودية، في خضم عالمٍ تسوده متغيرات عدم الاستقرار مفعمٌ بمظاهر الصراع والتوتر أكثر من احتمالات التعاون والتكامل، تشعر بثقة كبيرة بإمكانات القوة الناعمة التي تمتلكها، كما تملك أدوات استخدامها بفاعلية واقتدار، خدمة لمصالحها الأمنية وذوداً عن أمنها، في إطار تصور استراتيجي بعيد المدى لأمن العرب القومي.

 

ما حدث في جدة والرياض في فترة تقل عن ستة أشهر من عقد قمم رفيعة يحضرها ضيوفٌ كبار، في مستوى أكبر قوتين استراتيجيتين في عالم اليوم يتنافسان بلا هوادة على مكانة الهيمنة الكونية، إنما هو إنجازٌ لا يمكن أن تقوم به إلا قوة إقليمية ذات نفوذٍ فاعلٍ في أهم مناطق عالم اليوم، من الناحية الاستراتيجية، لسلام العالم واستقرار النظام الدولي.  أن يحج إلى جدة والرياض، خلال فترة قصيرة تقل عن ستة أشهر، زعيما أكبر دولتين عظميين تتقاسمان الهيمنة الكونية، بكل أبعاد الزيارتين الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، لهو حدثٌ فريدٌ قد لا توجد دولة في المنطقة والعالم مؤهلة لأن تقوم به، سوى المملكة العربية السعودية.

 

كما أن المملكة العربية السعودية، لو لم تتمتع بكفاءة احترافية متقدمة، في مجال العمل الدبلوماسي، لما تمكنت في وقت قصير من إثبات مدى قوة حضورها ودورها الإقليمي في أكثر مناطق العالم حساسية من الناحية الاستراتيجية، تصل لدرجة دفع زعيمي أكبر قوتين عظمتين في عالم اليوم (الولايات المتحدة والصين) لزيارتها. لو لم تمتلك الرياض قوة ناعمة فعالة، يرى العالم في نفوذها وتأثيرها ما يصب إيجابياً في مصلحة سلام العالم وأمنه، لما تفاعل لقاء زعيمي أكبر قوتين في العالم، بدول المنطقة، بزعامة الرياض لا يمكن أن تخطئ تبصر أهميتها عينا أيِ مراقبٍ ومتابع لحركة السياسة الدولية.  

 

المملكة العربية السعودية، باختصار: رغم ما يمكن أن يقال: بأن لها علاقات تاريخية، بدولة ما، خاصةً مع الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن دبلوماسية القوة الناعمة التي تمارسها الرياض بكل براعة وإتقان، تجد متسعاً لتحرك نشط وفعال للرياض، يشمل فعاليات النظام الدولي الاستراتيجية الكبرى، دون أن يشعر أيٌ من أطرافها أنه كسب المتغير السعودي لصفه حصرياً، مع تعميق الشعور لديه بفداحة خسارة الورقة السعودية الرابحة في لعبة الصراع الدائر بينها.

 

الرياض تتمتع بقوة ناعمة فائقة التأثير والنفوذ بما يتجاوز محيطها الإقليمي إلى آفاق أممية بعيدة المدى تطال مصالح وأمن ونفوذ أكبر دولتين عظميين في عالم اليوم، في أكثر بقاع العالم أهمية لاستقرار النظام الدولي. المملكة العربية السعودية تقع من الناحية الجيوسياسية والتاريخية والاقتصادية والاستراتيجية في قلب العالم، مما يجعل أفئدة القوى العظمى تهوي إليها خدمةً لمصالحها الوطنية ودواعي أمنها القومي. من يكسب قلب العالم يكسب معركة الصراع والمنافسة على مكانة الهيمنة الكونية.

 

هذه هي المملكة العربية السعودية التي تقع في قلب العالم، جغرافياً وتاريخيًا وحضاريًا، مما يجعل من الرياض قبلة السلام في المنطقة والعالم.

مقالات لنفس الكاتب