array(1) { [0]=> object(stdClass)#13138 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 181

ضرورة تحقيق مستوى أعلى لمفهوم الدفاع الخليجي المشترك وتطوير الصناعة العسكرية

الخميس، 29 كانون1/ديسمبر 2022

عام 2022م، هو عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية بامتياز. بداية من قمة العلا في مطلعه ووصولاً إلى الزحف الأممي إلى دوله وليس انتهاء بالقمة الخليجية في الرياض بحضور القوة الثانية في العالم حتى الآن، وقد جاءت تحمل العلم الذي أوصانا الرسول عليه الصلاة والسلام بطلبه، ولو في الصين. وكانت قد سبقتها زيارة قائد القوة العالمية الأولى حتى الآن الرئيس الأمريكي جو بايدن، وما بين الزيارتين جاء المستشار الألماني والرئيس الفرنسي.

و2022م، هو عام العرب من الخليج إلى المحيط بامتياز فقد شهد إنجازات هي أقرب للمعجزات من الانطلاق إلى الكوكب الأحمر ثم القمر في دنيا الفضاء إلى مؤتمر Cop27 في شرم الشيخ إلى نمو اقتصادي فاضت بأرقامه ميزانياته السنوية، وصولًا إلى مليارات من البشر تابعوا العرس الكروي في الدوحة وفاجأتهم المملكة العربية السعودية وتونس والمغرب بكسر الصورة النمطية للعربي وتكشف أن أشجار العروبة تنمو في واقع بات أغنى من الخيال.

وبالرغم من أن الضرر الاقتصادي الذي تسببت به جائحة كورنا مما أثر بشكل كبير على قطاع النقل والقطاعات السياحية إلا أن التعافي تحقق. ومع انطلاقة اكسبو 2020 في أكتوبر 2021م، والذي شكل منصة مثالية لتعزيز الثقة في العلاقات الدولية من أجل تحقيق الأهداف المشتركة وتعزيز الاقتصاد العالمي، باستقباله الملايين من المشاركين والمستثمرين والزوار ما منح فرصًا هائلة لرجال الأعمال من جميع أنحاء العالم للتواصل وبناء الشراكات وتوسيع نطاق انتشارهم وتنمية شركاتهم.

و2022م، هي سنة العالم الإسلامي بامتياز، حوارات الأديان في عشرات المؤتمرات والمنابر لم تتوقف، والقبول بالآخر إلى أي دين أنتمي وإلى أي عرق فتحت دول المجلس البوابة واسعة أمام حرية الأديان وتوجتها الزيارة الثانية لبابا الفاتيكان إلى دول المجلس ولم توفر جهدًا في الكشف عن حضارات قامت في أراضيها الطيبة حتى قبل ظهور الإسلام وحفرت بذلك شعار التسامح فوق صخورها ورمالها وجزرها، وبرهنت على أنها إن لم تكن قادرة على كتابة التاريخ فهي قادرة على الإضافة إليه والكشف عن كنوزه وهي كثيرة.

في 2022م، واجه مجلس التعاون لدول الخليج العربية العديد من التحديات وأبرزها تعزيز "أواصر البيت الخليجي وترسيخ مرتكزاته"، وكانت قمة العلا في المملكة العربية السعودية أبرز إنجازاته حيث تمت المصالحة والمصارحة الخليجية بين السعودية والبحرين والإمارات ومصر مع قطر وتوجت إنجازاته على مدى العقود الأربعة الماضية من المشروعات التكاملية ومنها السوق الخليجية المشتركة، والاتحاد الجمركي، والربط الكهربائي، وحرية تنقل رؤوس الأموال والعديد من المكتسبات الأخرى التي يتمتع بها مواطنو دول المجلس.

مجلس التعاون: مسيرة وإنجازات

يحتل مجلس التعاون لدول الخليج العربية مركزًا اقتصاديًا هامًا على المستوى العالمي فهو يأتي في المركز الخامس من حيث حجم التبادل التجاري العالمي وهو ثاني عشر أكبر اقتصادات العالم وعاشر أكبر مستورد في العالم ورابع أكبر مصدر للعالم بعد الصين والولايات المتحدة وألمانيا. ويشكل سكان دول مجلس التعاون ما نسبته 0.8% من سكان العالم ويساهم بما نسبته 1.7% من الناتج المحلي العالمي الذي بلغ ما مقداره 1.418 مليار دولار في 2020م.

إن ارتفاع أسعار النفط إلى أعلى مستوى منذ 2014م، وتقليص كميات الإنتاج التي أقرّها تحالف "أوبك بلس" ساهم في تحسين الموارد المالية لدول مجلس التعاون بشكل ملموس وانعكس إيجابًا على معدلات النمو وتوقع صندوق النقد الدولي بأن تعود جميع دول مجلس التعاون الخليجي إلى حالة التوازن المالي عام 2023م، بما في ذلك سلطنة عُمان، التي كانت تعاني من عجز مالي هيكلي كبير قبل جائحة كوفيد-19، إلى تحقيق فائض في عام 2022م، نتيجة تنفيذ إصلاحات كبرى وحسن استغلال ارتفاع أسعار النفط.

لقد وفرت العوائد النفطية المقومات المالية والدعم الكبير من القطاع الحكومي لمسارات التنوع الاقتصادي والمشاريع الطموحة التي يتم تنفيذها إلا أنه في السنوات الأخيرة، أدركت دول المجلس أن وفرة الموارد المالية قد لا تضمن النجاح على المدى الطويل فسلكت مسارات مغايرة لتطوير قطاعاتها الخاصة وحسّنت مناخ الأعمال لديها، إيمانا منها بأن تطوير القطاع الخاص، ولا سيّما المؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة، يعد عنصراً أساسياً لتوسيع قاعدة الإيرادات وتنويعها.

وعلى الصعيد الصحي وبالنسبة لجائحة كورونا فقد اتخذت دول المجلس قرارات استباقية وتدابير احترازية ونجحت بإدارة الأزمة وتحركت مجتمعة سريعاً، قبل تصنيف الفيروس جائحة عالمية من قبـل منظمة الصحة العالمية، مـن خـلال لجـان عاليـة المستـوى لإدارة الأزمـة، وإنشاء غرفة عمليات مشتركة لتنسيق الجهود بين الدول الأعضاء ووزارات الصحة بحيث تكون الصورة كاملة أمامهم من خلال تقرير يومي يصل إلى مكاتب وزراء الصحة يحتوي على أحدث البيانات وآخر الإجراءات التي اتخذتها دول المجلس. وقد وجهت الأمانة العامة لمجلس التعاون كل قطاعاتها للعمل لرصد وتوثيق جهود دول المجلــس فــي مواجهــة الجائحة، وإنشاء قاعدة معلومات تسهل على مستخدميها الوصول للمعلومات، مع رصد وبحث ما يتم اتخاذه مـن قـرارات وإجراءات فـي الدول الأعضاء من خلال القنوات الرسمية المعتمدة. كما تفاعلت دول المجلس في مواجهة الأزمة على صعيدَين. فعلى غرار الدول الأخرى، تمحورت أولى أولوياتها حول إدارة الآثار المباشرة للجائحة على الصحّة العامة وكذلك الاقتصاد. وقد أتت استجابتها على قدر التحدّي، حيث اعتمدت إجراءات صارمةً للفحص والتعقّب والحجر وأغلقت الأعمال غير الأساسية وقيّدت السفر وقدّمت العناية اللازمة للمصابين. كما أعلنت كذلك عن حزم تحفيز اقتصادية بقيمة 97 مليار دولار. وعملت على إيجاد الحلول المناسبة لانسياب السـلع بيـنها والإبقاء علـى المطارات والموانئ والمنافذ البرية مفتوحـة، وسهلت على المنشآت الصناعية والتجاريـة اسـتخدام الشحن الجـوي والبحري لنقـل السلع وتأمين الواردات ودعم الصادرات، وسعت الأمانة العامة بالتنسيق مع اتحاد غرف دول المجلس ومن خلال إنشاء غرفـة عمليـات مشتركة لتبادل المعلومات والتنسيق المشترك، وإعـداد استراتيجية خليجية موحدة تساهم فـي ربـط المنصات الإلكترونيــة الجمركية ويسرت تبــادل المعلومـات تلقائيا لتحسين عمليات الجمارك والشحن بيـن دول المجلس وضمان تعزيز سلاسل التوريد للغذاء والدواء. كما ساهمت الأمانة العامة بإعداد ورقـة عمـل حـول موضوع الأمن الغذائي، تتضمن الخطوات المطلوبة لتحقيق ذلـك، وتحديـد جهـات الاختصـاص المعنية بهذا الموضـوع، ولجان العمل الخليجي المشـترك التـي يجـب التنسـيق معهـا فـي هـذا الشـأن والعمـل علـى انسـيابية السـلع بيـن دول المجلـس، وحـل المشـكلات التـي قد تعيق ذلـك وتم تكليفها بإعداد مشـروع قانـون خليجي موحّد يعنى بالأمن الغذائي.

على صعيد الإنجازات التي تحققت في العام المنصرم فقد تم المزيد من التعاون والتنسيق على المستوى العسكري والأمني. وحيث أن الاستراتيجية الدفاعية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية المنبثقة من اتفاقية الدفاع المشترك والتي أقرت في 2009م، شكلت إنجازاً مهماً وخطوة أساسية على طريق بناء المنظومة الدفاعية المشتركة لمجلس التعاون، فإن  موافقة قادة دول الخليج على تعديل المادة السادسة في اتفاقية الدفاع المشترك، وتغيير مسمى قيادة "قوات درع الجزيرة المشتركة التي أنشئت عام 1982م، إلى "القيادة العسكرية الموحدة "لدول مجلس التعاون يعد من أبرز الإنجازات التي تحققت بهدف "دعم جهود التكامل العسكري المشترك لتحقيق الأمن الجماعي لدول المجلس" في 2022م، كما تم تعزيز العمل الأمني الذي قدمه مجلس الدفاع المشترك في اجتماعه السابع والثلاثين وتمت المصادقة عليه في قمة العلا إدراكًا لأهميته في ضمان أمن واستقرار دول المجلس.

كما تستمر جهود المجلس المتواصلة من أجل الانتقال اقتصاديًا من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد والتي تتطلب توحيد الأطر والقوانين الناظمة لسير الأنشطة الاقتصادية، فقد تم اعتماد قانون التنظيم الصناعي الموحد لدول المجلس، والقانون الموحد للنقل البري الدولي، وقانون إدارة الموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة الموحد من قبل المجلس الأعلى في جلسته الأخيرة في الثامن من ديسمبر 2022م، بحيث تستكمل الدول الأعضاء إجراءاتها الداخلية لتطبيقه. كما تم اعتماد مبادرة مصانع المستقبل Siri بصفة استرشادية. وأفردت الهيئة الاستشارية للأمانة العامة حيزًا هامًا لثورة المعلومات والتقنيات الرقمية خدمة لخيارات الصناعة الخليجية في ظل الثورة الصناعية الرابعة بهدف إعداد جيل المستقبل لمتطلبات ثورة المعلومات. وفي السياق نفسه أقر المجلس الأعلى الإطار العام للاستراتيجية الخليجية للسياحة 2023 – 0203م، الهادفة إلى تعزيز التكامل السياحي بين دول مجلس التعاون في ضوء مستجدات قطاع السياحة في المنطقة.

ومن الركائز الأساسية التي تبنتها دول المجلس مؤخرًا هي التحولات في الطاقة والتي تشمل التحول إلى الطاقة المتجددة ومراعاة التغير المناخي والحياد الكربوني وهو ما يؤكد أهمية تضافر الجهود من أجل تعزيز العمل المشترك لترشيد الإنفاق وتحسين شروط التفاوض مع المستثمر الأجنبي وتعضيد التكامل وتفادي التنافس الإقليمي. من هذا المنطلق تبرز أهمية منظومة دول المجلس في تفعيل التعاون وتبادل الخبرات وتطوير الممكنات فيما بينها تحت مظلة المبادرات العديدة كمبادرة الشرق الأوسط الأخضر، والاقتصاد الدائري للكربون الهادفة لخفض الانبعاثات وإعادة التدوير ومعالجة النفايات. ناهيك عن مبادرات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر.

وتماشيًا مع التوجه المستقبلي للتنمية المستدامة واستخدام الطاقة النظيفة، فإن دول المجلس تسعى إلى تطوير مصادر الطاقة النووية والهيدروجين. إذ أن كلاً من الإمارات والسعودية تسيران في اتجاه الاستثمار في الطاقة النووية. فمحطة الإمارات النووية في "براكة" ستوفر ربع طاقة الكهرباء في الإمارات بمجرد تشغيل مفاعلاتها الأربعة، والسعودية تمتلك احتياطيات هائلة من اليورانيوم اللازم لتوليد الطاقة النووية، مما جعلها تخطط أيضًا لأول مفاعل نووي بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما أن الظروف مواتية لإنتاج الهيدروجين الأزرق والأخضر ومشتقاته (مثل الأمونيا)، وقد اتجهت كل من الإمارات والسعودية وقطر إلى تشجيع الابتكار واجتذاب الاستثمارات الأجنبية وخصوصاً الشركات الأوروبية لكونها لاعبًا أساسيًا في مثل هذه المشاريع الناشئة بهدف استبدال الغاز بالهيدروجين، الذي يعتبر وقود المستقبل. ويبرز في هذا المجال دور مجلس التعاون ليكون لاعبًا رئيسيًا في تعضيد التنسيق والتكامل بين هذه المشاريع الواعدة.

وعلى صعيد آخر وانطلاقاً من دور مجلس التعاون كركيزة أساسية للحفاظ على الأمن والسلم الإقليمي والعالمي فإن دوله تحرص على الحفاظ على الاستقرار والأمن في المنطقة ودعم رخاء شعوبها، وتسعى إلى إعادة ترتيب علاقاتها الإقليمية مع الدول الشقيقة والصديقة والمنظمات الإقليمية والدولية بهدف تحقيق السلام والتنمية المستدامة، وتعزيز شراكاتها الاقتصادية مع الدول والتكتلات الدولية الأخرى من أجل تحقيق مصالحها التجارية والاستثمارية المشتركة. لذلك وجه المجلس الأعلى الأمانة العامة لدول المجلس "بسرعة استكمال مفاوضات اتفاقيات التجارة الحرة الجارية، والبدء في مفاوضات تجارة حرة وفق أولويات دول المجلس". 

التحديات والمواجهات

تعترض مسيرة مجلس التعاون العديد من العوائق والعقبات التي تعيق التكامل الاقتصادي من أهمها عدم وجود شبكة مواصلات متطورة، ضعف إسهام القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، صعوبة الحصول على البيانات الإحصائية والتباينات السياسية التي تعيق تفعيل وتطبيق بعض المبادرات والاتفاقيات مع عدم قدرة بعض الدول على تطبيق عدد من المعايير المعتمدة للتقارب الاقتصادي.

إن دول المجلس تمر حاليًا بمرحلة من التحولات المتسارعة وتواجه العديد من التحديات على كافة الأصعدة، ما تستوجب ضرورة توحيد الجهود لتحقيق الاندماج الإقليمي والتكامل الاستراتيجي الذي يشكل بعدًا هامًا في منظومة مجلس التعاون. فعلى الصعيد الاقتصادي، شهد العالم في السنة الماضية تقلبات اقتصادية وسياسية واجتماعية كبيرة ترتب عليها ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة مع ارتفاع في أسعار الفائدة وتزامن ذلك مع توترات جيوسياسية واضطرابات في سلاسل التوريد ما أدى إلى إغراق الاقتصاد العالمي في ركود متوقع ألا يكون قصيرًا أو مؤقتًا كما ذكر العديد من التقارير الاقتصادية الدولية. فالعالم يشهد تغيرات بنيوية وجوهرية قد تدوم لفترة ليست بالقصيرة والتي قد تغير من دورة الأعمال وتعيد تشكيل الأنظمة الاقتصادية. وكما أشار تقرير لمجلة "فورن أفيرز" أن ثلاثة اتجاهات جديدة تقود التغيرات العالمية وتتمثل في التحول من القصور في الطلب إلى القصور في العرض مما يشكل عائقًا للنمو. يتزامن ذلك مع نقص في السيولة لدى البنوك المركزية، وهشاشة في الأسواق المالية. والتي قد تؤدي إلى المزيد من عدم اليقين في المستقبل مما يؤثر على الأفراد والشركات والحكومات، اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا. كما أن ارتفاع قيمة الدولار وأسعار الفائدة في الولايات المتحدة سوف يترك آثارًا اقتصادية ومالية على دول المجلس يصعب قياسها حاليًا. ورغم ما تحقق من إنجازات إلا أنه في عالم اليوم تواجه دول المجلس تحدياتٍ كبيرة تستوجب مقاربة خلاقة وعاجلة من أجل استكمال المسيرة للوصول إلى الوحدة الاقتصادية التي توافقت عليها قيادات المجلس منذ تأسيسه.

وفي حين تحاول دول المجلس التكيف مع التغيرات في الاقتصاد العالمي وأنها حققت بعض المكاسب من ارتفاع أسعار الطاقة وزيادة حصتها السوقية نتيجة تراجع حصة روسيا في الأسواق الدولية، إلا أن المكاسب تبقى مؤقتة ومقرونة بخسائر على أصعدة أخرى، بما فيها الصعيد الاقتصادي نفسه. فهناك انعكاس سلبي على البورصات وأسواق المال التي شهدت مؤشراتها انخفاضًا ملحوظًا، وفي نفس الوقت فإن إشكاليات سلاسل التوريد أثرت سلبًا على الأمن الغذائي وأدت إلى موجة من ارتفاع أسعار السلع نظرًا لان دول المجلس تستورد بعض المنتجات من أوكرانيا.

كما أنه لا تزال هناك العديد من التحديات، المتعلقة بالاعتماد المفرط على الإيرادات النفطية وعلى القطاع الحكومي في تحقيق التعافي بعد الجائحة. ولأن الآثار الاقتصادية للوباء ستكون بطيئة في الانحسار، فإن مشاركة القطاع الخاص ذات أهمية كبيرة. لذلك ينبغي أن تشمل أولويات السياسات تحديث البنية التحتية للمساعدة في زيادة العرض، وتحسين برامج تدريب العمالة وإعادة تجهيزها، وإطلاق شراكات بين القطاعين العام والخاص لتلبية الاحتياجات الملحة. وفي الوقت نفسه، يتعين على الحكومات والبنوك المركزية أن تواصل مكافحة التضخم وتحسين التنسيق بين السياسة المالية، والنقدية، والإصلاحات البنيوية التي تعزز الإنتاجية والنمو.

إن الوعي بأهمية دور القطاع الخاص في توسيع القاعدة الإنتاجية قد يكون مدخلاً هامًا نحو تضافر الجهود التكاملية وتشجيع الاستثمار المشترك للقطاع الخاص على مستوى دول المجلس. وكي تكتمل صورة هذا التعاون بين الدولة والقطاع الخاص ربما من المفيد الإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي خصص 369 مليار دولار لدعم الصناعة، وفي طليعتها الصناعات الخضراء لتحفيز القطاع الخاص والشركات على تطبيق شعار "صنع في أمريكا"، وهو ما أثار غضب الدول الأوربية التي اعتبرت أن هذا التحفيز قد يؤدي إلى إلحاق أكبر الضرر بالصناعات الأوربية.

وقياسًا على هذه المبادرة الأمريكية لابد لدول المجلس أن تضع ضمن أولوياتها تحفيز ومساعدة القطاع الخاص في برامج متكاملة تحت عنوان صنع في دول مجلس التعاون.

وبالرغم مما تحقق مؤخرًا على مستوى التعاون العسكري إلا أن بعض المحللين يرى أن هذا التعاون لابد أن يستكمل عبر إنشاء مرافق تدريب مشتركة رئيسية تستخدم بشكل صحيح لإجراء تدريب مشترك أو صيانة أو إنتاج عسكري. وبالرغم من التأكيد على الدفاعات الصاروخية إلا أن الاهتمام الأكبر منصب على الحصول على الأنظمة الأكثر تقدمًا من إنشاء نظام دفاع جوي وصاروخي باليستي جماعي فعال. كما أن التقدم ما زال بطيئًا في تكامل نظام مشترك للمراقبة البحرية والجوية وإدارة المعركة. لذلك تبدو الحاجة ملحة لتحقيق مستوى أعلى من التنسيق لمفهوم الدفاع المشترك، والاستمرار في تطوير القوات الدفاعية وتنفيذ التمارين المشتركة، وإعطاء أهمية لتأسيس وتطوير قاعدة للصناعة العسكرية وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال وهو ما بادر إلى تحقيقه عدد من دول المجلس.

لقد نجحت دول المجلس في السنوات الأخيرة في خلق البيئة التنظيمية المواتية والبنية التحتية التكنولوجية المتقدمة لاستقطاب الاستثمار إلا أنه ما زالت هناك حاجة إلى الاهتمام في تطوير القوى العاملة وخصوصًا الخليجية من خلال تحسين نوعية التعليم، وزيادة الاستفادة من التكنولوجيا لأجل ضمان رفد سوق العمل بالعمالة المواطنة وحل مشكلة البطالة التي ظهرت في السنوات الأخيرة نتيجة عدم القدرة على استيعابها في القطاع الحكومي.

ومن أجل تعميق التكامل الإقليمي ضمن منظومة مجلس التعاون من المهم التأكيد على اتساق السياسات والقوانين الخليجية لضمان ترابطها وتكاملها وليس تنافسها وتضارب مصالحها. وذلك لأن مثل هذا التنسيق سيساهم في تنظيم الاستثمارات على المستوى الإقليمي لتجنب الازدواج المفرط في الأنشطة التي تؤثر سلبًا على الكفاءة الإنتاجية وتعزيز التنافس في الأسواق العالمية. فتشجيع التكامل الاقتصادي سيؤدي إلى مزيد من المكاسب على المدى الطويل ويفتح فرصًا استثمارية واعدة تخلق تدفقات إضافية للاستثمار الأجنبي وتحسن في بيئة الأعمال وتوفر مساحة كبيرة لتعزيز التبادل التجاري بينها.

من هذا المنطلق تبرز أهمية العمل المشترك من أجل تذليل الصعوبات أمام الاتحاد الجمركي وتفعيل السوق المشتركة. وقد أكد المجلس الأعلى في اجتماعاته الأخيرة على أهمية الحفاظ على مكتسبات المجلس وإنجازاته، ووجه الأجهزة المختصة في الدول الأعضاء والأمانة العامة واللجان الوزارية والفنية بمضاعفة الجهود لتحقيق أهداف النظام الأساسي للمجلس واستكمال متطلبات الاتحاد الجمركي، من أجل الوصول إلى التنفيذ الكامل لمسارات السوق الخليجية المشتركة، ومن ثم الوصول إلى الوحدة الاقتصادية بحلول 2025م. وفي اجتماعه الثاني والأربعين أعاد المجلس الأعلى تأكيده على هيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية بضرورة الإسراع في تحقيق الوحدة الاقتصادية بين دول المجلس، واستكمال متطلبات الاتحاد الجمركي، والسوق الخليجية المشتركة، ومشروع سكة الحديد، التي أقرت في الجلسات السابقة. 

الخاتمة

يقول المثل الصيني "إن مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة" وقد بدأتها دول مجلس التعاون قبل واحد وأربعين عامًا، والأربعون هي سن النضج، نجحت خلالها بتثبيت أقدامها كقوة إقليمية عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا، ونسجت علاقات مع شعوب الأرض ودولها، مساعدات واتفاقات وصداقات يصح فيها ما رواه المؤرخون عن بلاط الخليفة هارون الرشيد من أن الهند والصين ودول المعمورة أرسلت إلى بلاده الوفود تخطب وده وتطلب صداقته .. بينما هو يقف على شرفة قصره يخاطب الغمامة "أيتها الغمامة أمطري حيث شئت فإن خراجك يعود إلي" والخراج ليس نقودًا فقط ولا نفطًا ولا غازًا بل حكمة تنشر المحبة وتسطر السلام للبشر عبر القارات. ولعل دول الخليج وهي تستقبل في بلاطها قيادات العالم من دون أن تنسى شعوبها تستعيد ذلك العصر الذهبي وتدرك أن الوضع الحالي أصبح مواتيًا لدولها كي تبرز كقوة اقتصادية تسعى لرسم سياستها الاقتصادية والجيوسياسية بمعايير تتجاوز الراهن وبأهداف طموحة ورؤى مستقبلية واعدة، وتؤمن بأن مسيرة التنمية شجرة جذورها في الأرض وفروعها تطاول السماء.

مقالات لنفس الكاتب