array(1) { [0]=> object(stdClass)#13189 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 181

تعزيز التعاون الصيني / الخليجي عسكريًا وأمنيًا بعد غياب بكين عن المنطقة

الخميس، 29 كانون1/ديسمبر 2022

رغم بُعد المسافات الجغرافية، تتمتع الصين ودول الخليج بعلاقات تاريخية تمتد إلى ألفي عام. وقد شهدت العلاقات بين الجانبين تطورًا جذريًا خلال العقد الماضي، وتوسعًا في رقعة التعاون الثنائي المشترك لتشمل العديد من المجالات المختلفة. كما أصبحت علاقات بكين مع الدول الخليجية، بالأخص مع المملكة العربية السعودية، تحظى باهتمام متزايد في سياساتها الخارجية.

 

التعاون بين الصين والدول العربية

 

قامت الصداقة بين الصين والدول العربية على المبدأ المشترك لمناهضة الإمبريالية والاستعمار. فمن ناحية، أقرت بكين بأحقية الشعوب العربية في أن تختار النظام الاقتصادي والسياسي الممثل لها. على سبيل المثال، أعربت الصين عن مساندتها لمصر في مواجهة العدوان الثلاثي الذي شنته كل من بريطانيا، وفرنسا، وإسرائيل عام 1956م. كما أبدت دعمها للبنان ضد التدخلات الأمريكية خلال عام 1958م، ولطالما كانت بكين داعمًا قويًا لإقامة دولة فلسطينية منذ ستينيات القرن الماضي. وعلى الجانب الآخر، أيدت الدول العربية حصول الصين على مقعد دائم بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عام 1971م. وعمدت العديد منها إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع الجانب الصيني خلال خمسينات وسبعينات القرن الماضي.

 

ومع نهاية فترة السبعينات، بدأت تتكشف آفاقاً جديدة للتعاون بين بكين والدول العربية. وخلال عام 1978م، تحديدًا، بدأت الصين انفتاحًا طموحًا على الاقتصاد العالمي، واستطاعت على مدار الأربعة عقود الماضية أن تخطو خطى متأنية وثابتة نحو تسريع سياساتها التنموية، لتصبح ثاني أكبر اقتصاد عالمي. كذلك نجح المارد الصيني، من خلال قدراته الصناعية المتنامية وتوسعه في الأسواق، في استقطاب المزيد من رؤوس الأموال العربية من أجل التعاون المشترك، واجتاحت المنتجات" صينية الصنع "الأسواق العربية، وتعززت الروابط بين الصين والعرب.

 

وقد أضحت الأهمية الجيوسياسية التي تنعم بها المنطقة العربية محل اهتمام صيني بالغ. فإلى جانب مضيق "جبل طارق"، و"ملقا"، يقع اثنين من أربع نقاط الشحن الرئيسية للتجارة الصينية داخل المنطقة العربية؛ وهما مضيق "هرمز" وباب المندب". حيث يتم شحن نصف واردات الصين من النفط والغاز عبر مضيق هرمز، في حين يعد مضيق باب المندب قناة مهمة لحركة الصادرات الصينية المُتجهة نحو منطقة الشرق الأوسط، وإفريقيا، وأوروبا، ووارداتها النفطية القادمة من السودان، وليبيا، والجزائر. وفي ضوء تزايد متطلبات السوق الصيني المتنامي، ونمو الاقتصاد الصيني، تتبلور مدى أهمية المنطقة العربية على الصعيد الجيوسياسي. لذلك، سعت بكين على مدار العقد الماضي، إلى تعميق مشاركتها في مشروعات محلية داخل عدد من البلدان العربية، ومن بين النماذج الرئيسية على ذلك، منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ومصر بقناة السويس "تيدا"، والمدينة الصناعية الصينية العمانية في مدينة الُدقم، إلى جانب "المنطقة النموذجية الصينية الإماراتية للتعاون في الطاقة الإنتاجية "بمدينة خليفة الصناعية الواقعة في أبو ظبي.

 

 وفي عام 2013م، اقترحت الصين مبادرة " الحزام والطريق"، التي لاقت ترحيبًا من قبل الدول العربية، تلى ذلك مقترح صيني آخر تم طرحه خلال عام 2014م، بشأن بناء " مجتمع ذي مستقبل مشترك بين الدول العربية والصين"، والذي قوبل أيضًا بترحيب حار من قبل دول المنطقة. وفي عام 2018م، وقعت الصين وجامعة الدول العربية "إعلان العمل المشترك بشأن التعاون الصيني-العربي" تحت مظلة مبادرة الحزام والطريق، والذي يعد الأول من نوعه بين الدولة الصينية ومنظمة إقليمية. وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ قد وضع في يونيو عام 2014م، إطار عمل "1+ 2+3" باعتباره البوصلة الموجهة للتعاون المستقبلي بين بلاده والدول العربية. والذي يعتبر قطاع الطاقة محور التعاون الرئيسي، ومجالي إنشاءات البنية التحتية، وتسهيل سبل التجارة والاستثمار جناحيه. فيما تتمثل محاور الإنجاز والاكتشافات في المجالات الثلاثة ذات التكنولوجيا الحديثة والمتطورة: الطاقة النووية، والأقمار الصناعية الفضائية، ومصادر الطاقة الجديدة. ومن ثم يصبح إطار عمل "1+2+3” المبدأ التوجيهي الأساسي لجهود بكين من أجل تطوير التعاون مع الدول العربية. في غضون ذلك، قام الجانبان الصيني والعربي بتدشين آليات للتعاون المشترك عبر مستويات مختلفة:

 تعاون ثنائي، أقامت الصين شراكة استراتيجية شاملة مع كل من مصر والجزائر عام 2014م، تلاها شراكة استراتيجية مع المملكة العربية السعودية خلال 2016م، وأخرى مع دولة الإمارات خلال العام ذاته. كما أسست بكين لشراكة استراتيجية مع كل من دولة قطر، والعراق، والمغرب خلال عام 2014، و2015، و2016م، على التوالي. وفي عام 2018م، وقعت بكين شراكة مع دولة الكويت وعمان، وبحلول يناير من العام الجاري (2022) أصبح عدد الدول العربية الموقعة على اتفاقيات تعاون مع الجانب الصيني تحت مظلة "مبادرة الحزام والطريق" 20 دولة، فضلاً عن إحراز إنجازات هامة في مختلف المجالات التي تغطي الطاقة، والاستثمار، والتجارة، والتمويل، والبنية التحتية، والتكنولوجيا الحديثة.

 

 تعاون متعدد الأطراف، في عام 2004م، قرر الجانبان تدشين منتدى "التعاون الصيني العربي". ذلك إلى جانب إقامة معرض "الصين والدول العربية" خلال عام 2013م. ثم جاء التوقيع على إعلان العمل المشترك تحت مظلة مبادرة الحزام والطريق خلال الاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني العربي عام 2018م، ليساعد في وضع المبادئ التوجيهية للتعاون بين الجانبين. وخلال الأعوام الأخيرة، أصبح مجال تكنولوجيا الفضاء والقطاع الطبي محاور جديدة للتعاون بين بكين والدول العربية. وقد تبلور ذلك من خلال توقيع بكين على عدد من اتفاقيات تعاون مع كل من مصر، والجزائر، والسودان، والمملكة العربية السعودية من أجل التطوير المشترك لتكنولوجيا الفضاء والأقمار الصناعية. وفي ديسمبر من عام 2021م، وقعت بكين والدول العربية على "الخطة الصينية-العربية المشتركة للملاحة عبر الأقمار الصناعية، والتي ستكون أساسًا للتعاون المشترك في مجال تكنولوجيا الفضاء خلال السنوات القادمة. وشمل التعاون بين الجانبين أيضًا القطاع الطبي، لاسيما بعد تفشي جائحة فيروس كورونا(كوفيد-19) أوائل عام 2020م، حيث وقعت شركتي "سينوفارم"، و"سينوفاك" الصينيتين الرائدتين في صناعة الدواء، اتفاقيات تعاون مع دولة الإمارات ومصر من أجل إنتاج وتخزين لقاحات كورونا.

 

من جانبها، تؤمن الدول العربية أيضًا بأهمية تطوير علاقات تعاون سلمية مع الصين تحقق المنفعة المتبادلة. لاسيما في ظل النجاحات الاقتصادية والتنمية الاجتماعية التي حققتها الصين، والتي شجعت بعض هذه الدول على أن تنظر إلى التجربة الصينية باعتبارها نموذجًا يحتذى. حيث تمكنت الصين، أكبر دولة نامية على مستوى العالم، من التحول من دولة شبه مستعمرة، وشبه إقطاعية، إلى ثاني أكبر اقتصاد عالمي. كما يتيح النموذج الصيني بديلاً ناجحًا للنظام الغربي، يمكن للدول العربية أن تستفيد منه قدر الإمكان من أجل حل أزماتها الداخلية. وبشكل عام، ساهمت شعوب المنطقة العربية والصين في نشأة حضارات إنسانية رائعة، لم تخل من الأوقات العصيبة والنكسات خلال العصور الحديثة المتغيرة. ومن ثم أضحى "إحياء النهضة الوطنية " هدفًا منشودًا للجانبين. وبلا شك ستنجح الصين والدول العربية معًا، تحت مظلة المسار التوجيهي التعاوني لطريق الحرير الجديد، في تحقيق "الحلم الصيني" و"إعادة إحياء القومية العربية".

 

 

الصين ودول مجلس التعاون الخليجي

 

لطالما حرصت بكين على إيلاء أهمية كبيرة للتعاون الاقتصادي مع دول مجلس التعاون الخليجي، وبرز دورها خلال العقود الأخيرة كشريك تجاري مهم لدول الخليج، وبالأخص المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات. حيث تعتمد غالبية الدول الخليجية على تجارتها النفطية من أجل دعم جهود تنويع مصادرها الاقتصادية، فيما تحتاج بكين للنفط والغاز الخليجي من أجل تدعيم نموها الاقتصادي. ومن ثم تشترك الصين ودول مجلس التعاون الخليجي في هيكل تعاون تكميلي قوي، مدعومًا بالطاقات الإنتاجية الهائلة التي تنعم بها الصين ورغبتها في توسيع تعاونها مع دول الخليج لخدمة مصالحها الاستراتيجية. كما أصبح هناك تحول ملحوظ في المنتجات "صينية الصنع" -التي كانت تباع بأسعار زهيدة إلى حد كبير وبجودة رديئة-إلى سلع ذات تقنية فائقة وقيمة مضافة عالية. بالإضافة إلى الشعبية المتزايدة التي باتت تحظى بها شركات الاتصالات الصينية مثل "هواوي"، وشركات الأجهزة الإلكترونية مثل "لي إكسيانج"، و"ويلاي" داخل أسواق المنطقة. كذلك أصبح تطبيق "تيك توك" الصيني أحد أهم المنصات الإلكترونية المستقطبة للشباب في منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره.

 

مع ذلك، تظل احتياجات الصين من موارد الطاقة جوهر وركيزة تعاونها المشترك مع دول مجلس التعاون الخليجي، حيث ساهمت المملكة العربية السعودية في تلبية نحو 17% من واردات النفط الصينية خلال عام 2021م، لتصبح أكبر موردي النفط الخام للجانب الصيني. بدورها، وقعت دولة قطر، بصفتها أحد أكبر مصدري الغاز الطبيعي للصين، العديد من العقود طويلة الأجل مع الشركات الصينية خلال نوفمبر من عام 2022م. كما يبدو وأنه مقدرًا أن تلعب بكين دورًا محوريًا في تدعيم نمو الصناعات غير النفطية لدول مجلس التعاون الخليجي.

 

وثمة انسجام وتآزر كبير أيضًا بين الحكومات العربية والصينية في التعاون في مجالات التنمية؛ مثل السياحة، والاتصالات، والطاقة المتجددة، والمدن الذكية، والذكاء الاصطناعي، والأعمال ذات التوجه التكنولوجي، وهو ما سيسهم في جعل فئة الشباب الخليجي منفتحة بشكل مستمر على حضور متنامي للتكنولوجيا الصينية بدءًا؛ من تطبيقات التواصل الاجتماعي إلى منصات الدفع الإلكتروني. كذلك ساهمت العديد من مبادرات السياسة التي تبناها الجانبان، في تدعيم تدفق التجارة والاستثمارات بينهما، بما يشمل ذلك تدشين مناطق اقتصادية خاصة، مثل "المنطقة النموذجية الصينية الإماراتية للتعاون في الطاقة الإنتاجية " التي تقع في منطقة خليفة الصناعية في مدينة أبو ظبي، وتشرف شركة "جيانغسو" الصينية للتعاون والاستثمار الخارجي على بنائها بتوجيه من اللجنة الوطنية الصينية للتنمية والإصلاح.

 

في غضون ذلك، يرى الجانب الصيني أن التحديات التي لا تزال تواجه مسار التكامل بين دول مجلس التعاون الخليجي المتمثلة في بعض الخلافات البينية، إلى جانب بطء وتيرة الاندماج الاقتصادي بين الدول الأعضاء للمجلس، وعدم انسجام مواقفها بشكل عام، تلقي بظلال سلبية على العلاقات الخليجية / الصينية، وتشكل عقبة أمام طريق إتمام مفاوضات التجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون، والتي لاتزال قيد المباحثات رغم وعود الجانبين بسرعة إتمامها خلال زيارة الرئيس الصيني تشي بينغ جين إلى المملكة أوائل 2016م.

 

ويأتي الموقف الأمريكي ليمثل العقبة الثانية أمام التعاون الخليجي -الصيني، حيث تسببت سياسات إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في تحويل المقاربة التي كانت تستند إليها السياسات الأمريكية تجاه الصين من “التعاون والمشاركة" إلى "التناحر والاحتواء". ومنذ تدشين العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وبكين في عام 1990م، دأبت واشنطن على منع مزيد من التواصل والروابط بين الجانبين السعودي والصيني. على سبيل المثال، عارضت الولايات المتحدة بشدة شراء المملكة منظومة دفاع صاروخية إبان تسعينيات القرن الماضي، وخلال الأعوام الأخيرة، سعت واشنطن إلى إقناع الرياض بوقف تعاونها مع بكين في مجال التكنولوجيا الحديثة والشركات الصينية العاملة في مجال إنشاءات البنية التحتية. وبرغم من إصرار كافة دول مجلس التعاون على مواصلة تعاونها مع الجانب الصيني، إلا أن الموقف الأمريكي لايزال ملموساً.

 

 ومن المتوقع أيضا أن يتعزز التعاون بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي على الصعيدين العسكري والأمني، بعد أن ظلت الصين، رغم كونها ثاني أكبر الاقتصادات العالمية وأكبر شريك تجاري لمنطقة الخليج، غائبة عن التواجد عسكريًا بشكل قوي داخل منطقة الخليج، نتيجة افتقار القدرات وانعدام الرغبة لدى بكين. ليقتصر بذلك تواجدها العسكري الوحيد خارج حدود أراضيها على القاعدة الصينية بدولة جيبوتي، والتي تهدف إلى توفير دوريات للسفن الحربية العسكرية الصينية في المحيط الهندي الشرقي لحماية سفن الشحن الصينية المارة من قراصنة الصومال. رغم ذلك، ستحتاج بكين، في ظل تنامي استثماراتها ومشروعاتها داخل المنطقة، إلى تعزيز دفاعاتها الأمنية في المنطقة، والتعبير عن أفكارها ومواقفها بشكل أكثر فعالية تجاه الشؤون الإقليمية. خاصة وإنها ليست مُلمة بشكل كافي بكافة القضايا الإقليمية أو التفاصيل الخاصة بكل الأطراف الإقليمية، بما يحرمها التمتع بنفوذ أو التأثير على الأحداث الجارية في المنطقة. وكونها لا تزال" لاعبًا ناشئًا" داخل منظومة التعقيدات الأمنية والسياسية الإقليمية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط، تحتاج بكين إلى تعلم الكثير من خلال التحلي بالصبر والجهود الدؤوبة.

 

صداقة متنامية بين الصين والمملكة العربية السعودية

 

على مدار العقدين الماضيين، سطع نجم المملكة العربية السعودية كقوة رائدة للعالم العربي والإسلامي معًا. فمن ناحية، تزداد أهمية النفوذ السياسي الذي تنعم به المملكة داخل المنطقة، بما يجعل آراءها ومواقفها الخاصة بالقضايا الإقليمية الشائكة موضع إنصات واحترام دائم مثل موقفها من الأزمة السورية، والصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، إلى جانب حرب اليمن والانقسامات السياسية في لبنان، والأزمة السياسية العراقية. على الجانب الأخر، حافظت المملكة على علاقات إيجابية مع كافة الدول العربية إلى حد كبير، فيما أصبح الدعم المالي السعودي عاملاً محوريًا في تدعيم الاستقرار السياسي في كل من مصر، والسودان، والأردن، والعديد من دول المنطقة. وقد شهدت العلاقات السعودية-الصينية تقدمًا ملحوظًا خلال العقد الماضي، واتسعت رقعة التعاون الثنائي بين الجانبين بشكل كبير. ومن المتوقع أن تتعمق علاقات الصداقة بين الجانبين مع التقاء أهداف مبادرة الحزام والطريق مع رؤية المملكة "2030". فمنذ نشأة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1990م، أصبح تعاونهما المشترك أكثر عمقًا واتساعًا. وانعكاسًا لأهمية المكانة التي تحظى بها الصين لدى القيادة السعودية، كانت بكين محطة أساسية ضمن أولى الجولات الخارجية التي يقوم بها العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله منذ اعتلائه عرش المملكة في 2005م.وعلى مدار العقد الماضي، شهدت العلاقات بين الجانبين نموا متسارعا تخللته زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز للصين في مارس من عام 2017م، مختتمًا بها جولته الآسيوية، تلاها زيارة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان في فبراير 2019م، كمحطة أيضًا من ضمن محطات جولته الآسيوية. من جانبها، تعتز الصين أيضا بعلاقاتها مع المملكة العربية السعودية، حيث قام الرئيس الصيني شي جين بينغ برفع مستوى العلاقات الثنائية إلى "الشراكة الاستراتيجية الشاملة" خلال زيارته إلى المملكة عام 2016م.

 

كذلك يتشارك الجانبان، الصيني والسعودي الرفض لتدخلات بعض الدول الغربية. حيث عارضت المملكة العربية السعودية، بصفتها رائدة العالم الإسلامي، اتهامات بعض الدول الغربية للسياسات الصينية داخل إقليم شينجيانغ، وبعثت الرياض، على سبيل المثال، بخطاب إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة خلال عام 2019م، تدافع على السياسات الصينية في شينجيانغ. من ناحية أخرى، أبدت بكين دعمها لرؤية المملكة "2030" والإصلاحات التي تقودها المملكة في الداخل. كما تدرك بكين والرياض مدى التعقيدات التي تنطوي عليها السياسة العالمية، حيث أعرب الجانبان عن رفضهما الإذعان للمطالب الأمريكية بشأن وقف التعاون مع روسيا في أعقاب غزوها العسكري لأوكرانيا في فبراير الماضي. ودعت الرياض إلى ضرورة التوصل لتسوية سلمية للحرب ونبذ العنف، فيما أوضحت بكين وجود دوافع وتعقيدات أدت إلى اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا. فضلاً عن معارضة الجانب السعودي للمطالب الأمريكية من أجل ضخ مزيد من الإنتاج النفطي، ما أدى إلى مزيد من ارتفاع أسعار النفط والغاز في الدول الغربية واستمرار حاجتها لاستخدام النفط الروسي.

 

وبرغم من أن التعقيدات العالمية الراهنة تسببت في توليد العديد من العوامل المزعزعة لاستقرار أسواق النفط، إلا أن ذلك لم يؤثر على التعاون النفطي بين الرياض وبكين بل زاده قوة. وبشكل عام، تستند العلاقات بين الصين والمملكة العربية السعودية على أساس التعاون في مجال الطاقة. إذ تعد المملكة أكبر مصدر عالمي للنفط، وثاني أكبر مورد للنفط الخام إلى الصين. فضلاً عن امتلاك شركة "أرامكو" السعودية، عملاق النفط السعودي، العديد من المشروعات المشتركة مع نظيرتها الصينية في مجال التعدين والبتروكيماويات. من جانبها، تسعى السعودية إلى تنويع اقتصادها وتقليص الاعتماد على القطاعات النفطية، وهو ما جعل بكين شريكًا موثوقًا به في التعاون بمجالات المالية، والبنية التحتية، والطاقة الجديدة. فيما بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والمملكة 87.31 مليار دولار أمريكي خلال عام 2021م، بزيادة قدرها 209 مرة ضعفاً عن 418 مليون دولار أمريكي حينما تم تدشين العلاقات الدبلوماسية عام 1990م.

 

وفي ظل النمو متسارع الخطى الذي تشهده العلاقات الثنائية الاقتصادية، توجد فرص أيضًا أمام التعاون المالي بين الرياض وبكين. حيث تجرى حاليًا مباحثات بشأن إمكانية استبدال الدولار الأمريكي باليوان الصيني ضمن تعاملات بكين النفطية مع المملكة لاسيما وأنها تستورد أكثر من 25% من صادرات النفط السعودي. ونظرًا لمكانة السعودية الرائدة في سوق النفط العالمي، ونمو السوق الاستهلاكي الصيني، فإن الجانبين قادران على التوسع في استخدام اليوان كبديل لهيمنة العملة الأمريكية. كذلك يمثل مجال البنية التحتية، أحد المحاور المهمة للتعاون الصيني الأمريكي. وقد شاركت شركات صينية في العديد من المشروعات الضخمة داخل المملكة بما في ذلك إنشاء خط سكك حديد مكة، ومدينة جازان الاقتصادية، بالإضافة إلى مجمع الملك سلمان الدولي للصناعات والخدمات البحرية، ومدينة نيوم المدرجة ضمن رؤية 2030. كذلك تشرف شركة هواوي، عملاق التكنولوجيا الصيني، على بناء مرافق سحابية بهدف توفير إنترنت سريع لخدمة العائلات والأسر السعودية.

 

 على جانب آخر، ساهمت أزمة تفشي جائحة فيروس كورونا أوائل عام 2020م، في تعميق التفاهم والثقة المتبادلة بين الجانبين بعد تعاونهما في تجاوز الصعوبات والتحديات الناجمة عن الأزمة. بما في ذلك شراء المملكة العربية السعودية ملايين من الاختبارات الصينية المستخدمة في إجراء مسحات كورونا، واللقاحات ضد الفيروس المنتجة من قبل شركات الدواء الصينية، فيما أرسلت بكين أطقم طبية إلى السعودية للمساعدة في منع انتشار الفيروس وفرض تدابير وقائية.

 

وقد حرص قادة الدولتين على تدعيم التعاون الثنائي المشترك من أجل خلق نوع من التناغم والانسجام بين أهداف مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، والرؤية السعودية 2030، ومن ثم يمكن التنبؤ بآفاق الصداقة الثنائية بين الجانبين في ظل الرؤية المشتركة بأن كلا البلدين يمثلان فرص استثمارية هامة لأحدهما الآخر.

مقالات لنفس الكاتب