عبر عقود مضت استطاعت دول الخليج العربي تأسيس شراكات أمنية دولية عديدة سواء مع الدول الكبرى أو حلف الناتو والاتحاد الأوروبي كمنظمات للأمن الإقليمي، وضمن هذا الإطار فإن إعلان الاتحاد الأوروبي عن وثيقة الشراكة مع دول الخليج العربي في يونيو 2022م، يعد تطوراً مهماً، وعلى الرغم من الجوانب الاقتصادية للشراكة الخليجية- الأوروبية فإن التطورات العالمية وخاصة احتدام الصراع الغربي- الروسي على خلفية الأزمة الأوكرانية، والتنافس الأمريكي -الصيني قد أدت إلى تغيير أولويات الإدارة الأمريكية بدرجة أكبر نحو آسيا، ومن ثم زيادة وتيرة التهديدات الإيرانية بما يعنيه ذلك من أن القضايا العسكرية والدفاعية تبقى الأهم لدى دول الخليج كدول صغرى أو متوسطة يأتي الأمن والدفاع في مقدمة أولوياتها، الأمر الذي يثير عدة تساؤلات منها ما هي حدود المساهمات الأوروبية تجاه أمن الخليج العربي؟ ما هي المساحة التي احتلتها قضايا أمن الخليج العربي والأمن الإقليمي ضمن تلك الاستراتيجية؟ ما هي أبرز ملامح التعاون الدفاعي والعسكري الخليجي الأوروبي ومعوقاته؟
أولاً: تاريخ المساهمات الأوروبية في أمن الخليج العربي
حالة من الجدل سادت بين الأكاديميين الغربيين ونظرائهم من منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية حول الدور الأمني للاتحاد الأوروبي عموماً، ففي الوقت الذي يرى باحثو الغرب أن ذلك الدور ذو تأثير في مجمل النظام العالمي ولكنه يظل محدداً بهوية الاتحاد ومبادئه، فالاتحاد ليس منظمة دفاعية على غرار حلف الناتو- وإن كان لايزال يطمح في تأسيس هوية أمنية مستقلة- كما أن التدخل العسكري في الأزمات ليس من مبادئ الاتحاد بل حل تلك الأزمات عبر الوسائل السلمية بالإضافة إلى الإعلاء من احترام حقوق الإنسان، على الجانب الآخر يرى باحثو منطقة الشرق الأوسط أن دور الاتحاد لايزال دون المستوى المأمول في ظل أهمية أدوار القوى الكبرى والمنظمات على غرار الاتحاد الأوروبي للحفاظ على توازن القوى والمساهمة في إيجاد حلول لأزمات الأمن الإقليمي، تلك الرؤية قد أوجدت قناعة فكرية لدى هؤلاء مفادها أن دور الاتحاد الأوروبي إما تفسير للسياسات الأمريكية أو تبرير لها أو أنه يؤدي دوراً مكملاً لها، ومع وجاهة الرؤيتين فإن محك الاختبار هو الخبرة التاريخية للاتحاد الأوروبي خلال الأزمات الأمنية التي مثلت تهديداً لدول الخليج العربي، فخلال الحرب العراقية- الإيرانية 1980-1988م، والتي استهدف طرفا الحرب فيها ناقلات النفط الخليجية حيث بلغ عدد الهجمات ما بين عامي 1984م-1987م، حوالي 309 هجمات منها 187 من جانب العراق و122 من جانب إيران فقد أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريجان تأسيس تحالف دولي بحري أطلق عليه "عملية الإرادة الجادة"، ومن ثم انعقد مؤتمر للدول الأوروبية في أغسطس 1987م، لتنسيق المواقف الأوروبية إلا أنه لم يسفر عن موقف أوروبي جماعي، ولكن لوحظ بدء إيطاليا وبلجيكا وهولندا وبريطانيا إرسال قطع بحرية بالفعل لحماية الملاحة البحرية ضمن التحالف البحري الأمريكي، وبرغم تباين التقديرات فإن مجملها أنه في الوقت الذي أرسلت فيه الولايات المتحدة 11 سفينة فإن الدول الأوروبية شاركت ب 40 سفينة في تلك العملية التي استمرت على مدى أكثر من عام من يوليو 1987م، وحتى سبتمبر 1988م، وخلال حرب تحرير دولة الكويت 1991م، من خلال تحالف دولي قادته الولايات المتحدة لهذا الغرض مكون من 34 دولة كان من بينها 11 دولة من الاتحاد الأوروبي، وخلال الغزو الأمريكي للعراق عام 2003م، شاركت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وعارضت الدول الأوروبية المشاركة وخاصة فرنسا وألمانيا وهو الأمر الذي أدى لسيادة خطاب أمريكي آنذاك مؤداه" أوروبا القديمة وتلك الحديثة "في محاولة للتمييز بين الدول التي ساندت الولايات المتحدة أو تلك التي عارضتها إلا أنه يلاحظ على المشاركات الأوروبية ثلاثة أمور الأول: أن الولايات المتحدة هي من تقود التحالفات بالنظر لسهولة استصدار قرار من الكونجرس بالموافقة على إرسال القوات الأمريكية للخارج برغم صعوبته أحياناً فخلال حرب الناقلات استمع الكونجرس لتقرير مفصل من جانب قادة عسكريين أمريكيين حول احتمالات الرد الإيراني على ذلك التحالف البحري وكيفية التعامل معه على العكس من صعوبة الأمر بالنسبة للدول الأوروبية والتي تحتاج الحكومات لموافقة برلماناتها على إرسال تلك القوات للخارج بما يعني عدم قدرة الاتحاد على حسم أزمات تحتاج لتدخل عاجل، أما الأمر الثاني فهو ليست بالضرورة أن تكون المشاركة الأوروبية عسكرية خلال الأزمات فهناك بعض الدول قدمت دعماً مادياً فقط، أما الأمر الثالث فهو في بعض الأزمات يصعب الحديث عن مشاركة الاتحاد الأوروبي أو الناتو في ظل وجود 22 دولة أوروبية ذات عضوية في الناتو في الوقت ذاته على غرار التدخل الأطلسي في ليبيا عام 2011م، والذي حظي بدعم كافة دول الحلف كشرط أساسي لذلك التدخل.
ثانياً: الأبعاد الأمنية في استراتيجية الشراكة الأوروبية تجاه دول الخليج
على الرغم من أهمية مبادرات واستراتيجيات المنظمات والدول الكبرى التي تتضمن قضية الحفاظ على أمن الخليج العربي ابتداءً بمبادرة استنبول التي أطلقها حلف الناتو عام 2004م، وتتضمن ستة مجالات للتعاون الأمني بين دول الخليج والحلف ومروراً بالمبادرة الروسية لأمن الخليج العربي عام 2019م، وانتهاءً باستراتيجية الدفاع الأمريكية عام 2022م، والتي نصت صراحة على التزام الولايات المتحدة بأمن دول الخليج العربي ومنع إيران من الحصول على السلاح النووي وزيادة القدرات الدفاعية لدول الخليج، فإن إعلان الاتحاد الأوروبي عن وثيقة للشراكة مع دول الخليج العربي في يونيو 2022م، كان تطوراً مهماً لأسباب ثلاثة أولها: الصيغة الجماعية التي ترتكز عليها الوثيقة فهي من جانب الاتحاد كمنظمة لدول الخليج العربي على العكس من صيغة حلف الناتو للشراكة 29+1 أي الحلف ككل مقابل كل دولة على حدة، وثانيها: بالرغم من بدء المفاوضات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والخليج منذ عام 1988م، أي أكثر من 34 عاماً وإطلاق الاتحاد مبادرة سابقة بعنوان شراكة لتعزيز التفاهم والتعاون بين دول مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي خلال الفترة من 2012-2014م، والتي ارتكزت على المجالات الاستراتيجية التي تضمنتها خطة العمل المشتركة بين الجانبين والمعلنة أيضاً عام 2010م، وهي التجارة والتمويل والطاقة والنقل فإن استراتيجية الشراكة الجديدة تتسم بالشمول بالرغم من استحواذ القضايا الاقتصادية على ما يقرب من نصف صفحات الوثيقة الثمانية عشرة فإن قضايا أمن الخليج والأمن الإقليمي كان لها نصيب من تلك الوثيقة، وثالثها: مع أن أوروبا ليست لديها الرغبة أو بالأحرى القدرة أن تكون بديلاً للولايات المتحدة في أمن الخليج العربي فإن توقيت إطلاق الاستراتيجية وهو وجود أولويات لدى الولايات المتحدة بشأن المنافسة مع الصين في آسيا أو الأزمة الأوكرانية التي أوجدت مفاهيم جديدة للشراكة من بينها أمن الطاقة قد انعكس وبوضوح على مضمون تلك الوثيقة حيث لوحظ استحواذ قضايا الاقتصاد والطاقة على حيز كبير من تلك الاستراتيجية، إلا أن التساؤل المهم: هل تضمنت الوثيقة ملامح محددة للدور الأوروبي تجاه أمن الخليج العربي والأمن الإقليمي عموماً وآليات عملية لممارسة ذلك الدور؟ من بين صفحاتها الثمانية عشر خصصت الوثيقة 4 صفحات فقط لقضية الأمن بعنوان" شراكة من أجل الاستقرار الإقليمي والأمن العالمي" تضمنت قائمة طويلة من التهديدات التي يراها الاتحاد الأوروبي تمثل تهديدات مشتركة وكان واضحاً تركيز الوثيقة على ثلاثة تهديدات والحديث عنها بشكل مطول وهي تهديدات الأمن البحري وخطط الاستجابة لمواجهة الكوارث ومكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى قضايا أخرى منها الهجمات الهجينة ومكافحة غسيل الأموال وعمليات التهريب وغيرها، ولكن يلاحظ أن الوثيقة وضعت موضوع منع الانتشار النووي في منطقة الخليج العربي في مقدمة تلك الأهداف في فقرة مطولة خلاصتها أن الاتحاد الأوروبي سوف يواصل العمل لتحقيق ذلك الهدف ضمن الدفع لتطبيق خطة العمل المشتركة التي وقعتها إيران مع القوى الدولية عام 2015م، ولوضع الأهداف الأمنية موضع التطبيق حددت الوثيقة سبع آليات وهي تعزيز الحوار السياسي بين الجانبين بما يحقق المرونة والاستجابة لتلك التهديدات، تعيين ممثل خاص للاتحاد الأوروبي بشأن أمن الخليج تطوير آلية تعاون للأمن البحري بناءً على خبرات الاتحاد الأوروبي سواء في عملية إيماسون في مضيق هرمز أو أتلانتا قبالة سواحل الصومال، تعزيز الدعم الفني في مجال الأمان النووي، تكثيف التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، تطوير التعاون بشأن الاستجابة للكوارث من خلال التعاون بين المؤسسات المعنية في الجانبين، بدء حوار حول الأمن السيبراني، وقد لوحظ إشارة الوثيقة لأزمات الأمن الإقليمي واستعداد الاتحاد الأوروبي للاضطلاع بدور الوساطة ومنع النزاعات مع الإشارة لأدوار بعض الدول الخليجية تجاه بعض الصراعات الإقليمية.
ومع أهمية تلك المضامين الأمنية وآليات تنفيذها فإن هناك مآخذ ثلاثة على تلك الاستراتيجية الأول: عدم الإشارة بشكل محدد للتهديدات الإيرانية، وهو أمر يجد تفسيره في استمرار تمسك الدول الأوروبية بالاتفاق النووي عام 2015م، إلا أن التهديدات الإيرانية لا يمكن اختزالها في المسألة النووية بل تتضمن دعم الميلشيات المسلحة في دول الجوار وتطوير أجيال متعاقبة من الصواريخ، وفي ظل حرص الاتحاد الأوروبي على استمرار تدفق الطاقة بشكل آمن من منطقة الخليج العربي فإن الوثيقة لم تشر صراحة لآليات محددة لحماية أمن الطاقة سواء المنشآت النفطية أو طرق المرور بالرغم من الاعتداءات التي شهدها ذلك القطاع على نحو غير مسبوق حيث تشير بعض التقارير إلى أن إجمالي الحوادث الإيرانية المهددة للملاحة البحرية في الخليج العربي بلغ في عام 2021م، حوالي 29 حادث تراوحت بين مصادرة السفن ، وتهريب الأسلحة والمخدرات واستخدام الطائرات بدون طيار وزرع الألغام وبلغت 15 حادثاً في عام 2022م، والثاني: مع أهمية جوانب الشراكة المتنوعة فإن جوهر شراكات دول الخليج كدول صغرى تعاني من الخلل في توازن القوى مع دول الجوار يظل الأمن سواء من خلال تطلع دول الخليج لدعم قدراتها الدفاعية أو وجود خطط لدعم تلك الدول خلال الأزمات الأمنية بالإضافة إلى قدرة الشركاء على ممارسة الردع ضد تهديدات أمن الخليج العربي والأمن الإقليمي، وربما يكون ذلك مبرراً من وجهة النظر الأوروبية بأن الاتحاد الأوروبي ينتهج خيار القوة الناعمة من خلال الوساطة وحل النزاعات بالطرق السلمية كأحد مبادئ السياسة الخارجية للاتحاد بعيداً عن ممارسة القوة الصلبة من خلال التدخل العسكري ويفسر ذلك تردد بعض دوله في الانضمام لبعض عمليات التدخل العسكري التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية، والثالث: عدم إشارة الوثيقة إلى طبيعة آلية التعاون المقترحة بشـأن حماية الأمن البحري سوى القول أنها سوف تؤسس على الخبرات السابقة للاتحاد إلا أن البعثة الأوروبية لمراقبة الملاحة في مضيق هرمز بقيادة فرنسا ودعم سبع دول أوروبية والتي بدأت عملها في يناير 2020م، وتتخذ من أبوظبي مقراً لها ينحصر دورها كمرصد ملاحي لتسجيل المعلومات الاستخباراتية بشأن حركة السفن وليست قوة عسكرية بالمعنى القتالي أو الهجومي، وربما يجد ذلك تبريره أيضاً في رغبة الاتحاد الأوروبي تجنب التصعيد العسكري مع إيران في الوقت الذي ترغب فيه أوروبا الحفاظ على مصالحها مع كافة الأطراف واستمرار دورها في المفاوضات النووية.
ثالثاً: واقع التعاون العسكري والدفاعي بين دول الخليج العربي والاتحاد الأوروبي
على الرغم من عدم وجود خطة دفاعية متكاملة معلنة من جانب الاتحاد الأوروبي تجاه أمن الخليج العربي على غرار الاستراتيجية الدفاعية الأمريكية للعام 2022م، والتي أشارت صراحة إلى التزام الولايات المتحدة بأمن الخليج العربي محددة أهداف واضحة في هذا الشأن فإن ذلك لا يعني عدم وجود تعاون عسكري بين دول الخليج ودول الاتحاد بشكل فردي ويمكن الإشارة إلى ثلاثة مؤشرات لافتة، الأول: ما أشارت إليه ريم ممتاز الباحثة في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية خلال حوار المنامة الثامن عشر الذي نظمه المعهد بمملكة البحرين في نوفمبر 2022م، حيث قالت "إذا ما تم استبعاد مصر والجزائر اللذان تربطهما علاقات ممتدة مع روسيا وفي حين تقوم الولايات المتحدة بتصدير 75% من أساطيل الطائرات للمنطقة فإن فرنسا توفر 13% منها، أما بالنسبة للأصول البحرية فتوفر فرنسا 24%منها وألمانيا 19%، ويشكل إجمالي ما يقدمه الاتحاد الأوروبي من الأصول البحرية والذي يشمل أيضاً إيطاليا وأسبانيا وهولندا 56% من الأصول البحرية في المنطقة"، والثاني: مع أهمية إعلان فرنسا تأسيس البعثة الأوروبية لمراقبة الملاحة البحرية في مضيق هرمز ، بالإضافة إلى انتقال قيادة المجموعة البحرية التابعة للتحالف الدولي لمحاربة داعش لفرنسا في 31 مارس 2021م، والذي يعني وفقاً لبيان وزارة الجيوش الفرنسية "العمل في منطقة الخليج يعني أن جزءًا من الاستقرار الإقليمي وأمن القارة الأوروبية على المحك، ويتيح حضور فرنسا الحفاظ على قدرة تقييم وتقدير الوضع ذاتيا"، كما أن الخطوة المهمة كانت إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في العام ذاته نشر منظومة رادار على الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية لتعزيز دفاعاتها في أعقاب تعرض المنشآت النفطية التابعة لشركة أرامكو لاعتداءات بطائرات مسيرة وصواريخ كروز، بالإضافة إلى إبرام عقود تصنيع معدات بحرية بين بعض الدول الأوروبية وبعض دول الخليج العربي، فضلاً عن توقيع عقود تعاون دفاعي عديدة بين بعض الدول الأوروبية ودول الخليج من بينها فرنسا وألمانيا وإيطاليا وهو أمر سوف يسهم في تعزيز القدرات الدفاعية لدول الخليج العربي، والثالث: استمرار التفوق الأوروبي في صادرات الأسلحة لكافة دول العالم عموماً ومنطقة الشرق الأوسط على نحو خاص، ففي تقرير لمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام للعام 2022م، تضمن أنه خلال الفترة من عام 2017-2021م، ازداد نصيب أوروبا في تجارة الأسلحة العالمية من 10 إلى 13% لتحتل المركز الأولى بين موردي تلك الأسلحة، وتضمن التقرير أن كلاً من الهند والسعودية قد تساويا في المرتبة الأولى لواردات الأسلحة من العالم بنسبة 6% لكل منهما، ويعني ذلك أن الدول الأوروبية لاتزال أحد مصدري الأسلحة ذو الأهمية البالغة لدول الخليج العربي.
رابعاً: معوقات التعاون الأمني والدفاعي بين دول الخليج العربي والاتحاد الأوروبي
مع أهمية الاتحاد الأوروبي كشريك استراتيجي لدول الخليج العربي بالنظر لما يتمتع به من مزايا نسبية ربما تمثل قيوداً على تطور شراكات مماثلة للقوى الدولية مع دول الخليج العربي فإن ثمة معوقات لاتزال تمثل حجر عثرة أمام تطور تلك الشراكة أولها: استغراق المفاوضات التجارية بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج وقتاً طويلاً فالمفاوضات التي بدأت منذ عام 1988م، لم تسفر عن إقامة منطقة تجارة حرة حتى الآن، بل أن تلك المفاوضات شهدت صعوبات عديدة بسبب بندي رسوم الصادرات وقضية حقوق الإنسان، إلى الحد الذي قررت فيه دول الخليج في القمة الخليجية التاسعة والعشرين عام 2008م، تعليق تلك المفاوضات بعد عشرين عاماً من التفاوض ثم بحث استئنافها مجدداً في عام 2019م، ومع أن المفاوضات تدور حول المجال الاقتصادي فإنها بلا شك تلقي بظلالها على الجوانب الأخرى للشراكة ويقدم قرار دول الخليج ضمن اتفاق أوبك بلس خفض إنتاج النفط بمعدل مليوني برميل يومياً في أكتوبر 2022م، دروساً مستفادة، ففي الوقت الذي أكدت فيه دول الخليج على أن القرار ذو أبعاد اقتصادية محضة وحظيت بمساندة العديد من الدول، فإن الدوائر الغربية رأت القرار دعماً غير مباشر لروسيا مما آثار الجدل داخل الكونجرس على سبيل المثال بشأن سحب بعض القوات الأمريكية من بعض دول الخليج وكذلك إيقاف الدعم العسكري وهو ما يجب أن يضعه الاتحاد الأوروبي بالاعتبار عند وضع الشراكة مع دول الخليج موضع التنفيذ، وثانيها: استمرار إثارة الاتحاد الأوروبي لقضية حقوق الإنسان في دول الخليج من خلال بعض التقارير التي تصدر عن البرلمان الأوروبي في هذا الشأن على الرغم من حرص دول الخليج العربي على إيلاء تلك القضية أهمية بالغة سواء من خلال المؤسسات أو التشريعات ضمن خصوصية دول الخليج العربي، ومع أن استراتيجية الشراكة الأوروبية قد أشادت في ديباجتها بجهود دول الخليج في ذلك المجال فإنها اختتمت بالتأكيد على أن الاتحاد الأوروبي سوف يستمر في" التأكيد على سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان" وأن ذلك سوف يتحقق من خلال التواصل مع منظمات المجتمع المدني في دول الخليج وكذلك على المستوى الرسمي للتأكيد على التصديق على المعاهدات الدولية ذات الصلة، وبغض النظر عن أن تلك القضية هي سبب التردد الأوروبي فإن الموقف الخليجي كان واضحاً من خلال تأكيد الدكتور نايف فلاح الحجرف الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية- آنذاك- خلال كلمته أمام حوار المنامة الأمني لعام 2022م، من أن التأخير في إتمام الشراكة الخليجية- الأوروبية وخاصة منذ توقيع اتفاقية التعاون بين الجانبين عام 1988م، يعود إلى الدول الأوروبية ذاتها وليس لدول الخليج العربي قائلاً "رسالتي للاتحاد الأوروبي هي نحن جاهزون عندما تكونوا أنتم جاهزين"، وثالثها: مع أهمية مضامين الشراكة كغيرها من مبادرات المنظمات والقوى الكبرى الأخرى فإنها أيضاً لم تتناول كيفية تحقيق الأمن الإقليمي على المدى البعيد، سوى بالإشارة إلى أهمية تحقيق " الهيكل الأمني الإقليمي" تأسيساً على الحوار وتدابير بناء الثقة بين دول الخليج وإيران وكذلك الدول الرئيسية في المنطقة، مستشهدة بمؤتمر بغداد للتعاون والشراكة الإقليمي الذي عقد في العراق أغسطس 2021م، بمشاركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وممثلين عن كل من المملكة العربية السعودية وإيران وعدد من دول المنطقة واقتراح الوثيقة أن يكون ذلك مرتكزاً لذلك الهيكل الأمني، ولكن عدم تحديد الوثيقة لجذور ومسببات الصراع وعدم الاستقرار الإقليمي وكذلك خصوصية مجلس التعاون ضمن أي ترتيبات مقترحة يعني عدم إمكانية وضع تلك المقترحات موضع التطبيق.
خلاصات الورقة:
1-مع أهمية الاتحاد الأوروبي -كتكتل إقليمي يؤدي دوراً مهماً في السياسات العالمية – ومن ثم كشريك استراتيجي لدول الخليج العربي فإن عدم قدرة أو رغبة الاتحاد في ممارسة دور أمني أكبر في منطقة الخليج العربي سواء بالنظر لطبيعته التي تعلي من مفهوم القوة الناعمة أو تعقيدات الوضع الإقليمي في الخليج العربي فإن النتيجة الحتمية لذلك هي استمرار تحديد دور الاتحاد التكاملي مع الدور الأمريكي دون القدرة على طرح بديل أمني آخر.
2-يجب التفرقة بين سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه أمن الخليج والأمن الإقليمي كمنظمة والتي تواجه بعض القيود وبين سياسات دوله كفرادى والتي يولي بعضها تعزيز العلاقات العسكرية والدفاعية مع دول الخليج العربي أهمية بالغة وخاصة كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا إلى الحد الذي يمكن القول إن هناك تنافساً بين تلك الدول تجاه منطقة الخليج العربي والذي ربما ازدادت حدته بعد خروج بريطانيا من المنظومة الأوروبية بل وسعيها لإبرام اتفاقية تجارة حرة مع دول الخليج العربي على غرار تلك التي يسعى إليها الاتحاد الأوروبي.
3ـ مع أن الجوانب العسكرية والدفاعية تظل هي الأهم ضمن سياق أي شراكات لدول الخليج مع المنظمات والقوى الكبرى فإنه لا يمكن الفصل بين تلك القضايا والجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وهو أمر تعكسه مسار الشراكة الخليجية-الأوروبية والتي شهدت منعطفات بسبب تمسك الاتحاد ببعض القضايا والتي تراها دول الخليج العربي ذات خصوصية.
4- على الرغم من وجود بعض المعوقات لتفعيل الشراكة الخليجية- الأوروبية عموماً وربما الجوانب العسكرية والدفاعية من خلال الاتحاد كمنظمة فإن هناك فرص لدول الاتحاد من أجل دعم و تعزيز القدرات الخليجية في ظل التحولات الإقليمية والعالمية التي تتسارع وتيرتها وأوجدت تهديدات أمنية غير مسبوقة منها توظيف التكنولوجيا على نحو سيئ لاستهداف المنشآت الحيوية في دول الخليج العربي وتهديدات الأمن البحري والتهديدات السيبرانية وهي مجالات بإمكان الدول الأوروبية الإسهام فيها لما سوف يعنيه ذلك من تعزيز القدرات الأمنية والدفاعية لدول الخليج.
5-مع أهمية مجالات التعاون الأمني والعسكري بين دول الخليج العربي والاتحاد الأوروبي فإن تحديد مدى زمني وأولويات لدى الجانبين يعني إمكانية التقييم الصحيح لمضمون ومسار ذلك التعاون أخذاً في الاعتبار أن دول الخليج العربي لديها حتمية القرار في ظل تعدد شراكاتها الدولية إلا أن الاتحاد الأوروبي لم يعد لديه رفاهية الانتظار في ظل احتدام التنافس الدولي مجدداً تجاه منطقة الخليج العربي على خلفية تعقيدات المشهدين الإقليمي والعالمي.