منذ نهاية الثمانينات، وعلى مدى ما يزيد عن ثلاثة عقود، شهد التعاون الروسي / الإيراني تطوراً ملحوظاً في مختلف المجالات، ورغم إنه فى البداية كان أشبه بـ "تعاون الضرورة"، خاصة بالنسبة لإيران التى كانت تعتبر موسكو "الشيطان الثانى" بعد الولايات المتحدة، إلا أن التطورات الدولية والإقليمية اللاحقة جعلت منه خياراً استراتيجياً مستقراً للبلدين. ومن أهم هذه التطورات العملية العسكرية الروسية الخاصة فى أوكرانيا التى مثلت منعطفاً هاماً باتجاه تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين موسكو وطهران والدفع بها إلى مستويات نوعية غير مسبوقة، مدعومة فى ذلك بعدة اعتبارات.
أولها، قدرة النظام فى البلدين على الصمود فى مواجهة التحديات الداخلية والضغوط الخارجية مما عزز من الثقة المتبادلة والاطمئنان إلى استقرار الشراكة القائمة بينهما. فقد صمدت روسيا اقتصادياً وسياسياً فى مواجهة تسونامى العقوبات الغربية ودحضدت كل المراهنات على انهيار الاقتصاد الروسى، والنيل من استقرارها الداخلى. كذلك واجهت إيران موجة عدم الاستقرار على خلفية الاحتجاجات التى قادتها النساء ضد المؤسسة الدينية الإيرانية بعد وفاة الفتاة مهسا أميني، عقب احتجاز شرطة الآداب لها في 13 سبتمبر الماضي، واعتبرت من أخطر التحديات للجمهورية الإسلامية منذ الثورة حيث انتشرت في 161 مدينة بجميع المحافظات الإيرانية الـ31، وتجاوزت الخطوط الحمراء التي تمس جوهر النظام، مع رفع شعارات تمس شخص المرشد الأعلي، ورافضة للسطوة الدينية، ووصلت حد أضرام المتظاهرين النار في منزل عائلة المرشد الإيراني الراحل وقائد الثورة الإسلامية ومؤسس النظام الحالى الخميني الذي توفي عام 1989م، ورغم أن القمع كان أداة النظام الرئيسية فى إخماد الغضب الشعبى، مما يعني أن النار كامنة تحت الرماد، إلا إنه استطاع تجاوز الأزمة التى كادت أن تعصف به، واستعاد قبضته على مقاليد الأمور، مؤكداً قوة مؤسساته فى مواجهة الضغوط الشعبية والخارجية.
ثانيها، أن العقوبات الغربية الضخمة المفروضة على روسيا على خلفية العملية العسكرية الروسية الخاصة فى أوكرانيا وضعت البلدين فى خندق واحد، وجعلت كل منهما متنفس حيوى لاقتصاد الآخر، وفرضت دفع التعاون متعدد الأبعاد بين البلدين. يدعم هذا الرصيد الهام من التفاهمات السياسية بينهما حول مدى واسع من القضايا الدولية والإقليمية الحيوية لكليهما والتي تمس المصالح والأمن القومي للبلدين، وفى مقدمتها سوريا، وأفغانستان، وناجورنى كاراباخ. وقد عكست زيارة الرئيس بوتين لطهران فى يوليو 2022م، ذلك بوضوح، واعتبرت إعادة إطلاق للعلاقات الروسية على المستويين الاقتصادى والعسكرى.
على الصعيد الاقتصادي، حظي تطوير التعاون في مجال الطاقة باهتمام واضح من الجانبين، وذلك فى ظل العقوبات المفروضة عليهما فى هذا المجال. فقد تم الاتفاق بين البلدين على أن تستثمر روسيا 7 مليارات دولار في حقل أزاديجان الواقع على الحدود الإيرانية العراقية، مما يمكن إيران وروسيا من بيع النفط المستخرج على أنه عراقي والإفلات من القيود المفروضة عليهما. كما وقعت شركة "غازبروم" الروسية مع الشركة الوطنية الإيرانية للنفط "NIOC" مذكرة تفاهم بقيمة 40 مليار دولار، تخطط بموجبها "غازبروم" للاستثمار في حقول الغاز في كيش وشمال بارس وجنوب بارس، والأخير هو الحقل الذي طالما احتدمت المنافسة عليه بين عدد من الشركات الأوروبية منها "توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية وكذلك الشركات الصينية التى عرضت ما أسمته "صفقة القرن" بقيمة ربع تريليون دولار للاستحواذ عليه، إلا أن طهران رفضت وقبلت بالشراكة مع روسيا. ويتضمن التعاون فى مجال الطاقة أيضاً تزويد روسيا بـ 40 توربين، بهدف مساعدتها على تجاوز العقوبات الغربية المفروضة على إمدادها بالتكنولوجيا والمعدات المتعلقة بصناعة الغاز. وتعاني طهران من عقوبات غربية مماثلة لعقود مما دفعها إلى تطوير الصناعة المحلية فى هذا المجال وتحقيق اكتفاء ذاتى بنسبة 85% من المنشآت والمعدات اللازمة لصناعة الغاز الإيرانية.
كما أعلنت طهران في نوفمبر 2022م، عزمها استيراد الغاز من روسيا عن طريق تركمانستان حيث سيتم نقل الغاز من روسيا إلى تركمانستان عبر خط لنقل الغاز، ثم إلى إيران باستخدام خطي نقل يدعمان 20 مليار متر مكعب. وأكد أحمد أسدزاده نائب الشؤون الدولية والتجارة لوزير النفط الإيراني أن هناك مباحثات لتعاون ثلاثي في هذا الإطار. وذلك فى ضوء تجاوز استهلاك الغاز في إيران حجم الإنتاج، ووجود عجز في إنتاج الغاز في الشتاء بحجم 200 مليون متر مكعب، وتقوم إيران بإستيراد الغاز من تركمانستان لتعويض هذا النقص. كما أن طهران بإمكانها أن تشتري الغاز الروسي بـ"سعر مناسب" وتستخدمه في المناطق الشمالية، وبهذا لن تضطر لنقل غازها من الجنوب، حيث يتم إنتاجه، إلى الشمال، وعندها ستتمكن من تصدير غازها في الجنوب بسعر أعلى إلى جيرانها مثل باكستان وعمان، أو تزيد صادراتها الغازية إلى العراق وتركيا.
وتمتلك روسيا وإيران احتياطات هائلة من الغاز حيث تستأثر روسيا بالمركز الأول من حيث احتياطيات الغاز، بحوالى 49 تريليون متر مكعب، تليها إيران بحوالى 34 تريليون متر مكعب. ويحتل البلدان المرتبة الثانية والثالثة بين منتجي الغاز عالمياً على التوالى، وتعد روسيا أكبر مصدر للغاز عالمياً، وقادا البلدان معاً إنشاء منتدى الدول المصدرة للغاز الذي يضم 12 دولة من كبار مصدري الغاز وهي: روسيا وإيران والجزائر ومصر والإمارات وغينيا الاستوائية وليبيا ونيجيريا وقطر وترينيداد وتوباجو وفنزويلا وعمان، وتمتلك هذه الدول مجتمعة أكثر من ثلثي احتياطي الغاز في العالم، وتساهم بحوالي 85% من تجارة الغاز الدولية، كما تمتلك 40% من خطوط أنابيب نقل الغاز.
لا تقتصر الطفرة فى التعاون الروسى الإيرانى على مجال الطاقة وإنما تتجاوزه لمجالات أخرى عديدة فى إطار تفعيل اتفاق الشراكة الاستراتيجية الشاملة التى سبق توقيعها بين موسكو وطهران خلال زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى موسكو في يناير 2022م، وتصل مدتها إلى 20 عاماً، ومن شأنها أن تحل محل المعاهدة الأساسية التى تم إبرامها في 12 مارس 2001م، والتي تم تجديدها ثلاث مرات، وانتهت في مارس 2021م، وتتضمن الاتفاقية الجديدة تعزيز التعاون في مجالات عدة من أبرزها الطاقة، والنقل وتعزيز الصادرات، والمساهمة في إنشاء وتطوير البنى التحتية في إيران.
فقد اتفق البلدان على مضاعفة حجم التبادل التجاري بينهما، الذي تجاوز 4 مليارات دولار عام 2021م، وإلغاء التعريفات الجمركية المتبادلة مما يسهم فى مضاعفة التبادل التجاري إلى 10 أضعاف في السنوات القادمة، خاصة مع اتفاقية التجارة الحرة التى تربط إيران والاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي يضم روسيا وبلوروسيا وكازاخستان وأرمينيا وقيرجيزستان، وتتضمن إنشاء منطقة تجارة حرة بين الجانبين. هذا إلى جانب بحر قزوين الذي تتشاطأ فيه كل من روسيا وإيران ويعد منفذًا هامًا للتجارة والنقل المباشر بين الجانبين.
يعزز هذا التعامل بالعملات الوطنية حيث أعلن محافظ المصرف المركزي الإيراني علي صالح آبادي، خلال زيارة الرئيس بوتين إلى إيران، أن طهران وموسكو بدأتا التعامل بالريال الإيراني مقابل الروبل الروسي في مبادلاتهما الثنائية، وأن مصدري السلع يمكنهم بيع الروبل الذي يحصلون عليه من الجانب الروسي في السوق الإيرانية لاستيراد السلع من روسيا. وتزامنًا مع حذف البلدين عملة الدولار من مبادلاتهما التجارية، بدأت بورصة العملات الإيرانية التداول بالروبل الروسي والريال الإيراني، وتأسيس نظام مالي موازي لنظام "سويفت" لتسهيل المعاملات بين الجانبين، ودمج إيران لمنظومة "مير" المصرفية الروسية مع نظيرتها "شتاب" الإيرانية.
من ناحية أخرى، أدى إغلاق الموانئ والأسواق الأوروبية أمام روسيا إلى إعادة توجيه التجارة الروسية إلى الشرق والجنوب، وبرزت فى هذا السياق أهمية ممر "شمال – جنوب" الذى يربط روسيا والهند عبر إيران، والتى ترددت روسيا فى تفعيله سابقاً، إلا أن الظروف المصاحبة للأزمة الأوكرانية دفعت الاتفاق على العمل به ليصبح أحد طرق التجارة الرئيسية لروسيا ودول المحيط الهندي، وبدأت أولى جولاته التجريبية في 11 يونيو 2022، ويتميز بأنه أرخص بنسبة 30% وأقصر بنسبة 40٪ من بعض المسارات التقليدية الأخرى، ويتكامل مع توجه طهران لإحياء اتفاقية الترانزيت الرباعية التي وقعتها إيران وسلطنة عمان وأوزبكستان وتركمانستان، وممر الترانزيت الجديد للسلع بين إيران وأذربيجان وجورجيا.
على صعيد التعاون العسكري، الذي يعد محور أساسي للشراكة بين البلدين، مثلت موسكو مصدرًا رئيسيًا للأسلحة والعتاد العسكري لإيران بعد أن أغلقت الولايات المتحدة وأوروبا أبوابها فى وجه إيران بعد الثورة الإسلامية. وقد ارتقى هذا التعاون خلال الأزمة السورية ليشمل التنسيق الاستخباراتى والاستراتيجى بل وسمحت إيران للقاذفات الروسية الانطلاق من قاعدة "همدان" الإيرانية فى سابقة كانت الأولى من نوعها، وسلمت روسيا أنظمة الدفاع الصاروخي S-300 إلى طهران عام 2016م، ويتم التفاوض حول إمدادها بأنظمة S-400 الأكثر تطوراً. وعقب انتهاء الحظر المفروض على تصدير الأسلحة لإيران عام 2020م، بمقتضى قرار مجلس الأمن رقم 1020 الصادر في 9 يونيو 2010م، بدأت المفاوضات بين البلدين لاستئناف صادرات الأسلحة الروسية لإيران، وقام رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الإيرانية، محمد حسين باقري، بزيارة روسيا في أكتوبر 2021م، لبحث شراء أسلحة تتضمن غواصات من فئة "كيلو" ودبابات "T-72" ومدرعات للمشاة ومروحيات وأنظمة مختلفة مضادة للدبابات ومقاتلات سوخوي.
في هذا الإطار، تم عقد صفقة لشراء معدات عسكرية من روسيا بقيمة 10 مليارات دولار، خلال زيارة رئيسي إلى روسيا في يناير 2022م، تتضمن ما لا يقل عن 24 طائرة مقاتلة من طراز سوخوى -35 فائقة المناورة، وتدريب 32 طياراً إيرانياً على قيادتها فى روسيا. هذا إلى جانب توسيع نطاق التعاون الفنى العسكرى، مما يمكن طهران من تمديد الخدمة والإصلاح والتحديث لمقاتلات "ميج 29" و "ميج 25" و"سوخوي 24 إم كيه" التي تخدم في القوات الجوية الإيرانية، وتمكنت طهران فى هذا السياق من تجديد المقاتلات الروسية سوخوى -22 مما يتيح لها تشغيل ما بين 16 إلى 22 طائرة من هذا الطراز.
ساعدت العملية العسكرية الخاصة على دفع التعاون العسكرى بين البلدين إلى مستويات نوعية تؤشر لشراكة أعلى وأعمق اعتبرها البعض "شراكة دفاعية كاملة" وإن لم تصل بعد لمستوى التحالف الكامل والمعلن، ولعل أحد أهم أبعاد ذلك إمداد روسيا بالطائرات المسيرة الإيرانية. رغم امتلاك روسيا لطائرات مسيرة عالية التقنية، فقد اعتمدت بشكل متزايد على الطائرات بدون طيار الهجومية الإيرانية (شاهد 136)، التي أعيدت تسميتها بـ Geran-2 من قبل روسيا، نظراً لرخصها النسبى، وقدرتها على تحقيق الأهداف المحددة حيث يمكنها الطيران لأكثر من 1000 ميل بحمولات صغيرة من المواد شديدة الانفجار في هجمات انتحارية تتضمن التفجير الذاتي، أو ما يطلق عليه "كاميكازي"، فيما اعتبر دعم عسكرى من جانب إيران لروسيا.
ووفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية فإن موسكو وطهران اتفقتا خلال اجتماع في إيران في أوائل نوفمبر على توطين إنتاج المسيرات الإيرانية فى روسيا وبناء مصنع لإنتاج ما لا يقل عن 6 آلاف طائرة مسيرة إيرانية لاستخدامها في الحرب في أوكرانيا، وفق نموذج جديد متقدم أكثر سرعة فى الطيران ولمسافة أبعد وأخفض صوتاً. وإن وفداً إيرانياً رفيع المستوى ضم اللواء عبد الله محرابي رئيس منظمة الجهاد لأبحاث القوة الجوية والفضائية التابعة للحرس الثوري، وقاسم دماوانديان الرئيس التنفيذي لصناعة طيران القدس وهي شركة تصنيع دفاعية إيرانية رئيسية، توجه إلى روسيا في 5 يناير الماضي لزيارة الموقع المخطط لبناء المصنع فيه، المفترض في بلدة ييلابوجا بجمهورية تتارستان الروسية، على مسافة نحو 600 ميل (960 كيلومتراً) من موسكو، والوقوف على تفاصيل كيفية بدء المشروع وتشغيله، وأن مصنع الطائرات المسيرة يعد جزءاً من صفقة قيمتها مليار دولار بين روسيا وإيران. وأن البلدان بدءًا فى نقل التصاميم والمكونات الرئيسية التي قد تسمح ببدء الإنتاج في غضون أشهر. يحقق هذا عدة أهداف للطرفين حيث يساعد على تلبية الاحتياجات الروسية المتزايدة من الطائرات المسيرة خلال عملياتها فى أوكرانيا، مع رفع الحرج والمساءلة عن طهران والاتهامات الموجهة لها بشأن تصدير الطائرات المسيرة لروسيا. إلا أن العقوبات الأمريكية استمرت تلاحق إيران، ففي 6 يناير، اليوم التالى لسفر الوفد الإيراني إلى روسيا، فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على قاسم دماوانديان، الذي تتهمه واشنطن بالإشراف على إمداد روسيا بالمسيرات الإيرانية، وسبق وأن فرضت عقوبات على اللواء محرابي عام 2021م، بتهمة بناء وشراء محركات للمسيرات الإيرانية.
كذلك، فإنه وفقاً لمصادر غربية سلمت روسيا إيران أسلحة غربية كانت قد استولت عليها أثناء المعارك فى أوكرانيا، وأنه يمكن لطهران إجراء هندسة عكسية لهذه الأسلحة على النحو الذي يمكنها من تطوير قدراتها الدفاعية فى مواجهة هذه المنظومات، وتصميم نسخة خاصة بها وإنتاجها. وسبق أن أظهرت إيران قدراً كبيراً من الابتكار في الهندسة العكسية للأسلحة الغربية ونشرها في مختلف أنحاء المنطقة. ومنها أنظمة مضادة للطائرات صُممت جزئياً بالاستناد إلى أنظمة صواريخ أرض-جو أمريكية الصنع، تم شحنها إلى الحوثيين في اليمن، بالإضافة إلى طائرات بدون طيار مصممة على أساس طائرة أمريكية بدون طيار تم الاستيلاء عليها.
يصاحب ذلك تعزيز التعاون الأمنى والاستخباراتى بين البلدين لاسيما فى المجال السيبرانى، وخلال لقائه الأدميرال علي شمخاني، ممثل المرشد الأعلى وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في طهران، أشار نيكولاي باتروشيف، أمين مجلس الأمن القومي الروسي، في نوفمبر 2022م، عن ارتياحه لتسريع التعاون مع إيران في مختلف المجالات، وأن عقد أربعة لقاءات بين قادة البلدين خلال عام واحد يدل على إرادة طهران وموسكو للارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستوى استراتيجي، وحدد أهم هدف لزيارته لطهران فى تبادل الآراء مع الجانب الإيراني للإسراع في تنفيذ المشاريع المشتركة بالإضافة إلى توفير آليات ديناميكية لبدء مشروعات جديدة في المجالات المختلفة، ووضع خارطة طريق للتعاون الاستراتيجي لاسيما في مجال التعامل مع العقوبات الاقتصادية والتكنولوجية. كما أكد تعزيز التعاون فى مجال الأمن السيبراني والتدابير لمواجهة التدخل في الشؤون الداخلية لكلا البلدين من قبل أجهزة الاستخبارات الغربية.
هذا فضلاً عن التعاون في مجال الفضاء الذي يكتسب أهمية متزايدة خاصة للجانب الإيراني في ضوء فشل محاولات طهران لتطوير برنامج فضائي مستقل مما أجبرها على اللجوء إلى التكنولوجيا الروسية في هذا المجال. ويعود التعاون الفضائي الروسي الإيراني إلى عام 1998م، وتطوير نموذج أولي لمشروع القمر الصناعي الإيراني. وقد أعلنت مؤسسة "روس كوسموس" الفضائية الروسية في 9 أغسطس 2022 م، عن أن صاروخ "سويوز – 2.1 بي" الفضائي الروسي أطلق من مطار "بايكونور" الفضائي ويحمل على متنه 16 قمرًا صناعياً صغيراً روسياً والقمر الصناعي الإيراني "الخيام". ويستخدم هذا القمر الإيراني في أغراض المراقبة العسكرية، ويسيطر الحرس الثوري الإيراني على برنامج الفضاء بشكل عام، وهو الأمر الذي تنفيه إيران، مؤكدة أنه لأغراض مدنية تجارية سلمية.
ثالثها، الأطر الجماعية الحاضنة والمعضدة للتعاون بين البلدين، وفى مقدمتها المنتدى الاقتصادي لدول بحر قزوين، ومنظمة شنغهاي للتعاون التي تم قبول إيران عضوًا كاملًا بها في سبتمبر 2021م، سبق ذلك الاتفاق الاستراتيجي الصيني / الإيراني، في مارس من نفس العام، الذي يفتح آفاق رحبة للتعاون بين بكين وطهران فى مختلف المجالات ويجعل من الأخيرة محور ارتكاز هام فى مشروع الحزام والطريق الذي تقوده الصين. ويبرز فى هذا السياق، مثلث استراتيجى جديد يضم روسيا والصين وإيران، فقد دفعت التطورات الدولية والإقليمية لاسيما الاستنفار الأمريكى فى مواجهة الدول الثلاث، والتهديدات الناجمة عن الانسحاب الأمريكى من أفغانستان على أمن ومصالح كل من موسكو وبكين وطهران إلى تعزيز التفاهم والتنسيق فيما بينهم. كما تنظر طهران وبكين إلى موسكو إنطلاقاً من مقولة "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض"، وأن روسيا حائط صد إذا سقط سيحل الدور على الصين وإيران فى المواجهة مع الغرب.
تعد المناورات المشتركة التى تجريها الدول الثلاث أحد أهم أبعاد التنسيق والشراكة الثلاثية. ففي ديسمبر 2019م، أجرت روسيا وإيران والصين مناورات بحرية فى المحيط الهندي أُطلق عليها "حزام الأمن البحري"، لتتوالى بعدها التدريبات المشتركة الثلاثية والثنائية حيث شاركت إيران في مناورات "القوقاز الروسية" في سبتمبر 2020م، واتفق الجانبان آنذاك على إجراء مناورات بحرية منتظمة في بحر قزوين والخليج العربي ومضيق هرمز. وشهد عام 2022م، عدة مناورات ثلاثية منها مناورات بحرية وجوية في المحيط الهندي في يناير 2022م، بهدف معلن هو صد عمليات "القرصنة البحرية" وتضمنت المناورات محاكاة لقرصنة سفينتين، بمشاركة "وحدات سطحية وجوية من القوة البحرية الإيرانية والقوة البحرية للحرس الثوري ووحدات بحرية من روسيا والصين، واستمرت ثلاثة أيام على مساحة 17 ألف كلم مربع في شمال المحيط الهندي. كذلك المناورات العسكرية المشتركة فى بحر العرب في أغسطس من العام نفسه، والتى تضمنت التدريب على إنقاذ المنكوبين ومكافحة القرصنة البحرية؛ وشاركت فيها 14 سفينة حربية ومساندة منها 3 قطع بحرية روسية وهي طراد "فارياج" وسفينة "أدميرال تريبوتس" المخصصة لمكافحة غواصات العدو وسفينة المساندة "بوريس بوتوما".
إلا أن نمو الشراكة الثلاثية بين موسكو وطهران وبكين لا تعني أنها ستكون على حساب الشراكة الاستراتيجية مع دول الخليج، لاسيما المملكة العربية السعودية، فهناك حرص شديد من جانب موسكو على تطوير التعاون مع الرياض، خاصة وأن الأزمة الأوكرانية دفعت بالعلاقات الروسية السعودية لمستويات استراتيجية عالية وغير مسبوقة، تعول عليها روسيا كثيراً، وتعتبرها حجر زاوية فى ترتيبات النظام العالمى الجديد على المستويين الدولي والإقليمي، وفى المجالين الاستراتيجي والاقتصادي.
كما إنها لن تدفع روسيا، ولا بكين، للحرب نيابة عن إيران أو إلى جانبها حال نشوب مواجهة عسكرية مع واشنطن وإسرائيل، وإن لم يمنع من دعهما على غرار دعم طهران وبكين لموسكو فى حربها بأوكرانيا. لكن قد يدفع الغرب القوى الثلاث إلى التنسيق لو بدأ الحرب معها جميعاً، ففى هذه الحالة ستحارب كل دولة منها على جبهتها الخاصة، روسيا فى شرق أوروبا، الصين فى تايوان، وإيران فى الخليج. وهذا أسوأ ما يمكن تصوره لأن معناها حرب عالمية ثالثة تأمل البشرية كلها في تجنبها.