array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 184

80% من الاستثمارات العربية البينية في الخدمات و9% للصناعة و2% للزراعة

الأربعاء، 29 آذار/مارس 2023

كيف نري المتغيرات: لا ترى العين البشرية المجردة الحركة التي تحدث في أقل من عشر الثانية. وجاء اختراع آلة التصوير بسرعة واحد على ألف من الثانية ليجعلنا نرى لأول مرة تفاصيل حركة الطيور والخيول ولنعرف ما إذا كان الحصان يطير وهو يقفز في السباق معلقًا بأرجله الأربعة، أم أنه – كما كنا نتخيل ونرى -يستند على رجليه الخلفيتين تارة والأماميتين تارة أخرى. وعندما استخدمت آلة التصوير السريع عرفنا أن الحصان يكون طائرًا في الهواء لأقل من عشر الثانية.

ويناقش عالمنا الجليل الراحل أحمد زويل هذه الأفكار في كتابه الرائع (عصر العلم)، ويوضح سبب اختراعه لآلة تسجيل حركة التفاعلات الكيميائية التي لا تراها العين لسرعتها التي تصل لواحد على مليار من الثانية ولم يتمكن أحد من تسجيلها من قبل. وبهذا فتح أبوابًا لا نهائية أمام تقدم البحث العلمي.

وبالتوازي صرنا -في عالم السياسة والاقتصاد -بحاجة إلى آليات لرصد المتغيرات الدولية بدقة وبسرعة تواكبها. فالعالم يتغير ويتطور باستمرار لكن الجديد هو أن التطور صار يحدث بسرعات متزايدة.  فعندما صنع المصري القديم قارب البردي، أمضى العالم بعده مئات السنين ليصل إلى سفينة الستين ألف طن حتى سنة 1956م، عندما أغلقت قناة السويس. لكنه قفز في العشرين سنة التالية فقط، ليصل لبناء ناقلة بترول حمولتها مليون طن.

ومنذ قام العربي "عباس بن فرناس" بواحدة من أوائل محاولات الطيران ــ التي ألهمت الأخوة "رايت" لبناء طائرة الراكب الواحد -أنتجت صناعة الطائرات طائرة الخمسين راكب في عقد الخمسينيات، والتي سميت وقتها "البولمان الطائر" فإذا بتلك الصناعة تقفز في عقدين أو ثلاثة من الزمن لتنتج طائرة الألف راكب.

وعلى البعدين السياسي والاقتصادي لم يكن يتصور أن يتم كم ونوع التحولات والمتغيرات بالسرعة التي جرت في شرق أوروبا وفي شرق وجنوب شرقي آسيا. بعد انهيار حائط برلين وسقوط النظرية الشيوعية وتفتت حلف وارسو. حيث كان السقوط لأسباب غاية في البساطة. فقد كان مواطن تلك الدول قد حرم من أبسط حقوقه في الاختيار حتى فيما يأكل ويعيش. ورصد مراقبون سلوك مواطني ألمانيا الشرقية الذين هدموا سور برلين في نوفمبر 1989م، وركضوا إلى غرب المدينة "الحر" على غير هدى بحثًا عن "الحرية". فكان أكثر سلوك متكرر لسكان ألمانيا "الديمقراطية/الشيوعية" هو شراء الموز والشيكولاتة، التي لم توفرها لهم حكوماتهم لسنوات. وهكذا اختصرت الحرية في مطلب "الاختيار".

بل أن دول أوروبا التي حاربت بعضها البعض لعدة قرون حتى الحرب العالمية الثانية صار أغلبها يشكل حاليًا الاتحاد الأوروبي، الذي نال جائزة نوبل للسلام سنة 2014م، لأنه حافظ على السلام لسبعين سنة من التعاون والتعايش. ورغم أن دولة كألمانيا خرجت مهزومة في الحرب، وفرضت عليها قيود التسلح، وفقدت نحو 24% من أراضيها، إلا أنها جعلت هدفها هو الحفاظ على وحدة ما تبقى من أراضيها وضم القسم الألماني الشرقي وتشجيع حرية المرور من أجل النفاذ لأراضيها التي صارت خلف حدود كل من فرنسا وبولندا. فاستفادت بما وفرته الوحدة الأوروبية من فتح الحدود وتوحيد للعملة والأنظمة.

التحديات القائمة -أوكرانيا وكورونا

         جدت على عالمنا مؤخرًا تحديات بعضها صنعه البشر كحرب أوكرانيا، والحروب التجارية الناشبة. وجاءت تحديات أخرى من قبيل الابتلاء الذي لا قبل لأعتى القوى بمواجهته عندما اجتاح وباء كورونا أرجاء العالم دون تفرقة بين القوى العسكرية صاحبة أسلحة الدمار الشامل، وبين آحاد الدول التي لا حول لها. وفوجئ قادة العالم المتصارع حول المصالح ومناطق النفوذ بعدو لا مفر من تعاون الجميع ضده حتى بين الفرقاء.

         وأدت إجراءات الإغلاق الناتجة عن كوارث الحرب ومحاصرة الوباء، إلى ضرب مصالح كبرى من أنشطة الاقتصاد العالمي بدءًا بالسياحة والخدمات فصناعات الطاقة والبترول وخدمات النقل بأنواعه، وتراجعت تجارة العالم. وتأثرت أغلب الاقتصادات بهذه التطورات. وقدرت مديرة صندوق النقد الدولي "كريستالينا جورجييفا" إن فيروس كورونا أدخل العالم في حالة ركود أسوأ من أزمة 2009م، وستصل الاحتياجات المالية للأسواق الناشئة لنحو 2.5 تريليون دولار. وسوف تحقق أغلب بلدان العالم معدلات سالبة للنمو.

المخاطر العالمية في 2023

ناقش المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) في يناير سنة 2023م، المخاطر القائمة. ورصد في تقريره المخاطر الرئيسية ومن أبرزها التضخم وارتفاع تكلفة المعيشة واندلاع الحروب التجارية وتدفقات رأس المال من الأسواق الناشئة، والاضطرابات الاجتماعية والمواجهات التي تهدد بحرب نووية. فضلاً عن تراجع العولمة والتنمية البشرية، وتآكل التماسك الاجتماعي وانتشار الجرائم الإلكترونية والهجرة غير المشروعة. وتنبأ التقرير بازدياد تأثير الأزمات المتفاقمة والإضرار بسبل عيش قطاعات أوسع من السكان، وتزعزع أغلب اقتصادات العالم. وتشمل المخاطر المتوقعة والأعلى تصنيفاً، أزمة إمدادات الطاقة والأمن الغذائي والتضخم. إضافة إلى أزمات الديون وتغيّر المناخ.

وتنبأ التقرير بأن الحكومات والبنوك المركزية ستواجه ضغوطاً تضخمية قوية نتيجة مواصلة حرب أوكرانيا، واختناقات الوباء المستمرة، والحرب الاقتصادية التي تهدد بمخاطر اقتصادية سلبية وصدمات في السيولة واستمرار الانكماش الاقتصادي وتفاقم أزمات الديون على نطاق عالمي. بما يهدد بركود ذي عواقب وخيمة وإمكانية زيادة حدة الفقر وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي. وأفلست مؤخرًا بنوك كبرى (بنك سيليكون فالي وغيره) واندلعت احتجاجات اجتماعية في بريطانيا وفرنسا أبرزت تصاعد الاختلاف بين الطبقات، وبين الحكومات وشعوبها. مما يتطلب تغييرات كبيرة وسريعة. ورصد التقرير ثلاثة تحديات أعتبرها الأكثر تهديدًا للعالمِ:

  1. الحرب في أوكرانيا، واقتراب الصراع من حافة الهاوية.
  2. الصراع الذي يتصاعد تدريجيًا حول تايوان وبحر الصين، والكوريتين.
  3. أزمة البرنامج النووي الإيراني واحتمالات فشل المفاوضات.

هل ينهار النظام العالمي أو يستبدل، أم يعالج:

النظام الاقتصادي والتجاري الدولي الحالي:

          كانت أوضاع العالم بعد الحرب العالمية الثانية قد أسفرت عن تأسيس نظام عالمي تظله الأمم المتحدة ومؤسساتها. وانتهى مؤتمر بريتون وودز (يوليو 1944م) إلى تأسيس نظام شمل شقه الاقتصادي صندوق النقد الدولي IMF والبنك الدولي للإنشاء والتعمير IBRD. وعقدت لاحقًا الاتفاقية العامة للتجارة والتعريفات GATT سنة 1947م، والتي تحولت إلى منظمة التجارة العالمية WTO في عام 1995م، وجرى تنظيم المصالح العالمية المتشابكة بين التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي الدولي والإقليمي، وتقاسم النتائج مما جعل خيار الحرب يتراجع مع تفضيل العمل نحو معيشة سلمية أفضل.

         غير أن الغرب -بقيادة الولايات المتحدة وقت إدارة الرئيس "رونالد ريجان" شن خدعة "مبادرة حرب النجومStar Defense Initiative - SDI  " التي جرت الاتحاد السوفييتي إلى سباق للتسلح قصم ظهر اقتصاده وانتهى بانهيار حلف وارسو والنظام الشيوعي. وانضمت دول شرق أوروبا إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلنطي. ولطمأنة روسيا على مكانها في التنظيم الجديد فقد ضمها الغرب لمجموعة الدول الصناعية السبعةG.7  فصارت G.8  ولمجموعة العشرين  G.20 بين أغنى بلدان العالم. لكن الغرب تمادي في ضم دول شرق أوروبا وحلف وارسو إلى مؤسساته حتى اقتحم مواضع حساسة للأمن الروسي بضم دول القرم التي يدخل بعضها في منطقة القلب الروسي. فجاء رد فعل الروس أسوأ من الفعل الأطلنطي. ووقف الجميع على "حافة الهاوية" ليوقع كل خصم الآخر فيها. وهو السيناريو الذي كان يأمل فيه وزير خارجية أمريكا الأشهر "جون فوستر دالاس" في عهد الرئيس "دوايت أيزنهاور" ووصفه في كتابه (حرب أو سلام).  

وظهرت مقدمة تدهور العلاقات عندما اجتمعت قمة دول حلف شمال الأطلنطي NATO   في يوليو 2016م، في وارسو/ بولندا، التي كانت مقر "حلف وارسو" المعادي السابق. أي أن المتغيرات جعلت حائط برلين ينهار، ومن ورائه الاتحاد السوفييتي ومنظومة حلف وارسو. وصارت بولندا ذاتها عضوًا في حلف شمال الأطلنطيNATO   وانضمت مع غيرها من دول شرق أوروبا إلى الاتحاد الأوروبي.

وفي زمن استحالت فيه الحروب الكبرى بسبب توازن الرعب النووي، صارت الرأسمالية تحافظ على مصالحها ومصالح صناعاتها ــ تتقدمها صناعة السلاح ــ بتشجيع الحروب بالوكالة والحروب المحلية، وخلق أوضاع تهدد الأمن الإقليمي لبعض الدول. بينما تشن الولايات المتحدة الأمريكية حربًا تجارية ضد أهم شركائها التجاريين في أوروبا واليابان والصين. وفرضت قيود فنية وتجارية وجمركية على صادراتهم إليها. فردوا بإجراءات حمائية مماثلة، أدت لتراجع الإدارة الأمريكية عن السياسة الحمائية قصيرة النظر.

على الجانب الاقتصادي حدث ارتفاع شديد في الأسعار وتكاليف الحياة اليومية في كل أرجاء العالم لعدة أسباب من أهمها:

1.    أسعار الطاقة، فبعد أن تراجعت أسعار النفط في بداية أزمة الوباء، عاد الطلب للارتفاع ووصلت الأسعار إلى أعلى مستوى منذ سنوات.

2 -نقص حاد في عرض السلع نتيجة بقاء العمال في منازلهم فترة الإغلاق أثناء الجائحة، ولم يذهب ملايين للمصانع، مما أدى إلى نقص كثير من المواد وارتفاع أسعار. 

3 -تكاليف الشحن عندما اضطر تجار التجزئة لدفع الكثير للحصول على السلع وإيصالها للمحلات والمتاجر، وتم تحميل هذا الفرق في أسعار الشحن للمستهلكين.

4 -ارتفاع تكلفة الأجور النسبية عندما أقيل آلاف العمال أثناء الجائحة، وتسببت الإغلاقات الطويلة في رفع تكلفة العمالة.

5 – ارتفاع الرسوم المحصلة. وبسبب الجائحة رفع عدد كبير من الدول الجمارك لتعويض النقص في موازناتها، وهو ما قاد إلى ارتفاع آخر في الأسعار.

 توقعات البدائل

        كشفت الكوارث عن استحالة العزلة وأنه لا مفر من التعاون لمواجهتها. ويري البعض أن النظام الدولي أخفق في إقرار العدالة وتقسيم المصالح، وخضع للقوة التي تريد الانفراد بالقيادة. وصار البديل المتاح هو توزيع الأدوار بين أربعة من كبار اللاعبين:

  1. الولايات المتحدة وتملك أكبر اقتصاد وأكبر سوق مستورد وأكثر العملات تداولا.
  2. والصين أكبر مصدّر وثاني أكبر اقتصاد وأكبر حائز للاحتياطي النقدي بالدولار.
  3. ويمتلك الاتحاد الأوروبي ثاني أكثر العملات تداولا، وتتقدمه ألمانيا التي احتلت مركز أكبر مصدر في العالم للسنوات 2004/2008.
  4. وتنافس اليابان مع باقي اقتصادات العالم في كافة المجالات.

  ورغم أن العلاقات الدولية جعلت الحدود الجغرافية تتراجع بدرجة كبيرة فإن الأربعة الكبار يلعبون أحيانًا بقدر من التنسيق في دوائر تجمعاتهم. وأحيانًا يعزف بعضهم منفردًا لتحقيق كسب أكبر. وبذلك نتوقع أن يتعامل العالم مع النظام القائم تجنبًا لمزيد من الهزات ويواصل محاولات تحسين أدائه وجعل آلياته أكثر كفاءة في مواجهة الأزمات.

وبين الملامح البارزة لتحديات عام 2022م، جاءت السياسة النقدية الأمريكية برفع سعر الفائدة وارتفاع سعر صرف الدولار بما أدى لمزيد من التضخم نتيجة انخفاض قيمة العملات المحلية في عديد من الدول وفي بعض دول المنطقة كمصر وتونس وسوريا ولبنان. وهنا تبرز أهمية أن يكون لدى الدولة رصيد من الاعتماد على الذات، وخطط بديلة لتوفير معدلات أكبر من السلع المستوردة. ومن العوامل الداخلية المشجعة للمواجهة:

1)   مواصلة برامج الإصلاح الاقتصادي وتطوير تشريعات الاستثمار.

2)   تيسير الإجراءات الإدارية والبيروقراطية، وخفض تكلفتها، ووقت إنجازها.

3)   خفض معدلات وتكلفة الضرائب والرسوم وتبسيط إجراءات الصادرات والواردات.

4)   ارتفاع أسعار النفط والمعادن والمواد الخام والسلع الأساسية، التي أدت لجذب الاستثمارات نحو الصناعات والخدمات المتصلة بقطاع النفط والغاز.

5)   تحرير الخدمات وبخاصة الخدمات المالية وخدمات السياحة والبناء والاتصالات.

أوضاع النظام العربي:

نشأ النظام العربي مبكرًا في عام 1946م، من سبع دول ونجح في مساندة حركات التحرير في باقي الدول العربية حتى استقلت 22 دولة. غير أن تقدم العلاقات بالعمق وبالتوسع الرأسي لم يحدث بنفس القدر. لكن الدول العربية أقامت العديد من مؤسسات وآليات التعاون من بينها:

  1. معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي لعام 1951م، وأنشئ بمقتضاها المجلس الاقتصادي والاجتماعي "للنهوض باقتصاديات البلاد واستثمار مواردها الطبيعية".
  2. مجلس الوحدة الاقتصادية العربية عام 1957م، وانضمت لعضويته 13 دولة عربية (الأردن والإمارات والكويت وسوريا والسودان وفلسطين وليبيا مصر وموريتانيا والعراق واليمن) وانسحب معظمها لأسباب مختلفة. ويعاني المجلس من مشاكل ليس أقلها إن دولة المقر لا تسانده لأسباب بيروقراطية غير مبررة.
  3. "منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى" عام 1997م، (سوريا. لبنان. الأردن. فلسطين. السعودية. السودان. الكويت. الإمارات. البحرين. عمان. قطر. اليمن. مصر. ليبيا. تونس. المغرب. الجزائر) ونجحت في إلغاء الرسوم والعوائق الجمركية تمامًا منذ سنة 2005م.
  4. وعلى مستوى التجمعات تحت الإقليمية كونت مجموعات من الدول العربية تكتلات للتعاون تحت الإقليمي لتحقيق اندماج أكبر ومن أهمها:

      مجلس التعاون الخليجي (السعودية والكويت والإمارات وعمان وقطر والبحرين) وبلغت علاقات أعضائه مستوى الاتحاد الجمركي وبحث إصدار عملة موحدة.

     الاتحاد المغربي (موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا) وأنشطتها أقرب للجمود حاليًا.

      إعلان أغادير للدول العربية المتوسطية التي لها اتفاقيات للمشاركة مع الاتحاد الأوروبي تتيح لها تعميق العلاقات البينية بالاستفادة من السوق الأوروبي.

ولقياس نجاح التعاون العربي نخضعه لتقدير ما حققه من معايير قيام الأسواق المشتركة التي تقوم على أربعة دعائم من الحريات المتبادلة وهي:

  1. تحرير تبادل السلع من الرسوم والعوائق.
  2. تحرير الخدمات (السياحة والإسكان والنقل والمواصلات والمصارف)
  3. حرية حركة انتقال الأموال والاستثمار.
  4. حركة الأفراد والحق في الانتقال.

والواقع أن الدول العربية حققت من هذه الحريات ثلاثة أرباع الطريق إلا قليلًا. فقد حررت حركة السلع من الرسوم والعوائق تمامًا، وتحرر الكثير من أنشطة الخدمات، وعقدت اتفاقية لتشجيع وحماية الاستثمار وفض منازعاتها، وأنشئت محكمة عربية لهذا الغرض (لم تستخدم كثيرًا) وبقيت الحرية الرابعة (حق انتقال الأفراد) دون تقدم كبير لتبقى أحد أكبر عوائق الاندماج. ونجد أن التجارة العربية حققت النتائج المتواضعة التالية:

      إجمالي التجارة السلعية العربيــة عــام 2021م، ما قيمته 1849 مليار دولار.

      منها صادرات سلعية 1038.6 مليار دولار بنسبة 4.9% من الصادرات العالمية، وواردات سلعية 810.4 مليار دولار بنسبة 3.7% من الواردات العالمية.

      أمــا الصادرات "البينية" فقد سجلت  113.9  مليار دولار بنسبة 11% من إجمالي الصادرات العربية سنة 2021 مقابل 13% في سنة 2020م .  

الإشكالية ومقترحات الحل

وتتركز الإشكالية في عدم إدراك، وبالتالي عدم مواجهة، السبب الحقيقي لمحدودية العلاقات البينية العربية وبخاصة في التجارة التي بلغت بالرغم من تحريرها نسبة متواضعة. والسبب الأهم هو أن 70% من الواردات لا تنتجها الدول العربية. كما أن حوالي 64% من الصادرات العربية تستأثر بها صادرات الوقود والمعادن. أي أنها اقتصادات متنافسة وليست متكاملة أو مؤهلة لتبادل تجاري أكبر.

وتتجه 80% من الاستثمارات العربية البينية إلى قطاع الخدمات (سياحة وفنادق وإسكان) ويتجه 9% من الاستثمار البيني إلى قطاع الصناعة وتبقى للزراعة نسبة 2%. وبينما تتجاوز الاستثمارات العربية الإجمالية في العالم الخارجي 1800 مليار دولار، تبلغ الاستثمارات البينية العربية أقل من 70 مليار دولار أي بنسبة لا تتجاوز 3% من جملة الاستثمارات. ولا يرجع ذلك لقصور في المشاعر أو الهمة وإنما يرجع إلى محدودية القدرة الاستيعابية للاستثمار في الاقتصادات العربية بسبب معوقات بيروقراطية وفنية كثيرة.

مجالات التعاون العربي البيني:

من الطبيعي أن يركز العمل الاقتصادي العربي المشترك على جانبي الاستثمار والتجارة. لكن هناك قطاعات تتطلب تعميق التعاون العربي حيث تغطي مجالات واسعة من المصالح، مثل الاستثمار في الزراعة والصناعة والعمالة والاتصالات والبحث العلمي وتكنولوجيا المعلومات والنقل والتمويل والخدمات المالية والسياحة والتعمير. ويري الكثيرون أن إنجازات التعاون العربي تتفوق حتى الآن في مجالات غير التبادل التجاري ومنها:

                 الاستثمارات العربية، التي فاقت الاستثمارات الأجنبية داخل الوطن العربي.

      حركة الأفراد في نطاق السياحة البينية العربية وحركة العمالة.

      الخدمات المصرفية والتأمينية، وأعمال المقاولات والأعمال المدنية.

      ربط خطوط الكهرباء والطاقة (الغاز).

      النقل البري والبحري والجوي.

وتمثل تعدد دوائر التحرك الاقتصادي البيني للدول العربية سواء التجارية أو القطاعية التحدي الأكبر للعمل العربي. وتشتد الحاجة لتبني فكر للتكامل الاقتصادي يقوم على فلسفة وإطار شامل ضمن سياسات الإصلاح في الداخل بالتوازي مع فتح الأسواق في الخارج، والتوصل إلى نسيج من الأدوات والسياسات الضرورية لدفع عجلة الإنتاج وجذب الاستثمار وتحقيق النمو الاقتصادي ومن بين ذلك:

o      تفكيك قيود الاستثمار وتشجيع المنافسة وتطوير البنية الأساسية.

o      ضبط أداء الأجهزة البيروقراطية وجماعات المصالح المنتفعة من الحمائية.

o      تشجيع تجارة الخدمات ذات المحتوى اللغوي أو الثقافي العربي، مثل منتجات الفنون والآداب والتعليم والإعلام والصحة والسياحة.

o      خفض الأعباء على المنتجين والمصدرين إلى المستويات العالمية.

ومن العوامل المشجعة للتعاون العربي ومواجهة الأزمات:

  1. تبني برامج سابقة للإصلاح الاقتصادي تتسم بمرونة تشريعات الاستثمار وبخاصة في مجال الخدمات المالية والعقارية والاتصالات.  
  2. ارتفاع معدلات النمو في عدة دول عربية في سنوات ما قبل الأزمات الأخيرة.
  3. اجتذاب استثمارات إلى صناعات الطاقة وخدمات النفط والغاز والبتروكيماويات، واستقرار نسبي لأوضاع الدول المصدرة للبترول.
  4. تحرير الخدمات المالية والتشييد والبناء والاتصالات. حيث يستحوذ قطاع الخدمات على الحصة الأكبر من الصادرات ومن الاستثمار الأجنبي المباشر.
  5. تبني الدول العربية المضيفة للسياسات التي تعزز الطاقات المحلية وتنمية مهارات الأيدي العاملة المتخصصة في التقنيات.

وفي النهاية نصل للاستنتاج الأهم بأن الدول العربية بحاجة إلى "التركيز على الاستثمار" في المجالات التي لم تحقق التقدم المطلوب وتستورد منها ما يساوي 70% من وارداتها وتتركز حول ثلاثة قطاعات:

  1. إنتاج الآلات فرغم أن كثير من الدول العربية تتقدم – مثلا -في صناعات الغزل والنسيج، فإنها لم تصنع للآن آلات الغزل والنسيج. وأمثلة ذلك كثيرة.
  2. ورغم أن الدول العربية من أكبر منتجي ومصدري البترول فإنها لم تدخل صناعة السفن الناقلة للبترول. كما لم تدخل بعد في صناعة الشاحنات والناقلات والسيارات ووسائل النقل والمواصلات وأيضًا صناعة الاتصالات.
  3. وتخطت الفجوة الغذائية العربية حاجز 55 مليار دولار تمثل وارداتها الغذائية والزراعية. الأمر الذي يحتاج للتدخل ولفت نظر البرلمان العربي في اجتماعه الأخير بالقاهرة في فبراير 2023م، وأصدر توصيات إيجابية بشأنه.

ويتطلب كل ذلك تعبئة جهود حكومات ومؤسسات التعاون العربي المشترك وبناء آليات لإدارة هذه التوجهات تحت مظلة جامعة الدول العربية ومؤسسات العمل الأهلي مثل اتحاد غرف التجارة واتحاد المستثمرين العرب وغيرهما من الاتحادات التي لديها من الوسائل والخبرات لتكون أداة للوصل بين الجامعة والحكومات وقطاعات الإنتاج الخاص والعام. وهي قادرة ولها تجارب إيجابية في المجالات المطلوبة.

مقالات لنفس الكاتب