array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

كيف تواجه دول الخليج التحديات الإقليمية والتمدد الإيراني؟

السبت، 01 كانون2/يناير 2011

بعدما تبين أن الأمن الذي تعززه القوة العالمية الأمريكية التي لا تنازعها قوة أخرى ليس أكثر من ضرب من ضروب الوهم. فقريباً ستضطر الولايات المتحدة إلى إجراء تعديلات جغرافية سياسية كبرى خاصة إذا انحدر أداؤها الاقتصادي في العقد أو العقدين المقبلين. وكما حدث في الاتحاد السوفييتي السابق فإن الولايات المتحدة ستضطر إلى ابتكار بيروسترويكا خاصة بها وخفض إنفاقها الدفاعي.

لقد اتجهت الولايات المتحدة إلى رسم خريطة تعاون عسكري جديدة بين أمريكا وأوروبا، وتم بحث مواضيع في لشبونة لم تكن تبحث من قبل في اجتماعات أخرى مثل الحرب في أفغانستان وتكوين شراكة جديدة مع روسيا، وإعلان عن أهداف جديدة للحلف على المدى الطويل. فالمخاوف الأمريكية ناتجة عن التخفيضات الضخمة التي تشهدها ميزانيات الدفاع الأوروبية التي تشكل أكبر خطر على مستقبل حلف الناتو، ومن المتوقع أن تعمل هذه التخفيضات على تقليص القدرات العسكرية ومن ثم الدور العالمي لأوروبا ككل.

ما زال الجهد الأمريكي في أفغانستان الأبرز رغم مشاركة 48 بلداً من حلف الناتو وخارجه، وقد ازدادت ميزانية (البنتاغون) السنوية منذ عام 2001 بنسبة تزيد على الثلثين بالمعدلات الحقيقية وذلك من 403 مليارات في كل سنة اعتباراً من عام 2001 إلى عام 2009، ومن المتوقع أن تتسع الهوة أكثر خاصة أن بريطانيا تراجع إنفاقها الدفاعي، وحاولت أمريكا إقناع لندن بالإبقاء على النفقات الدفاعية عند نسبة 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وإذا تخلت بريطانيا عن هذا الهدف فسوف تتخلى بقية الدول الأوروبية الرئيسية الأخرى خصوصاً بعد الأزمة العالمية الأخيرة وأزمة الديون الأوروبية.

وأصبح هناك مفهوم استراتيجي جديد لحلف (الناتو) يطلق طموحات جديدة للحلف للتعامل مع حرية الإنترنت والدفاع الصاروخي والإرهاب يحتاج إلى إنفاق.

إن الإنفاق الأوروبي في عام 2008 كان أكبر بخمس مرات من إنفاق الصين وبثماني مرات من إنفاق روسيا، فلم تعد أوروبا تعتمد على الولايات المتحدة لترتيب ساحتها الخلفية، فالولايات المتحدة بدأت تغير نظرتها العالمية، فقد تم التأكيد على تركيز الإدارة المتنامي على آسيا عبر رحلة أوباما التي استغرقت عشرة أيام وهو يصف نفسه بأنه أول رئيس أمريكي لمنطقة الباسفيكي.

ولأن آسيا أصبحت مركز الجاذبية الاقتصادية والجيوسياسية في العالم التي هي تجسيد لنهضة الصين مؤخراً وبمثابة إعادة توازن الثروة والقوة العالميتين منذ أن برزت أمريكا كقوة جديدة في نهاية القرن التاسع عشر، فثمة شعور منطقي بأن مركز الجاذبية في العالم يتحول نحو الشرق. فآسيا تستعيد التوازن الطبيعي على نحو أكثر والعودة إلى منطقة كانت تشكل نصف الإنتاج العالمي في القرن الثامن عشر، فبدأت آسيا بنهوض اليابان ثم النمور الآسيوية والآن الصين والهند اللتين كانتا تنتجان 50 في المائة من الناتج المحلي العالمي في القرن الثامن عشر.

وهذا التحول صاحبه بروز الصين كقوة إقليمية وإن كانت الولايات المتحدة لا تزال حتى الآن تمتلك أفضل تكنولوجيا وأكبر طبقة وسطى والقوات المسلحة الأكبر حجماً والأكثر تطوراً والشركات الأكثر إبداعاً، والعديد من الجامعات، ربما انتهت لحظتها أحادية القطب، لكن يمكن أن تبقى القوة الأهم إلى عقود مقبلة.

لكن هناك بعض إعادة الترتيب في المزايا الجيوسياسية، وأن القوات المسلحة الأمريكية أصبحت مهووسة بالصين بعدما تضاعف حجم القوات البحرية الصينية كل سبع سنوات، وأصبحت الصين أكثر ثقة بالذات في مطالبها بشأن منطقة متنازع عليها، الأمر الذي يحفز إلى زيادة التسلح، وأصبحت الولايات المتحدة تستثير حفيظة الدول المحيطة بالصين كالهند التي تملك فعلياً حاملة طائرات وتنوي شراء حاملتين إضافيتين، وتزيد فيتنام وكوريا الجنوبية وأستراليا من حجم قواتها البحرية وحتى اليابان المقيدة بدستور ينص على عدم زيادة حجم قواتها، لكنها قلقة من قدرات الصين بعدما أصبحت أكبر حجماً من حيث القوات البحرية من المملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا معاً، فحلَّ التحوط من الصين مكان الاحتواء.

وخلال زيارة الرئيس أوباما إلى الهند في نوفمبر 2010 أكد خلالها أن الولايات المتحدة لا تزال تنتهج استراتيجية تعطيل وتفكيك القاعدة وفروعها (طالبان) على كلا جانبي الحدود (الباكستانية – الأفغانية)، وأكد أيضاً أن الولايات المتحدة لم تتخل عن النهج الحركي لحل المشكلة.

وعلى ضوء ذلك انزعجت باكستان من الدعم الأمريكي للهند ما اعتبرته تحيزاً ضدها، وأعلنت أنها جمدت عملياتها العسكرية الهجومية ضد طالبان وعصابات (القاعدة) على مناطق الحدود مع أفغانستان، ورفضت طلباً للولايات المتحدة بفتح جبهة جديدة للطائرات التي تطير بلا طيار لتعقب زعماء الإرهاب، فالعلاقات باكستانية مع واشنطن لم تعد بالدفء نفسه الذي ميزها أثناء إدارة الرئيس باكستاني السابق برويز مشرف.

ولا بد أن تدرك دول الخليج أن الهند وإيران كان لهما دور فعال في دعم قوات تحالف الشمال في منع باكستان من الاستيلاء من جديد على الشأن الأفغاني المضطرب خوفاً من استخدامه ضدهما، وأن التدخل الإيراني في الشأن الأفغاني تعدى الحدود ومناطق الشيعة (الهزارة) ووصل إلى وادي بانشير والجوار مع دول آسيا الوسطى، وتعترف إيران بأنها تعاونت مع أمريكا لوجستياً في الغزو الأفغاني، بل إن الأمريكيين استشاروا الإيرانيين قبل غزو العراق، لكن حدث تصادم بينهما بعد احتلال العراق عندما أرادت إيران تأسيس تنظيم على غرار حزب الله في لبنان باعتباره حركة مقاومة ضد الأمريكيين لتلميع صورتها أمام الشعب العراقي والعربي على أنها ضد الغزو الأمريكي، لكن إيران تمكنت بعد ذلك من إنشاء جيش القدس مما يؤكد قدرتها على التغلغل الأمني في العراق.

لكن المهم أن هناك اتفاقاً بين أمريكا وإيران بشأن العراق وأفغانستان، ولا يقتصر الانتشار الإيراني الأمني والعسكري والسياسي على أفغانستان والعراق ولبنان، بل هناك مناطق انتشار أخرى عديدة.

وبعدما شعرت تركيا بأن هناك انسحابات تكتيكية تنفذها أمريكا، وتريد إيران أن تملأ هذه الفراغات أسرعت تركيا فوراً إلى التدخل لأنها لا تستبعد أن تنفذ أمريكا انسحابات تكتيكية أخرى من منطقة الخليج خصوصاً إذا ما تقدمت المفاوضات بين إيران ومجموعة (5+1) وتنازلت إيران للغرب عن التسلح النووي مقابل الحصول على مقايضات بأن تصبح شرطي منطقة الخليج.

فمواجهة إيران لا تكفي بشراء أسلحة ضخمة تقدر قيمتها بنحو 120 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة لتصبح دول الخليج من أكثر الدول إنفاقاً على السلاح وشراء الطائرات المقاتلة الحديثة في العالم، وإن كانت هي خطوة ضرورية استعداداً لمرحلة ما بعد الانسحابات التكتيكية التي تنفذها أمريكا في العراق والمنطقة، والتعامل مع استحقاقات تراجع الأحادية الأمريكية إقليمياً وعالمياً. لكن يجب أن يكون لدول الخليج دور فعال بدلاً من الاستكانة وانتظار بروز طهران كقوة نووية عسكرية تفاجئ دول الخليج بفرض نفسها كشرطي على منطقة الخليج، وتصبح هي الآمرة الناهية.

لذلك على دول الخليج أن تلعب دوراً يقلص من هيمنة الدور الإقليمي الإيراني، وهي ليست استجابة لتأجيج أمريكا دول الخليج وبث المخاوف والقلق من المشروع التوسعي الإيراني الذي لأمريكا دور فيه، وتتحمل المسؤولية بنفس القدر الذي تتحمله إيران لأن إيران قدمت لأمريكا خدمات لوجستية لم يقدمها العرب، فكما على دول الخليج الحذر من التوسع والتمدد الإيراني عليهم كذلك الحذر من النيات الأمريكية.

فالمعطيات الجيوسياسية الإقليمية والدولية تحتم على دول الخليج أن تقيم تحالفات جديدة مع كل من باكستان وتركيا بمشاركة مصر حتى لا يختفي العرب في شرق أوسط إيراني - تركي، وهذا المحور يختلف عن مشروع عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية الذي يدعو إلى مشروع يمهد لدمج دول الجوار (تركيا وإيران) في المجموعة العربية وهو ما رفضته الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.

وفي الحقيقة تشترك دول الخليج وجمهورية باكستان في أنهما يعتريهما قلق مشترك من احتمال أن تعقد الولايات المتحدة صفقة أفغانية تستبعد فيها باكستان، وكذلك تعقد صفقة مع إيران تستبعد فيها دول الخليج. لذلك على دول الخليج أن تدعم باكستان التي تفضل أن تتوسط في اتفاقية سلام لتأمين مصالحها في كابول بصرف النظر عن مدى بعد ذلك وصعوبة تحقيقه لأن باكستان تعتبر طالبان قوة وسيطة للتصدي للنفوذ الهندي والإيراني في أفغانستان وهي أهداف مشتركة بين باكستان ودول الخليج.

ويوجد لدى باكستان حالياً 147 ألف جندي مشاركين في الحرب على المتطرفين، وهو تحول مهم عن التركيز التقليدي على الحدود الهندية لأن باكستان اتخذت في العشرين شهراً الأخيرة تحولاً مهماً في حساباتها الاستراتيجية، وبدأت تطارد المتسببين في هجمات مومباي عام 2008 التي راح ضحيتها 166 شخصاً، وأدخلت البلدين باكستان والهند في أزمة لا نهاية لها وليس لباكستان مصلحة فيها، ويبدو أن عناصر (لاشكر طيبة) التي كانت تحت رعاية الاستخبارات الداخلية التجسسية باكستانية بدأوا يفلتون من سيطرة الدولة، والآن قبضت باكستان على سبعة من المسؤولين عن هجمات مومباي مما يزيل التوتر بين باكستان والهند ويعد فرصة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية (باكستانية – الخليجية) مع الهند.

إن دعم دول الخليج لباكستان هو من أجل تحقيق أهداف مشتركة متمثلة في وقف التمدد الإيراني وفي الوقت نفسه محاصرة بؤر الإرهاب الممول من جهات عديدة بما فيها إيران.

وعلى الجانب الآخر فإن زيارة رجب طيب أردوغان إلى لبنان دلالة على أن هناك قلقاً تركياً من زيارة أحمدي نجاد إلى لبنان وهو خوف تركي من التمدد والانتشار الإيراني في الشرق الأوسط تحت حجج المقاومة ضد إسرائيل، لأن تركيا تعتبر الشرق الأوسط عمقاً استراتيجياً لا تسمح لإيران بالتمدد فيه بعدما أهملته عقوداً من الزمن لصالح الغرب.

وقد انطلق حوار خليجي-تركي قبل ست سنوات في اسطنبول ليحقق قفزة استراتيجية في قمة جدة قبل عامين التي تمكنت من رسم البرامج والسياسات لتعقبها قمة اسطنبول العام الماضي التي حملت أكثر من رسالة إلى أكثر من جهة، ثم جاءت قمة الكويت الأخيرة بمثابة ترجمة عملية ومركز تأطير لهذا الحوار التركي – الخليجي، وإن كان سمي بالحوار للبعد عن رقعة الاستقطابات والتكتلات حتى لا تنشر مزيداً من الاصطفاف والشرذمة، لكنه في حقيقة الأمر يعتبر تحالفاً استراتيجياً في مواجهة التمدد والانتشار الإيراني.

ولعل أهم قرار صدر عن قمة الكويت هو الرفض القاطع للغة الاستقواء والاستعلاء والتكبر، وأن خطط المواجهة لن تكون عبر تصفية الحسابات بطريقة التفافية تقوم على أسلوب استعراض العضلات.

وتصر تركيا الآن على أن أمن الخليج واستقراره يعتبران في قلب البعد الاستراتيجي لمصالحها وأمنها الإقليمي، ووافقت دول الخليج على كل خطوة تقاربية استراتيجية مع تركيا. فعودة تركيا بقوة إلى الخليج هي في صالح دول الخليج لإعادة التوازن المفقود إلى أمن الخليج، وتقطع الطريق على هيمنة إيران المطلقة على الخليج، حتى لو كان بموافقة أمريكا نتيجة لمقايضات تحصل عليها إيران مقابل أن تتنازل عن الاستمرار في سلاحها النووي وتحويله إلى مفاعل سلمي تحت إشراف دولي.

إن دخول تركيا طرفاً في معادلة أمن الخليج يحقق التوازن في سياسته الإقليمية بدلاً من تسليم أمن الخليج أو الدخول في قلق.

ويدعم هذا المحور مشاركة تركيا في اتفاقية لشبونة التي اعتمدها حلف (الناتو) في استراتيجيته إقرار حرب الصواريخ بعد نشرها، وتعتبر تركيا مركز الثقل فيه، وتقوم بالمشاركة في لعبة كبس الأزرار في الوقت الذي تقول فيه إنها ستجلس هناك للضرب على أيدي من يحاول العبث بأمن المنطقة واستقرارها، وهذا يعتبر حماية لأمن الخليج في حالة تهديد أمنه من قبل إيران أو أية قوة أخرى.

وهذا يعطي دول الخليج دفعة جديدة نحو التوجه إلى أمن جديد للخليج تشترك فيه تركيا ضد إيران رغم العلاقات الثنائية بينهما، لكنها لا تسمح لإيران بالعبث بأمن الخليج الذي تعتبره تركيا قلب البعد الاستراتيجي لأمنها.

ونحن لا نريد لدول الخليج أن تستمر دولاً مطفئة للحرائق التي تشعلها إيران أو أمريكا في المنطقة، بل نريد من دول الخليج أن تكون مانعة لحدوث الحرائق، وأن تكون مركز ثقل تغلب فيه مصالحها وتقوي تحالفاتها تحت أي اسم كان مع باكستان التي تقع في خاصرة إيران وهي دولة نووية وذات ثقل سكاني ودولة مؤسسات وحريصة على تحالفها مع دول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية إلى جانب تقوية دول الخليج تحالفها مع تركيا الطموحة المجاورة لإيران والعراق وسوريا والتي لها ثقل اقتصادي وسياسي وعسكري وعضو في حلف (الناتو)، وبمشاركة مصر مركز الثقل العربي، حتى يمكن إعادة ترتيب أوراق المنطقة من جديد لتعطيل التوغل الإيراني وتحييده وفق مصالح مشتركة بين دول وليس مع طوائف وأحزاب وجماعات وتنظيمات، فلا بد من قطع الحبل الذي يراد له أن يطوق المنطقة لجعلها منطقة هشة ومخلخلة قابلة للهيمنة والسيطرة.

مجلة آراء حول الخليج