array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 186

أزمة نقص المياه في الوطن العربي تتطلب حلولاً واقعية في إطار جماعي

الإثنين، 29 أيار 2023

 أزمة نقص المياه في المنطقة العربية واحدة من أهم الأزمات التي تضرب المنطقة ومرشحة للتفاقم في المستقبل، وتشكل أزمة المياه في المنطقة العربية تحديًا كبيرًا للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والبيئي في هذه الدول. وتعد أزمة نقص المياه من أكبر التحديات التي تواجه البشرية بأكملها في القرن الحالي، وتشكل تحديًا تنمويًا واقتصاديًا وبيئيًا على المدى البعيد.

إن الدول العربية تعاني من أزمة نقص المياه منذ فترة طويلة، وتأتي هذه المعاناة بسبب عدة عوامل، من بينها النمو السكاني السريع، والتغيرات المناخية، وسوء استخدام الموارد المائية، ومواقف دول المنبع للأنهار التي تصب في المنطقة العربية، فأهم الأنهار التي تصب في المنطقة العربية تنبع من خارجها. وتتفاوت مستويات نقص المياه في الدول العربية، فدول تعاني من نقص حاد في المياه الصالحة للشرب والزراعة، إلى دول تعاني من مشكلات في توزيع المياه بين المستخدمين.
وتجسدت أزمة المياه في نداء استغاثة أطلقه مؤخرًا رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني وأنذر أن أزمة المياه لا تخص العراق وحدها، ولكنها تخص الدول العربية كلها، وقال السوداني: "إن العراق يسعى للحصول على مساعدة دولية عاجلة للحيلولة دون انحسار نهري دجلة والفرات نتيجة تغير المناخ، وأن إنقاذ نهري دجلة والفرات يتطلب تدخلاً دولياً عاجلاً، ونحن بحاجة إلى جهود جميع الأصدقاء في البلدان والمنظمات لمساعدة العراق في هذا الوقت الحرج من تاريخ النهرين العظيمين".
كما تواجه مصر والسودان أزمة نقص المياه بسبب بناء إثيوبيا سد النهضة على نهر النيل الأزرق، وهو ما يؤثر على حصة مصر والسودان من المياه، ويؤدي إلى نقص المياه الزراعية والصالحة للشرب في هاتين الدولتين.


احتياجات مصر المائية
بلغ إجمالي احتياجات مصر المائية الحالية حوالي 110 مليار متر مكعب سنويًا، وتستورد مصر مياه افتراضية (في شكل منتجات غذائية وزراعية …) تبلغ حوالي 30 مليار متر مكعب سنويًا (وهي كمية المياه التي يحتاجها إنتاج تلك المنتجات في حال زراعتها وإنتاجها في مصر)، في حين يبلغ إجمالي الاحتياجات المائية بعد استبعاد المياه الافتراضية التي يتم استيرادها حوالي 80 مليار متر مكعب سنويًا، وفى المقابل يبلغ إجمالي الموارد المائية (المتنامية) والموارد المائية (المحدودة) 20,75 مليار متر مكعب سنويًا.
فعلي الصعيد المصري تتزايد التحديات المائية التي تواجهها مصر من تزايد السكان إلى التغيرات المناخية وصولًا إلى السد الإثيوبي خاصة بعد انتهاء الحكومة الإثيوبية من عدة  مراحل  لملء السد، وبات من المؤكد أن استكمال ملء السد من جانب إثيوبيا يمثل خطوات عملية في التأثير على حصة مصر من مياه النيل البالغة نحو 55.5 مليار متر مكعب. وعلى الرغم من النمو السكاني المضطرد في مصر، وتزايد الاحتياج للمياه للزراعة والاستخدامات المنزلية والصناعية، فإن أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تشير بوضوح إلى تراجع موارد مصر المائية في عام 2019/2020م، إلى 60,5 مليار متر مكعب، وبات من المحتم على الحكومة المصرية الحفاظ على موارد مصر المائية بالكامل وتنميتها لمواكبة الاحتياجات الحالية والمستقبلية.

وأكدت رولا عبد الله دشتي، الأمينة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) أن ما يقرب من 50 مليون شخص في المنطقة العربية يفتقرون إلى مياه الشرب الأساسية ويعيش 390 مليون شخص في المنطقة-أي ما يقرب من 90 % من إجمالي عدد السكان-في بلدان تعاني من ندرة المياه.
وأكدت دشتي إن المنطقة العربية ليست على المسار الصحيح فيما يتعلق بتحقيق الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة والمتعلق بتوفير المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي للجميع بحلول عام 2030م. وأوضحت أن المياه في المنطقة العربية لا تعد فقط مصدرًا للازدهار، ولكنها أيضًا سبب محتمل لعدم الاستقرار والصراع، إن ندرة المياه في المنطقة العربية مسألة تتعلق بالأمن المائي، والأمن الغذائي، وبالازدهار والحياة الكريمة.
وتشير التقارير والدراسات حول هذا الموضوع إلى أنه خلال العامين القادمين ستشهد 14 دولة عربية نقصًا في المياه كما ستعاني 10 دول من نقص حاد في المياه.
أما عن المياه الجوفية في البلاد العربية وهي تعتبر الملجأ الأول الذي تلوذ به الدول بعد مياه الأنهار، فمن خلال الدراسات الحديثة التي قامت بها بعض المنظمات العربية مثل منظمة أكساد، ومنظمة جان خوري، والمركز العربي للموارد المائية، يوجد عدة أسباب أدت إلى انخفاض مستوى المياه الجوفية في البلاد العربية، من أبرها : الاستثمارات التي تهدر الموارد المائية وبحسب أحدث الدراسات فإن المياه الجوفية تحتل نسبة 15% من المجموع الكلي للموارد المائية الموجودة في كل البلاد العربية، وبحسب الإحصائيات فإن معظم الدول العربية تستهلك ما يقارب 22 % من المخزون الاستراتيجي العام، وبالتحديد المخزون المتوفر في أحواض مائية عملاقة مخصصة لخزن المياه الجوفية. وقد أظهرت الدراسات أن المياه الجوفية في الوطن العربي تكون متواجدة في بيئات مختلفة هيدروجيولوجية، كما تم تصنيفها إلى عدة أصناف، وهذه الأصناف تتواجد في:
سوريا والعراق، وتكون متواجدة على شكل أحواض كلسية.
الجزيرة العربية، وتكون متواجدة في أودية سهل تهامة والباطنة.
لبنان وفلسطين وسوريا، وتكون متواجدة في الطبقات الكلسية الكارستية، وتكون على شكل امتدادات في المرتفعات الساحلية.
الصحراء الكبرى وصحاري الجزيرة العربية وتكون متواجدة في أحواض كبرى ذو سماكة ضخمة جداً، بفعل طبقات رملية كبيرة، وقد يكون مصدرها قاري أو كلسي.
المغرب، وتكون على شكل أحواض جبلية ضخمة وبينية ومنتشرة بشكل واسع في جبال الأطلسي.
نقص المياه هاجس يشغل الليبيين
رغم الانقسام السياسي والصراع العسكري الذي احتدم في ليبيا خلال العام الماضي، إلا أن أزمة المياه تعتبر الهاجس الأكبر الذي يشغل الليبيين لا سيما أن البلاد ليس لديها أنهار توفر المياه العذبة، وهو ما استعاضت عنه ليبيا بمشروع النهر الصناعي الذي بدأ في أكتوبر عام 1984م، إلا أنه لم يشكل حلاً جذريًا للأزمة التي تفاقمت مع الانقسام السياسي.
وعن هذا الشأن يؤكد الدكتور مفتاح النفار رئيس المنظمة الليبية للدفاع عن المدن المهمشة أن مشروع النهر الصناعي مشروع ضخم تكلف المليارات، لكنه قدم حلولًا ليست جذرية، لأنه يعتمد على جلب المياه من الصحراء والتي تتدفق لمسافة ألفي كيلو متر من منابعها الجوفية، ما قد يؤدي لانهيارات أرضية في المستقبل، وهو مشروع غير كاف لتغطية حاجة ليبيا من المياه، وصيانته مكلفة جدًا للخزينة العامة، وكذلك عملية إدارته مكلفة للغاية.
وقال النفار من الأفضل تحلية المياه في المدن الساحلية المزدحمة بالسكان أسوة بدول الخليج، ومحطات تحلية مياه البحر أقل تكلفة من النهر الصناعي، ففكرة الاعتماد على مشروع النهر الصناعي ليست ذات جدوى، لأنها لم تلب الاحتياج الفعلي لسكان البلاد خاصة أن تعداد سكان ليبيا ليس بالكبير.
أما الشيخ السنوسي الحليق نائب رئيس المجلس الأعلى للقبائل الليبية فيؤكد أن ليبيا شهدت استثمارات كبيرة في مجال المياه خاصة في النهر الصناعي الذي صرف عليه أكثر من 45 مليار دينار، إلا أنه يعاني كثيرًا من عدم الصيانة لسنوات طوال خاصة مع عدم توحيد إدارة البلاد وتقسيمها، مشيرًا إلى أن عدم استقرار الإدارة أدى لإهمال صيانة المشروع وتأمين الآبار وتأمين الخطوط الناقلة للمياه وهي أسباب رئيسية لأزمة المياه، موضحًا أن الفساد الإداري بالشركة العامة للمياه والصرف الصحي يعيق حل أزمة المياه.

تونس وأزمة المياه
على الرغم من أنها تسمى تونس الخضراء، فإنها دخلت مؤخرًا حالة طوارئ مائية تتمثل في نظام مقنن يستمر لعدة أشهر لتوزيع الماء الصالح للشرب، ومنع استعماله في أغراض أخرى بسبب الجفاف، ويأتي ذلك على خلفية شح الموارد المائية في تونس التي فاقمتها التغيرات المناخية وموجة الجفاف التي تضرب البلاد منذ 4 سنوات، ووفق السلطات التونسية، لا تستخدم المياه الصالحة للشرب للغايات التالية:
الأغراض الفلاحية ـ ري المساحات الخضراء ــ تنظيف الشوارع والأماكن العامة.
غسل السيارات.
وذكرت وزارة الفلاحة والموارد المائية التونسية في بيان أن القرارات الجديدة المتعلقة بترشيد استعمال الموارد المائية ستبقى سارية المفعول حتى 30 سبتمبر المقبل، محذرة المخالفين بأنهم يعرضون أنفسهم لعقوبات مالية، وأخرى تتضمن السجن.
وأثر جفاف المناخ في السنوات الأخيرة في تغذية المخزون الجوفي ومستوى تعبئة السدود الذي لم يتجاوز 30 % وفق الأرقام الرسمية، وهو ما يهدد الأمن المائي للتونسيين.
المغرب ..  قلق من تراجع الموارد المائية

يثير نقص الموارد المائية قلقًا في المغرب، في ظل شح الأمطار الناجم عن آثار تغير المناخ، بينما يدعوا خبراء إلى "حوكمة" استهلاك هذه المادة الحيوية، حتى لا يزداد الوضع سوءًا.
وفي هذا السياق، وجهت وزارة التجهيز والماء المغربية، رسالة إلى مديري وكالات الأحواض المائية، لمراجعة القانون رقم 15-36 المتعلق بالماء.
وحسب وزارة الماء فإن التعديلات في مشروع مسودة قانون تغيير وتضمين القانون رقم 15-36، وأن التعديلات التي اقترحتها الوزارة وسعت مهام وكالات الأحواض المائية، مشيرًا إلى أن المادة 80 تنص على أنه "تعتبر وكالة الحوض المائي المحدثة بمقتضى القانون رقم 95-10 المتعلق بالماء، أو التي يمكن إحداثها بموجب هذا القانون، مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية الاعتبارية وبالاستقلال المالي.

الجزائر .. تراجع في منسوب مياه السدود

وعلى حسب ما ذكره محمد لهوازي الصحفي الجزائري فإن الجزائر تمر بفترة جفاف مثيرة للقلق في وقت تتعالى تحذيرات من أزمة مياه تلوح في الأفق بسبب التغيرات المناخية التي تدق ناقوس الخطر مهددة بنقص منسوب الموارد المائية إذا تواصل غياب الأمطار.
وكشفت تقارير رسمية في الجزائر عن تراجع كبير في منسوب مياه السدود، إذ لم تتجاوز نسبة امتلائها على المستوى الوطني الـ 33 %، فيما بلغت النسبة في بعض السدود الكبرى إلى ما دون الـ 10 %، في وقت تقدر النسبة الطبيعية لامتلاء السدود خلال النصف الأول من فصل الشتاء بنحو 55 إلى 60 %.
ونظم البرلمان الجزائري يومًا حول "مستقبل الموارد المائية في الجزائر"، ومن بين التوصيات التي خرج بها تفعيل كل السبل الممكنة للإسراع في إنجاز مشاريع التحويلات الكبرى بين سدود الجمهورية، وكذا سدود التجميع، وأوصى المشاركون في اليوم البرلماني بضرورة مضاعفة الحواجز المائية مع إعادة تأهيل المنشآت الحالية وترميم وإعادة الاعتبار للسدود التي تسجل تسريبات من شأنها التأثير في طاقة استيعابها، وبالتالي المحافظة على كميات هائلة من المياه التي تتسرب حالياً".

 وأخيرًا فإن الأزمة كارثية بكل المقاييس وتتطلب تعاونًا عربيًا جماعيًا جادًا لوضع حلول قابلة للتنفيذ على أرض الواقع والسعي بجدية لتنفيذ هذه الحلول.

مقالات لنفس الكاتب