array(1) { [0]=> object(stdClass)#13382 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 186

لا يوجد موقف أوروبي موحد تجاه قضايا المنطقة بل تتنافس إيطاليا وفرنسا في ليبيا

الإثنين، 29 أيار 2023

لا يزال العالم العربي مضطربًا بفعل استمرار العديد من النزاعات والصراعات الممتدة عبر دول المنطقة بما في ذلك؛ اليمن، وسوريا، وليبيا، ولبنان، والعراق ومؤخرًا السودان، والتي تحمل معها تبعات واسعة النطاق على الاستقرار الإقليمي والدولي. يشمل ذلك على وجه الخصوص القارة الأوروبية نظرًا لقرب موقعها الجغرافي المجاور للمنطقة العربية حيث تربطهما معًا روابط واسعة المدى وممتدة العمق.

ومع ذلك تُشير التطورات الإقليمية الأخيرة إلى ثمة أمل في إنهاء بعض من النزاعات القائمة، من بينها اتفاق المصالحة الذي تم بين المملكة العربية السعودية وإيران من أجل عودة العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين، والذي أعطى أملًا بشأن قابلية بلورة حل سياسي للأزمة التي طال أمدها في اليمن مدعومًا بقرار الجانبين-السعودي والإيراني-بالحد من انخراطهما في الشأن الداخلي لليمن. كما ساعد قرار الجامعة العربية بعودة سوريا لشغل مقعدها في الجامعة العربية في فتح الباب أيضًا أمام العودة المحتملة للاجئين السوريين لبلادهم وبدء الجهود الأولية لإعادة إعمار المناطق المتضررة داخل البلاد. وبشكل عام، تتجه حالة الزخم التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط نحو خفض التصعيد وإنهاء الصراعات، وهو ما يُتيح لأوروبا إمكانية الاضطلاع بدور بناء داخل المنطقة، مع مراعاة واقع أن العديد من أزمات المنطقة تتطلب تفانيًا ومشاركة طويلة الأمد كي يتم التوصل وتطبيق حلول مُجدية. وفي ضوء هذا، ينبغي أن تصبح السياسات الأوروبية أكثر تنظيمًا وتأثيرًا، كي تكون أكثر فاعلية مقارنة بالجهود السابقة.

الرؤى الأوروبية بشأن الصراعات في المنطقة

 رغم أن المنظور الأوروبي العام يرى حالة الصراع المستمرة في الجوار الجنوبي مُعضلة حقيقة وتهديدًا متواصلًا ومباشرًا لأمن القارة الأوروبية، إلا إنه يجب أن يكون مفهومًا أنه لا يوجد حتى الآن رؤية أو موقف أوروبي موحد بشأن مختلف قضايا المنطقة. كما أنه في كثير من الأحيان قد تتنافس الدول الأوروبية أمام بعضها البعض في عدد من الملفات الشائكة، لعل من بين الأمثلة الموضحة على ذلك دعم فرنسا وإيطاليا لأطراف متنازعة داخل ليبيا. ذلك بالإضافة إلى تبدل وتحول الآراء الشعبية والمواقف الحكومية مع مرور الوقت بشأن التطورات الجارية في الشرق الأوسط الكبير، بما يقوض أيضًا إمكانية الحفاظ على رؤية أو نهج أوروبي موحد حيال ما يحدث.

رغم ذلك، لدى أوروبا مصلحة راسخة في استقرار منطقة الشرق الأوسط نتيجة القرب الجغرافي والعديد من الاعتبارات السياسية، والاقتصادية، والأمنية. بالتالي، فإن انعدام الاستقرار في المنطقة يُلقي بتبعات وخيمة على الجارة أوروبا بما في ذلك؛ تدفق محتمل للاجئين، وتحديات أمنية متمثلة في ارتفاع معدلات الجرائم والاتجار في المخدرات. من ثم، تسعى دول أوروبا جاهدة للمساهمة في الاستقرار الإقليمي عبر تدشين جهود دبلوماسية ومبادرات داعمة للسلام. كما يوجد قلق واسع حيال التداعيات الإنسانية للصراعات القائمة في المنطقة، وبالأخص المعاناة التي يواجهها المدنيون ونزوح الملايين من المواطنين. وهو ما يستلزم إطلاق دعوات لتكثيف الجهود الرامية لمخاطبة الاحتياجات الإنسانية وتوفير الدعم للشعوب المتضررة. أخيرًا، تُدين الدول الأوروبية بشدة ممارسات العنف، والإرهاب، وانتهاكات حقوق الإنسان التي تتم داخل دول المنطقة، وهنا يجب أن يُركز رد الفعل الجمعي لأوروبا على الحاجة لمكافحة الأيديولوجيات المتطرفة والعمل نحو إحلال السلام، والأمن، والاستقرار في المنطقة.

وتتجلى لنا المبادئ التوجيهية الرئيسية للسياسات التي تنتهجها العواصم الأوروبية والاتحاد الأوروبي بشكل عام من خلال إلقاء نظرة أكثر قربًا على الموقف الأوروبي حيال أزمات المنطقة كل أزمة على حدا.

وفيما يلي نظرة على المواقف الأوروبية فيما يتعلق بالأزمة داخل كل من سوريا، وليبيا، واليمن، والسودان، ولبنان، والعراق.

سوريا: يتمثل الموقف الأوروبي تجاه الأزمة السورية في دعم الحل السياسي، وإدانة انتهاكات حقوق الإنسان، مع الالتزام بتقديم المساعدات الإنسانية للفئات المنكوبة جراء الصراع. ويحرص الاتحاد الأوروبي بصفة مستمرة على إدانة ممارسات العنف وانتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها النظام السوري وحلفاؤه والجماعات الإرهابية الناشطة في الداخل السوري مثل تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". وعلى صعيد العمل السياسي، أبدت الكتلة الأوروبية الموحدة دعمها للجهود التي تقودها الأمم المتحدة من أجل التوصل لحل سلمي مستدام للنزاع السوري بما في ذلك مؤتمرات جنيف وتأسيس لجنة دستورية. بالإضافة إلى فرض عقوبات ضد أفراد وكيانات مسؤولة عن قمع الشعب السوري واستخدام الأسلحة الكيميائية. فيما لم يتخذ الاتحاد الأوروبي موقفًا رسميًا حتى الآن حيال عودة سوريا لشغل مقعدها بالجامعة العربية بدءًا من مايو 2023م، وإن كان هناك شكوك عميقة تغلب على الموقف الأوروبي العام حيال هذه الخطوة.

ليبيا: على صعيد الشأن الليبي، يدعم الاتحاد الأوروبي الحل السياسي للأزمة وينتقد أعمال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان، كما يحرص على توفير المساعدات ووسائل الدعم لأبناء الشعب الليبي في جهودهم لإعادة بناء الوطن. كذلك يدعم الاتحاد بصفة مستمرة الجهود الأممية الرامية لتسوية الأزمة في ليبيا عبر الحل السياسي، فضلاً عن مشاركته في جهود تدعيم نشاط بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. وإلى جانب ترحيبه بتشكيل حكومة وحدة وطنية ليبية والتعبير عن مساندته للجهود الحكومية لاستعادة الاستقرار في البلاد، تعهد الاتحاد الأوروبي أيضًا بتوفير المساعدة المالية والتقنية اللازمة لدعم جهود حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا. ويعد أحد محاور التركيز الرئيسية لأوروبا، هو العمل على مكافحة عمليات التهريب والاتجار بما في ذلك التهريب والاتجار بالمهاجرين واللاجئين. لذلك، تم تقديم الدعم لخفر السواحل الليبية في جهوده لحماية المياه الليبية ومنع القيام برحلات بحرية محفوفة بالمخاطر عبر البحر المتوسط.

اليمن: تتمحور السياسات الأوروبية تجاه اليمن حول معالجة الأزمة الإنسانية، ودعم الحل السياسي مع العمل على منع تدفق الأسلحة وفرض عقوبات على أولئك المتورطين في ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان، إلى جانب تقديم مساعدات اقتصادية لإعلاء التنمية والتطوير في البلاد. وعلى مستوى المساعدات الإنسانية، يعتبر الاتحاد الأوروبي أحد أكبر الجهات المانحة للبلاد بإجمالي مساعدات تجاوزت قيمتها 1 مليار يورو منذ أن بدأ الصراع في عام 2015م. علاوة عن مشروع "الاستجابة الطارئة للأزمة في اليمن" الذي يهدُف إلى دعم الحفاظ على الخدمات الأساسية وتعزيز التعافي الاقتصادي في البلاد، والذي يمثل أحد صور الدعم الاقتصادي الأوروبي الأخرى إلى اليمن. على الصعيد السياسي، يدعم الاتحاد الأوروبي جهود مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا، داعيًا كافة الأطراف للمشاركة بشكل بناء ضمن عملية السلام. فضلاً عن ترحيبه بالجهود الأخيرة المطروحة من قبل المملكة العربية السعودية للانخراط مع جماعة الحوثيين من حيث العمل على بلورة عملية انتقال سياسي تضع حدًا للأزمة القائمة. كذلك عمدت بروكسل إلى فرض حظر أسلحة على اليمن يتضمن حظرًا على تصدير الأسلحة إلى الأراضي اليمنية وحظرًا على نقل الأسلحة داخل البلاد، فضلًا عن فرض عقوبات ضد أفراد وكيانات متورطة في تأجيج النزاع.

السودان: ارتكزت الاستجابة الأوروبية للوضع المتأزم في السودان على دعم عملية انتقال سلمي للسلطة، وتقديم المساعدات الإنسانية، والمشاركة في الجهود الدبلوماسية، وفرض العقوبات الاقتصادية إلى جانب تقديم الدعم الاقتصادي لتعزيز جهود التنمية والاستقرار في البلاد. ويتم توفير ذلك الدعم من خلال" بنك الاستثمار الأوروبي" و"البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية". في حين دعا الاتحاد الأوروبي إلى تخفيف عبء الديون على السودان بهدف دعم عملية التعافي الاقتصادي في البلاد. وقد أثارت أعمال العنف المندلعة بين الفصائل المتناحرة في الداخل السوداني إدانة واسعة النطاق من قبل المسؤولين الأوروبيين الذين دعوا بدورهم إلى إنهاء الهجمات بشكل فوري والعودة سريعًا لحكومة تحت قيادة مدنية. وفي هذا الشأن، أبدى الاتحاد الأوروبي دعمه لجهود الاتحاد الإفريقي والمملكة العربية السعودية من أجل إيجاد حل للأزمة الراهنة. كما تحرص بروكسل على إقامة حوار بصورة منتظمة مع السلطات السودانية والأطراف الفاعلة الأخرى في الأزمة بما في ذلك المبعوث الأممي الخاص إلى السودان وجنوب السودان. فيما يعود تاريخ القرار الأوروبي بفرض حظر الأسلحة على السودان إلى عام 1994م.

لبنان: ركزت السياسات الأوروبية حيال لبنان على دعم الإصلاحات الاقتصادية، والانخراط في حوار سياسي، إلى جانب دعم القوات اللبنانية المسلحة، وفرض العقوبات وتدعيم المجتمع المدني، وتقديم المساعدات الإنسانية. إذ يعد الاتحاد الأوروبي أحد أكبر الجهات المانحة للبنان من خلال حرصه على تقديم المساعدات المالية اللازمة في دعم عملية التنمية والاستقرار. ويشمل ذلك الاستجابة الأوروبية الشاملة لكارثة انفجار مرفأ بيروت التي وقعت في أغسطس 2020م، وتخصيص معونات للاجئين السوريين المتواجدين داخل الأراضي اللبنانية. ومن خلال "إطار الإصلاح والإنعاش وإعادة الإعمار في لبنان" الذي أطلقه الاتحاد الأوروبي، دعت بروكسل إلى تطبيق إصلاحات اقتصادية هيكلية بموازاة العمل على إقامة حوار سياسي تحت مظلة مجلس الجمعية الأوروبية -اللبنانية. في حين يتم تقديم الدعم للمجتمع المدني عبر "الصك الأوروبي للديمقراطية وحقوق الإنسان".

العراق: لطالما اُعتبر الاتحاد الأوروبي أحد الجهات المانحة الرئيسية للعراق عبر توفيره المساعدات المالية اللازمة من أجل تدعيم جهود التنمية والاستقرار. وعلى الجبهة الإنسانية، حرص الاتحاد على تقديم مساعدات مالية استجابة للأزمة الناجمة عن القتال ضد تنظيم داعش إلى جانب دعم اللاجئين العراقيين والمواطنين النازحين داخليًا. فيما ساهم اتفاق "الشراكة والتعاون الأوروبية -العراقية" في توفير إطار عمل يتم من خلاله إقامة حوار اقتصادي وسياسي سواء فيما يتعلق بمنظومة الإصلاحات الاقتصادية أو سبل دعم المؤسسات الديمقراطية في البلاد وتعزيز الاستقرار السياسي. في الوقت ذاته، تم إيلاء اهتمام وتركيز خاص بإصلاح المنظومة الأمنية داخل العراق وينعكس ذلك بشكل واضح من خلال بعثة الاتحاد الأوروبي لبناء القدرات في العراق.

نقاط الضعف الحالية للاتحاد الأوروبي والحلول من أجل المضي قدمًا

تعتبر محاولة إيجاد حلول لحالات الصراعات والنزاعات المشتعلة داخل الشرق الأوسط تحديًا بالغ التعقيد ومتعدد الأوجه، لذلك فإن تحميل أوروبا وحدها مسؤولية الفشل في ذلك سيكون نوعًا من المبالغة في تبسيط الأمور. فثمة العديد من العوامل التي تلعب دورًا في مفاقمة الصعوبات التي تواجه أوروبا والمجتمع الدولي في محاولات تسوية النزاعات داخل المنطقة. مع ذلك، تم إحراز بعض التقدم في عدد من الملفات الإقليمية عبر الجهود الدبلوماسية، واتفاقيات السلام، والتدخلات الإنسانية لكن يظل إيجاد حلول مستدامة للنزاعات والصراعات المتجذرة عملية معقدة ومتواصلة.

بشكل عام، يمكن القول بأن النفوذ الأوروبي داخل المنطقة يعد محدودًا في وقت تكتسب فيه قوى إقليمية وعالمية أخرى نفوذا وقدرة كبيرة على التأثير في كثير من الأحيان. كما يعتبر غياب الإجماع بين الأطراف الفاعلة الدولية عائقًا أحيانًا أمام بلورة عمل جماعي شامل ومؤثر. فمن ناحية، يسير الاتحاد الأوروبي في كثير من الأحيان على خطى الحليف الأمريكي دون تبني رؤية بديلة تُركز على الحلول السياسية بدلا من النهج الأمني الذي تعتمده واشنطن. ومن ناحية أخرى، يُنظر إلى أوروبا ببساطة على أنها لاعب غير مؤثر يخشى تحمل مسؤولية التزامات أمنية جدية أو حتى تبني مواقف قد تكون مثار جدل داخل أوروبا نفسها.

من المؤكد أن المشهد السياسي المتشرذم داخل المنطقة بما يحمله من انقسامات تاريخية ودينية متأصلة، إلى جانب طول أمد الصراعات القائمة جميعها عوامل تسببت في معايشة وضع يُنظر خلاله إلى مشاركة الأطراف الفاعلة من خارج المنطقة على أنها مسعى لمزيد من التأجيج للصراعات واستدامة الانقسامات بدلًا من محاولة إيجاد حلول مستدامة. في هذا السياق، أضحى من الصعب بمكان الحفاظ على نفس وتيرة اهتمام المجتمع الدولي والتزامه بجهود التسوية عبر تلك الفترات الزمنية الممتدة. فإن أوروبا، كغيرها من الأطراف الخارجية الفاعلة، تواجه أيضًا قيودًا من حيث الموارد، والقدرة، والأولويات المتنافسة، بما يؤثر على فاعلية دورها ومدى انخراطها في جهود تسوية النزاعات. وقد انعكس ذلك مؤخرًا من خلال الاستجابة الأوروبية للأزمة الأوكرانية حيث سرعان ما وجدت بروكسل نفسها في مرمى الانتقادات لما اعتبر تباينًا واضحًا بين شكل الاستجابة الأوروبية لما يحدث داخل أوكرانيا ومواقف الاتحاد الأوروبي السابقة مما كان يحدث في جواره الجنوبي. كما يُنظر إلى تبني الاتحاد الأوروبي المزيد من السياسات التقييدية تجاه الهجرة الوافدة من أجل مجابهة ضغوط الهجرة ومكافحة الهجرة غير الشرعية، على أنها تظل محاولة لبناء حصن أوروبي يُبقي القارة العجوز بمعزل عن الأزمات القائمة خارج حدود أراضيها بدلا من محاولة التعامل مع بعض من المشكلات الجذرية.

ولكي تتجاوز أوروبا بعض من تلك الثغرات ونقاط الضعف، يمكنها أن تُبادر باتخاذ بعض الخطوات للمساهمة في دعم استقرار منطقة الشرق الأوسط. من أهمها، الاعتراف بحجم التعقيدات التي تنطوي عليها البيئة الإقليمية بحيث لن يكون هناك مجال للحلول السهلة البسيطة. بالمثل، تحتاج دول أوروبا إلى تبني موقف أكثر واقعية بشأن ما يمكن تحقيقه وأن تنأى بنفسها عن وضع سياسات قد يراد من ورائها استنساخ أوروبا أخرى داخل المنطقة وهو تحديدًا ما أطلق عليه الكاتبان "جوليان بارنز داسي" و"هيو لوفات" لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية " الحاجة لتبني سياسية براغماتية تقوم على مبادئ"، وهو ما يعني التقليل من سياسة التنظير والتلقين مقابل دعم الجهود والمبادرات السياسية والدبلوماسية التي تقودها وتتبناها دول المنطقة. ربما يمكن البدء بدول مجلس التعاون الخليجي لتكون أول نموذج اختبار في هذا الصدد، حيث تؤكد وثيقة" الشراكة الاستراتيجية مع دول الخليج" التزام الاتحاد الأوروبي الراسخ بتطوير العلاقات مع دول المجلس والتي لا تزال حتى اللحظة حبرًا على ورق تفتقر إلى وجود خطة عمل ملموسة كي يتم تنفيذها. من ثم، ينبغي على الاتحاد الأوروبي التفكير في إقامة حوار مع دول الخليج حول الاستثمار في الاستقرار الإقليمي فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط الكبير بدول مثل لبنان، واليمن والعراق على سبيل المثال. وبعيدًا عن إطار العمل الواسع، يمكن للدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي النظر في اتخاذ التدابير التالية:

  • معالجة الأسباب الجذرية مثل: عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية، والمظالم السياسية، والتوترات الطائفية. كما يمكن أن يشمل الأمر العمل على تعزيز التجانس والتآلف الاجتماعي، والحوكمة الشاملة، والفرص الاقتصادية للمجتمعات المهمشة.
  • توسيع نطاق المشاركة الدبلوماسية عبر تسهيل سبل الحوار، والقيام بدور الوساطة بين الأطراف المتنازعة، إلى جانب دعم مفاوضات السلام. كما يمكن أن تقوم الدول الأوروبية بتطويع شبكات علاقاتها الدبلوماسية والاستفادة منها في التشجيع على الحوار وإعلاء روح المصالحة. يشمل ذلك أيضًا دعم مختلف عمليات السلام في المنطقة وبالأخص فيما يتعلق بملف النزاع الفلسطيني / الإسرائيلي في ظل تجدد التوترات مرة أخرى بين الجانبين بعد صعود حكومة إسرائيلية يمينية إلى السلطة مع بداية 2023م، كذلك يمكن لأوروبا بل وينبغي عليها فعل المزيد من حيث المشاركة والتفاعل مع المنظمات الإقليمية والشركاء الدوليين من أجل تدعيم جهود إدارة الصراعات ومبادرات تسوية النزاعات التي تظل المنطقة في أمس الحاجة إليها.
  • الاستمرار في تقديم الدعم التنموي والاقتصادي من خلال توفير المساعدات المالية، والخبرات التقنية وضخ الاستثمارات. حيث أن العمل على تعزيز التنمية المستدامة وإتاحة الفرص الاقتصادية من شأنه المساعدة في مخاطبة الأسباب الجذرية للصراعات والمساهمة في استقرار المنطقة. كما يجب أن يتم العمل على تحقيق ذلك من خلال التعاون مع الشركاء المحليين مثل دول مجلس التعاون الخليجي، وينطبق الأمر كذلك على بند المساعدات الإنسانية حيث يواظب الجانب الأوروبي بالفعل على توفير المساعدات الإنسانية اللازمة في سبيل تخفيف وطأة المعاناة على الفئات والشعوب المتضررة داخل المنطقة ويمكن إنجاز المزيد في هذا الشأن عبر التنسيق الإقليمي.
  • تنسيق أفضل للسياسات الأوروبية في الشرق الأوسط بما يجعل أوروبا قادرة على التحدث بصوت واحد بعد أن أدت المنافسة الأوروبية-الأوروبية داخل الشرق الأوسط في كثير من الأحيان إلى تناقض السياسات الأوروبية في المنطقة بما تسبب في تقويض العديد من الأساليب الإيجابية وصور الدعم التي يقدمها الاتحاد الأوروبي. فالكثير من العمل المفترض أن تقوم به أوروبا يجب أن يبدأ من داخل البيت الأوروبي وهناك حاجة ملحة إلى التأكيد على الفهم المشترك لما ينبغي القيام به وما يمكن أن يكون فعالاً عندما يتعلق الأمر بمنطقة الشرق الأوسط.

ثمة مجالات أخرى يمكن الإشارة إليها من حيث دعم الإصلاح السياسي، والتشجيع على الحوكمة الجيدة، وتوفير المساعدات التقنية للعمليات الانتخابية، ودعم منظمات المجتمع المدني، والمناداة بإجراء الإصلاحات التي تحتضن الشمولية والتمثيل. من الممكن أن تسعى أوروبا أيضًا إلى تعزيز تعاونها الأمني مع دول الشرق الأوسط لاسيما عندما يتعلق الأمر بمكافحة الإرهاب، والجريمة العابرة للحدود، وغيرها من التهديدات الأمنية. يشمل ذلك أيضًا زيادة تبادل المعلومات الاستخباراتية، والتدريب، وبرامج بناء القدرات ودعم جهود القوات الأمنية المحلية.

في الختام، تجدر الإشارة إلى أن كل قضية من قضايا الشرق الأوسط لها طابعها الفريد وتعتبر قائمة بذاتها، لذلك تحتاج أوروبا إلى تعديل نهجها بحيث يتلائم مع السياق المحدد والديناميات الخاصة بكل بؤرة نزاع أو أزمة داخل المنطقة. في النهاية، يعتمد تحقيق سلام مستدام على المدى المتوسط أو البعيد داخل المنطقة على مزيج من التعاون مع الجماعات الإقليمية من أصحاب المصلحة، والمنظمات الدولية، وغيرها من القوى العالمية في المنطقة.

مقالات لنفس الكاتب