array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 186

3 احتمالات للحرب: إما تستمر لأشهر أو الاتفاق على حل سلمي أو تتفاقم لتقود لحرب عالمية ثالثة

الإثنين، 29 أيار 2023

أدلى "ديمتري ميدفيديف"، نائب رئيس مجلس الأمن الوطني الروسي، والرئيس الروسي السابق، بتصريحات هامة، يوم 24/2/2023م، بشأن أزمة أوكرانيا، بمناسبة مرور سنة على "العملية العسكرية" الروسية بأوكرانيا، وفي وقت مازال وضع الصراع فيه يتفاقم، ويتصاعد، يومًا بعد يوم. إذ لا يوجد حتى الآن ما يشير إلى توقف قريب للمعارك الدامية بين الطرفين. حيث يحاول الجيش الروسي بسط هيمنته على المناطق الأوكرانية التي يحتلها. بينما تقاوم كييف... معتمدة على الدعم العسكري الغربي المكثف، والذي جعل رئيسها (زيلينسكي) يصرح بأن هذا العام سيشهد "انتصار أوكرانيا".

      أكد ميدفيديف: "أن روسيا ستنتصر في أوكرانيا، ومستعدة للمضي حتى حدود بولندا. وإذا كانت الولايات المتحدة تريد هزيمة روسيا، فعندئذ يحق لنا الدفاع عن أنفسنا بكل سلاح، بما في ذلك الأسلحة النووية". وذلك بعد إعلان بلاده انسحابها من اتفاقية "نيو ستارت" النووية مع أمريكا.  واتهم ميدفيديف الحكومة الأوكرانية مجدداً بأنها من "النازيين الجدد"، وترتكب "إبادة" بحق الناطقين بالروسية في أوكرانيا. وهي من التهم التي استخدمها الكرملين ذريعة لتبرير العملية العسكرية. كما تحدث ميدفيديف عن مفاوضات ستجري بعد "انتصار" روسيا. ورأى أن هذه المفاوضات "ستكون صعبة ومتوترة، والقرارات من جانب أوكرانيا سوف تتخذ عبر البحار، من قبل الذين يسلمون أسلحة إلى كييف، ويرسلون لها المال، لتعويم الاقتصاد الأوكراني أو ما تبقى منه".

       واتضح أن تصريحاته تعكس أيضًا موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أدلى بعده بأيام، بتصريحات مشابهة. حيث أعتبر أن حلف "ناتو" يشارك بقوة في حرب أوكرانيا، عبر إرسال مساعدات عسكرية ضخمة لأوكرانيا. وتابع قائلا: "هذا يعنى أن ناتو يشارك، ولو بصورة غير مباشرة، في جرائم كييف...إن الدول الغربية لديها هدف واحد، هو تدمير الاتحاد السوفييتي السابق، والجزء الرئيسي منه، روسيا الاتحادية. عندها فقط قد يقبلوننا في عائلة الشعوب المتحضرة المزعومة، ولكن بصورة منفصلة فقط، كل جزء لوحده". وقال: "إننا نعمل لعالم متعدد الأقطاب". وهذه التصريحات تؤكد وتلخص موقف روسيا في هذا الصراع العالمي الخطير.

                                       ****

     إن ما تسميه روسيا بـ "العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا"، يكاد معظم العالم أن يكون منخرطًا فيها، أو متأثرًا، بشكل أو آخر، بهذه الحرب، التي يحبس الكثيرون أنفاسهم، خشية أن تتصاعد لدرجة الانفلات، وحدوث ما لا تحمد عقباه، وهو الاصطدام المروع المحتمل بين روسيا، وحلفائها من جهة، والغرب وحلفائه من جهة أخرى. وبعض المراقبين يصفون هذا الصراع الدولي الساخن، بأنه تمهيد للحرب العالمية الثالثة والأخيرة. لذا، لا يستغرب أن هذه الحرب تهم وتشغل معظم العالم.

   ولا شك أن روسيا، بغزوها لأوكرانيا، تدفع خطرًا فادحًا محتملاً على أمنها القومي، ووحدة أراضيها، وسيادتها. خطر سيأتي حتمًا من أوكرانيا بخاصة، إن هي انضمت لحلف ناتو، المعادي جدًا لروسيا، واستمرت في استفزاز الروس. وذلك تحسب روسي مشروع، ومبرر تمامًا، رغم "قسوة" رد الفعل الروسي، والذي تمثل في التنكيل بأوكرانيا، إنسانا وأرضًا. فمن الناحية القانونية، ترتكب روسيا، بحربها هذه، مخالفة فظيعة للقانون الدولي. والمتوقع أن تحقق روسيا أغلب أهدافها من هذه الحرب، ما لم يحصل الاصطدام الكبير بينها وبين الغرب. وستؤكد روسيا، إن هي انتصرت، موقعها كقطب جديد-قديم.

   ولكن الجيش الروسي ارتكب خطأ استراتيجيًا فادحًا، عندما تجنب احتلال العاصمة الأوكرانية كييف، وازاحة الحكومة العميلة للغرب، في بداية اجتياحه، كما فعلت أمريكا عندما غزت العراق. الأمر الذي مكن كييف من التواصل مع العالم الغربي، الذي أقام جسرًا اتصاليًا، وجوياً، وبريًا، لتزويد أوكرانيا بالسلاح والعتاد، والدعم، وبعض المقاتلين. مما أدى إلى عدم حسم المعركة، وتطويل أمد الحرب، إلى أجل غير مسمى. وكل ذلك سهل لأمريكا: العمل على استنزاف أكبر قدر ممكن من القوة الروسية، ودق أسفين بين روسيا وأوروبا، واضطرار أوروبا، أو معظمها، للارتماء أكثر في الحضن الأمريكي.

                               ****

    وقد كانت روسيا، وما زالت، هي الهاجس الأمني – السياسي الأكبر لأعضاء حلف ناتو، رغم كونها، بالدرجة الأولى، دولة أوروبية-أورو آسيوية كبرى، إلا أن هناك عداء أوروبي تاريخي تقليدي لها. فعلى مدار التاريخ الحديث والمعاصر، كانت هناك صراعات وحروب بين روسيا والدول الأوروبية الكبرى. وكذلك اجتياحات عسكرية روسية لبعض بلدان أوروبا المجاورة لروسيا. كما أن كون غالبية الروس تعتنق المذهب المسيحي الأرثوذكسي جعل لروسيا تقاليد وحضارة مختلفة عن غالبية دول أوروبا وغالبيتها البروتستانتية. وساهم قيام "الشيوعية" فيها، في الفترة 1917– 1991م، وهيمنتها على أوروبا الشرقية، في جعل روسيا في خصام مع "الديمقراطيات" الغربية، ورثته روسيا، رغم تخليها عن التوجه الشيوعي الماركسي، وتحولها لدولة وطنية ليبرالية.

    وبعد انهيار حلف وارسو، والاتحاد السوفييتي، طالبت روسيا بعدم توسع حلف "ناتو" شرقًا تجاه حدودها الغربية، فوعد الحلف – أثناء مفاوضات توحيد ألمانيا تحديدًا-بعدم التوسع شرقًا. ولكنه نكث بهذا الوعد، واستغل ضعف روسيا، في المرحلة الانتقالية التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفييتي، فتوسع شرقًا لألاف الكيلومترات. وها هو يمعن في هذا التوسع، ويضم فنلندا والسويد. فالغرب يناوئ روسيا، لأسباب أيديولوجية وتاريخية معروفة.  ويعتبر روسيا رسميًا، من أكبر وأخطر ما يهدد الأمن القومي الغربي، إضافة إلى الصين، وغيرها. وهذا الغرب، وزعيمته أمريكا، يرفض تطورات النظام العالمي الأخيرة، ويصر على إبقاء النظام العالمي أحادي القطبية، رغم صعود الصين، وإلى حد ما روسيا، عنوة إلى قمة العالم السياسية-الاقتصادية، كأمر واقع، لا يملك أحد في الوقت الحالي تعديله.

                                       ****

وما زال العالم متوجسًا خيفة:

    من الصعب التشكيك في اتهامات بوتين وميدفيديف الأخيرة للغرب، بأنه يريد تحطيم الاتحاد الروسي، وإضعافه، وتفكيكه، والحيلولة دون تحالفه مع الصين، ضد الغرب. فهذا الغرب (ممثلا بحلف ناتو) ما فتئ يسعى لتقسيم روسيا إلى دويلات، بعدد جمهوريات ومناطق الاتحاد السوفييتي السابق. وكان، ومازال، يسعى لعزل روسيا، ودق أسفين بينها وبين أوروبا، وإن أضر ذلك باقتصاد أوروبا، وازدهارها. ومن الأمثلة على ذلك، تدمير أمريكا لخط "نوتر ستدام". ثم يتفرغ، بعد ذلك، لعدوه الأكبر، الصين، ويعمل لاستدامة هيمنة القطب الواحد (أمريكا) على النظام العالمي.

   إن عبارة "يتوجس المرء خيفة"، تعنى أن هناك خطر فادح مؤكد، يواجه ذلك المرء، أو طرف معين، ويثير فزعه، وقلقه، وخوفه من هلاك قادم في الأفق، وليس لرده من سبيل، إلا أن شاء الله، وحدثت معجزة. وهذا هو حال معظم العالم الآن، جراء هذا الصراع، الذي وصف بأنه أخطر ما يواجه العالم، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

                                     ****

     لقد انفرد هذا الغرب (ممثلًا بزعيمته أمريكا) بالنظام العالمي لحوالي ثلاثة عقود، 1991-2022م، كانت خلالها أمريكا هي القطب الآمر الناهي الأوحد. فكيف كانت هذه العقود الثلاثة؟! بالطبع، وفي حقيقة الأمر، لم تكن بردًا وسلامًا وازدهارًا على العالم، بصفة عامة. بل سادت خلالها مظالم، وكوارث، واضطرابات، كان بالإمكان منع حصولها. فلعل أبرز ما شهده العالم من هذا الغرب، وما زال، هو كونه كتلة استغلالية عنصرية، وصهيونية في أحيان كثيرة، تهدف للسيطرة على العالم، وعلى مقدراته، وفرض سيادتها عليه. هذا الغرب الذي يدعي الحرص على الحرية، والديمقراطية...الخ، ثم وعلى مسمع ومرأى من العالم، نراه يضرب هذه القيم خارج حدوده، في مقتل، خاصة في المناطق التي له فيها "مصالح". هذا الغرب بعينه هو الذي يستفز روسيا، وكثير من بلدان العالم، بسياساته الاستغلالية والاستعمارية، والأنانية. ويمكن هنا تلخيص أهم ملامح سياسات هذا الغرب، بصفة عامة، وزعيمته، بصفة خاصة. 

   اذ لم تعمل أمريكا بإخلاص، كدولة عظمى متنفذة، ومحترمة، يتطلع إليها العالم، طلبًا للعون، على استتباب السلام والأمن والاستقرار الحقيقي بالعالم، وفق الأسس الصلبة المعروفة القائمة على الرضا الفعلي للأغلبية. وتلك مصلحة "مشتركة" بين دول العالم وأمريكا. حيث أن استتباب السلام والأمن والاستقرار على أسس حقة، يسهم في دعم سلام وأمن واستقرار أمريكا نفسها، وبقية العالم. صحيح، من الإجحاف أن يطلب من أمريكا وحدها كل ذلك، لان المسؤولية الأساسية عن السلام العادل تقع على عاتق كل دول العالم، وليس على أمريكا فقط. ولكن أمريكا (الأقدر على المساهمة والمساعدة والدعم، بل والإنجاز) لم تفعل حتى الآن، في هذا الشأن، سوى القليل. فالعالم ما زالت تسود به الحروب والصراعات والقلاقل. وما زال سائدًا ببعض أرجائه استقرارًا مصطنعًا، قابلًا في أي لحظة للتحول إلى عدم استقرار سافر. وأمريكا، باعتبارها صاحبة أكبر "نفوذ" عالمي، كانت – وما زالت-تستطيع عمل الكثير في هذا الشأن، خــاصــة إن اتبعـــت مبـدأ "الكل يربح"، ولم تستبعده، لتتبــع مبدأ "لأربح، وليخسر الآخرون". ومما يلاحظ أيضًا على سياسة أمريكا نحو العالم، ومنه المنطقة العربية أن:

  • صديق الأمس قد يمسي عدو اليوم. والعكس يحصل خلال أشهر.
  • التدخلات لحل أغلب مشاكل العالم لا تسفر عن حلها، بل تفاقمها. وهذا يذكر بما قاله، ذات مرة، عراب السياسة الخارجية الأمريكية المعاصرة "هنري كيسنجر" بأن: أمريكا عندما تتدخل في أي أزمة، فيجب ألا تسعى لحلها، بل لاستخدامها لما يخدم المصلحة الأمريكية...؟!
  • التقلب في المواقف. فما هو صحيح اليوم، يصبح خطأ غدًا.
  • كثيرًا ما يتم ضرب الأطراف ببعضها، فيحدث التصعيد.
  • الأنانية والانتهازية.

    ولكن أكبر (وأسوأ) ما يلاحظ على السياسة الأمريكية تجاه المنطقة العربية بخاصة، هو انحيازها التام لإسرائيل... هذا الكيان الإرهابي، الذي يرتكب إحدى أكبر جرائم العصر، باحتلال فلسطين، والتنكيل بشعبها. حيث تعمل أمريكا لتحقيق أهداف إسرائيل أولًا...حتى وإن تناقضت مع مصلحة أمريكا نفسها. فلقد أمتطى السياسي الصهيوني حصان الكاوبوي الأمريكي، وأخذ يوجهه في الوجهة التي تخدم الصهاينة، وتضر بسواهم. ومن المؤكد أن صاحب الحصان قابل للعب هذا الدور، وبكل ارتياح وسرور. لذلك، فإن معظم ما يحدث بالمنطقة العربية هو ما تريده إسرائيل، وتخطط لحصوله، ويصب لصالحها، دون اعتبار لمنطق الحق والإنسانية والقانون.

                                         ****

        إن الغرب، بزعامة أمريكا، هو المسؤول الأول والأساسي عن نشوب حرب أوكرانيا، وما ينجم عنها من تداعيات. فمنذ عام 1991م، بدأ الغرب يعمل على محاصرة روسيا، بهدف اضعافها، وتمزيقها. وتمدد حلفه (ناتو) شرقًا نحو روسيا، ليتمكن من الكيد لروسيا من جوارها المباشر. وينصب صواريخه، وجيوشه، على حدود روسيا، مشكلًا تهديدًا فادحًا للأمن القومي الروسي.  ولنا أن نتخيل ماذا كان الغرب (وزعيمته) سيفعل لو أن روسيا، أو أي دولة مناوئة أخرى، أقامت قواعد عسكرية قريبة من حدوده؟! عندئذ سيقيم الغرب الدنيا، ولا يقعدها. وكأن لسان حاله يقول: من حقي أن أتوسع، وأهدد، وليس من حق خصومي أن يعملوا الشيء نفسه...؟!

    لقد دفع الغرب روسيا دفعًا لغزو أوكرانيا.  ونكث بوعوده، وتعهداته، بعدم توسع حلفه (ناتو) شرقًا. استغل انشغال روسيا في مشاكلها الداخلية، فتوسع إلى حدودها الغربية. وضم دولا متاخمة لروسيا، واضعًا بعض قواته وصواريخه قريبًا من البر الروسي. وعندما قويت روسيا، تنبهت لهذا الاقتراب سيء المقصد، وبدأت تدعو لوقفه. ولكن الغرب استمر في التوسع شرقًا، غير مبال بالمخاوف الأمنية الروسية المشروعة، وغيرها. فقرر ضم أوكرانيا للناتو، وهي الدولة الأقرب لروسيا. عمل ذلك، رغم وجود نسبة كبيرة من الأوكرانيين تميل لروسيا، ورغم تحذير روسيا بعدم ضم أوكرانيا للناتو، لأن ذلك يهدد أمنها القومي، لدرجة خطيرة جدًا. وليس هناك من دليل يؤكد ما ذكر أقوى من رفض كثير من دول العالم "إدانة" الحرب الروسية على أوكرانيا، في عدة محافل ومؤتمرات دولية، رغم إصرار أمريكا والغرب على هذه الإدانة.    

                                  ****                                  

حرب أوكرانيا: الاحتمالات الثلاثة الصعبة:

    لقد أخذ الغرب، منذ العام 1991م، يتدخل في الشؤون الداخلية لأوكرانيا، وبشكل سافر، أحيانًا. وساهم في وصول حكومة فولاديمير زيلينيسكي، الموالية له للسلطة. وأقيمت في أوكرانيا مصانع سرية للأسلحة البيولوجية والكيميائية، وبذل جهد محموم لتهيئة أوكرانيا لعضوية الناتو. وفي ذات الوقت جمدت أمريكا اتفاقية عدم نشر الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى في شرق ووسط أوروبا. وكانت روسيا تراقب هذا الوضع بقلق، وغضب شديدين، حتى تفجر غضبها. ثم اندفعت لغزو أوكرانيا ابتداء من يوم 24 فبراير 2022م.

    والملاحظ، إمعان القيادة الأوكرانية، بزعامة زيلينيسكي، في مواصلة الحرب والقتال، والتماهي التام مع الاستراتيجية الغربية، في معركة خاسرة، أو شبه خاسرة، بالنسبة لبلدهم. فهم يواجهون قوة عسكرية عظمى، لن يستطيعوا الصمود أمامها، ناهيك عن الانتصار عليها، مهما تدفقت المساعدات العسكرية والسياسية إليهم من الغرب. والنتيجة النهائية ستكون مزيدًا من العناء والتدمير للشعب الأوكراني. صحيح، إن ذلك قد يستنزف بعض قوى روسيا، ولكن قدر هذا الاستنزاف سيكون محدودًا، ولا يتناسب مع حجم تدمير دولة كبيرة ومتقدمة مثل أوكرانيا.

     وها هو أحد رؤساء دول الاتحاد الأوروبي وحلف ناتو يشخص سياسة الغرب في أوكرانيا، ناصحًا بتغييرها. فقد صرح الرئيس الكرواتي "زوران ميلانو فيتش"، في يناير 2023م، بقوله: "إن العقوبات ضد روسيا ضرب من الحماقة، ولا تحقق لأصحابها شيئًا". وتساءل عما: "إذا كان الجميع يريدون أن يكونوا عبيدًا لواشنطن". ومضى قائلًا: "إن واشنطن والناتو، بمساعدتهم هذه لأوكرانيا، إنما يخوضان حربًا بالوكالة، ضد روسيا ... وهي دولة خطيرة للغاية. وإذا بدأت بخسارة الحرب، فستطلق ستة آلاف رأسًا نوويًا، وسيبكي الجميع".

                                        ****

   إن القيادة الأوكرانية الحالية تقدم بلادها قربانًا لحلف ناتو، الذي لا يريد من ضمها اليه سوى "استخدامها" ضد جارتها، وشقيقتها، روسيا. فأي منطق يتبعه ساسة أوكرانيا، بإصرارهم على مواصلة الحرب، خاصة بعد أن اتضحت أهداف أمريكا، ونواياها، تجاه بلادهم، وجيرانها؟!  كان، ومازال، بإمكان قادة أوكرانيا مهادنة الروس، والتفاوض معهم، والبقاء على الحياد، لحماية بلادهم، وشعبها، من هذا التدمير الهائل. فغالبًا لن يكسبوا من عضوية الناتو إلا أن يصبحوا أول ضحايا الحرب مع روسيا.

  لقد تجسد رد فعل الغرب (ناتو) على هذه العملية العسكرية الروسية، في عدة إجراءات مضادة خطيرة، من أهمها: التنديد الشديد بروسيا، وفرض عقوبات غير مسبوقة عليها، إضافة إلى إنشاء جسر جوي بين الغرب وأوكرانيا، لتزويد الأخيرة بأسلحة وصواريخ متطورة جدًا، وتفعيل خطط الناتو الدفاعية، وإنشاء مجموعات قتالية إضافية، في الجانب الشرقي للحلف، كل ذلك يجعل الغرب منخرطًا في الحرب ضد روسيا، وإن بشكل غير مباشر. أي إننا نشهد الآن حربًا ضروسًا غير مباشرة بين الغرب وروسيا، توشك، لو "صعدت" قليلًا، أن تصل لدرجة حرب شاملة مباشرة (ونووية)... حرب عالمية ثالثة، قد تكتب نهاية هذا العالم، كما نعرفه. إن لدى كل من أمريكا وروسيا من الأسلحة النووية فقط ما يمكن، لو استخدم، أن يدمر العالم ست مرات. ومن المستبعد ألا يستخدم هذا السلاح في أي اصطدام مباشر حاد بينهما، خاصة بعد أن وضعا ترسانتيهما النوويتان على "أهبة الاستعداد".

                                    ****

   ولا شك أن هناك تداعيات كثيرة، وآثار مختلفة، محلية وإقليمية وعالمية، لهذه الأزمة العالمية الأكبر في الوقت الحالي. فهذه الأزمة فرضت على العالم، وإن بدرجات متفاوتة، عدة تحديات شائكة في كل جوانب الحياة العامة، تقريبًا. صحيح، أن معظم هذه التحديات، مازالت "محتملة" (متوقعة) وليست متواجدة فعلًا. ولكنها شبه واقعة. وإن تفاقمت وتصاعدت الحرب، ستتفاقم هذه التداعيات. إن هذه الحرب قد طالت، بأكثر مما كان متوقعًا. وقد تضع أوزارها قريبًا، ما لم يتدخل حلف ناتو مباشرة (وهو أمر مستبعد، حتى الآن) أو غير مباشرة، كما يفعل الآن، عبر تقديم المزيد من الأسلحة المتنوعة والمتطورة لأوكرانيا.

    ومعروف، أن روسيا وأوكرانيا تصدرا ما يعادل ثلث صادرات العالم من القمح والشعير، وغيرهما. الأمر الذي يعطى هاتين الدولتين نفوذًا، وسلاحًا (غذائيًا) هامًا. وقد تسببت حرب روسيا على أوكرانيا في توقف الأخيرة عن الزراعة طيلة موسم 2022-2023م، وربما ما بعده. وهذا يعني وقف صادراتها من هذه المادة الغذائية الحيوية. وحدوث نقص في المواد الغذائية، يفاقم من معاناة فقراء. الأمر الذي ربما يؤدي إلى عدم الاستقرار، ونشوب الاضطرابات في بلادهم. هذا، إضافة إلى توقف انسياب النفط والغاز الروسي إلى أوروبا، وما ينجم عن هذا التوقف من مشاكل ومضايقات، كانت أوروبا في غنى عنها. ولكن، يظل أكبر وأخطر تداعيات هذه الحرب هي ارتفاع احتمالات حصول الكارثة الأكبر ...وهي الاصطدام الهائل المباشر بين روسيا وحلف ناتو، وحدوث ما لا تحمد عقباه، أي الهلاك... لمعظم الأحياء على الأرض.

                                       ****

     والخلاصـــة، لقد دخلت هذه الحرب الشعواء عامها الثاني. ولا يلوح في الأفق ما يشير لقرب انتهائها. بل أن الدلائل تشير للعكس. ويبدو أن هناك ثلاثة احتمالات لهذه الحرب، في المدى القصير. إما أن تستمر أشهرًا أخرى، أو يتم الاتفاق على حل سلمي بين الأطراف المعنية، أو تتفاقم ... لتتسبب في حرب عالمية ثالثة، وأخيرة. وما يحصل من تصعيدات هائلة خطيرة، ربما يعجل بدفع أطراف هذه الحرب للتفاوض على حل سلمى... ينهي النزاع، أو يقلصه، ويقي البشرية شرور الهلاك النووي. ولكن يبدو أن الطرفين أبعد ما يكونا، بعد كل ما حدث، عن الحل السلمي. بل أصبحا أقرب للاشتباك المباشر، والوصول إلى ما لا تحمد عقباه، خاصة إن استمر عنادهما، وتصلبهما، واصرارهما على فرض موقفيهما المتناقضين تمامًا، شكلاً ومضمونًا.

    تريد روسيا الاحتفاظ بما أحتلته من الأراضي، المقاطعات الأربع وشبه جزيرة القرم، وعدم انضمام أوكرانيا لحلف ناتو. ويريد الغرب انسحاب القوات الروسية من كل الأراضي "الأوكرانية"، وضم أوكرانيا لكل من الاتحاد الأوروبي، وحلف ناتو. ويبدو أن الاتفاق بين الجانبين (روسيا والغرب) على حل لهذا المأزق، يعتبر الآن في عداد المستحيلات.

مقالات لنفس الكاتب