array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 186

"إعلان جدة": إجماع عربي ينقل القضية الفلسطينية من التعاطف للإنجاز

الإثنين، 29 أيار 2023

سوف تظل القضية الفلسطينية تمثل القضية المركزية والرئيسية لكافة الدول العربية وذلك بالرغم مما تشهده هذه القضية في بعض الأحيان من تراجع وعدم اهتمام إقليمي ودولي في ضوء تفاقم بعض القضايا الأخرى التي استدعت أن تكون لها الأولوية المؤقتة في المعالجة مثل الأوضاع في ليبيا والسودان ولبنان وقطاع غزة واليمن، بالإضافة إلى بعض المشكلات الدولية ومن أهمها الحرب الروسية /الأوكرانية وتداعياتها على الأوضاع الاقتصادية والعسكرية على مستوى العالم أجمع.

*** وفى الوقت نفسه فإن الأمر لم يقتصر على مجرد هذه المشكلات الإقليمية والدولية المؤثرة سلباً على وضعية القضية الفلسطينية بل أن الموقف ازداد تعقيداً بفعل ثلاثة عوامل أساسية وهي كما يلي:

العامل الأول: وجود حكومة إسرائيلية شديدة التطرف برئاسة "بنيامين نتانياهو" وعضوية الوزيرين المتطرفين "بن غفير وسموتريتش" وهي حكومة أسقطت عملياً وواقعياً عملية السلام من أجندتها، بل أن هذ الحكومة أصبحت تسابق الزمن في مجال دعم الاستيطان في الضفة الغربية والقدس دون اكتراث لأية عوامل أو مناشدات خارجية أو قرارات دولية.

العامل الثاني: استمرار الانقسام الفلسطيني / الفلسطيني دون وجود أي أفق في المدى المنظور على إمكانية الوصول إلى مصالحة فلسطينية حقيقية في ظل غياب إرادة إنهاء هذه المشكلة، ولا شك أن هذا الانقسام يعد أحد المبررات القوية التي تستند عليها إسرائيل في عدم التحرك في عملية السلام.

العامل الثالث: استمرار تعامل الإدارة الأمريكية -وهي الدولة الوحيدة في العالم التي تملك إمكانيات الضغط الحقيقي على إسرائيل -مع القضية الفلسطينية انطلاقاً من المنظورين الأمني والإنساني، وتجنب واشنطن حتى الآن عن القيام بأي تحرك سياسي لوضع مبدأ حل الدولتين موضع التنفيذ رغم تبنى إدارة الرئيس "بايدن " لهذا المبدأ.

*** وفى ظل هذا المناخ الذي يمكن اعتباره بوضوح مناخاً سلبياً، تم عقد القمة العربية الثانية والثلاثين في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، وكان واضحاً للغاية أن هذه القمة مطالبة بأن تتعامل مع العديد من القضايا الشائكة والتي تتطلب تدخلاً عاجلاً مثل الأزمة السودانية بكافة تعقيداتها السياسية والعسكرية والأمنية، بالإضافة التعامل مع الأزمة السورية وخطوة إعادة سوريا إلى الجامعة العربية وما تفرضه من متطلبات والتزامات حتى يتم حل هذه الأزمة برمتها من كل جوانبها.

*** وبالرغم من هذه المشكلات العربية التي لا تنتهي لم تكن القضية الفلسطينية غائبة عن "قمة جدة" حيث عادت واحتلت الأولوية في اهتمام السياسة الخارجية العربية وبنداً رئيسياً في القمة وهو الأمر الذي يمكن اعتباره رسالة عربية واضحة موجهة إلى إسرائيل والولايات المتحدة وللمجتمع الدولي بأكمله مفادها أن الدول العربية لن تتنازل عن هذه القضية مهما كانت التعقيدات والصعوبات، وأنه لابد من التوصل إلى حل سياسي لها أسوة بالمحاولات والجهود التي تبذل لحل القضايا العربية الأخرى.

*** وقد وضح هذا الاهتمام الكبير بالقضية الفلسطينية خلال الكلمات التي ألقاها الزعماء والقادة العرب تباعاً والتي كانت بمثابة تأكيداً من جانبهم على أن القضية الفلسطينية ليست قضية الفلسطينيين وحدهم بل هي قضية كل العرب وكل المسلمين وأنه حان الوقت لوضع حد لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ومنح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة.

*** وكم كان الموقف إيجابياً خلال اجتماعات القمة العربية بل ويدعو إلى التفاؤل عندما أجمع القادة العرب بلا استثناء خلال كلماتهم على أولوية القضية الفلسطينية وطرح رؤاهم للتسوية السياسية، وكان هناك إجماعاً على ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ومن المؤكد أن هذا الإجماع العربي يعتبر خطوة جيدة في إطار تضافر الجهود العربية من أجل دفع جهود تسوية هذه القضية إلى الأمام.

*** وفى الوقت نفسه جاء البيان الختامي لقمة / جدة أو ما يسمى "إعلان جدة" الصادر يوم 19 مايو 2023م، انعكاساً صادقاً لموقف الزعماء العرب تجاه القضية الفلسطينية الذي تم طرحه خلال أعمال القمة العربية، حيث أكد البيان على النقاط الخمس التالية:

النقطة الأولى: إعادة التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية للدول العربية باعتبارها أحد العوامل الرئيسية للاستقرار في المنطقة.

النقطة الثانية: إدانة الممارسات والانتهاكات التي تستهدف الفلسطينيين في أرواحهم وممتلكاتهم ووجودهم.

النقطة الثالثة: أهمية تكثيف الجهود للتوصل إلى تسوية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية وإيجاد أفق حقيقي لتحقيق السلام على أساس حل الدولتين وفقاً للمرجعيات الدولية وعلى رأسها مبادرة السلام العربية والقرارات الدولية ذات الصلة ومبادئ القانون الدولي بما يضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على الأراضي الفلسطينية في حدود 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية.

النقطة الرابعة: دعوة المجتمع الدولي إلى الاضطلاع بمسؤولياته تجاه إنهاء الاحتلال ووقف الاعتداءات والانتهاكات المتكررة التي من شأنها عرقلة مسارات الحلول السياسية وتقويض جهود السلام الدولية.

النقطة الخامسة: التشديد على ضرورة مواصلة الجهود الرامية لحماية مدينة القدس المحتلة ومقدساتها في وجه المساعي المدانة للاحتلال لتغيير ديموغرافيتها وهويتها والوضع التاريخي والقانوني القائم فيها، بما في ذلك دعم الوصاية الهاشمية التاريخية لحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية وإدارة أوقاف القدس وشئون المسجد الأقصى المبارك التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية بصفتها صاحبة الصلاحية الحصرية، وكذلك دور لجنة القدس وبيت مال القدس في الدفاع عن مدينة القدس وصمود أهلها.

*** إذًا فمن الواضح أن هذا الموقف العربي الذي تبلور في القمة العربية في "جدة" بشأن القضية الفلسطينية يعد ترجمة حقيقية لمواقف الدول العربية إزاء قضيتهم المركزية، ولكن يظل السؤال الرئيسي والمشروع الذي يطرح نفسه وهو هل يمكن أن نكتفي بهذا الموقف العربي المتقدم والمعلن تجاه القضية الفلسطينية؟ أم أن الأمر يتطلب أن تكون هناك تحركات عربية مكثفة في محاولة لوضع المبادئ التي طرحها الزعماء العرب في "إعلان جدة" موضع التنفيذ قدر المستطاع حتى يمكن أن ننطلق من هذا الإعلان نحو تسوية حقيقية للقضية الفلسطينية مثلما تم مع الأزمة السورية، مع تقديرنا لوجود اختلافات متعددة بين هاتين القضيتين، ولكن الأمر الجديد في هذا المجال أن التحرك العربي والسعودي المكثف أسهم ونجح في تحريك الملف السوري للأمام، وهو التحرك الذي آمل أن يتم بنفس الجدية في الملف الفلسطيني.

*** وهنا من الضروري أن نستثمر "إعلان جدة" في دفع القضية الفلسطينية للأمام في ضوء الواقع الحالي، وهو الأمر الذي يتطلب أن يكون هناك تحركاً جاداً وعاجلاً على المستويين الرئيسيين التاليين:

أولاً: على المستوى الفلسطيني

  ** أهمية أن يتم خلال أقرب وقت ممكن استئناف جهود المصالحة الفلسطينية من أجل إنهاء الانقسام الذي دخل عامه السادس عشر، مع التأكيد على أن النجاح في هذا الملف سوف يكون أبلغ رسالة يمكن أن يوجهها الفلسطينيون شعباً وقادة إلى إسرائيل وإلى المجتمع الدولي مفادها أنهم أصبحوا جميعاً على قلب رجل واحد.

ثانياً: على المستوى العربي

** إعادة التأكيد على مبادرة السلام العربية المطروحة منذ عام 2002م، باعتبار أنها لازالت تمثل حدود الموقف العربي إزاء التسوية السياسية الشاملة ليس فقط للصراع العربي الإسرائيلي وإنما أيضاً بالنسبة للقضية الفلسطينية بكافة جوانبها.

** ضرورة التحرك مع كافة الأطراف المعنية من أجل استئناف المفاوضات الإسرائيلية / الفلسطينية خلال الأسابيع القليلة المقبلة، على أن يتم التوافق على طرح كافة القضايا السياسية والأمنية بدون استثناء على مائدة المفاوضات التي لابد أن تشهد مرونة في مواقف الأطراف حتى يمكن أن تسفر عن نتائج جيدة.

** النظر في إمكانية تشكيل لجنة عربية جديدة من بينها "مصر والسعودية والأردن وفلسطين وقطر" تتولى مسؤولية التنسيق بين المواقف العربية والفلسطينية ومواقف الدول الأخرى وخاصة الولايات المتحدة والرباعية الدولية من أجل التمهيد لأي تحرك عربي يهدف إلى تنشيط عملية السلام.

** دعم موقف السلطة الفلسطينية في جهودها الحالية الرامية إلى الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.

** تقديم الدعم المادي اللازم للسلطة الفلسطينية من أجل احتواء الأوضاع الاقتصادية المتردية في الضفة الغربية.

** تقديم الدعم السياسي والمادي لدعم صمود الفلسطينيين في مدينة القدس الشرقية في مواجهة مشروعات التهويد المتواصل والمكثف التي تقوم بها إسرائيل، وفى رأيي أن الوقت قد حان من أجل السماح للمسلمين من كل أنحاء العالم بزيارة مدينة القدس والمسجد الأقصى، ولا شك أن هذا الإجراء سوف يرتبط ارتباطاً وثيقاً بدعم صمود أهل القدس وليس له أي علاقة بموضوع التطبيع العربي / الإسرائيلي.

** مساعدة مصر في جهودها التي تقوم بها منذ عام 2021م، لإعادة إعمار قطاع غزة والتي شهدت تقدماً كبيراً في هذا المجال.

*** وفى الوقت نفسه من الضروري أن يتم توصيل رسائل عربية واضحة إلى إسرائيل مفادها أن تطبيع العلاقات بينها وبين أية دولة عربية مستقبلاً أو حتى تنشيط اتفاقات التطبيع السابقة يتطلب أن تقوم إسرائيل بتقديم تنازلات ملموسة في الملف الفلسطيني وتحديداً فيما يلي:

  ** استئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني بعد جمود دام حوالي تسع سنوات، وأن يكون هدف العملية التفاوضية هو الوصول إلى حل الدولتين وبما يحقق أمن واستقرار ورخاء ليس فقط الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية بل جميع دول المنطقة.

 ** وقف قطار الاستيطان والتهويد الذي يسير بسرعة كبيرة ويلتهم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وآخرها العودة إلى مستوطنة "حوميش" شمال الضفة رغم أنه تم إخلاؤها عام 2005م.

  ** التوقف عن الاقتحامات اليومية للمسجد الأقصى المبارك التي تقوم بها الجماعات الإسرائيلية اليمينية المتطرفة والوزراء المتطرفون في الحكومة الإسرائيلية.

  ** التوقف عن سياسات الاعتقالات والاغتيالات وقتل الفلسطينيين وهدم منازلهم.

   ** وقف الإجراءات التي من شأنها التأثير السلبي على وضعية السلطة الفلسطينية التي يمكن أن تنهار في أي وقت بفعل الإجراءات الإسرائيلية المختلفة ضدها.

*** وحتى أكون واقعياً ومع قناعتي الكاملة بالصعوبات المرتبطة بالتحرك العربي الذي ننشده، إلا أن المطلوب أن يتم تفعيل هذا التحرك بغض النظر عن النتائج المباشرة المتوقعة، حيث أن هذه التحركات من شأنها أن تحافظ على القضية الفلسطينية في دائرة الضوء وأن تفرضها على الأجندات الإقليمية والدولية أملاً في أن تسفر أي من هذه التحركات عن أي نتيجة إيجابية في مرحلة ما، وأتمنى أن تكون هذه التحركات قريبة.

*** الخلاصة أن "إعلان جدة" الذي عكس توافقاً وإجماعاً عربياً تجاه القضية الفلسطينية يجب ألا يكون مجرد إعلان أو بيان داعم للموقف الفلسطيني فقط ولكن يجب أن يكون هذا الإعلان بداية حقيقية نحو تحرك عربي فاعل ينقل القضية من خانة التعاطف والتأييد إلى مرحلة جديدة يتحقق فيها إنجاز فعلى يعطى الأمل للشعب الفلسطيني في إمكانية أن تكون لهم دولتهم المستقلة ذات السيادة أسوة بشعوب دول العالم وهذا أقل حقوقهم الإنسانية في وسط عالم للأسف لا يعرف إلا المعايير المزدوجة ولا يؤمن إلا بلغة القوة.

*** وفى النهاية فإني على ثقة بأن الجهود العربية قادرة على أن تحقق اختراقاً إيجابياً بشأن القضية الفلسطينية بشرط أن يتسم التحرك العربي بالجدية والاستمرارية والقدرة على جذب المواقف الدولية لصالح الموقفين العربي والفلسطيني، بالإضافة إلى ضرورة استثمار كافة الأدوات التي تمتلكها الدول العربية للضغط على إسرائيل التي لن تقوم بتقديم أية تنازلات من جانبها وعن طيب خاطر إلا إذا استشعرت أن هناك موقف عربي وفلسطيني قوي وموحد في مواجهتها، ومن المؤكد أننا نملك القدرة على اتخاذ هذا الموقف. 

مقالات لنفس الكاتب