array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 188

التنمية الاجتماعية في السعودية مكملة للاقتصادية وشكلت تجربة فريدة لبناء الدولة

الأحد، 30 تموز/يوليو 2023

في ظل سعي السعودية لتحقيق رؤية 2030، والتي تشمل مستهدفات في شتى المجالات الحياتية المختلفة؛ يبرز مفهوم القوة الناعمة لارتباطه فيها بشكل أساسي، كونها قوة جاذبة تمثّل رصيداً لرأسمال اقتصادي وسياسي ثميناً يعزز نفوذ السعودية على الصعيد الدولي بعيداً عن القوة الصلبة، بالاعتماد على موارد قوامها؛ قيم دينية، واقتصادية، وسياسية، وثقافية.

تمتلك السعودية 19% من الاحتياطي العالمي، و12% من الإنتاج العالمي، وأكثر من 20% من مبيعات البترول في السوق العالمية، كما تمتلك طاقة تكريرية تصل إلى أكثر من خمسة ملايين برميل يومياً، داخلياً وخارجياً، بالإضافة إلى احتياطي يصل إلى 267 بليون برميل، و استطاعت أرامكو التفاعل مع طبيعة هذه المتغيرات وإدارة الأزمة، وبفضل النفط ، تمكّنت السعودية من تحقيق فائض قوة اقتصادي كبير على مستوى العالم، حيث أصبحت ضمن مجموعة العشرين للدول ذات الدخل الاقتصادي الأكبر على مستوى العالم، كما أصبحت الاقتصاد الأكبر على مستوى الدول العربية، كما أنها عضو في مجموعة العشرين G20، إذ يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي 833.54 مليار دولار عام 2021 (التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2022 م) ، وهي أهم منتدى اقتصادي دولي يبحث القضايا المؤثرة على الاقتصاد العالمي، وتشكّل دول مجموعة الـ20 ثلثي سكان العالم، وتضم 85 % من حجم الاقتصاد العالمي، و75 % من حجم التجارة العالمي .

 

وتحتل السعودية مركزًا اقتصاديًا مرموقًا؛ حيث إن اقتصادها هو الأكبر في الشرق الأوسط، ومن أكبر عشرين اقتصادًا في العالم، كما يعد الاقتصاد المزدهر إحدى ركائز رؤية السعودية 2030؛ إذ تستهدف السعودية رفع حجم اقتصادها ليصبح ضمن العشرين مرتبة الأولى على مستوى العالم، وذلك عبر إيجاد بيئة استثمارية جاذبة وتنويع اقتصادها، لرفع نسبة الصادرات غير النفطية من 16% إلى 50% من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي ورفع نسبة مساهمة القطاع الخاص من 40% وحتى 65% من الناتج المحلي.

 

في هذه المقالة، نسلط الضوء على مفهوم القوة الناعمة وأهميتها، ثم مصادرها وأدواتها، وعلاقتها بالدبلوماسية العامة، لنتناول بعد ذلك،  ملامح القوة الناعمة السعودية وما تم العمل عليه لتعظيمها، حيث ظهر مفهوم القوة الناعمة للمرة الأولى عام 1990م، في مقال يعود إلى (جوزيف ناي) أستاذ العلوم السياسية الأمريكي؛ حيث قامت الفكرة الأساسية لديه على تأكيد وجود وجه آخر غير مادي للقوة قوامه الجاذبية المستمدة من ثقافة الدولة وقيمها ومصداقيتها المتولدة عن ممارساتها المتسقة مع هذه القيم ، حيث يمكن التعبير عن القوة الناعمة من خلال القوة الجذّابة، و قوة التعاون الطوعي ، أي إنها تعني بمفهومها البسيط؛ اجتذاب الآخرين والتأثير فيهم من خلال القيم والمصالح المشتركة.

و يمكن القول، إن القوة الناعمة تتمثّل أهميتها في تجنيب الدول والعالم ويلات الحروب والخسائر البشرية والمادية بفعل القوة الصلبة، بالتالي ينصب اهتمام العالم والدول على تحقيق التنمية والازدهار واحترام حقوق الإنسان ، إذ أن إجراءات مثل ، احترام السيادة الوطنية، الإعجاب، التعاون، الإقناع؛ هي أعمال زادت منفعتها مقارنة مع المنفعة المتعلقة بالإجبار والقسر، ولتحقيق أمن دائم على المدى البعيد لا بد من استعمال وسائل وأدوات القوة الناعمة ، بروز ثقافة المجتمع الناجح ، بحيث إن جميع التحولات الاجتماعية والسياسية جعلت سكان العالم أكثر حساسية لأوضاعهم الاقتصادية، والقوة الناعمة تجعل من القاعدة الاقتصادية أولوية بالنسبة إلى الجميع.

ويرى جوزيف ناي في كتابه (القوة الناعمة.. وسيلة نجاح في السياسة الدولية) أن القوى الناعمة لدولة ما ترتكز على ثلاثة موارد، هي: ثقافته، قيَمَه السياسية، وسياساته الخارجية؛ خصوصاً عندما يراها الآخرون مشروعةً وذات سلطة معنوية وأخلاقية، و هناك مستويات لمساحات التأثير وأنواع الأفعال والممارسات التي تمثّل أدوات للقوة الناعمة لدولة ما، وهي وفقاً للمستويات التالية: في الجوانب الاقتصادية و المتعلقة بها، و هي الموارد الاقتصادية، حجم التجارة، المهارات الحرفية التي تمتلكها القوى العاملة ، الاتفاقيات السياحية،  النظام التعليمي، النظام الصحي و الإعلام كمورد أساسي للقوة الناعمة .

 

و في سياق، استقطاب البطولات الرياضية العالمية، أشار (جوزيف ناي) في كتابه السالف الذكر، إلى أن الرياضة يمكن أن تلعب دوراً في نقل القيم وإيصالها، كما أن هناك عدة عوامل أدت إلى نجاح ألمانيا في استغلال الرياضة لدعم قوتها الناعمة، منها، الحملات المنسقة لرفع الوعي الألماني، بالإضافة إلى استراتيجية استضافة كأس العالم التي خططت لها ألمانيا بعناية لتحسين صورتها من خلال تنظيم حملات دولية ممولة بشكل رئيس من قبل الحكومة الاتحادية بالتعاون مع رجال الأعمال تحت شعار مرحبًا بك في ألمانيا: بلد الأفكار ، و إدراكًا من قيادة السعودية لما للرياضة من أهمية في تعزيز قوة البلد الناعمة؛ حرصت هيئة الرياضة على هذا الجانب من خلال العمل على تعزيز التنافسية على مستوى الرياضة المحلية بدعم الأندية وجلب اللاعبين المميزين وعلى المستوى الدولي، فقد قفزت قفزات نوعية في هذا المجال من خلال استضافتها لبطولات رياضية عالمية .

 

إن الموارد والأدوات الاقتصادية للسعودية هي القوة الناعمة إذ تتمتع باقتصاد متين، يحقق الرفاه الاقتصادي ويمكّنها من الاستثمار الخارجي، والمساهمة في حجم إنتاج السوق العالمي، مما يدعم سياساتها الداخلية والخارجية بشكل إيجابي ويحجز مكانتها الاعتبارية والمؤثرة بين الدول إذ أن وكالات التصنيف العالمية أكدت قوة ومرونة الاقتصاد السعودي، على الرغم من الأزمة الاستثنائية التي يشهدها العالم حاليًا، حيث أعلنت وكالة فيتش التصنيف الائتماني طويل الأجل للسعودية عند A مع نظرة مستقبلية مستقرة، على الرغم من أن السعودية أعلنت حزمًا من الدعم الاقتصادي تجاوزت 120 مليارًا، وأكدّت وكالة «فيتش» العالمية أن السعودية تمتلك أحد أكبر الأصول السيادية الأمر الذي يجعلها تستحق نظرة مستقبلية مستقرة، كما أن «موديز» أيضًا وضعت السعودية عند تصنيف A1 مع نظرة مستقبلية مستقرة، على أساس أن التجربة الأخيرة لتراجع أسعار النفط وعدم تأثر الاقتصاد السعودي بشكل واسع، يؤكد قدرة السعودية على تحمل هذه المستويات، ما يعني أنها تمتلك ميزة تنافسية كبيرة أمام المنتجين الآخرين، ما يؤكد النظرة المستقرة للاقتصاد السعودي، وفي المسار نفسه ذكرت وكالة «إس آند بي جلوبال»، تصنيفها للديون السيادية للسعودية عند «A-2 /A-» مع نظرة مستقبلية مستقرة، مؤكدة أن السعودية تمتلك من الأصول ما يجعلها قادرة على مواجهة الأزمات مع قدرتها على دعم اقتصادها.

لا شك أن النموذج الاقتصادي الناجح يمثّل قوة ناعمة تجذب الآخرين للتعاون طواعية وللاستثمار في البلد على مستويات متعددة، كما أنه يمثّل فرصاً للآخرين للعمل داخل البلد وليكونوا بالتالي سفراء لدى بلدانهم ينقلون صورة حقيقية عن واقع السعودية بعيداً عن التنميط والتشويه، وعلى الصعيد الخارجي إن القوة الناعمة للسعودية في ظل رؤية 2030 تتمتع بقدراتها الاقتصادية على ربط مصالح دول مع مصالح السعودية بشكل دائم، من خلال برامج إنمائية واقتصادية واستثمارية، يحسّ بها مواطنو تلك الدول، ويشعرون بأثرها المباشر في حياتهم اليومية باستمرار، ومن ذلك -على سبيل المثال- توجيه الاستثمارات والمشاريع الاقتصادية الحيوية إلى الدول الناشئة، التي ترى الدولة فيها هدفًا استراتيجيًا يخدم مصالحها على المدى البعيد.

تعتبر السياحة من موارد القوة الناعمة الإقتصادية الأساسية، كونها تتيح للآخر التعرف على البلد عن قرب ومعايشة مجتمعه والتعرف على ثقافته؛ بعيدًا عن الصور المشوهة التي قد ينقلها الإعلام إلى الشعوب الأخرى، إذ تحت شعار «أهلًا بالعالم» تم الإعلان في سبتمبر 2019 م، عن إطلاق العمل بالتأشيرة السياحية لمواطني 49 دولة، ولا شك أن السعودية جديرة بأن تكون وجهة سياحية عالمية لما تتمتع به من تنوع بيئي وثقافي وتراثي يمثّل لغزًا لكثير من السيّاح، حيث المناطق الساحلية، والجبلية ذات المناخ المعتدل، والتعدد الثقافي الذي يثير فضول كثيرين بعادات وتقاليد أصيلة تختلف باختلاف المناطق على امتداد رقعة جغرافية كبيرة ، وقبل ذلك ثقافة المجتمع السعودي ككل التي تحثّ على الكرم وحسن الضيافة؛ الأمر الذي اتضح جلياً في حديث سياح قدموا من أوروبا وأميركا أجمعوا على ترحيب السعوديين وحسن ضيافتهم لهم ، قيادة السعودية ضمن رؤية 2030 اهتمت في القطاع السياحي بالعمل على تطوير بنية تحتية متطورة ومرافق تلبي متطلبات السيّاح، إلى جانب الارتقاء بمستوى الخدمات في النقل والقطاع الفندقي، وإقامة الفعاليات والمهرجانات العالمية التي تلعب دورًا مهمّا في استقطاب السيّاح الأجانب؛ الذين يلعبون بكل تأكيد دورًا فاعلاً في نقل صورة إيجابية عن السعودي و التعظيم من قيمة الناتج المحلي الإجمالي .

وتعتبر السعودية نموذجًا مهمًا للدول التي تتمتع بعناصر القوة الناعمة، سواء في صورها التقليدية ممثلة في المكانة الدينية الرائدة كونها مهبط الوحي وبلد الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، فإليها يحج ويعتمر المسلمون من شتى بقاع الأرض، أو في النفط بوصف السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، أو على صعيد الدور الإنساني من خلال المساعدات التي تقدمها مملكة الإنسانية لإغاثة ومساندة المنكوبين، والوقوف بجوار شعوب العالم في أوقات الكوارث والأزمات المختلفة، إذ  تبنت السعودية استراتيجية تقوم على تعزيز وتطوير مصادر القوة الناعمة التقليدية وإضافة عناصر جديدة لتلك القوة تمثلت في قطاعات مستحدثة مثل السياحة والترفيه وإطلاق ورعاية مبادرات إقليمية ودولية لتشكل تلك العناصر مجتمعة للقوة الناعمة – تقليدية وجديدة- بجانب القوة الصلبة، القوة الذكية التي تمتلكها السعودية وتمارس من خلالها التأثير على الساحتين الإقليمية والدولية.

كما اتخذت السعودية خطوات مهمة لجذب السائحين إليها من بينها التأشيرة السياحة التي تم الإعلان عنها عام 2018م، بالإضافة إلى استضافة الأحداث الرياضية المهمة التي يوجد لها جمهور غفير حول العالم وهي السياسة التي من شأن الاستمرار في انتهاجها أن تدعم تدفق السياحة إلى أكبر اقتصاد في الوطن العربي، وفي مجال الترفيه، تبرز مواسم السعودية وفي مقدمتها موسم الرياض، كواحدة من أبرز الخطوات التي اتخذتها السعودية من أجل التحول نحو أن تصبح واحدة من أهم الوجهات السياحية والترفيهية في العالم، وتشتمل تلك المواسم على فعاليات فنية ورياضية وثقافية، وأحدث التقنيات التكنولوجية في مجال الترفيه والألعاب.

وقد عملت السعودية من خلال مجموعة العشرين على تسخير جهودها لتمكين الاقتصاد الرقمي ومعالجة تحدياته من خلال تمكين القطاع الخاص من الاستفادة من الاقتصاد الرقمي وتحديد إطار عمل لاقتصاد موثوق يتمركز حول الإنسان، كما تبنت السعودية نهج الاقتصاد الدائري للكربون كإطار عمل لتعزيز الحصول على طاقة مستدامة وموثوقة وأقل تكلفة، ما يشمل مجموعة متنوعة من حلول وتقنيات الطاقة المبنية على البحث والتطوير والابتكار، بالإضافة إلى إطلاقها مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، والتي عقدت قمة بشأنها في الرياض قبل أيام، تم خلالها التوافق على إنشاء منصة تعاون دولية لتطبيق مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون، وتأسيس مركز إقليمي للتغيّر المناخي، كما قررت تأسيس مركز إقليمي للتنمية المستدامة للثروة السمكية للإسهام في رفع التنوع البيولوجي البحري وخفض مستوى الانبعاثات في قطاع الأسماك، وإنشاء برنامجًا إقليميًا لاستمطار السحب.

 

أولت السعودية أهمية كبرى لدعم مجال الاستثمار المحلي والخارجي، في محاولة منها للتخلص من الاعتماد شبه الكامل على المنتجات النفطية، وشهد برنامج الاستثمار الداخلي والخارجي تغييرات جذرية ، بعد تغيير دور صندوق الاستثمار وحجمه، إذ وفق برنامج الصندوق لأعوام  2021-2025 ، سيلتزم بضخ ما لا يقل عن 150 مليار دولار في الاقتصاد المحلي سنوياً في مشاريع جديدة محلياً حتى عام 2025م، كما يستهدف رفع نسبة المحتوى المحلي في الصندوق والشركات التابعة له إلى 60% واستحداث أكثر من 1.8 مليون وظيفة تراكمياً بنهاية عام 2025 م، ويستهدف الصندوق وشركاته التابعة المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بقيمة 1.2 تريليون ريال سعودي تراكمياً بنهاية عام 2025 م، و هذه المشاريع هي عناصر بناء القوى الناعمة  للسعودية، هي شركة نيوم، شركة البحر الأحمر للتطوير، شركة القدية للاستثمار، شركة روشن العقارية، شركة آمالا، شركة إدارة وتطوير مركز الملك عبد الله الثاني، شركة العلم، شركة أكوا بارو، الشركة السعودية للصناعات العسكرية، شركة سيف و مؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار.

 

 إن أهم دوافع إطلاق السعودية مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية، هو تعميق و تعزيز دور القوى الناعمة في الاقتصاد السعودي، أعلنت السعودية عن مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية، في خطوة جديدة من نوعها، تهدف إلى تحسين وضع الرياضة في السعودية، وتحقيقاً لمستهدفات "رؤية السعودية 2030" في القطاع الرياضي، إذ يتضمن المشروع المُعلن عنه مسارين رئيسيين، الأول الموافقة على استثمار شركات كبرى وجهات تطوير تنموية في أندية رياضية، مقابل نقل ملكية الأندية إليها ، ووفقاً لهذا المسار، فإن أندية سعودية وهي الهلال والاتحاد والنصر والأهلي، سيتم تحويلها إلى شركات وتذهب 75% من ملكيتها لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، على أن تكون الحصة المتبقية البالغة 25% لمؤسسات غير ربحية تتمثل في الجمعية العمومية لكل نادٍ، و يسعى مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية السعودية إلى تحقيق ثلاثة أهداف استراتيجية، تتمثل في، إيجاد فرص نوعية وبيئة جاذبة للاستثمار في القطاع الرياضي: تعمل السعودية على تعزيز خطتها التي تستهدف قطاع الرياضة الذي شهد توفير 3500 فرصة عمل بدوام كامل في الأندية الرياضية ، ورفع مستوى الاحترافية والحوكمة الإدارية والمالية في الأندية السعودية، ورفع مستوى الأندية وتطوير بنيتها التحتية.

تسعى السعودية، من خلال هذا المشروع، إلى تحقيق قفزات نوعية في مختلف الرياضات بحلول عام 2030م، لصناعة جيل متميز رياضياً على الصعيدين الإقليمي والعالمي، وهو ما يُمثل استثماراً طويل الأجل، يحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على نتائجه من الناحية الرياضية ، وفي الإطار ذاته، تستهدف السعودية تطوير لعبة كرة القدم ومنافساتها بصورة خاصة للوصول بالدوري السعودي إلى قائمة أفضل عشرة دوريات في العالم ، وعلى مستوى الإيرادات، تستهدف السعودية زيادة إيرادات رابطة الدوري السعودي للمحترفين من الرعايات التجارية  ، وهذا بمجمله يعزز دور القوى الناعمة ويزيد من حصيلتها المالية في توليد الناتج المحلي الإجمالي للسعودية.

 

ومن ناحية أخرى ، تمثل الصناعة في السعودية أحد الخيارات المتاحة لاستثمار إيرادات النفط في قطاعات اقتصادية منتجة تحافظ على قيمة الإيرادات، وعلى توسيع القاعدة الإنتاجية، مما يقلل من اعتماد الاقتصاد السعودي على الاستيراد الخارجي ويقلل بالتالي من مخاطر الاعتماد الاقتصادي الخارجي في مرحلة مابعد النفط ، حيث أن تنمية قطاع الصناعة من شأنه المساعدة الفاعلة على نمو قطاعات الاقتصاد الوطني الأخرى نظرًا لما للتصنيع من أهمية في مستقبل الاقتصاد حيث تنقسم الصناعات التحويلية في السعودية إلى قسمين، صناعات ذات استخدام مكثف لرأس المال والتقنية الصناعية المتقدمة وهي الصناعات الكيماوية الأساسية، و صناعة تحويلية خفيفة كصناعات المواد الغذائية والمشروبات، وصناعة مواد البناء والخزف والزجاج، وصناعة المنتجات البلاستيكية وصناعة المنسوجات والملابس والصناعات الجلدية ومنتجاتها وصناعة الورق ومنتجاته، وصناعة الأثاث والخشب ومنتجاته وصناعة منتجات المعادن اللافلزية وغيرها.


في ظل التطورات الاقتصادية الدولية المعاصرة وحسابات المستقبل و دوره في تعظيم القوى الناعمة، أطلقت السعودية الاستراتيجية الوطنية للصناعة، الهادفة للوصول إلى اقتصاد صناعي جاذب للاستثمار يسهم في تحقيق التنوع الاقتصادي، وتنمية الناتج المحلي والصادرات غير النفطية، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية السعودية 2030 ، إذ تتوفر في السعودية جميع الإمكانيات للوصول إلى اقتصاد صناعي تنافسي ومستدام، من مواهب شابة طموحة، وموقع جغرافي متميز، وموارد طبيعية غنية، وشركات صناعية وطنية رائدة، وبالشراكة مع القطاع الخاص ستصبح السعودية  قوة صناعية رائدة تسهم في تأمين سلاسل الإمداد العالمية، وتصدر المنتجات ذات المحتوى التكنولوجي العالي .

ويعد القطاع الصناعي أحد مرتكزات رؤية 2030، ويحظى باهتمام كبير، إذ أُطلق برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجيستية وأُنشأت وزارة مستقلة للاهتمام بالصناعة، وعدد من البرامج والكيانات الأخرى، ما نتج عنه مضاعفة عدد المنشآت الصناعية، بعد انطلاق الرؤية وستعمل الاستراتيجية الوطنية للصناعة على دفع عجلة النمو في القطاع إذ تركز على 12 قطاعاً فرعياً لتنويع الاقتصاد الصناعي، وتتطلع السعودية من خلال الاستراتيجية، إلى تمكين القطاع الخاص، وزيادة مرونة وتنافسية القطاع الصناعي، إضافة إلى المرونة الصناعية، التي تضمن استمرارية الوصول إلى السلع المهمة واستمرارية النشاط الاقتصادي، وقيادة التكامل الإقليمي الصناعي لسلاسل القيمة .

ويأتي إطلاق الاستراتيجية متوائماً مع التوجهات العالمية في القطاع، مثل الثورة الصناعية الرابعة، ومستهدفات السعودية والمزايا التنافسية التي تتمتع بها، المتمثلة في الموقع الجغرافي، ووفرة الموارد الطبيعية ومصادر الطاقة، والقدرات البشرية، والقوة الشرائية، والسياسات النقدية المستقرة ،  في سبيل تحقيق أهدافها من خلال بناء اقتصاد صناعي مرن وجاذب للاستثمار وتكوين مركز إقليمي صناعي متكامل لتلبية الطلب العالمي وتحقيق ريادة في صناعة وتصدير منتجات ذات المحتوى التكنولوجي العالي تسهم من خلالها تأمين سلاسل الإمداد العالمية بجانب الوصول إلى اقتصاد صناعي جاذب للاستثمار يسهم في تحقيق التنوع الاقتصادي، وتنمية الناتج المحلي الإجمالي والصادرات غير النفطية بما يتماشى مع مستهدفات رؤية السعودية 2030 .

أدرك قادة السعودية أن بناء الدولة الحديثة، ينطلق من خلال تعظيم القوى الناعمة، لذا أدركت، منذ وقت مبكر أن التنمية في الجانب الاجتماعي ستكون مكملة للتنمية في الجانب الاقتصادي لكونه العنصر الأساسي الذي تعتمد عليه عملية التنمية والمرتكز الرئيسي الذي يدعم تفوق الدول على المستويين الإقليمي والعالمي، وهذا التمازج الفعال جعل تجربة السعودية التنموية مثالاً يحتذى به في كيفية توفير مستلزمات بناء الدولة الحديثة ودعم الاستقرار والنمو فيها.

إن التحدي الذي واجه عملية التنمية خلال الفترة الماضية، أعطى السعودية المبررات للانتقال لمرحلة جديدة من التنمية تعتمد على نمو إنتاجية المدخلات بدلاً من زيادة حجمها، لذا اعتمدت السعودية استراتيجية قائمة على مرتكزين الأول: تقوم على استيراد أحدث التطورات التكنولوجية العالمية من أجل زيادة إنتاجية رأس المال والعمالة من خلال تشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتوظيف المواهب السعودية بوصفها الوسيلة المثلى لنقل المعارف والعلوم، الثاني: توفير البيئة القانونية والفكرية والحوكمة الرشيدة ورعاية المواهب المكتسبة من أجل خلق مجالات للابتكار والتقدم التكنولوجي.

وجهت السعودية جهودها خلال هذه المرحلة، من أجل تسريع وتيرة التحديث في مجال التقنية من خلال زيادة أنشطة البحث والتطوير لغرض تحسين جودة المنتجات والخدمات وتطويرها، وهدفها من ذلك هو استيعاب المعرفة التقنية التي تتوافق مع ظروف البلدان النامية والتي عادة ما تقدم في شكل خدمات استشارية، والتوجه نحو التصدير كان مبعثه بدرجة أساسية هو التنمية، وتوفير قوة العمل ذات المهارة التقنية الجيدة، ما جعل السعودية تعمل على تطوير ميزتها التنافسية في هذا المجال عبر تركيز جهودها في أنشطة البحث والابتكار والتطوير ورفع مستوى إنتاجيتها لكي تحافظ على مستوى متقدم على الصعيد العالمي.

لذا وضعت خلال هذه المرحلة أقدامها على طريق التحول نحو اقتصاد المعرفة والذي يقوم على حُسن استخدام المعارف الناتجة عن التقدم العلمي خصوصاً في مجالي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بهدف ابتكار وإنتاج سلع وتجهيزات جديدة من جهة، وتطوير وسائل الإنتاج وأدواته وبما يؤدي إلى تحسين نوعية السلع وجودتها، ومن ثم امتلاك القدرة على المنافسة في الأسواق الإقليمية والعالمية، من جهة أخرى، إذ تستند قاعدة الاقتصاد المعرفي إلى عدة مؤشرات هي التحفيز الاقتصادي والنظام المؤسساتي، والتعليم والعلوم، والموارد البشرية وتطور نظم الابتكار والإبداع وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتعقيد والتنويع الاقتصادي.

لقد كانت حصيلة هذه الجهود التنموية، بناء دولة حديثة كسبت كل الاحترام والتقدير على مستوى العالم، إذ نجحت باستضافة دورة الألعاب الآسيوية الشتوية لعام 2029 م، التي ستقام في (تروجينا – نيوم)، إذ تُعد وجهة السياحة الجبلية العالمية في نيوم، وأول مدينة تستضيف الحدث الشتوي في غرب آسيا، بعد أن اقتصرت الاستضافة سابقاً على الصين واليابان وكوريا الجنوبية وكازاخستان.
وفي سبيل بناء الدولة الحديثة، أعلن مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة السعودية، إطلاق شركة (داون تاون السعودية)، والتي تهدف لإنشاء وتطوير مراكز حضرية ووجهات متعددة ومتنوعة، وستسهم في تطوير البنية التحتية للمدن، وتعزيز الشراكات مع القطاع الخاص والمستثمرين، وذلك عبر تقديم العديد من الفرص الاستثمارية الجديدة في قطاعات الأعمال والتسوق والسياحة والترفيه والإسكان، وستعمل الشركة أيضاً، على إطلاق مشاريعها في 12 مدينة وهي المدينة المنورة، الخُبر، الأحساء، بريدة، نجران، جيزان، حائل، الباحة، عرعر، الطائف، دومة الجندل، وتبوك.

و في سياق تطور إمكانيات الاقتصاد السعودي، أطلقت السعودية الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية ، التي تعد من ممكنات تحقيق مستهدفات رؤية  السعودية  2030، والهادفة إلى بناء منظومة للملكية الفكرية تدعم الاقتصاد القائم على الابتكار والإبداع من خلال إنشاء سلسلة قيمة للملكية الفكرية تحفّز تنافسية الابتكار والإبداع، وتدعم النمو الاقتصادي لتصبح  السعودية رائدةً في مجال الملكية الفكرية، إذ تتطلع السعودية لتحفيز الإبداع والابتكار من خلال الاستراتيجية، وذلك بعد قرار مجلس الوزراء باعتماد الاستراتيجية ، إذ لدى السعودية عقول وطاقات تهتم جدا بالابتكار والإبداع، وبتمكينها ستكون السعودية بيئة خصبة للاقتصاد المعرفي من خلال منظومة متكاملة للملكية الفكرية تدعم تطوير التقنيات والصناعات المبتكرة ، وتسهم في نمو المنشآت ، كما ستمكن من تحفيز الاستثمار وخلق وظائف عالية الجودة ، ورفع مستوى الوعي بحقوق المبدعين والمبتكرين.

وانطلاقاً من أهمية توليد الملكية الفكرية واستناداً إلى ما تمتلكه السعودية من عقول إبداعية ومواهب شابة تبتكر في مختلف المجالات وغيرها من الميزات التنافسية، جاء توليد الملكية الفكرية باعتباره إحدى ركائز الاستراتيجية ، والتي تستهدف السعودية من خلال هذه الركيزة تعزيز قدرتها على الإبتكار و الإبداع ، إذ تحتل السعودية المرتبة 51 حيث تقدمت 15 مرتبة في مؤشر الإبتكار العالمي 2022 م، الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO) ، بعد أن حققت مراكز مُتقدمة في عدد من المؤشرات الفرعية، وحلت ضمن قائمة الدول العشر عالمياً في أربعة مؤشرات، من ضمنها مؤشر استثمار رأس المال الجريء في شركات التقنية الناشئة، الذي حلت فيه  السعودية في المرتبة السابعة عالمياً متقدمة 73 مركزاً، ومؤشر إتاحة الوصول إلى البنية التحتية للاتصالات وتقنية المعلومات، ومؤشر البيئة التنظيمية لممارسة الأعمال، ومؤشر استخدام البنية التحتية للاتصالات وتقنية المعلومات.

تتصدر سويسرا ، أمريكا ، السويد ، السعودية المتحدة ، هولندا ، جمهورية كوريا ، سنغافورة ، ألمانيا ، فنلندا و الدنمارك العشرة الأوائل في  التصنيف ، باعتبارها أكثر الاقتصادات ابتكارًا في العالم وفقًا لمؤشر الويبو العالمي للابتكار 2022م، بينما تحتل الصين المركز 11 ، كما تُظهر الاقتصادات الناشئة الأخرى أداءًا قويًا ثابتًا ، و من الجدير بالإشارة احتلت  الاقتصادات العربية مواقع مختلفة في مؤشر الابتكار العالمي ،  وهي الإمارات 31 ، السعودية 51 ، قطر 52 ، الكويت 62  ، المغرب 67 ، البحرين 72 ، مصر 89 ،  اليمن 128 و يأتي العراق في المرتبة قبل الأخيرة 131 .

ويأتي هذا التقدُّم في مؤشر الابتكار العالمي نتيجة دعم السعودية، لقطاع البحث والتطوير والابتكار، وتكامل النظام البيئي للابتكار، وإطلاقها للتطلعات والأولويات الوطنية للبحث والتطوير والابتكار التي تستهدف أن تصبح السعودية من الدول الرائدة في مجال الابتكار على مستوى العالم، بما يُحقق رؤيتها الطموحة في التحول نحو اقتصاد قائم على الابتكار، والإسهام في تنمية وتنويع الاقتصاد الوطني، وفقاً لهدف السعودية في تحقيق رؤية 2030.

إن عناصر بناء القوى الناعمة السعودية، تعد مؤشراً على ما تملكه السعودية من إيمان وثقة برؤية تنموية شاملة لا تقتصر على السعودية وشعبها فقط؛ بل تمتد إلى دول وشعوب منطقة الشرق الأوسط، ويصل أثرها الإيجابي لدول العالم برمّته؛ نظراً لما تتميز به السعودية من ثروات طبيعية و اقتصاد متين باعتبارها واحدة من مجموعة العشرين، وموقع جغرافي استراتيجي مميز يمثّل حلقة وصل بين الشرق والغرب ، وهذا يمثل داعمًا قويًا لاستضافة السعودية معرض ( اكسبو 2030 )، الذي تتنافس معها في هذا السياق كل من إيطاليا وكوريا الجنوبية وأوكرانيا ، إذ تمتلك الرياض المقومات التي تجعل منها المدينة المثالية لإقامة المعرض بجانب قدرتها على الابتكار من خلال البنية التحتية، الموقع الجغرافي، الاقتصاد المتطور ، وارتفاع مستوى الأمن والأمان والتي تعطي السعودية امتيازًا أكبر من الدول الثلاث المتنافسة .

مقالات لنفس الكاتب