رغم تبعات ما يسمى بثورات الربيع العربي التي ما تزل تتأثر بها بعض الدول العربية التي كانت ميدانًا لهذه الثورات، ورغم ما خلفته جائحة كورونا (كوفيد19)، إضافة إلى تبعات الحرب الروسية ـ الأوكرانية على اقتصادات المنطقة العربية التي يعاني بعضها من الهشاشة الاقتصادية، وبعضها الآخر غارق في حروب أهلية وصراعات داخلية، بينما تحول بعضها إلى دول رخوة تعاني شعوبها من النزوح القسري واللجوء، أو الهجرة غير الشرعية مع انخفاض واضح في مستوى المعيشة، وهبوط في قيمة العملات المحلية لكثير من هذه الدول، إضافة إلى زيادة حجم الديون الخارجية.
ورغم هذه الصورة التي تبدو قاتمة في المنطقة العربية، إلا أن هناك شعاع ضوء يتسلل في العتمة، وصورة تبدو أكثر إشراقًا بين هذا الركام، فدول مجلس التعاون الخليجي تحقق نموًا مضطردًا في الناتج المحلي الإجمالي، وتبدو كخلية نحل لجذب صناع القرار من جميع دول العالم، وتحتضن القمم والاجتماعات الدولية والإقليمية لعقد الشراكات الاقتصادية، كما أن بعض الدول العربية الأخرى تسعى للنهوض واللحاق بالركب واستعادة قوتها الاقتصادية كما هو الحال في مصر والجزائر والعراق.
ولعل ما تمخض عن قمة دول البريكس التي استضافتها جنوب إفريقيا في الثاني والعشرين من أغسطس الماضي كان بمثابة شهادة اعتراف دولي بأهمية المنطقة العربية وباقتصادها ودورها الإقليمي والدولي سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية، فمن بين 22 دولة تقدموا بطلبات للانضمام لمجموعة البريكس، و40 دولة أخرى أبدت رغبتها في الانضمام للمجموعة، صدرت موافقة القمة على قبول 6 دول فقط نصفها دول عربية حيث تم قبول كلًا من المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات العربية المتحدة، إضافة إلى إيران وإثيوبيا والأرجنتين، وهذا الاختيار في حد ذاته وبمعزل عن الفوائد والمزايا المتوقعة من عضوية البريكس هو اعتراف بأهمية الدول العربية وقوتها ودورها على الساحة العالمية من أكبر تكتل دولي صاعد في العالم، فتشكل دول البريكس مجتمعة ربع مساحة العالم، ويقطنها 46% من عدد سكان العالم وتساهم بـ 31.5% في الاقتصاد العالمي، متفوقة على مجموعة الدول السبع الصناعية التي تساهم بـ 30.7% كما أن نصيب البريكس من التجارة السلعية العالمية يبلغ أكثر من 25% من إجمالي التجارة العالمية.
ورغم هذه المزايا التي تتمتع بها دول البريكس وقوتها على الساحة الاقتصادية العالمية، إلا أنها سعت لضم أكبر 3 دول عربية مهمة ومؤثرة، خاصة أن من بين هذه الدول الثلاثة المملكة العربية السعودية التي تأتي ضمن مجموعة دول العشرين الأغنى في العالم والتي تمتلك 19% من الاحتياطي العالمي المؤكد من النفط، وتنتج 13% من الإنتاج العالمي من هذه السلعة الاستراتيجية، كما تعد المملكة أكبر شريك تجاري لدول مجموعة البريكس في منطقة الشرق الأوسط حيث تجاوز حجم التجارة الثنائية مع دول المجموعة 160 مليار دولار في عام 2022م، وهذا ما يؤكد أهمية المملكة لدول المجموعة كشريك تجاري هام جدًا، إضافة إلى قوة اقتصادات الإمارات ومصر، وكذلك السوق الاستهلاكي الكبير وحجم الصادرات والواردات في المنطقة العربية.
مزايا المنطقة العربية جعلت دولها محط أنظار التكتلات والدول ذات الاقتصادات الكبرى، وهذا ما يتطلب ضرورة تهيئة المنطقة العربية للتعامل مع هذه التكتلات حتى تكون حركة المبادلات التجارية في الاتجاهين( صادرات وواردات) وألا تكون الدول العربية مجرد سوق لتصريف منتجات دول البركس أو غيرها من دول العالم فقط، وهذا يتطلب من الدول العربية إعادة اكتشاف إمكانياتها على ضوء مزاياها النسبية وما تمتلكه من موارد طبيعية وأدوات للمنافسة العالمية لتحقق المعادلة المهمة المنشودة التي تتلخص في جذب الاستثمارات وتفعيل الإنتاج بما يؤهلها لخوض غمار المنافسة العالمية وتقديم منتجات متميزة ذات جودة عالية وتعتمد في ذلك على الموارد الطبيعة والمزايا التنافسية ورأس المال البشري من توفر عمالة مدربة ومؤهلة وإمكانيات مادية، كل ذلك يدفعها لتوطين الصناعة الحديثة وقد يتحقق ذلك بالعودة إلى التعاون العربي الذي يحقق التكامل لا التنافس، والدخول في صناعات مشتركة بين أكثر من دولة سواء عبر اتفاقيات ثنائية، أو تحت مظلة عربية اقتصادية شاملة منبثقة عن الجامعة العربية، أو تحت أي صيغة مشتركة أخرى تحقق الأهداف المنشودة، وفي النهاية هذه المقترحات تتطلب إرادة جادة وسرعة اكتشاف الموارد والإمكانيات والمزايا النسبية لدول المنطقة العربية، وتفعيل الإنتاج وهو الطريق الوحيد للمنافسة العالمية.