array(1) { [0]=> object(stdClass)#13009 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 189

دول الخليج مطالبة بتعزيز التكامل بإزالة الحواجز التجارية لتعظيم المنافع المتبادلة

الثلاثاء، 29 آب/أغسطس 2023

نبدأ من السؤال التقليدي: هل يمكن الفصل بين الاقتصاد والسياسة، وبين الأمن القومي والإقليمي، بل وحتى العالمي، وبين التنمية المستدامة التي تطمح الشعوب لتحقيقها؟

وبصيغة أخرى: هل الحياد ممكن في عالم يزداد استقطابًا يومًا بعد يوم وترسم فيه الصين وحلفاؤها، وواشنطن وحلفاؤها خارطة المستقبل كما يراها كل فريق؟

الرئيس التنفيذي لمركز الأمن القومي الأمريكي الجديد ريتشارد فونتين يرى أن الحياد خرافة وأن الدول مضطرة أن تختار بين أمريكا، أو الصين في علاقاتها الاقتصادية ويعطي فونتين في تقرير نشرته "فورن أفيرز" الشهر الماضي نموذجًا على ذلك في التهديدات التي وجهتها واشنطن إلى ألمانيا وهي أكبر اقتصاد في أوروبا في حال استقبلت شركة "هواوي" الصينية في أراضيهاـ وقد تعرضت دولة الإمارات لضغوط مشابهة بسبب الشركة نفسها ونجحت في مواجهتها.

أما كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل فيرى أن أغلب الدول، بما فيها الدول الأوروبية " لا تريد الانزلاق إلى فخ الحياد المستحيل" أي الخيار بين القطبين نظرًا للعلاقات التي تربطها بالاثنين معًا.

وقد نجحت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية حتى الآن في تجنب الانزلاق إلى هذا الفخ.

أهمية وفوائد الشراكات: التنمية المستدامة، المعرفة والتكنولوجيا المتطورة

لا شك أن بناء الشراكات مع التكتلات الكبرى يعتبر أمرًا مهمًا ويحقق العديد من المنافع للشركاء فسعي دول المجلس إلى الاندماج في الاقتصاد العالمي من خلال شراكاتها وعلاقاتها مع العديد من التكتلات الهامة سيكون له مردود على كافة الأصعدة نذكر بعضًا منها باختصار.

يتيح التعامل مع التكتلات الكبرى تنويع شركائها التجاريين خارج المنطقة، مما يمكنها من الوصول إلى مجموعة أوسع من السلع والخدمات بأسعار تنافسية. وهذا يقلل من اعتمادها على عدد محدود من الأسواق ويعزز إمكانية الوصول إلى قواعد مستهلكين أكبر، ويخلق فرصًا أكبر للتصدير ويفتح آفاقًا جديدة لصناعات وقطاعات إنتاج حديثة تعزز النمو الاقتصادي وتخلق فرص عمل جديدة. يستقطب التعاون مع التكتلات الدولية المستثمرين الأجانب والخبرات العالمية والعمالة الماهرة، الذين يتطلعون إلى الاستفادة من إمكانات وموقع دول المجلس الاستراتيجي ومواردها ويبحثون عن استثمارات واعدة تتجه في الغالب إلى دعم القطاعات غير النفطية التي تساهم في التنويع الاقتصادي وتحفز التنمية المستدامة من خلال إدراك المزايا النسبية والتخصص في صناعات أو قطاعات متنوعة مثل السياحة والتصنيع والتمويل والتكنولوجيا. تمكن الشراكات العالمية المتقدمة تكنولوجيًا من الوصول إلى أحدث التقنيات والمعارف والخبرات التي تسهم في تطوير الصناعات، وتحسين الإنتاجية، ورفع القدرة التنافسية وتشجيع الابتكار. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تطوير أسواق متخصصة ومنتجات ذات قيمة مضافة عالية، مما يدعم جهود التنويع الاقتصادي. إن تعزيز العلاقات الإقليمية والعالمية يمكن أن يخلق أساسًا متينًا لتعاون أعمق ومعالجة التحديات المشتركة داخل دول المجلس. كما أن التفاعل مع الشركاء الدوليين يساهم في تنمية رأس المال البشري من خلال برامج التعليم والتدريب وبناء المهارات. ويخلق قوة عاملة ماهرة ومتنوعة تشارك في دعم الصناعات الحديثة والأنشطة الاقتصادية المتنوعة. والأهم من ذلك فإن إقامة شراكات مع الكتل العالمية المؤثرة الأخرى يساهم في تعزيز المكانة الجيوسياسية لدول مجلس التعاون ويوفر منصة عالمية لمعالجة القضايا والمصالح المشتركة بشكل أكثر فعالية.

 

التكتلات الهامة والمنفعة الاقتصادية لدول الخليج

تتعدد وتتنوع التكتلات التي يعول عليها تحقيق الفائدة الاقتصادية الأكبر لدول مجلس التعاون. وحيث أن دول المجلس تملك خيارات متعددة، فإنها تملك القدرة على انتقاء الشراكات التي تخدم أهدافها الاستراتيجية ومسيرتها الإنمائية المستقبلية وتحقق مصالح شعوبها. ونظرًا لأنها اختارت الحياد الإيجابي في علاقاتها الدولية، فإن شراكاتها متنوعة وتتسع مجالات تعاونها إلى ما هو أبعد من الاستثمارات والتبادل التجاري وتنمية الموارد البشرية بل إلى التعاون الثقافي والعلمي والأمني وغيره. وحيث أن التطورات الجيوسياسية والتغيرات المتواترة في الاقتصاد العالمي أبرزت نظامًا دوليًا يتجه نحو "عالم إقليمي"، أفقد العولمة الأوسع نطاق زخمها وتم "التشكيك في جوهرها وليس في طبيعتها". أصبحت المصالح هي المحرك الرئيسي الذي يؤخذ في الاعتبار "لبناء اقتصاد السوق المعولم،" ولم تعد القيم السياسية التي ينبغي اعتبارها ذات صلة من أجل بنائه".(أشاريا:2022).

وقد اعتمدت دول مجلس التعاون تنويع الشراكات الاقتصادية والتجارية والدبلوماسية والأمنية وآمنت بأهمية تعددية الأطراف، وتنوع التحالفات والشراكات على مستوى العالم. ضمن هذا السياق سعت دول المجلس إلى انتقاء شراكاتها الاقتصادية بروية وبخطط مدروسة تضع مصالحها القومية في المقدمة مما أصبغ على شراكاتها التنوع الإقليمي والتخصصي الذي يخدم توجهاتها الاستراتيجية والاقتصادية. نحاول الإشارة فيما يلي إلى أهمها:

الاتحاد الأوروبي

يأتي الاتحاد الأوروبي في المرتبة الثالثة ضمن أكبر الاقتصادات العالمية بعد الصين والهند ويمثل حوالي خمس الناتج المحلي العالمي وتبلغ حصة الفرد الواحد من الناتج المحلي أكثر من ثلاثة أضعاف الناتج المحلي العالمي. ويعد ثاني أكبر شريك تجاري لدول المجلس بعد الصين، ففي عام 2020م، استحوذ على 12.3٪ من إجمالي تجارة دول المجلس في السلع و7.8٪ من وارداتها. واحتل المرتبة الأولى في استيراد دول المجلس وكان رابع أكبر شريك تصدير لها حيث استقبل 6.9٪ من صادراتها، ويمثل الاتحاد الأوروبي ودول المجلس حوالي 17.5٪ من التجارة العالمية وأكثر من نصف الاستثمارات الأجنبية المباشرة. إلا أن التحولات الجديدة في سياسات دول المجلس دفعت الاتحاد الأوروبي إلى إعادة النظر في اتفاقية التعاون لعام 1989م، وأكدت وثيقة اللجنة الأوروبية على "الحاجة إلى تعاون أقوى وأكثر شمولًا، وأن الاتحاد مصمم على الشراكة وتنشيط التعاون من خلال علاقات استراتيجية قوية ومتينة ضمن الأطر المؤسسية الثنائية" ليست فقط على مستوى منظومة مجلس التعاون بل شراكات أحادية مع كل دولة. وفي فبراير 2022م، أقرت لجنة التعاون المشترك بين الاتحاد الأوروبي ودول المجلس برنامج تعاون مشترك للفترة 2022-2027م، بهدف تعزيز الشراكة. واعتبرت هذه الخطوة ذات أهمية حيوية لأن دول الخليج أصبحت لاعبًا رئيسيًا على الساحة الدولية في مواجهة التحديات العالمية، مثل تغير المناخ والتحول الأخضر والتعافي من الأوبئة، فضلًا عن تلبية الاحتياجات الإنمائية والإنسانية العالمية المتزايدة.

من المتوقع أن توفر الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بيئة أعمال نشطة ومتطورة واستثمارات مستدامة مع أسواق تعمل بفعالية ضمن منافسة عادلة. وبالتالي فإن فتح آفاق جديدة للتعاون الجماعي مع الاتحاد الأوروبي سيساهم في دعم جميع القضايا ذات الاهتمام المشترك وتعزيز التجارة والاستثمار والصحة والبيئة والطاقة بما فيها عملية الانتقال إلى الطاقة البديلة والذي سيكون عنصرًا مهمًا في سياسة أمن الطاقة المستدامة للاتحاد الأوروبي بقدر ما يسهل الوصول إلى الطاقة المتجددة ويعزز الاستثمارات المستدامة في هذا القطاع ويساهم في تعزيز الأمن والاستقرار وتخفيف حدة التوترات في المنطقة. كما أن التعاون المشترك يمكن أن يدعم الصناعة الهيدروكربونية التي يمثل وصول صادراتها إلى السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي فرصة هامة في مسار السعي نحو التنويع الاقتصادي. وحيث أن خطط دول المجلس تضع ضمن أولوياتها مجموعة واسعة من القطاعات الحديثة، كالتجارة الرقمية والاستدامة وتسهيل الاستثمار، فإن اتفاقية تجارية شاملة تغطي هذه القطاعات ستحظى بالدعم والحوافز المجزية.

وهناك إدراك أن الشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي ودول المجلس "ستزيد أمن كلا الشريكين وستحقق التغير الحقيقي المنشود لمواجهة التحديات العالمية". لذلك من المهم السعي لاستكشاف سبل تعميق هذه الشراكة وما يتطلب من مرونة إدارية وتقنية كبيرة تتواكب مع وضع الأطر التنظيمية الموحدة التي تحمي حقوق الملكية الفكرية وتواجه القرصنة والاحتيال والتقليد وغسيل الأموال.

التحول شرقًا: شنغهاي وبريكس

كان أحد أوضح الاتجاهات التي شهدها العالم في عام 2022م، هو التحول المتسارع شرقًا. وقد تم ذلك خلال البروز الواضح لمنظمة شنغهاي للتعاون (SCO) والذي تزامن مع التقدم الكبير الذي أحرزته مجموعة بريكس المكونة من خمسة اقتصادات ناشئة.

منظمة شنغهاي(SCO)

شهد العالم في السنوات الأخيرة تحولاً متسارعًا في القوة الاقتصادية العالمية نحو الشرق، برزت على أثره منظمة شنغهاي للتعاون (ٍ SCO) كمنظمة أمنية إقليمية، تأسست في أبريل 1996م، من قبل الصين وروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، ثم أوزبكستان في يونيو 2001م، ومع انضمام الهند وباكستان كعضوين كاملي العضوية في يونيو 2017م، ارتفع عدد الدول الأعضاء في منظمة شانغهاي للتعاون إلى ثمانية، فامتدت من آسيا الوسطى إلى شبه القارة الهندية، لتمثل حوالي 44٪ من سكان العالم و25٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ودخلت إيران وأفغانستان وبيلاروسيا ومنغوليا بصفة مراقب، وكل من قطر والسعودية وتركيا وأذربيجان وأرمينيا وكمبوديا ونيبال وسريلانكا كشركاء في الحوار. وقد تقدمت البحرين والكويت والإمارات بطلب للحصول على شركاء في الحوار.

وعلى الرغم من تعزيز التعاون في مجالات التجارة والاقتصاد والاستثمار والطاقة والتكنولوجيا والنقل والثقافة والتعليم، ظل البعد الأمني مجال التعاون الرئيسي وأحد الأهداف الاستراتيجية القصيرة والطويلة الأجل للمنظمة، التي تسعى إلى إنشاء منطقة تجارة حرة من المتوقع أن يرتفع ناتجها المحلي الإجمالي مع انضمام دول ذات وزن اقتصادي مثل السعودية والإمارات ومصر وتركيا، مما يجعلها أكبر منطقة تجارة حرة في العالم، تملك أسواقًا كبيرة قادرة على تطوير مختلف الصناعات، بما في ذلك التكنولوجيا المتطورة، والتي تتوفر موادها الخام بالفعل في هذه البلدان، مما يمنح أعضاءها مكاسب متعددة، ويساهم في تحويل الميزان التجاري العالمي من الغرب إلى الشرق، ويجعل لمشروع الحزام والطريق الصيني دورًا رئيسيًا في هذا التحول.

البريكس

تتكون مجموعة البريكس من خمسة اقتصادات ناشئة رئيسية -البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا –تمكنت من تنسيق العديد من السياسات لمعالجة حوالي 70 قضية رئيسية. وقد أبدت العديد من الاقتصادات الأخرى اهتمامًا بالانضمام إلى الكتلة التي يتزايد نفوذها ومن المتوقع أن يكون عام 2023م، الأكثر تأثيرًا لها في المشهد الاقتصادي والجيوسياسي العالمي.

وتبدو الصين هي القوة الاقتصادية الأكثر ظهورًا لكونها ثاني أكبر اقتصاد في العالم وتملك قوة شرائية ساهمت في توسع نفوذها الاقتصادي في جميع أنحاء العالم. ونظرًا لتحالفها مع روسيا عضو مجموعة البريكس، فقد شكلت معها قطبًا استراتيجيًا وازنًا في مواجهة مجموعة السبع الكبرى وذلك لكونها تستحوذ على 35% من الدخل العالمي في مقابل استحواذ مجموعة السبع على 31% من الدخل مما يشكل تغييرًا جيوسياسيًا كبيرًا.

ومع وجود علاقات دبلوماسية واقتصادية عميقة بين الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا مع الصين أو روسيا أو كليهما، أصبحت مجموعة بريكس الآن متوافقة بشكل متزايد مع عدد من القضايا المهمة.  ومع تزايد الاستقطاب في العالم خلال العام الماضي، كثفت الكتلة جهودها لتعزيز مصالحها الاقتصادية، وسعت إلى استحداث أنظمة مالية بديلة تزيد من جاذبيتها العالمية.

ويمثل صعود دول البريكس كقوة اقتصادية تحولًا كبيرًا في ميزان القوى العالمية وذلك نظرًا لأهمية مساهمتها في الاقتصاد العالمي من حيث عدد السكان البالغ 23.3 مليار نسمة أي 41 ٪. من الإجمالي العالمي وناتجها المحلي الإجمالي الذي يزيد عن 16.039 تريليون دولار أمريكي ويشكل 25٪ من الناتج العالمي وتستحوذ على 30% من الأراضي وتساهم في التجارة العالمية بمقدار 18٪ وتساهم في التبادل التجاري للعملات العالمية ومشتقاتها (الفوركس العالمي) بما يوازي 4 تريليون دولار أمريكي.

  أن لدول المجلس علاقات تجارية قوية مع ثلاث من الدول الأعضاء في بريكس فالصين تحتل المركز الأول في حجم التبادل التجاري مع دول المجلس بقيمة بلغت 163.9 مليار دولار في 2020 وتأتي الهند في المركز الثاني بتبادل تجاري بلغ 81.5 مليار أما روسيا وبالرغم من أنها تأتي في المركز 33 وبتبادل تجاري وصل إلى 5 مليارات إلا أن التطورات الحديثة نتيجة الحرب الأوكرانية وقرارات أوبك بلس يمكن أن تلعب دورًا في تشجيع انضمام دول المجلس إلى بريكس. وتشير تقارير إعلامية على نطاق واسع أن السعودية والإمارات قد تقدمتا بالفعل بطلب الانضمام إلى المجموعة. ويرى العديد من المحللين أنه من بين هذا المزيج المتنوع من الدول التي تندرج تحت منظومة البريكس، وبالنظر إلى المناخ الجيوسياسي العالمي غير المستقر في الوقت الحاضر، يمثل انضمام دول المجلس، الإضافة الأكثر عمقًا إلى المجموعة.

لذلك يمكن القول إن دول مجلس التعاون الخليجي تهدف إلى توسيع خياراتها بالتوجه شرقًا من خلال "قمة الصين والحوار الاستراتيجي ومجلس التعاون الخليجي" والتي ستفتح آفاقًا جديدة للتعاون الثنائي والتفاعل متعدد الأطراف بين شرق آسيا وجنوب آسيا وآسيا الوسطى وشمال آسيا وغرب آسيا، مما يعزز بناء "مجتمع آسيوي ذي مستقبل مشترك" على المدى الطويل. وفي نفس الوقت تستكشف دول المجلس التعاون مع روسيا في إطار "أوبك +"، ومع الهند في إطار I2U2 (إسرائيل والهند والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة) آفاقًا جديدة للتعاون.

إلا أنه ورغم الزخم الذي يحيط بمجموعة البريكس إلا أن العديد من الباحثين يرى أن بريكس كمنظمة لا تزال تفتقر إلى إضفاء الطابع المؤسسي العميق. وأنه من "الصعب رؤية ما فعلته المجموعة بخلاف الاجتماع سنويًا" (أونيل ، 2021). وذلك لأن مسارات النمو الاقتصادي في هذه الدول متفاوتة بصورة كبيرة، وأن المجموعة تفتقر إلى مبادئ أيديولوجية موحدة وواضحة أو رؤية مشتركة لإدارة النظام العالمي. ومن ثم، فإن توسيع العضوية يتعلق جزئيًا على الأقل باكتساب زخم متجدد في سياق الأوضاع الحالية وتظل مجموعة البريكس محاطة بمصالح متباينة، ومسارات للتنمية مختلفة، ومستويات نسبية من الأهمية الجغرافية الاقتصادية، مع تباين في القدرة على ممارسة نفوذ كبير على النظام الدولي.

الشراكات وتنوع العملات

أحد الأهداف التي يبدو أن دول البريكس تعمل على تحقيقها هو التحول بعيدًا عن الاعتماد على الدولار الأمريكي. وحتى قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، ومع تدهور علاقات روسيا والصين مع الولايات المتحدة والتي يبدو أنها عجلت بمبادرات التخلص من الدولار في عدد كبير من دول العالم، شرعت الدولتان في انتهاج سياسات واضحة للترويج للعملة المحلية، وعلى حساب الدولار. وبحلول عام 2020م، انخفضت حصة الدولار من التجارة الثنائية بين البلدين إلى أقل من 50% للمرة الأولى بعد أن كانت حوالي 90 % قبل خمس سنوات فقط.

كما أن في عام 2014 م، تم تأسيس بنك التنمية الجديد (NDB) من قبل دول بريكس الخمس وانضمت بنغلاديش والإمارات ومصر كأعضاء ومالكة أسهم في البنك. ويقدم البنك نفسه كمؤسسة إقراض تستهدف الاقتصادات الناشئة في العالم النامي. وقد أصدر تمويلاً يقدر بنحو 33 مليار دولار لدعم ما لا يقل عن 96 مشروعًا تنمويًا في الدول الخمس المؤسسة لمجموعة بريكس. ويركز في استثماراته على الاستدامة البيئية باعتبارها ركيزة أساسية لسياسته التمويلية ويساند المشروعات التي تسهم في الربط الرقمي ومكافحة الفقر والتغير المناخي. والتطور الأكثر أهمية في كتلة بريكس هو التأكيد على السعي بجدية لاستكشاف إمكانية إدخال عملة موحدة مشتركة على أساس سلة من عملات دول بريكس مع نظام دفع عالمي بديل وقوي. ومن المتوقع أن يتم الإعلان في أغسطس 22 عن اعتماد هذه العملة التي ربما تستند على الذهب ويمكن أن تصبح وسيلة للتعامل الدولي مما "سيقلل هيمنة الولايات المتحدة في تسيير العالم."

وفي المقابل لم تكن صدفة أن تعقد الهند وروسيا اتفاقًا على استخدام الدرهم الإماراتي في صفقات بترولية بين البلدين، فالدرهم الإماراتي وفقًا لوكالة (آي. ام. دي) للمنافسة العالمية ومقره في سويسرا، أكثر استقرارًا في سعر الصرف من اليورو الأوروبي والين الياباني كما أنه خامس عملة في العالم من حيث القدرة التنافسية. ولم تكن صدفة أيضًا أن تنضم الإماراتية ثريا الهاشمي إلى عضوية مجلس إدارة بنك التنمية.

وهذا ما يشير إلى القدرات الكامنة التي يمكن لمجلس التعاون إطلاقها في أسواق النقد الدولية.

إلا أن العديد من الباحثين يرى صعوبة تصور فصل حاسم بين الغرب والشرق، أو عملية نهائية "لإزالة العولمة". وذلك لأن الحجم الهائل للتجارة في السلع والخدمات، وتدفقات رأس المال والبيانات والأشخاص عبر الحدود ومدى الترابط الاقتصادي وتعقيد الإنتاج القائم على سلسلة القيمة العالمية، والذي يعتمد على المدخلات التي يتم الحصول عليها من جميع أنحاء العالم، كلها تعمل ضدها (باريبي:2023).

الخاتمة

إن مقارنة سريعة بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وبين "المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا" -ايكواس-وهي تضم 15 دولة، وأنشئت عام 1957م، تكشف مدى نجاح المجلس في تحقيق التنمية المستدامة لشعوبه. فقد كشف الانقلاب الأخير في النيجر، وهي إحدى دول المجموعة الاقتصادية أن الاعتماد على منتج وحيد وهو اليورانيوم لم يساهم في رفع مستوى المعيشة لحوالي 25 مليون مواطن في تلك البلاد، والتي تعتبر سابع أفقر دولة في العالم. بينما نجحت دول مجلس التعاون في استغلال ثروة النفط في تنويع اقتصادها وتأهيل شعوبها للمشاركة في صنع المستقبل.

ولكن من المهم التأكيد على أن دول المجلس خلال سعيها إلى توسيع خياراتها في بناء شراكات عالمية مع مختلف الكيانات الاقتصادية عليها البدء بتعزيز أوجه التكامل فيما بين دولها من خلال تعميق الإصلاحات الاقتصادية وإزالة الحواجز التجارية لتعظيم المنافع وتوسيع القاعدة الاقتصادية والتصديرية والتي سيترتب عليها توسيع الأسواق والذي من شأنه المساعدة في جذب الاستثمار وتعزيز النمو في القطاعات المختلفة. 

وفي الختام يمكن القول إن شراكات دول مجلس التعاون مع الكتل الاقتصادية الكبرى في عالم اليوم تتجاوز المصالح الاقتصادية التي تحققها لشعوبها، وتكسر الصورة النمطية التي تراكمت في مخيلة الغرب عن العرب والإسلام، كما تشكل جسرًا لاستعادة الأحلام الطموحة في قيام سوق عربية مشتركة متى توفرت الإرادة السياسية للدول العربية الشقيقة التي كانت وستبقى المدى الحيوي لتفعيل منطقة التجارة الحرة الكبرى وهو حلم أثبتت دول مجلس التعاون أنها قادرة على تحقيقه، عبر اتفاقات ثنائية ناجحة مع العراق والأردن ومصر والمغرب وسواها.


 

مقالات لنفس الكاتب