array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 190

مستقبل الصناعة العربية

الأربعاء، 27 أيلول/سبتمبر 2023

مع تطور مراحل الثورة الصناعية الرابعة، ومع دخول الذكاء الاصطناعي إلى ميدان الصناعة بقوة، ومع تزايد حاجة الدول العربية إلى مخرجات قطاع الصناعة لتلبية احتياجاتها ودعم اقتصاداتها خاصة الدول ذات الاقتصادات الضعيفة أو الهشة ولا سيما التي تعرضت لأحداث ما يسمى بثورات الربيع العربي .. لا سبيل أمام هذه الدول إلا خوض غمار الثورة الصناعية الرابعة والاستفادة من مخرجاتها، وبالتبعية لابد أن تستفيد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وتوطين التكنولوجيا الرقمية، على أن يكون ذلك في إطار خطط وبرامج قائمة على دراسات وأبحاث علمية بعيدًا عن الارتجال والعفوية، وأن تعتمد هذه الدراسات على قراءة متطلبات الواقع واحتياجات المستقبل، وتحديد اتجاهات السوق ومؤشرات المنافسة، وترتكز على المزايا النسبية لكل دولة عربية على حدة، ثم وضع تصور عربي شامل يقوم على أساس التكامل الصناعي لضمان عدم المنافسة العربية / العربية، وكذلك لضمان وجود منتج عربي مكتمل عناصر الجودة والإتقان يستطيع المنافسة في الأسواق الدولية والصمود أمام سيل التدفق التجاري العالمي، مع ضرورة أن يتم الاستفادة من التباين في عناصر الثروة والموارد ورأس المال البشري والتخصص والخبرات السابقة والموقع الجغرافي، وتحويلها إلى مقومات للتكامل..

وفي الحقيقة نجحت دول مجلس التعاون الخليجي في التعامل مع قطاع الصناعة خاصة المملكة العربية السعودية التي قطعت شوطًا بعيدًا على طريق توطين الصناعة، بل تجاوزت فكرة التوطين إلى تكريس الابتكار والارتقاء بالجودة مع التنوع وشمولية التخطيط والتنفيذ للصناعات المختلفة، فالمملكة تسير بخطى ثابتة وفي مسارات متوازية ليست متقاطعة لتحقيق الأهداف المنشودة وتنفيذ الخطط الموضوعة ضمن رؤية 2030، سواءً لتلبية الاحتياجات الداخلية، أو السعي إلى التصدير في مجالات صناعية كثيرة منها المدني والعسكري على السواء، ولقد استفادت المملكة من الموارد المالية والمواد الخام اللازمة للصناعة، وصاحب ذلك وجود إرادة وعزيمة، ورؤية واضحة تسير بطموح مع ترتيب الأوليات لتنفيذ الأهداف وجني الثمار .

التجربة السعودية ملهمة ويجب أن تستفيد منها دول المنطقة إذا أرادت السير في ركب التنمية والدخول إلى المستقبل متسلحة بمقومات الحياة الحديثة، ولذلك على جهات صناعة القرار ومراكز الأبحاث في الدول العربية اللجوء إلى التخطيط العلمي السليم لوضع أهداف مستقبلية في مجال الصناعة وهو الخيار الوحيد المتاح لهذه الدول للخروج من الأزمات الاقتصادية الراهنة والتي قد تتفاقم في المستقبل ما لم يتم تداركها والتصدي لها، وإيجاد الحلول العملية لمواجهة شح الموارد،  وزيادة عدد السكان، وضعف الاقتصادات الوطنية، وانخفاض قيمة العملات المحلية في كثير من الدول العربية، وهذا الطموح المشروع للدول العربية قابل للتحقيق إذا أجادت هذه الدول الاستفادة من المزايا النسبية التي تتمتع بها، وتم توظيفها بطرق علمية، وهنا يجب استدعاء الجامعات والمراكز البحثية وما بها من كفاءات من الأكاديميين والباحثين، وكذلك الدراسات والأبحاث والرسائل العلمية، وإعطاء الفرص للعلماء والاستماع إليهم ومشاركتهم بالرأي والخبرة، ولا سيما من المتخصصين في العلوم التطبيقية للمساعدة على اكتشاف مخزون الموارد الطبيعية وتحقيق الاستفادة القصوى من المزايا النسبية ووضع الخرائط اللازمة للمستقبل في مجال الصناعة، ثم صياغة أهداف بعيدة ومتوسطة وقصيرة المدى لتحديد أنواع الصناعات المناسبة التي تعالج المشاكل القائمة أو تتصدى لاحتياجات المستقبل، وعلى سبيل المثال من الضروري على الدول العربية التي تعاني من شح الطاقة الأحفورية (النفط والغاز) اللجوء إلى توليد الطاقة الجديدة والمتجددة فتتجه إلى طاقة الرياح، أو الطاقة الشمسية، أو الطاقة النووية للأغراض السلمية، وعلى الدول التي تعاني من شح المياه العذبة استخدام التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية في تحلية المياه، واستخدام طرق الري الحديثة لزراعة الصحراء لتوفير الغذاء الذي أصبح يخضع للضغوط خاصة بعد نشوب الحرب الروسية ـ الأوكرانية التي هددت سلاسل الإمداد العالمية.

وإذا كنا قد تحدثنا عن دور العلم في التخطيط للمستقبل، فلابد أن يكون دور الحكومات أساسيًا ومركزيًا في النهوض بقطاع الصناعة من حيث توفير البنية التحتية، وإقامة المدن الصناعية، وتحفيز القطاع الخاص المحلي، وجذب الاستثمارات الأجنبية من خلال تيسير القوانين واللوائح واختصار إجراءات التراخيص للمشروعات وتخفيف قيود البيروقراطية التي تعاني منها الكثير من الدول العربية، إضافة إلى بذل جهود جادة من جانب الحكومات لاستئصال الفساد الذي يكون العامل المهم في طرد المستثمرين وضرب المشروعات الاستثمارية في مقتل، ومن الضروري الاهتمام بالتعليم الصناعي والتدريب وإعادة التأهيل.

ومالم يتم اتخاذ هذه الخطوات وغيرها للدخول ضمن منظومة الثورة الصناعية الرابعة سيكون مصير الدول التي تتخلف عنها في عداد الدول المنسية التي ستخرج من المنافسة وستفقد الكثير من مقومات وجودها وبقائها.


 

مقالات لنفس الكاتب