array(1) { [0]=> object(stdClass)#13180 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 191

خلال 5 أعوام تعمل الصين مع دول الخليج في 5 مجالات لبناء نموذجًا للتعاون الشامل في الطاقة

الأحد، 29 تشرين1/أكتوير 2023

 في ديسمبر 2022م، عقدت القمة العربية -الصينية الأولى بنجاح في الرياض بالمملكة العربية السعودية، والتي تعتبر أهم حدث دبلوماسي رفيع المستوى يجمع بين بكين والعالم العربي منذ أواسط القرن العشرين. كما أنها تمثل علامة فارقة في تاريخ العلاقات الصينية-العربية وفي شكل التعاون الجديد بالعصر الحديث. وبفضل هذه القوة الداعمة التي منحتها القمة، يشهد التعاون بين الصين والمملكة العربية السعودية-بصفتها الدولة المُستضيفة للقمة-نموًا متصاعدًا بما يسهم في تحسين مستوى التعاون بين الجانبين في مجالات مثل السياسة، والاقتصاد، وبالأخص في مجال الطاقة الذي أضحى يمضي في مسار سريع. كما تلقت الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الرياض وبكين دعمًا إضافيًا عبر انضمام المملكة إلى منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة بريكس.

انضمام الرياض إلى منظمة شنغهاي وتكتل بريكس يحمل بوادر إيجابية

بصفتها قوى إقليمية رائدة، اتخذت المملكة العربية السعودية على مدى الأعوام الماضية، العديد من الخطوات كي تكون جزءًا من المجتمع الدولي وانضمت إلى المنظمات الدولية الأكثر تأثيرًا، والمشاركة بصورة أكثر نشاطًا في الحوكمة العالمية. وفي مارس الماضي (2023م)، تم منح المملكة صفة شريك في الحوار داخل منظمة شنغهاي للتعاون وهو ما أثار اهتمامًا واسعًا من قبل المجتمع الدولي. حيث إن آلية الحوار بين المملكة ومنظمة شنغهاي-التي تحمل دلالات وأهمية تتخطى فكرة الحوار في حد ذاته-من شأنها أن تخدم كمنصة ذات موثوقية وتُتيح فرصة لتحقيق طموحات المملكة السياسية، ونهضتها الاقتصادية، وسيادة الأمن، والاستقرار. وبعد مرور خمسة أشهر فقط، تم الإعلان أيضًا في أغسطس الماضي عن انضمام المملكة بشكل رسمي إلى مجموعة بريكس إلى جانب خمسة أعضاء جدد -فيما يعد أول توسع من نوعه للمجموعة منذ تأسيسها قبل 12 عامًا. وسرعان ما أصبح الإعلان عن انضمام الأعضاء الست الجدد الحدث الأبرز في قمة قادة مجموعة بريكس لهذا العام وشكل لحظة تاريخية فارقة في مسار تطورها.

وباعتبارها ممثل عن الاقتصادات الناشئة، تضطلع دول تكتل بريكس بدور متزايد الأهمية داخل الاقتصاد العالمي مع التركيز على تعزيز التعاون والنمو بين الأسواق الناشئة والدول النامية. بالتالي، فإن مشاركة المملكة العربية السعودية في المساعي الدولية تُشير إلى أن البلاد تشهد تحولًا ملحوظًا. كما أن مثل هذه التحركات النشطة تبعث رسائل قوية وإيجابية-بأن حكومة المملكة تتبنى سياسات أكثر براغماتية وانفتاحًا، وأصبحت أكثر استقلالًا في الشؤون الدولية من أجل أن تخلق لنفسها بيئة داخلية وخارجية مستقرة تدعم رؤيتها التنموية. حيث أن الصورة التي يرسمها الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمستقبل المملكة تتميز بالواقعية والازدهار وتعد سماتها الأبرز؛ الاستقلال السياسي والدبلوماسي، والاعتماد على الذات في التنمية الاقتصادية والثقة الدينية والثقافية. كما أنها تشكل جزءًا لا يتجزأ من رؤية المملكة 2030، وهو ما سيقود البلاد إلى التحول من قوة إقليمية إلى قوة عالمية. من شأن هذا التحول أن يُسهم ليس فقط في ترسيخ ريادة المملكة العربية السعودية على مستوى العالم العربي، بل الأهم من ذلك، أنه سيكون نموذجًا ملهمًا للبلدان الأخرى داخل المنطقة وكذلك دول الجنوب العالمي، وسيُحفزها على التركيز بشكل أكبر على الحَوكمة الإقليمية ومسار التنمية.

 

في السياق ذاته، يُعد التوسع الأخير لمجموعة البريكس في ظل انضمام أربعة دول من الشرق الأوسط من بين الأعضاء الست الجدد، نموذجًا ناجحًا من نماذج التأثير البياني". كما يؤكد الأهمية التي تُوليها المملكة العربية السعودية وغيرها من بلدان الشرق الأوسط الأخرى لمجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون التي تقودها الصين، وتوقعاتهم للدور الإيجابي الذي تلعبه الصين على مستوى المجتمع الدولي. ومن خلال الانضمام إلى هذه المنصات، أظهرت دول الخليج استعدادها للتعاون مع البلدان النامية الأخرى، مما يجعل صوت الجنوب العالمي مسموعًا للمجتمع الدولي في مواجهة المهام والتحديات المشتركة. وهو ما عبر عنه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بالقول: "إننا نتطلع إلى تطوير هذا التعاون لخلق فرص تنموية واقتصادية جديدة والارتقاء بعلاقتنا إلى المستوى المنشود".

بناء مجتمع تعاون صيني -سعودي مستقر وطويل الأمد في مجال الطاقة

يولي الرئيس الصيني تشي بينغ جين أهمية كبيرة للتعاون مع المملكة العربية السعودية في مجال الطاقة، وقد عبر الزعيم الصيني في أكثر من مناسبة عن فكره الاستراتيجي بشأن هذا الملف. وبالعودة إلى عام 2014م، كان الرئيس الصيني قد أشار -خلال الاجتماع الوزاري السادس لمنتدى التعاون العربي -الصيني -إلى أن التعاون في مجال الطاقة يمثل" محورًا رئيسيًا" للتعاون المشترك بين الجانبين. وفي ضوء هذا السياق، يُمثل التعاون في قطاع الطاقة بين المملكة والصين أهمية كبيرة ليس فقط بسبب أن كليهما يعتبر شريكًا تجاريًا رئيسيًا للآخر في مجال النفط الخام، بل ولأن تعاونهما يُمثل أكبر شراكة ثنائية في مجال الطاقة على مستوى العالم من حيث حجم تجارة النفط الخام. وخلال زيارته الأولى إلى المملكة العربية السعودية خلال عام 2016م، تقدم الرئيس الصيني بمقترح حول "بناء مجتمع صيني -سعودي مستقر وطويل الأمد في مجال الطاقة" فيما اتفق قادة البلدين على إقامة شراكة استراتيجية شاملة، وتسريع تطوير الشراكة الثنائية بين الجانبين. وفي ديسمبر من عام 2022م، نشرت صحيفة" الرياض" مقالا حمل توقيع الزعيم الصيني، قبيل زيارته إلى الرياض من أجل حضور القمة العربية الصينية، والذي جاء تحت عنوان" المضي قدمًا بصداقتنا القديمة الممتدة عبر آلاف السنين والعمل المشترك من أجل مستقبل أفضل". وفي مقاله هذا، وصف الزعيم الصيني المملكة العربية السعودية بأنها "مُصدِر رئيسي للطاقة عالميا"، معربًا عن تقديره للمَكانة الصاعدة للمملكة ونفوذها المتنامي عالميًا في السياسية، والاقتصاد، والطاقة ومجالات أخرى. كما استشهد الرئيس تشي جين بينغ في مقاله بعدد من المشروعات المشتركة الكبرى التي يتم تنفيذها بما في ذلك مشروع "شركة ينبع أرامكو سينوبك" للتكرير، ومشروع "مجمع جولي للإثيلين الصيني ـ السعودي" بوصفهما من أبرز ثمار التعاون الصيني -السعودي في مجال الطاقة. وخلال انعقاد القمة العربية-الصينية الأولى، استعرض الرئيس الصيني المبادرات الثماني الرئيسية بشأن التعاون العملي بين بلاده والدول العربية، وكان ملف أمن الطاقة أحد المجالات المحورية، وذلك بهدف تعزيز إنشاء نظام عالمي لحوكمة الطاقة يكون عادلًا، ومتوازنًا، ومفيدًا. وخلال قمة الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، أكد الرئيس الصيني أنه خلال الفترة من ثلاثة إلى خمسة أعوام مقبلة، ستكون الصين على استعداد للعمل جنبًا إلى جنب مع دول مجلس التعاون الخليجي في خمسة مجالات رئيسية، وسيكون أحد الأهداف الرئيسية لهذا التعاون، إنشاء نموذج جديد للتعاون الشامل في مجال الطاقة. وبشكل عام، تُولي الصين اهتمامًا وتقديرًا بالغين لتعاونها مع المملكة في مجال الطاقة، الذي يشكل جزءًا لا يتجزأ من الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الجانبين.

أثمرت الشراكة الاستراتيجية بين الصين والمملكة العربية السعودية، التي جرى العمل على ترسيخها بشكل كبير، عن العديد من الإنجازات في مجالات مثل الاقتصاد، والتجارة، والطاقة لتقود إلى مستوى أعلى من التعاون العملي بين الجانبين وأفضت إلى تقدم ملحوظ في إطار مبادرة الحزام والطريق. في الوقت ذاته، تعتبر الصين أكبر شريك تجاري للمملكة، في حين تعد الرياض موردًا رئيسيًا لإمدادات الطاقة الصينية ودول غرب آسيا وإفريقيا. وفي عام 2021م، بلغ حجم التبادل التجاري بين بكين والرياض 87.31 مليار دولار ليسجل معدل نمو على أساس سنوي قدره 30.1%. وخلال العام ذاته (2021)، تفوقت المملكة العربية السعودية على الولايات المتحدة وروسيا كأكبر مورد للنفط الخام إلى الصين. كما بلغ إجمالي الواردات الصينية من النفط الخام خلال عام 2022م، 508.28 مليون طن، 87.49 مليون طن من المملكة العربية السعودية بما يمثل 17.21% من إجمالي واردات النفط الخام.

على صعيد سوق الطاقة العالمي الذي يتسم بالديناميكية، حرصت الصين والمملكة العربية السعودية على تعميق الاعتماد المتبادل في قطاع الطاقة. وعلى الرغم من قيام الصين بتنويع قنواتها ومصادرها من موارد النفط، إلا أن المملكة العربية السعودية ستظل أحد المصادر الرئيسية لإمدادات الطاقة الصينية وذلك بفضل العلاقات الوثيقة بين البلدين، والقدرة الإنتاجية المستقرة للنفط داخل المملكة، فضلًا عن سلاسة وسائل النقل والشحن التي تربط بين البلدين. ووفقًا لرؤية 2023م، لن تتمكن المملكة من الحفاظ على حصتها في سوق النفط وتوسيع نطاقه سوى من خلال تعزيز تعاونها مع الاقتصادات الآسيوية النامية مثل الصين. ومن هذا المنطلق، حرصت الدولتان على تطوير اعتماد متبادل فيما يتعلق بأمن النفط، وستكون هناك حاجة لتوطيد تعاونهما في هذا الملف لضمان الأمن المتبادل في قطاع النفط.

 بشكل عام، يشهد المجتمع الدولي تحولات، وتعديلات، وتطورات كبيرة يواكبها تهديدات ناتجة عن تصاعد وتيرة العنف الإقليمي أبرزها الأزمة الأوكرانية المتواصلة واحتدام الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. حيث يُنذر ذلك بتعطل حركة إمدادات الطاقة العالمية وسلاسل التوريد الصناعية على نحو خطير، ليُزيد من القلق العالمي بشأن قضية أمن الطاقة. في الوقت ذاته، يعد الطريق صوب الانتقال الطاقي وتنمية الطاقة العالمية المستدامة محفوفًا بالمخاطر والشكوك، بما يحتم ضرورة العمل على تعزيز التعاون الدولي في ملف الطاقة. وبصفتهما أكبر مُنتج ومُستهلك للطاقة عالميًا، ينبغي على المملكة العربية السعودية والصين إقامة شراكة قوية في مجال الطاقة، يكون لها دور محوري في ضمان أمن الطاقة العالمي واستقرار أسواق الطاقة، ذلك إلى جانب العمل على تطوير مصادر للطاقة النظيفة ومنخفضة الكربون. ومن المنظور الاستراتيجي ذاته، يتعين على كلا البلدين اعتبار أحدهما الآخر شريكًا أساسيًا والعمل على توسيع شراكتهما في مجال الطاقة لتمتد إلى مجالات أخرى، وذلك من أجل تحقيق تعاوناً مثمراً للجانبين، بهدف بناء ائتلاف طويل الأجل ومستقر في مجال الطاقة.

التعاون السعودي الصيني في مجال الطاقة التقليدية والجديدة يمضي في مسار سريع

تتسبب الأوضاع الدولية بالغة التعقيد ودائمة التغير في توليد قدر كبير من الشكوك والضبابية حول مستقبل إمدادات النفط التي تعد أمرًا محوريًا لضمان استقرار أسواق المعدن الأسود. ومؤخرًا، أكدت المملكة العربية السعودية في العديد من المناسبات التزامها بأن تكون الشريك والمورد الأكثر موثوقية للصين في مجال النفط الخام. وبطبيعة الحال، تعتبر بكين والرياض من كبار المستهلكين والمنتجين للطاقة عالميًا، وتمتلكَان سَويًا أساسًا صلبًا واستراتيجيات تكميلية في مجال الطاقة تسمح لهما بتطوير تعاون أكثر عمقًا. فضلًا عن الموثوقية التي يحظى بها الجانبان كشريك لأحدهما الآخر في مجال الطاقة. وخلال الأعوام الأخيرة، واصلت الرياض وبكين توسيع نطاق تعاونهما العملي في قطاع الطاقة والعمل معًا على تسهيل تطوير مصادر الطاقة التقليدية والجديدة. وقد شهدت الشراكة بين الجانبين في هذا القطاع نتائج مثمرة وجلبت منافع ملموسة لشعبي المنطقتين.

 

يُركز التعاون الصيني ــ السعودي في مجال الطاقة بشكل متساو على مصادر الطاقة التقليدية والطاقة مُنخفضة الكربون. فمن ناحية، شهدت العلاقات بين البلدين توطيد التعاون في مجال الطاقة التقليدية، والاستفادة من سلسلة القيمة الصناعية بأكملها وتوسيع قطاعات الإنتاج والتصنيع في مجال النفط والغاز. من الناحية الأخرى، تعكف المملكة والصين على توسيع تعاونهما في مجال الطاقة الجديدة، حيث توجد مشاركات نشطة للشركات الصينية في مشروعات الطاقة الجديدة داخل المملكة بمختلف المجالات، بما في ذلك الخلايا الكهروضوئية، وتخزين الطاقة، واحتجاز الكربون، وإنتاج الهيدروجين.

وعلى صعيد قطاع الطاقة التقليدية، تعتزم بكين مواصلة تعزيز التعاون رفيع المستوى مع الجانب السعودي، حيث تعمل الشركات الصينية بشكل وثيق مع شركائها داخل المملكة من أجل تبادُل التقنيات الحديثة والتعاون في مشروعات الطاقة التقليدية، مما يسهم في التنمية المستدامة للصناعات البترولية والبتروكيماوية المحلية. وقبل أيام من تصديق المملكة العربية السعودية على مذكرة انضمامها إلى منظمة شنغهاي للتعاون بصفتها شريك في الحوار في مارس الماضي، أبرمت المملكة صفقتين مُهمتين مع الصين، بقيمة إجمالية تزيد عن مائة مليار يوان صيني. وقد أعلنت شركة أرامكو -عملاق النفط السعودي-عن ضخ استثمارات بقيمة 12.2 مليار دولار (حوالي 83.7 مليار يوان صيني) لإنشاء مشروع مشترك بالتعاون مع شركتين صينيتين في "بانجين" بمقاطعة لياونينغ، وآخر يستهدف إنشاء مصفاة كبرى متكاملة ومجمع للبتروكيماويات بطاقة يومية تبلغ 300 ألف برميل في شمال شرق الصين. علاوة على ذلك، وقعت شركة الصين للبتروكيماويات (سينوبيك) وأرامكو السعودية عدة مذكرات تفاهم، حيث استفاد الطرفان من نقاط القوة لديهما لتعزيز تعاونهما طويل الأمد في مشاريع التكرير والبتروكيماويات الحالية والمستقبلية.

من جهة أخرى، ساهم الاتجاه العالمي خلال الأعوام الأخيرة تجاه الانتقال إلى الطاقة النظيفة في تسريع جهود السعودية من أجل تحقيق التحول الطاقي. وبصفتها أكبر منتج ومصدر للنفط الأحفوري، تواجه المملكة تحديات متعلقة بتحسين هيكل استهلاك الطاقة، وتعزيز التحول الأخضر وتنويع النمو الاقتصادي. خلال عام 2017م، قامت المملكة بتدشين البرنامج الوطني للطاقة المتجددة تحت مظلة رؤيتها التنموية "2030”. وعلى ما يبدو أن ملف الطاقة الجديدة يشكل جزءًا بارزًا من التعاون الشامل في مجال الطاقة بين المملكة والصين. فقد لعبت بكين دورًا نشطًا في دعم برنامج التحول الوطني على صعيد الطاقة في المملكة من خلال العمل بشكل وثيق مع منظمات الدولة في مشروعات الطاقة الجديدة، بما في ذلك؛ صندوق الاستثمارات العامة السعودي والشركات التابعة له، بالإضافة إلى شركة أعمال المياه والطاقة الدولية (أكوا باور). وساهمت هذه الشراكة القوية في تيسير التحول الهيكلي في الطاقة داخل المملكة إلى تنمية للطاقة الخضراء والطاقة منخفضة الكربون، وتوسيع نطاق التعاون الصيني -السعودي في قطاع الطاقة الجديدة. فقد أصبح التعاون في مجال الطاقة النظيفة والمتجددة أحد الإنجازات الجديدة لمسار التنمية والتعاون الأخضر بين الصين والمملكة وساهم بشكل كبير في تدعيم الجهود العالمية الرامية إلى خفض الانبعاثات الكربونية.

في ظل مشهد اقتصادي وسياسي عالمي تغلب عليه الضبابية، يبدو أن نظام البترودولار أضحى عُرضة للمخاطر. حيث تتعالى الدعوات داخل أسواق النفط المُطالبة باعتماد نظام أكثر تنوعًا من حيث آلية التسعير وتسويات البيع. من ثم، فإن تدويل العملة الصينية" الرنمينبي" قد يتوافق مع المصلحة المشتركة لأطراف المجتمع الدولي. ويمكن هنا أن يكون للصين والمملكة العربية السعودية مساهمة ذات قيمة في تسهيل تدويل الرنمينبي. كما يتسنى لدول تكتل بريكس تقليل اعتمادها على الدولار الأمريكي ونظام التجارة الدولي الواقع تحت الهيمنة الأمريكية وذلك عبر إنشاء نظام تسوية مستقل وأطر تجارية. ومن خلال العمل على توطيد التعاون المشترك، يمكن لدول بريكس تحقيق التنمية المستقلة وتعزيز القدرة التنافسية الشاملة وحماية الاستقرار والازدهار الإقليميين.

باعتبارها أكبر دولة مُصنعة في العالم، تولي الصين الأولوية لملف أمن الطاقة باعتباره شريان الحياة الاقتصادية للبلاد. في الوقت ذاته، تعاني منطقة الشرق الأوسط، التي تعتبر من أكبر المناطق عالميًا إنتاجًا للنفط، من حالة انعدام استقرار متواصلة نتيجة للتدخلات الأمريكية بما ترتب عليه تذبذب مستمر في سوق الطاقة العالمي. بالتالي، فإن تطوير شراكة قوية بين الصين والمملكة العربية السعودية لن يسهم فقط في إعلاء الاستقرار واستدامة صادرات الطاقة السعودية، بل يضمن استقرار الأسعار وإفادة سوق الطاقة العالمي بشكل عام. كما أن التعاون في مجال الطاقة بين الرياض وبكين يتوافق مع مصالحهم المشتركة وسيكون له تأثير إيجابي على مسيرة التعافي الاقتصادي والتنمية داخل البلدين والعالم بأكمله.

الخلاصة

تعتبر التنمية من المفاهيم والموضوعات الخالدة في تاريخ البشرية، وتمثل أولوية مُلحة سواء كان للصين أو المملكة العربية السعودية.  حيث إن النظام الدولي والمشهد العالمي الراهن يخضعان لتغييرات عميقة لم يسبق لها مثيل منذ قرن من الزمان، وسيكون لها تبعات على العالم، والحاضر، بل وستترك أثرها في تاريخ البشرية. وفي ضوء هذا السياق، قررت المملكة العربية السعودية الانضمام إلى مجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، مما يُظهر قوتها وإرادتها الوطنية ويعزز أيضًا من نفوذ المُنظمتين. من جانبها، ستواصل منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة بريكس بقيادة الصين، خدمة أهدافها المُتمثلة في توفير منصات للحوار وفرص للدول النامية الساعية وراء تحقيق الإصلاح والتنمية. ومن المهم أن الصين والمملكة العربية السعودية كان لديهما حرص على إقامة شراكة استراتيجية موجهة نحو المستقبل للتعاون الشامل والتنمية المشتركة، وتقوم على مبادئ المساواة والمنفعة المتبادلة التي تُعيد رسم ملامح العلاقات الدولية، سواء الثنائية او المتعددة الأطراف. كذلك تُقدم الشراكة الصينية -السعودية ذات المنفعة المتبادلة نموذجًا مثاليًا على التعاون بين بلدان الجنوب والتعاون الإقليمي، فضلًا عن التعاون بين الدول النامية في جميع أنحاء العالم.

وبالأخذ بعين الاعتبار إرثها الحضاري العريق وأوضاعها الداخلية الراهنة، فقد كانت الصين رائدة في اتخاذ مسار فريد نحو الحداثة والذي يتماشى بشكل جيد مع الشعور المتنامي داخل المملكة العربية السعودية بالاستقلال الاستراتيجي. وخلال الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس شي جين بينغ إلى المملكة العربية السعودية في ديسمبر من العام الماضي، وقع البلدان على خطة تنفيذ لمواءمة مبادرة الحزام والطريق الصينية مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030. ويُصادف عام 2023م، الذكرى السنوية العاشرة لمبادرة الحزام والطريق حيث كانت المملكة العربية السعودية واحدة من أوائل المستجيبين لمبادرة الحزام والطريق. وقال وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر الخريف في هذا الشأن: "إن التآزر بين مبادرة الحزام والطريق ورؤية المملكة 2030 سيجلب العلوم، والتكنولوجيا، والأفكار المتقدمة إلى البلاد، ويعزز تنميتها الاقتصادية والاجتماعية". إن البلدين يؤمنان بأهمية تعميق أواصر الثقة بينهما.

مقالات لنفس الكاتب