array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 191

التعاون المشترك بين الصناديق السيادية في دول الخليج والآسيان تحقق مكاسب بلا حدود

الأحد، 29 تشرين1/أكتوير 2023

ينبغي أن يُنظر إلى العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول جنوب شرق آسيا " آسيان" من منظور سياسات " التحول شرقًا " التي اعتمدتها الدول الخليجية على مدى العقدين الماضيين. ونظرًا إلى تحول مركز ثقل النشاط الاقتصادي العالمي حاليًا صوب الشرق، تبدو قيمة التبادل التجاري السنوي بين دول الخليج وآسيان البالغة 85 مليار دولار أمرًا جيدًا. خاصة بعد أن أصبحت رابطة دول آسيان، رابع أكبر شريك تجاري للكتلة الخليجية بعد كل من الصين، والهند، والاتحاد الأوروبي. وفي ظل تفاخر كلتا الكتلتين بناتج محلي إجمالي مشترك يتجاوز 5.5 تريليون دولار، ثمة إمكانية أن تشهد التجارة الثنائية نموًا مطردًا مدعومة أيضًا بمساعي التنوع الاقتصادي التي تتبناها دول المنطقتين، فضلًا عن الجهود الجارية من أجل إبرام اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة بين بعض الدول داخل الكتلتين. وربما نشهد في المستقبل توقيع اتفاقيات التجارة الحرة الجماعية، بحيث يمكن للمرء بسهولة تصور اتساع نطاق التعاون بين الجانبين.

 

وفي الوقت الذي يظل النفط محتفظا بمكانته كعامل مؤثر، تُركز الرؤية التنموية وخطط التنويع الاقتصادي التي تتبناها دول مجلس التعاون الخليجي أيضًا على تنفيذ سلسلة من مشروعات الربط مثل "مشروع الممر الاقتصادي بين الهند، والشرق الأوسط، وأوروبا" الذي تم توقيعه مؤخرا ويضم كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات. ويتداخل مع هذا النوع من المشروعات، مبادرة “الربط والتكامل بين دول آسيان 2025”، التي "تهدُف إلى بناء كتلة مترابطة ومتكاملة بشكل سلس وشمولي، يثمر عن تعزيز القدرة التنافسية والشمولية لدول الرابطة وتوليد إحساس أكبر بالمجتمع، وذلك من خلال اعتماد 15 مبادرة ممتدة عبر خمسة مجالات استراتيجية كما هو واضح في الشكل أدناه بما يُفسح المجال أمام كافة القطاعات غير النفطية كي يكون لها دور.

 

 

مبادرات التكامل والربط بين دول جنوب شرق آسيا

 

تنقل الأفراد

 

 

1.   السياحة

2.   تسهيل استخراج التأشيرات

 

3.   التعليم والتدريب التقني والمهني

 

4.   التعليم العالي

التميز التنظيمي

 

1.التميز التنظيمي

 

2.الوسائل التقنية الوطنية

سلاسة الخدمات اللوجيستية

 

1.الطرق والمنافذ التجارية

 

2.سلاسل التوريد

 

 

 

 

الابتكار التكنولوجي

 

1.   المنشآت متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة

 

2.   الخدمات المالية الرقمية

 

3.   البيانات المفتوحة

 

4.   بيانات الحَوكمة الرقمية

بنية تحتية مستدامة

 

1.   أنابيب البنية التحتية

 

2.   إنتاجية البنية التحتية

 

3.   التنمية الحضرية المستدامة

 

 

 

 

وهكذا تتوافق طبيعة الأسواق الخليجية المُفعمة بالحياة وشكل الدبلوماسية الاقتصادية التي بدأت تنتهجها خلال الفترة الأخيرة، مع الاقتصادات المُغامرة داخل رابطة دول آسيان. كما أن الفرص التي يُتيحها قطاع الربط والتكامل، تفتح الباب أمام تطوير تعاون مشترك بين صناديق الثروة السيادية في كلتا الكتلتين، وهو الأمر الذي إذا ما تم اغتنامه بشكل جيد، فستكون السماء هي الحد!

 

ما وراء الاقتصاد

 

 مع ذلك، فإن القدرة على بلوغ عنان السماء، تظل حبيسة عدد من التحديات والتي يتمثل أهمها في عدم القدرة على بلورة تعاون مؤسسي أكثر جدوى وفاعلية بين مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول آسيان. على سبيل المثال، لم يعقد الاجتماع الوزاري الأول بين الجانبين سوى عام 2009م، أي بعد مرور 10 أعوام من إجراء أول اتصال بين الجانبين عام (1999م). وبرغم من أن الرؤية التنموية المشتركة (2007-2017م) التي تبنتها الكتلتان بدت واعدة، إلا أن نتائجها جاءت أقل من المتوقع. وفي ضوء هذه الخلفية من بطء عملية الربط المؤسسي بين الجانبين، فإن انعقاد قمة "الخليج وآسيان" في الرياض يأتي موضع ترحيب. ونظرًا إلى الضغوط العالمية المتواصلة: الجيواقتصادية، والجيوسياسية، والجيواستراتيجية، فإن القمة تُمثل لحظة مناسبة لإعادة ضبط العلاقات بين مجلس التعاون الخليجي ودول رابطة آسيان. يُشار إلى أنه، تم مؤخرًا دعوة بعض دول مجلس التعاون الخليجي -وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات -من أجل المشاركة في العديد من المنتديات الدولية أو الانضمام إليها مثل مجموعة العشرين، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ومجموعة بريكس. وتعد دولة الإمارات شريكًا في الحوار القطاعي داخل رابطة دول (آسيان) منذ 2022م. من ثم، فإن انضمام بعض دول مجلس التعاون الخليجي أو الكتلة بأكملها بشكل رسمي إلى رابطة دول (آسيان) أضحى احتمالا أقرب إلى الواقع.

 

وفي الوقت الذي سيجد المجال الاقتصادي سبلًا جديدة لتعزيز التعاون والمشاركة، يحظى التعاون في المجالات الدبلوماسية والأمنية الجديدة بنفس القدر من الاهتمام. حيث تواجه منطقة دول مجلس التعاون الخليجي صعوبة متزايدة في تفادي تبعات صراع القوى العظمى، كذلك تجد دول منطقة آسيان نفسها أيضًا في قارب مماثل. وبالتالي، قد تساعد القمة المشتركة بين الجانبين في الربط بين الديناميكيات الاقتصادية، والدبلوماسية، والأمنية.

 

اتفاق الشراكة الاقتصادية الشاملة مقابل اتفاقية التجارة الحرة

 

بعيدًا عن تطوير الصداقة المؤسسية بين مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول آسيان إلى مستوى معين، تساعد القمة المشتركة بين الكتلتين في تعزيز علاقاتهما الثنائية والوصول بها لمستوى آخر، بما يُمثل قيمة مضافة. ومن منطلق الاعتراف بأن "الحس الاقتصادي هو المنطق السليم"، تعمل دولة مثل الإمارات، على سبيل المثال، على تطويع الدبلوماسية الاقتصادية بهدف خدمة وتعزيز مصالحها، حيث ستكون فيتنام الدولة التالية، بعد إندونيسيا، التي توقع على اتفاق الشراكة الاقتصادية الشاملة مع أبو ظبي. وعلى عكس اتفاقيات التجارة الحرة، فإن اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة تشمل قطاع الخدمات، بما يسهم في توسيع نطاق التعاون بين الدول الموقعة. ومن الأمثلة الموضحة للنتائج الإيجابية لاتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة، ارتفاع حجم التبادل التجاري بين الإمارات والهند بنسبة 6٪ بعد عام واحد من توقيع الاتفاقية في عام 2022م.

 

فهل تصبح الشراكة الاقتصادية الشاملة نموذجًا لاتفاقيات التجارة الحرة الجماعية؟

الإجابة، قد تكون نعم ولا في الوقت ذاته:

 

نعم، بسبب النجاح الذي حققته اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين سنغافورة ومجلس التعاون الخليجي. فقد وافقت سنغافورة أولا على الشروط مع دولة قطر ثم امتد الأمر ليشمل كافة دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2008م. لتصبح بذلك أول اتفاقية تجارة حرة يوقع عليها مجلس التعاون ومن الممكن أن تتبع دولة فيتنام النموذج ذاته. من ناحية أخرى، قد يكون من الصعب بمكان، إتمام اتفاقية تجارة حرة جماعية بين مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول آسيان، كونه لم يعد كتلة متجانسة كما كان في السابق. كما أن العمل على مواءمة المصالح المختلفة لأعضائه أصبح أكثر صعوبة عن ذي قبل، مما يجعل التوصل إلى توافق في الآراء بشأن القضايا الاقتصادية أكثر تعقيدًا. وفي الوقت الذي باءت محاولات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والهند للتوقيع على اتفاقية تجارة حرة مع مجلس التعاون الخليجي في الماضي بالفشل، أصبحت اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي أيضًا في طي النسيان.

 

تنويع سلاسل التوريد

 

بخلاف بعض الاقتراحات التي تقول بأن العالم يخضع حاليًا لعملية " تفكك للعولمة"، على الأرجح أننا في خضم عملية "إعادة العولمة " بما يعني أنه سيتم إعادة صياغة قواعد الدبلوماسية الاقتصادية وإعادة تشغيل آلية سلاسل التوريد بالكامل. وفي عالم ما بعد كُوفيد -19، أصبحت البلدان النامية -مثل دول آسيان-تقود عملية إعادة التشغيل وفي إمكانها أن تُحقق قدرًا كبيرًا من الاستفادة من الاستثمارات الخليجية. فضلاً عن المزايا التنافسية التي تمتلكها الدول الأعضاء في كلتا المنظمتين، بما يساهم في إضفاء مزيد من الديناميكية على مسيرة تقدم الجنوب العالمي.

 

في الوقت ذاته، تولي دول مجلس التعاون الخليجي اهتمامًا كبيرًا وتركيزًا خاصًا بالاستثمارات التي تنجح في تحقيق أهدافها المنشودة بكفاءة. من ثم، فمن الأهمية بمكان، أن تحرص دول آسيان على العمل على خلق بيئة أعمال مواتية للاستفادة من الاهتمام الجديد لدول مجلس التعاون الخليجي في إعادة تشكيل مسارات سلسلة التوريد العالمية. ويمكن للجانبين أيضًا إنشاء رابط مع مبادرة الحزام والطريق أو ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب أو مشروعات الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا في سبيل تعزيز مصالحهم الجماعية. كذلك، يتسنى لواحدة أو أكثر من دول مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول آسيان والشركاء المشتركين الآخرين، التطلع إلى ما هو أبعد من العلاقات الثنائية والتحليق تحت رادار الشراكات متعددة الأطراف من خلال الانغماس في شراكات "مصغرة" لتعزيز قضيتهم. كل هذا يعني أن الفرص متاحة كما هو الحال دائمًا، لكن السبيل لاغتنامها يتطلب ابتكارًا ومثابرة.

 

العلاقات الخليجية-الإندونيسية-نموذج إيجابي

 

في الوقت الذي ركزت سياسة "التطلع شرقًا" التي تنتهجها دول مجلس التعاون الخليجي على الاقتصادات الأربعة الكبرى داخل آسيا (الصين، والهند، وكوريا الجنوبية، واليابان)، فإن العديد من الاستثمارات الضخمة والاتفاقيات التجارية مع إندونيسيا حظيت بقدر أقل من الاهتمام. مع ذلك، فإن النجاح الذي تمخض عنه التفاعل بين البلدان الخليجية وإندونيسيا قد يُشكل نموذجًا يمكن تكراره مع الدول الأخرى في رابطة آسيان التي تضم عشرة أعضاء. حيث ساعد الصعود المتواصل لإندونيسيا، أحد اقتصادات مجموعة العشرين، كمركز لجنوب شرق آسيا، على تشجيع دول مجلس التعاون الخليجي على النظر إليها كوجهة استثمارية ووسيلة لتنويع اقتصادها ومساعيها للنمو.  كما إنها تعد أكبر اقتصادات رابطة دول آسيان، وحصلت على تعهدات بقيمة عشرات المليارات من الدولارات في قطاعات متعددة خلال الأعوام الأخيرة من قبل دول مجلس التعاون الخليجي، وبالأخص دولة الإمارات. وتأمل إندونيسيا أيضًا في استغلال تعاونها مع الجانب الإماراتي لكي يكون مركزًا لتسهيل عبور صادراتها إلى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا.

 

وباعتبارها نموذجًا في تطبيق الإسلام المعتدل، يُنظر إلى إندونيسيا بوصفها مثالاً للتنوع والتسامح، وهما اثنين من أهم الشعارات المُتضمنة في بعض السرد غير الأيديولوجي الجديد داخل دول مجلس التعاون الخليجي. وثمة عامل اجتماعي واقتصادي وثقافي داعم أيضًا للتقارب الخليجي مع إندونيسيا وهو أن العمالة الإندونيسية داخل المنطقة الخليجية تعد من أكبر القوى العاملة الوافدة لاسيما العاملات المنزليات، بما يسهم في مزيد من التوطيد في العلاقات الثنائية. أخيرًا وليس آخرًا، قد يكون هناك تضامن دبلوماسي غير مُعلن بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول رابطة دول آسيان، ربما يساعد في استكشاف السبل الممكنة للتخفيف من آثار المنافسة المحتدمة بين الولايات المتحدة والصين باعتبارهما قوتين عظمتين، ويتجلى ذلك بوضوح في القضايا المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط وبحر الصين الجنوبي، فضلًا عن تعزيز الترتيبات الدفاعية والأمنية البديلة.

 

تتشابه العديد من العناصر الداعمة للتقارب الخليجي -الإندونيسي مع العوامل التي دفعت العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وآسيا إلى مستويات قياسية جديدة على مدار العقدين الماضيين. بما في ذلك الروابط التاريخية، وتعداد السكان، وحجم السوق، فضلًا عن إمكانات النمو الاقتصادي المستقبلي، فيما عدا قطاع التجارة، وذلك بعد أن سجل إجمالي التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون الخليجي وإندونيسيا 16 مليار دولار فقط خلال عام 2022م، وهو أمر يجري العمل على مُعالجته حاليًا. وخلال زيارة الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو إلى الإمارات في يوليو 2022م، وقع البلدان على اتفاق الشراكة الاقتصادية الشاملة. وتهدف الاتفاقية إلى زيادة التجارة الثنائية السنوية بأكثر من مرتين ونصف لتصل إلى 10 مليارات دولار في غضون خمسة أعوام وذلك عبر إزالة الحواجز والقيود التجارية التي يواجهها عدد من السلع والخدمات.

 

وفي سبيل تدعيم الصادرات والتجارة الإماراتية مع إندونيسيا، التي تعتبر مُنخفضة للغاية مقارنة بحجم الاستثمارات الأخيرة، تُسهل اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة وصول السلع إلى إندونيسيا مُعفاة من الرسوم الجمركية بنسبة 80 %. ومن المتوقع أن تُسهل الإجراءات الجمركية المبسطة والضغط على التجارة الرقمية على الشركات الإماراتية توسيع أعمالها. كذلك من المتوقع أيضًا توجيه 10 مليارات دولار من المشروعات الاستثمارية داخل القطاعات ذات الأولوية مثل الزراعة، والطاقة، والبنية التحتية، وخاصة الخدمات اللوجستية، مع تعزيز التعاون المستقبلي في مجالات السياحة، وريادة الأعمال، والرعاية الصحية.

 

استثمارات بقيمة 23 مليار دولار

 

تعتبر اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الإمارات وإندونيسيا خطوة بديهية في مسار تعزيز تعاونهما في قطاع التجارة والخدمات بعد سلسلة من العقود الاستثمارية الموقعة منذ عام 2019. فقد بدأ الأمر خلال زيارة رئيس دولة الإمارات إلى إندونيسيا، والتي شهدت توقيع عقود تجارية بقيمة تضاهي 10 مليارات دولار، تلا ذلك توقيع عشرات من الصفقات الاستثمارية بقيمة تصل إلى 23 مليار دولار خلال عام 2020م، في مجالات الطاقة والبنية التحتية. يتضمن ذلك اتفاقًا بقيمة 12.5 مليار دولار بين شركة بترول أبو ظبي الوطنية "أدنوك" وشركة بيرتامينا لتطوير مصنع للبتروكيماويات في جاوة الغربية-أحد الأقاليم الإندونيسية. فيما استهدفت استثمارات أخرى تطوير قطاعي الموانئ والطاقة المتجددة، مع احتمال تدفق الأموال إلى العاصمة الجديدة المخطط لها في إندونيسيا في بورنيو (كاليمانتان الشرقية) كمتنفس جديد بعيدًا عن الازدحام السكاني في العاصمة الحالية جاكرتا.

 

كما وقعت شركة أبو ظبي لطاقة المستقبل "مصدر"، والتي تعتبر أكبر منتج للطاقة النظيفة داخل الإمارات، اتفاقية مع شركة الكهرباء الحكومية في إندونيسيا من أجل شراء الطاقة وتوظيفها في تطوير أول محطة عائمة للطاقة الشمسية الكهروضوئية في البلاد. وقام جهاز أبو ظبي للاستثمار بضخ استثمارات كبيرة من أجل الترويج لـ مجموعة "جوتو" الإندونيسية العملاقة المتخصصة في مجال التكنولوجيا. وفي أواخر عام 2021م، تعهدت الإمارات باستثمار 27 مليار دولار في مشروعات داخل الأراضي الإندونيسية. وقد شملت الصفقات التي تم الإعلان عنها خلال زيارة الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو إلى الإمارات إبان فترة تفشي جائحة كُوفيد -19، اتفاق شركة أبو ظبي المتخصصة في الذكاء الاصطناعي للاستثمار في مبادرات المدن الذكية، والاتصالات، ومختبرات الجينوم. فضلا عن، الإعلان أوائل عام 2021م، عن استثمار بقيمة 10 مليارات دولار داخل هيئة الاستثمار الإندونيسية، وذلك للاستفادة من الفرص المتاحة في قطاعات "البنية التحتية، والطرق، والموانئ، والسياحة، والزراعة، وغيرها من القطاعات الواعدة التي تنعم بإمكانات النمو، ويمكنها أن تساهم في دفع مسيرة النمو، فضلًا عن التقدم الاقتصادي والاجتماعي الذي تشهده البلاد". كذلك تم التوقيع على اتفاقية لبناء مصنع "تغويز " الفحم لتحويل الفحم منخفض السعرات الحرارية إلى ثنائي إيثيل الإيثر، حيث يمثل بديلا للبروبان في غاز البترول المسال -وهو الوقود المعتمَد في المطابخ الإندونيسية.

 

من جانبها، أكدت شركة موانئ دبي العالمية التزامها بتطوير الموانئ البحرية على مدى 30 عامًا، وتعاونت شركة الاتحاد للتأمين الائتماني مع شركة إندونيسيا "ري" في تحسين وصول التمويل إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة لتعزيز الصادرات. وبالتالي، تعد دولة الإمارات العربية المستثمر الإقليمي الرائد في أسواق جنوب شرق آسيا، حيث بلغت استثماراتها في دول رابطة آسيان نحو 74 % من إجمالي قيمة الاستثمارات الخليجية. وهو ما ساعد بدوره في تحفيز الدول الأخرى على أن تحذو حذوها، على سبيل المثال، وقعت مجموعة" مسقط أوفرسيز "اتفاقية خلال عام 2019 م، مع شركة بيرتامينا لتطوير مصفاة نفط بطاقة 300 ألف برميل يوميًا في منطقة كاليمانتان الشرقية، باستثمارات تقدر بـ 14 مليار دولار.

 

أوقات الاختبار

 

على صعيد المملكة العربية السعودية، لم تكن الاستثمارات السعودية داخل إندونيسيا بنفس القدر من الضخامة. لذلك، شهدت زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود عام 2017م، إلى إندونيسيا -وهي الأولى لزعيم سعودي منذ ما يقرب من 5 عقود، وتتطلب الأمر تسعة أيام لوضع اللمسات الأخيرة على أربع اتفاقيات استثمارية يبلغ مجموعها 2.4 مليار دولار في مجالات الإسكان، والكتلة الحيوية، والطبية، وسياحة الحج. وقد تعرضت العلاقات الثنائية بين القوتين الإسلاميتين إلى اختبار بسبب عدة عوامل تتراوح ما بين القضايا الدينية، ومعاملة العمالة داخل المملكة، وعدم مشاركة إندونيسيا في التحالف الذي تقوده السعودية ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش "في عام 2015م. 

 

على الجانب الآخر، تتشارك إندونيسيا، الدولة الإسلامية الأكثر اكتظاظا بالسكان على مستوى العالم، ودولة الإمارات الشعور بالاعتزاز والفخر لاحتضَانهما قيم وتعاليم الإسلام المعتدل والاستعداد للعمل معا لتعزيز التسامح في كفاح البلدين ضد التطرف الديني. وقد انعكس ذلك من خلال تصريحات الرئيس ويدودو خلال زيارته إلى أبو ظبي في عام 2021 "أعتقد أن هذا يحمل إمكانات كبيرة، وأستطيع أن أرى أن الاعتدال الديني والتنوع في دولة الإمارات يحظى باحترام واسع النطاق. لذلك فإن هذا هو مجال التعاون الذي نود استكشافه بشكل أكبر، كوننا نتشارك التقارب في الرؤى ولدينا رموز الإسلام المعتدل التي تحرص على نشر قيم التسامح”. وهو الأمر الذي يعكس شكل الصداقة الحميمة التي تجمع بين دولة الإمارات وقادة إندونيسيا لدرجة أنه في عام 2020م، تم إطلاق اسم الرئيس جوكو ويدودو على المنطقة الدبلوماسية في أبو ظبي تكريما لجهوده، كما قامت أبو ظبي بتمويل مشروع بناء مسجد نسخة طبق الأصل من مسجد الشيخ زايد في مسقط رأس الرئيس الإندونيسي.  ويُشار إلى أن علاقات إندونيسيا مع إيران، المتجذرة في تضامنها مع فلسطين، أو افتقارها إلى العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، لم تضر بعلاقاتها مع الإمارات والبحرين.

 

التعاون الأمني

 

على المستوى الأمني، تعتبر دول مجلس التعاون الخليجي وإندونيسيا شركاء في جهود مكافحة الإرهاب. وأقام الجانبان تعاونًا في مجال الصناعة الدفاعية وتَستعدان لعقد تدريبات عسكرية مشتركة. كما تتيح دولة الإمارات إمكانية مشاركة الشركات الإندونيسية في تصنيع وتوريد المنتجات العسكرية مثل الطائرات بدون طيار والبنادق وآلات الطيران. في السياق ذاته، يتعاون البلدان أيضًا في إنتاج وصيانة زوارق الدورية والفرقاطات الخفيفة. إن أي تعاون في المجال البحري يتناسب بشكل جيد مع كون البلدين عضوين في "رابطة حافة المحيط الهندي" و"الندوة البحرية للمحيط الهندي". وبهدف تنسيق هذه المصالح المُتكشفة حديثًا، قامت الإمارات بتعيين ملحق دفاعي في بعثتها لدى جاكرتا منذ عام 2019م.

 

 في الوقت ذاته، تقدمت الإمارات وإندونيسيا بطلبيات شراء طائرات رافال بقيمة 19 مليار دولار، و8 مليارات دولار خلال عامي 2021 و2022م، على التوالي. في حين تسلمت دولة قطر أول شحنة طائرات رافال في عام 2019م، مما يفتح الباب أمام مشاركة متعددة الأطراف محتملة في قطاعات إنتاج الطائرات المشتركة، وصيانتها وتصنيع قطع الغيار سواء مع فرنسا أو حتى الهند، التي تسلمت شحنتها الكاملة من طائرات رافال بين عامي 2020 و2022م، ويحتوي عقدها على بند تعويض بنسبة 50 % مدرج في الصفقة. ذلك بالإضافة إلى جهود مكافحة الإرهاب والتطرف التي تخوضها بعض دول رابطة آسيان لاسيما إندونيسيا، والفلبين، وميانمار. وهذا يفتح الباب أيضًا للتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي، التي تعمل على تطوير نماذجها الخاصة من التسامح للتغلب على التطرف الديني. وأخيرًا، باعتبارها عضوًا مؤسسًا في حركة عدم الانحياز، تعتز إندونيسيا بكونها قوة وسطية متوازنة في عالم متعدد الأقطاب، وهو ما "يتناسب بشكل جيد مع استراتيجيات التحوط طويلة الأجل التي تنتهجها المملكة العربية السعودية والإمارات والتي تتجاوز العلاقات الأمنية التقليدية مع الولايات المتحدة".  وبالنظر إلى احتمالات تفاقم صراع القوى العظمى بين الولايات المتحدة والصين، فإن إندونيسيا ودول آسيان الأخرى ودول مجلس التعاون الخليجي لديها الكثير من الأسباب لتوسيع مشاركتها خارج المجال الاقتصادي.

 

الرابط مع منظمة شنغهاي للتعاون

 

بينما يبدو للوهلة الأولى أنه لا أساس لوجود مثل هذا الرابط بين مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول آسيان ومنظمة شنغهاي للتعاون، إلا أن الاتصال بين الكيانات الثلاثة قائم ولو بدرجة معينة، وذلك إذا ما أعدنا جذور هذا الربط إلى أن الصين هي العامل المشترك والمؤثر في المنظمات الثلاث والدول الأعضاء فيها. بالمثل، تعتبر الولايات المتحدة حلقة وصل مؤثرة لدى دول مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان). من ثم، فإن التحالف مع الكتل التي تشكل مناطق نفوذ للقوى العظمى المتناحرة قد يعود بالنفع على العديد من دول مجلس التعاون الخليجي، ورابطة دول آسيان، ومنظمة شنغهاي للتعاون.

 

 ومع احتدام صراع القوى العظمى بين الولايات المتحدة والصين من جهة، والولايات المتحدة وروسيا من جهة أخرى، وما يفرضه ذلك من ضغوط للانحياز إلى أحد الطرفين، تحاول بعض الدول داخل التكتلات الثلاثة البقاء على الحياد، وتعمد عوضًا عن ذلك، إلى تطوير تحالفات متعددة الأطراف بهدف تدعيم استقلالها الاستراتيجي في عالم متعدد الشبكات. فقد شددت دولة مثل كمبوديا على عدم رغبتها:” في الانحياز إلى أي من الطرفين، وأوضحت أن رابطة دول آسيا لديها تعاون وثيق مع كل من واشنطن وبكين على حد سواء"، في حين عقدت دولة سنغافورة مناورات عسكرية مشتركة مع الجانب الصيني في سبتمبر عام 2023م، أي بعد مرور بضعة أيام فقط من استضافتها تدريبات بحرية لمكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة مع 21 دولة أخرى. ويتردد صدى ذلك مع التصريحات والتحركات الصادرة عن قادة دول مجلس التعاون الخليجي والدول الأعضاء فيه خلال الأعوام الأخيرة.

 

وبدلاً من الاكتفاء بالوقوف موقف المتفرج من صدام القوى العُظمي، تعمل بعض الدول داخل التكتلات الثلاثة على التوصل لحلول إقليمية من أجل تسوية النزاعات الإقليمية والعالمية، وأن تساهم هذه الحلول في التشجيع على الاستثمارات العابرة للإقليم بمجالات العلوم، والاقتصاد، والسياسة، والأمن. حيث أن مفهوم القوة بالنسبة لهذه الدول لا يختزل في البراعة العسكرية وحدها، بل ينطوي على عوامل أخرى تفوقها أهمية وتأثيرًا من بينها: التطور التكنولوجي، ورأس المال، والربط، والتجارة، والتعاون، ومعالجة أزمات المناخ. كذلك تساعد ديناميكيات وآليات عمل المجموعات الثلاث في إتاحة فرص للتعاون غير التقليدي في العديد من القطاعات، النفطية وغير النفطية، في ظل مساعي التنويع الاقتصادي.

وفي ضوء النجاح الذي أحرزته الشرَاكات متعددة الأطراف في الماضي القريب، ربما حان الوقت لبدء رسم ملامح تشكيل كيان ثلاثي مبتكر يجمع بين دول مجلس التعاون الخليجي والآسيان مع كتلة ثالثة من بين أي من هذه الكيانات أو التكتلات الجغرافية التالية؛ جنوب آسيا، وآسيا الوسطى، وإفريقيا، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ومجموعة بريكس بلس، بين دول أخرى. ومن الممكن أن تكون صافرة البداية نحو تحقيق هذه الغاية هي قمة دول مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول آسيان في الرياض.

مقالات لنفس الكاتب