array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 192

الممر يعزز المرونة الاستراتيجية والتعاون لقوى الاعتدال في المنطقة ويعيد تشكيل "مفهوم أوراسيا"

الأربعاء، 29 تشرين2/نوفمبر 2023

في عام 2013م، أعلن الزعيم الصيني شي جين بينغ عن" مبادرة الحزام والطريق" أثناء تواجده في كازاخستان وإندونيسيا، التي عكست الاتجاه الجيو-اقتصادي المُحدد لشكل الجغرافيا السياسية، وكان لها نصيبها من النجاحات وسط بعض الإخفاقات. وبعد مرور 10 أعوام، تسعى مبادرة الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا-وهو مشروع جديد لدعم الربط الإقليمي-للتأثير على الجغرافيا السياسية للمنطقة عبر استخدام الأدوات الجيو-اقتصادية، حيث يربط بين كل من الهند، والإمارات، والمملكة العربية السعودية، والأردن، وحيفا واليونان، إلى جانب إيطاليا، وفرنسا، وألمانيا، والولايات المتحدة. كما يُساهم هذا الربط بين منطقة جنوب آسيا، والشرق الأوسط، وأوروبا في منح زخم جديد لمفهوم" أوراسيا" الذي طال الحديث عنه. ورغم أن مبادرة الممر الاقتصادي، المُعلن عنها خلال انعقاد قمة مجموعة العشرين بنيودلهي في سبتمبر 2023م، تلقت ضربة جراء اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، إلا أنه من المرجح أن يكون ذلك انتكاسة مؤقتة. نظرًا للأهمية الاستراتيجية الكبرى التي ينطوي عليها المشروع بالنسبة لأغلبية الدول المشاركة، بما يجعله من الصعب السماح للخلافات السياسية أن تُفشل الشراكات الاقتصادية المستقبلية الناشئة.

 

وقد أثار الإعلان عن مبادرة الممر الاقتصادي، في غياب الزعيمين الروسي والصيني، تفسيرات متضاربة؛ بين من يراها بديلاً محتملاً لمبادرة الحزام والطريق، ومن يعتقد بأنها مجرد "حبر على ورق" -في إشارة إلى فشل عدد من المشروعات المماثلة في السابق والتي كانت تحظى بدعم القوى الغربية. ورغم ندرة التفاصيل الخاصة بهذه المبادرة، إلا أنها تحمل طموحات كبيرة. كما إنها تتبع نهجًا إقليميًا؛ يُبشر بحلول عصر جديد من الاتصال في ظل شبكة واسعة من السكك الحديدية، المتصلة عبر الموانئ التي تربط آسيا، والشرق الأوسط، وأوروبا. ويتكون المشروع من ممرين منفصلين: الممر الشرقي الذي يربط الهند بالشرق الأوسط، وآخر شمالي، يربط الشرق الأوسط بأوروبا. كما يتضمن المشروع إنشاء خط سكة حديد من شأنه أن يساعد، فور اكتماله، على توفير شبكة للنقل عبر الحدود ذات موثوقية وفعالية من حيث التكلفة، تشمل السفن والسكك الحديدية ويتم من خلالها استكمال شبكة طرق النقل متعددة الوسائط القائمة لدعم عملية إعادة شحن البضائع والخدمات. ومن المقرر أن يشمل المشروع أيضًا كابلات الكهرباء، وكابلات البيانات عالية السرعة، وخط أنابيب الهيدروجين، وبالتالي، من شأن ذلك المساهمة في تدعيم الاقتصادات الخضراء والرقمية.

 

تعود فكرة إنشاء ممر اقتصادي يربط بين الهند وأوروبا عبر بوابة الشرق الأوسط إلى عام 2021م، وتمت مناقشة المقترح أيضا كجزء من مجموعة "آي تو يو تو I2U2"، التي تضم الهند، وإسرائيل، والإمارات، والولايات المتحدة. وعلى غرار مبادرة الحزام والطريق، تتبع الرؤية التصميمية للمشروع منطق الممر، وهو أمر ليس مفاجئا نظرًا إلى أن “الممرات" تعد المظهر المكاني الأكثر أهمية للنظام الرأسمالي للبنية التحتية والجغرافية الاقتصادية منذ بداية القرن الحالي. ربما يُنظر أحيانا إلى "الممر" -الذي يعد جزءًا من الفضاء الدبلوماسي "المُصغر" -بوصفه فكرة مُتناقضة نظرًا إلى أن القوى المعتدلة المشاركة فيه مثل الهند، والإمارات، والمملكة العربية السعودية، تحاول الإبحار بين مُعسكرين مُتشددين على صعيد الجغرافيا السياسية؛ أحدُهما تقوده الولايات المتحدة والآخر تتزعمه الصين. ومع ذلك، من الممكن أن تساعد العملية الجارية من أجل إعادة تشكيل روابط سلاسل التوريد العالمية التي أوجدتها عقود طويلة من العولمة في أن تجعل المبادرة اقتراحًا قابلاً للتطبيق.

 

وعلى الرغم من أن مبادرة الحزام والطريق ومشروع الممر الاقتصادي متشابهان في الكثير من أهدَافهما، إلا أن ثمة عديد من الاختلافات الجغرافية الجوهرية بين المبادرتين؛ أهمها، بروز الدور الهندي في مشروع الممر الاقتصادي كلاعب رئيسي عبر الحدود وسط تصورات جيوسياسية مُعاد ترتيبها. وذلك على النقيض من مبادرة الحزام والطريق، التي لم تكن الهند أبدا جزءًا منها (نظرًا لضمها طريق يعبر من خلال مقاطعة كشمير الخاضعة لإدارة باكستان).

 

مخاطر عالية

 

يحمل كل من الأطراف المعنية داخل مبادرة الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا منظوره ومصالحه الخاصة، بالنسبة للولايات المتحدة، تشكل مجموعة "أي تو يو تو"، ومشروع الممر الاقتصادي، منصات تخدم استثمارات البنية التحتية، وذلك عبر الجمع بين الشركاء في منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا وتوفير بديل للمشروعات الصينية. كما تنظر واشنطن إلى المبادرة باعتبارها فرصة لتشجيع الشركاء الإقليميين على اتخاذ دور أكثر نشاطًا واستقلالية في رسم مستقبل المنطقة، بما يخول الولايات المتحدة إمكانية تقليص استثماراتها في الموارد، مع الحفاظ على حضورها ونفوذها داخل المنطقة.

 

أما عن المملكة العربية السعودية والإمارات، فالهدف هو تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية المتنوعة المتزايدة ومتعددة الشبكات عبر تغطية مساحات جغرافية أكبر. وتعد الدولتان من الأعضاء الناشطين ضمن مبادرة الحزام والطريق، فضلًا عن تنامي تعاونهما مع الجانب الصيني. وبعيدًا عن التجارة المزدهرة، فإنهما شركاء أيضًا في الحوار داخل منظمة شنغهاي للتعاون، كما أنهما قاب قوسين أو أدنى من الحصول على عضوية كاملة داخل تكتل بريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب إفريقيا). تسعى الدولتان أيضًا إلى توسيع نطاق استقلَاليتهما الاستراتيجية، وكسب مزيد من النفوذ والتأثير على الساحتين الإقليمية والدولية. من ثم، فإن الانضمام إلى العديد من المجموعات والتكتلات متعددة الأطراف الناشئة يمثل عاملًا أساسيًا في نهج الرياض وأبو ظبي من أجل تدعيم دور كلا منهما كقوة معتدلة. وفي ظل الانفتاح السعودي على العالم مع الميل صوب الصين، وجدت دولة الإمارات العربية في مبادرات الاتصال والتحالفات المتعددة نقطة قوة تميزها. ورغم تباين المناهج في التعامل مع القضايا الجيو-استراتيجية والإقليمية، لاسيما فيما يتعلق بالقوة الصينية الصاعدة عالميًا التي لاتزال تمثل مبعثًا للقلق، إلا أن مشاركة دول الخليج في المبادرات التي تقودها الولايات المتحدة تعكس نزعة جديدة نحو تحقيق التوازن في خضم صراع القوى العظمى الدائر بين الولايات المتحدة والصين.

 

بلا شك، ستنظر واشنطن إلى مبادرة الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، باعتبارها وسيلة لمجابهة النفوذ الصيني المتنامي داخل المنطقة، إلا أن المنافسات والمقاربات داخل منطقة الشرق الأوسط لها طبيعتها المُختلطة والتي تكون نتائجها أقل وضوحًا لا أبيض أو أسود كما تفترض "القطبية الأمريكية-الصينية". بالتالي، فإن التوقع الأمريكي بأن يستغل مشروع الممر الاقتصادي كتحرك مُضاد لمبادرة الحزام والطريق داخل المنطقة، على الأرجح سيُفضي إلى خيبة أمل. فربما تزداد وتيرة المنافسة داخل منطقة المحيط الهندي بعد تنفيذ الممر، لكن ينبغي لأوجه التآزر والتقارب المحتملة أن تسمح بقدر معين من الاستيعاب والتعايش المتبادل.

 

يتضمن مشروع الممر الاقتصادي الجديد تصورًا بشأن احتمالية ضم إسرائيل. وهو ما يجب أن يُنظر إليه في إطار الجهود الأمريكية المجددة من أجل توسيع نطاق اتفاقيات إبراهام من خلال تسهيل التطبيع في المنطقة. وعلى الرغم من أن هذا المسعى الدبلوماسي لا يزال غير مطروح على الطاولة حتى الآن بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لا يمكن استبعاد إعادة فتح المحادثات في المستقبل. حيث من المرجح أن تصبح المنطقة أشد إصرارًا، أكثر من أي وقت مضى، على إمكانية ربط التطبيع مع إسرائيل بالتقدم المحرز في ملف حل الدولتين. وقد يصبح ذلك الثمن الذي ينبغي أن تدفعه تل أبيب مقابل الحفاظ على مشروع التكامل الإقليمي الأوسع الخاص بها.

 

على الجانب الصيني، تعتقد بكين-التي استضافت مؤخرًا أول قمة شخصية لمبادرة الحزام والطريق بعد عمليات الإغلاق الكبرى بسبب فيروس (كوفيد-19) -أن مشروع الممر الاقتصادي يطرح تحديات بقدر ما يُتيح فرص. بالتالي، فإن أحد الخيارات المتاحة، أن تتعامل مع المشروع باستخفاف مثلما تعاملت واشنطن مع مبادرة الحزام والطريق. الخيار الآخر، كما أُشير إليه بعد فترة وجيزة من اجتماع مجموعة العشرين، هو إظهار بكين انفتاحها لدعم الاتصال متعدد الاتجاهات، حتى لو لم يكن جزءًا من هذا الممر، طالما أن هذه المشاريع "مفتوحة وشاملة وتشكل تًآزرا"، ولا تُستخدم "كأدوات جيوسياسية".

 

وفيما يتعلق بأوروبا، بالأخص دول شرق البحر الأبيض المتوسط، يعد مشروع الممر الاقتصادي مع الهند والشرق الأوسط موضع ترحيب نظرًا إلى أن مشروع الربط الخاص بالاتحاد الأوروبي تحت مسمى "البوابة العالمية"، لم يكتسب زخمًا كافيًا نتيجة تردد الدوائر الدبلوماسية الأوروبية في بروكسل بشأن استراتيجيات التحالفات المتعددة والممرات العابرة للأقاليم.

 

المساعي الهندية

 

لطالما قدمت الهند، التي تتعامل معها واشنطن باعتبارها شريك لا غنى عنه، نموذجًا يحتذى في التحالفات متعددة الأطراف. فإلى جانب عضويتها داخل تحالف "كواد" الرباعي (الولايات المتحدة، وأستراليا، واليابان، والهند)، ومجموعة "أي تو يو تو" وكلاهما يضم الولايات المتحدة، فإنها عضو أيضًا داخل مجموعة" بريكس" ومنظمة "شنغهاي للتعاون" إلى جانب الصين، رغم النزاع القائم بين البلدين بشأن القضايا الحدودية. بالتالي، فإن مشروع الممر الاقتصادي للربط مع الشرق الأوسط وأوروبا، يُضيف خيطًا جديدًا لنسيج سياسة التحالفات المتعددة التي تنتهجها نيودلهي منذ أمد بعيد. كما يُسلط الضوء على أهمية الممر الآخر الذي تروج له الهند ــ ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب ــ للربط مع إيران وروسيا. وتساهم هذه المشروعات مُجتمعة في إثراء المسيرة التنموية داخل الهند واعتزازها بكونها الاقتصاد الأسرع نموًا في العالم.

 

وفي الوقت الذي قررت الولايات المتحدة والإمارات تخصيص استثمارات بقيمة 2.3 مليار دولار (2022م)، من أجل تطوير مشروع إنشاء مُجمعات غذائية متكاملة "خضراء" داخل الهند، الذي يأتي ضمن الترتيب الخاص بتحالف "أي تو يو تو" مع إسرائيل، أعلنت الهند في أكتوبر 2023م، بدء إعطاء شكل لمبادرة الممر الاقتصادي. وأفادت إحدى التقارير إلى أن الهند في إمكانها اجتذاب وأيضًا استثمار ما يصل إلى 40 مليار دولار للاستفادة من الإمكانات التي يُتيحها الممر. وتشمل هذه الاستثمارات مجموعة من المشروعات، بعضها لا يزال قيد التنفيذ والبعض الآخر حصل على الموافقات الأخيرة. ومن النقاط الرئيسية المتضمنة في الخطة تلك المتعلقة بممرات الشحن المُخصصة، والتي من المتوقع لها أن تلعب دورًا محوريًا في تسريع حركة نقل البضائع.

 

كما يشمل أحد المحاور الرئيسية الخاصة بهذه الاستراتيجية، ضمان سلاسة وفاعلية الحركة، إلى جانب تنفيذ معدات ذات معايير موحدة داخل كافة الموانئ الهندية وساحات السكك الحديدية. على أن يمتد هذا التوحيد القياسي إلى الدول المشاركة في المشروع، بهدف تمكين نقل الحاويات المغلقة في الهند مباشرة دون الحاجة إلى أن يتم إعادة فتحها في أي دولة أخرى تقع على مسار الممر. وأكدت الهند بأنها ستعمل على تكثيف استثماراتها في سبيل تحسين الاتصال بالموانئ الثمانية حتى يتسنى إمكانية الوصول إلى هذه الموانئ في غضون 36 ساعة من أي منطقة داخل البلاد وشحن البضائع في وقت وجيز إلى غرب آسيا وأوروبا عبر الممر الاقتصادي. ومن المتوقع أن يربط الممر الاقتصادي، الموانئ الهندية مثل "هيئة ميناء جواهر لال نهرو"، و"موندرا (جوجارات)"، و"كاندلا "(جوجارات)، مع الفجيرة، وجبل علي، وأبو ظبي في الإمارات، وموانئ الدمام، ورأس الخير، والغويفات داخل المملكة العربية السعودية. كما سيتم إنشاء خط سكة حديد لربط الممر الاقتصادي مع مدينتي حرض والحديثة السعوديتين، وميناء حيفا في إسرائيل.

 

ورغم المخاوف المعبر عنها حيال التقدم في المشروع في أعقاب التوترات الناجمة بسبب حرب إسرائيل على قطاع غزة، لا تنفك الهند تؤكد على عدم وجود أي تأثير سلبي على المشروع، موضحة أن "الممر مُستهدف على المدى الطويل وأن أهميته ستكون طويلة الأجل. وفي حين "أن بعض مواطن الخلل التي قد تتكشف على المدى القصير قد تثير مخاوفنا وتشغل أذهاننا، فإننا سنواصل التواصل مع جميع أصحاب المصالح بصفة مستمرة، وليس للمستقبل القريب فقط".

 

 كما أكدت نيودلهي أن المشروع سيسهم في خلق شبكة نقل عبر الحدود تتمتع بالموثوقية والفعالية من حيث التكلفة تمتد من السفن إلى السكك الحديدية من أجل إتمام شبكة النقل البحري والبري القائمة، وتسهيل التجارة والاتصال، مما يؤدي إلى تحقيق التكامل الاقتصادي بين منطقة جنوب آسيا، والشرق الأوسط، وأوروبا.  وأوضحت "تستحوذ علينا الحاجة الملحة لتنمية القطاع البحري ككل... حيث نسعى إلى جعل الهند مركزًا لسلاسل التوريد وسلاسل القيمة الجديدة والمتنوعة عبر منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بل وكافة أنحاء العالم."

 

المزيد من الممرات

 

بعد مرور شهر على الإعلان عن مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، أفادت تقارير بأن صندوق أبو ظبي للثروة يُجري محادثات مع تركيا من أجل بناء خط سكة حديد يعبر فوق مضيق البوسفور بمدينة إسطنبول كجزء من ممر تجاري مخطط له يربط أوروبا بالشرق الأوسط وآسيا. ويُنظر إلى هذه المبادرة باعتبارها مُنافس للممر الاقتصادي. ومن المفترض أن يعبر خط السكة الحديد من خلال جسر يافوز سلطان المعلق، الذي كان يستخدم في الربط بين الجانبين الأوروبي والآسيوي داخل مدينة إسطنبول. ويعتبر الممر أحد أكبر الممرات على مستوى العالم وأوسعها عرضًا. حيث ترغب تركيا في الاستفادة من موقعها الجغرافي الاستراتيجي للمساعدة في إنشاء رابط تجاري بين لندن، والخليج، وبكين.

 

 وتعقيبًا على فكرة إنشاء ممر اقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، ولا يشمل تركيا، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان -في تصريحات صحفية أدلى بها على هامش زيارته لنيودلهي -"لا يمكن أن يكون هناك ممر دون مشاركة تركيا"، في حين صرح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن مفاوضات مكثفة تجرى مع كل من العراق، وقطر، والإمارات بشأن المشروع ومن المتوقع أن تكتسب زخمًا قريبًا.

 

يعتبر مشروع الممر الاقتصادي أحدث إضافة إلى سلسلة من مشروعات ممرات الربط التي تم الإعلان عنها خلال الأعوام الأخيرة. وكانت المفوضية الأوروبية قد أعلنت في ديسمبر 2011م، عن خطة لتأسيس بنية تحتية عالمية تحت مسمى "البوابة العالمية “تستهدف حشد استثمارات بقيمة تناهز 340 مليار دولار على مستوى القطاعين العام والخاص. ووفقًا للوثيقة التي تحدد الخطوط العريضة للمشروع، فإنه يهدف إلى حشد موارد مالية خلال الفترة ما بين عامي 2021 و2027م، من خلال تجميع "موارد الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء والمؤسسات المالية الأوروبية ومؤسسات تمويل التنمية الوطنية". ويعتبر المشروع "عالمي النطاق ويتلاءم مع الاحتياجات والمصالح الاستراتيجية لكافة المناطق المختلفة". كما أنه يعد خلاصة جهود أوروبية تستهدف إما مجابهة مبادرة الحزام والطريق أو إعادة صياغة نفسها وسط تباطؤ النمو الاقتصادي والمنافسة الاقتصادية العالمية. وفي مايو 2023م، أعلن الاتحاد الأوروبي أيضًا عن مشروع ممر عبر قارة إفريقيا يربط ميناء لوبيتو الأنجولي بالمناطق غير الساحلية في القارة: مقاطعة كانانغا في جمهورية الكونغو الديمقراطية ومناطق تعدين النحاس في زامبيا.

 

مبادرة أخرى مماثلة تُنافس ضمنيًا مبادرة الحزام والطريق، هي مبادرة" الشراكة من أجل البنية التحتية والاستثمار" التي تقودها الولايات المتحدة والتي تم الإعلان عنها في يونيو 2022م، تهدف هذه الشراكة إلى معالجة الفجوة في مجال البنية التحتية في دول العالم النامي من خلال تخصيص صندوق للاستثمارات بقيمة 200 مليار دولار. وتقدر قيمة إجمالي الاستثمارات المستهدفة من قبل مجموعة السبع الكبار والقطاع الخاص بحلول عام 2027م، نحو 600 مليار دولار. وتعتبر هذه الشراكة نسخة معاد تجميعها من مبادرة إعادة بناء عالم أفضل التي أعلنت عنها الولايات المتحدة في أعقاب انعقاد قمة مجموعة السبع في عام 2021م.

 

من ثم، يمكن المجادلة بأن عصر ممرات الربط بات يُحدث تأثيرًا حقيقيًا بمختلف أقطار العالم، بما يدعم الحجة القائلة بأن الجغرافيا الاقتصادية ستظل صاحبة التأثير على المعطيات الجيوسياسية. وفي الوقت الذي يعد مشروع الممر الاقتصادي صورة من صور التفاعل الاقتصادي-الدبلوماسي-الأمني، فلسوف تتحدد آفاقه وفقًا لقدرته على تعزيز الربط وترجمة الإمكانات الاقتصادية التي ينطوي عليها إلى نجاحات تجارية. ورغم أن منتقدي الممر الاقتصادي أشاروا بالفعل إلى احتمالية عدم قابليته للتطبيق والاستمرارية من حيث الربح، إلا أنه يمكن القول بوجود مزايا أخرى بخلاف الكفاءة الاقتصادية. وفي ظل عالم يسوده الاتجاه للحد من المخاطر والتحولات التي تخضع لها سلاسل التوريد بفعل المعطيات السياسية، يمكن النظر إلى الممر الجديد باعتباره أداة لتعزيز المرونة الاستراتيجية، ودعم الصداقة، والتعاون التكنولوجي، وخاصة بالنسبة لقوى الاعتدال مثل الهند، والإمارات، والمملكة العربية السعودية. وهذا أيضًا يؤدي بدوره إلى إعادة تشكيل "مفهوم أوراسيا".

مقالات لنفس الكاتب