array(1) { [0]=> object(stdClass)#13009 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 192

أمريكا تدعم الممر الاقتصادي لطمأنة شركاء واشنطن وإيجاد بديلاً "للحزام والطريق "

الخميس، 30 تشرين2/نوفمبر 2023

أثناء انعقاد قمة مجموعة العشرين بالعاصمة الهندية نيودلهي في سبتمبر 2023م، اتفق قادة كل من فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، والمملكة العربية السعودية إلى جانب الإمارات، والولايات المتحدة، والمفوضية الأوروبية على إنشاء ممر اقتصادي يربط بين الهند وأوروبا عبر منطقة الشرق الأوسط. تتألف هذه المبادرة التجارية والاستثمارية الطموحة من ممرين؛ ممر شرقي يربط الهند بدولة الإمارات، والمملكة العربية السعودية، والأردن، وإسرائيل حتى حيفا، فيما يربط الممر الشمالي دول منطقة الشرق الأوسط بالقارة الأوروبية. كما يساعد المشروع على استكمال طرق النقل البري والبحري القائمة بهدف زيادة الاتصال والتكامل الاقتصادي بين قارتي آسيا وأوروبا عبر توفير البنية التحتية للطاقة، والسكك الحديدية، والكابلات فائقة السُرعةـ وممرات الشحن. تُمثل البلدان الواقعة في مسار الممر الاقتصادي 40 % من سكان العالم ونحو 50% من الاقتصاد العالمي. وكونه يعتمد إلى حد كبير على الموانئ البحرية والطرق والمراكز اللوجستية الواقعة داخل الإمارات والمملكة العربية السعودية، من شأن هذا الممر أن يساهم في تسليط الضوء على الأهمية التي تتبوؤها دول المنطقة الخليجية وترسيخ مكانتها المهمة باعتبارها نقاط محورية في طرق التجارة العالمية. 

وقد صرح رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في هذا الصدد قائلاً إن " أقل ما يمكن أن يفعله هذا الممر العابر للقارات هو دفع مسار التنمية المستدامة للعالم بأسره، وأنه سيكون “أساسًا للتجارة العالمية لمئات السنين القادمة". وهو الشعور ذاته الذي انعكس عبر تصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بالقول: "إن إنشاء شبكة للنقل تشمل السفن والسكك الحديدية سيكون بمثابة بناء جسر أخضر رقمي يربط بين القارات والحضارات".

من جانب آخر، تُمثل التوترات القائمة بين الهند والصين أحد الدوافع الديناميكية على الصعيد الجيوسياسي وراء إنشاء مشروع الممر الاقتصادي، ووراء رغبة نيودلهي للمشاركة في هذا الممر العابر للقارات. فمع تراجع العلاقات الصينية / الهندية إلى أدنى مستوياتها بسبب النزاع الحدودي القائم بين البلدين، أصبحت هناك منافسة إقليمية متزايدة بين هذين العملاقين الآسيويين من أجل اكتساب مزيد من النفوذ. فمن جانبها، تبذل نيودلهي جهودًا من أجل مجابهة النفوذ الصيني في مختلف الأقطار الآسيوية، وترى أن إقامة ممر يربطها مع منطقة الشرق الأوسط وأوروبا، ستكون فرصة لتأمين نفوذ اقتصادي يفوق النفوذ الصيني والباكستاني. وذلك عبر انضمامها إلى بديل طبيعي لمبادرة الحزام والطريق التي تتزعمها بكين. كما إنه سيُمهد الطريق أمام مزيد من التكامل الاقتصادي بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط دون الحاجة إلى التعامل مع بكين وإسلام آباد.

ممرات قائمة وأخرى مُقترحة 

على مدى آلاف السنين، شكلت منطقة الشرق الأوسط همزة وصل بين قارتي آسيا وأوروبا واليوم، يمثل ممر قناة السويس المائي أسرع طريق لنقل وشحن البضائع بين آسيا وأوروبا، حيث تصل نسبة التجارة العالمية العابرة من خلال هذا الممر -البالغ طوله 118 ميلا-نحو 12%، أو ما يمثل ثلث إجمالي حركة الحاويات العالمية. كما يتمتع ممر قناة السويس الاصطناعي-الذي يربط بين البحرين الأحمر والأبيض المتوسط -بالموثُوقية والفعالية من حيث التكلفة إلى حد كبير. وفي حين قد تتأثر إيرادات قناة السويس سلبًا إذا ما أصبح الممر الاقتصادي واقعًا، يظل مستبعدًا أن يكون ذلك بمثابة ناقوس إعلان موت قناة السويس، التي ستظل خيارًا ذا موثوقية وأفضلية من حيث التكلفة للبضائع السائبة الثقيلة، حتى ولو كان الممر الآخر أسرع من حيث الفارق الزمني.

وفي مايو 2023م، كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء العراقي محمد السوداني عن خطط بشأن إنشاء ممر بري وخط سكة حديد باسم "مشروع طريق التنمية التركي -العراقي" والذي يمتد من ميناء جراند فاو بمدينة البصرة العراقية ليصل إلى الحدود الجنوبية التركية، وسيتم استخدامه في نقل السلع والبضائع إلى أوروبا. وفقًا لمشروع طريق التنمية الذي يحظى بالدعم التركي، سيتم بناء خط سكة حديد فائق السرعة بطول 1200 كيلومتر بتكلفة تصل 17 مليار دولار أمريكي. حيث سيساهم المشروع في تقليص المدة الزمنية للشحن والنقل بين شرق آسيا وشمال أوروبا بواقع 15 يومًا. كما يضم المشروع تصميمات تسمح بإمكانية تصدير الطاقة من دول الخليج عبر خطوط الأنابيب التي يمكن بناؤها في إطار هذه المبادرة. وفي حال أبصر المشروع النور، فمن شأن ذلك المساهمة في تحسين مستوى العلاقات التجارية بين أنقرة ودول مجلس التعاون الخليجي. بعد أن تسببت الأزمة السورية في تعطيل شريان تركيا الرئيسي إلى الخليج وأصبحت الصادرات التركية تمر جنوبًا عبر الأردن.

من جانبه، يرى الرئيس أردوغان أن تركيا تمثل مركزًا مهمًا على صعيد التجارة والإنتاج وبالتالي، فإنها الممر الأمثل لحركة النقل بين الشرق والغرب، فضلاً عن امتلاكها أطول خط ساحلي على مياه البحر المتوسط. بالتالي، يمكن لأنقرة الدفع للانضمام إلى مبادرة الممر الاقتصادي الذي يربط بين الهند وأوروبا عبر منطقة الشرق الأوسط شرط أخذ المصالح التركية بعين الاعتبار. خاصة وأن مشروع الممر الاقتصادي لا يهدف في الواقع إلى إقصاء أية دولة، بما في ذلك تركيا، العضو الوحيد في حلف شمال الأطلسي "ناتو" بمنطقة غرب آسيا. وخلال السنوات القليلة الماضية، قامت أنقرة بتحسين علاقاتها مع المملكة العربية السعودية، والإمارات، وإسرائيل. كما يسعى الرئيس أردوغان بنشاط إلى إقامة شراكة مع مجموعة بريكس، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) وغيرها من المجموعات الآسيوية، وهو ما يدل على اهتمام بلاده المتزايد بأن تصبح جزءًا من الاقتصادات الآسيوية ونموها.

في مايو 2023م، وقعت إيران وروسيا اتفاقية كبرى لإنشاء خط سكة حديد لتكون جزءًا من مشروع ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب الذي تعكف الدولتان على تطويره إلى جانب الهند. وتنص الاتفاقية التي تقدر قيمتها بــ 1.6 مليار دولار على إنشاء خط سكة حديد بطول 162 كيلومتر (100 ميل) بين مدينة رشت الإيرانية المُطلة على بحر قزوين ومدينة استارا الإيرانية الواقعة على الحدود مع أذربيجان. يعتبر ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب شبكة من السكك الحديدية والطرق والسفن التي تربط بين روسيا والهند، وتهدف هذه الشبكة إلى زيادة التجارة بين الدول المشاركة والتي تشمل كل من روسيا، وكازاخستان، وتركمانستان، وأذربيجان، وإيران إلى جانب الهند. يتألف مشروع النقل الدولي من طريق بري يمتد بين روسيا وإيران، وبعد ذلك يتحول إلى طريق بحري يصل إلى الهند. وقد صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن المشروع يعد بمثابة شريان للنقل والحركة بين الشمال والجنوب وسيُساعد على تنويع تدفقات حركة المرور العالمية إلى حد كبير.

الاعتبارات الجيوسياسية حول مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا

إلى جانب الدوافع الاقتصادية، والتجارية، والاستثمارية وراء الممر الاقتصادي الذي يربط بين الهند وأوروبا عن طريق منطقة الشرق الأوسط، ثمة اعتبارات جيوسياسية أيضًا والتي تلعب دورًا مهمًا في الدفع بهذه المبادرة. إذ تعتبر كل من البحرين، والكويت، وقطر، بالإضافة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات شركاء في الحوار داخل منظمة شنغهاي للتعاون. وفي أغسطس 2023م، تلقت المملكة وأبو ظبي (إلى جانب الأرجنتين، أثيوبيا، ومصر، وإيران) دعوات من أجل الانضمام إلى مجموعة بريكس. ورغم اندماج بعض دول مجلس التعاون الخليجي داخل منظمة شنغهاي للتعاون وتكتل بريكس، أظهرت المملكة العربية السعودية والإمارات حماسهم تجاه التوقيع على مذكرة التفاهم بشأن مشروع الممر الاقتصادي، بما يبرز النفوذ المتنامي للدولتين الخليجيتين على صعيد عملية إعادة التوازن للنظام الاقتصادي والمشهد الجيوسياسي العالمي. كذلك يساهم مشروع الممر الاقتصادي بين الهند، والشرق الأوسط، وأوروبا في ترسيخ المكانة المركزية التي تنعم بها الدول العربية الغنية بموارد الطاقة داخل الاقتصاد العالمي، في ظل تحول مركز الجاذبية الجيو اقتصادية العالمية من الغرب نحو الشرق والجنوب العالمي.

في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022م، تسارعت وتيرة عملية التشعب بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب العالمي، على الساحة الدولية، مما أدى إلى تكثيف الضغوط على الدول العربية من أجل "الانحياز إلى أحد طرفي الصراع". إلا أن دول مجلس التعاون الخليجي اختارت، عوضًا عن ذلك، اتباع سياسات خارجية مستقلة ومتعددة الانحيازات بشكل متزايد، والبناء على علاقاتها الراسخة مع سائر دول العالم بما في ذلك الولايات المتحدة والصين وروسيا. بالنسبة للدول العربية، يعتبر هذا النهج في التعامل مع السياسة الخارجية منطقيًا، كونه يمنح أعضاء مجلس التعاون الخليجي قدرًا أكبر من الاستقلالية والنفوذ في الشؤون العالمية. ومن خلال العمل مع أكبر عدد ممكن من القوى، بما في ذلك القوى المُعادية والمتنافسة لبعضها البعض، يمكن للمملكة العربية السعودية والإمارات وغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي تعظيم نفوذها الجيوسياسي عبر مناطق متعددة.

على الصعيد الأمريكي، تنبع أسباب دعم إدارة الرئيس جون بايدن مشروع الممر الاقتصادي إلى رغبتها وجهودها الرامية إلى طمأنة حلفاء واشنطن وشركائها في المنطقة بشأن التزام الولايات المتحدة حيال المنطقة، وفي الوقت ذاته إتاحة بديلاً لمبادرة الحزام والطريق التي تتزعمها الصين. وتعتبر مبادرة الحزام والطريق -التي طرحت للمرة الأولى في عام 2013م، من قبل الرئيس تشي جين بينغ، تحت اسم " حزام واحد، طريق واحد"-المبادرة العظيمة لبكين والتي تسعى إلى ربط آسيا، وإفريقيا، وأوروبا، وأمريكا اللاتينية مع تموضع الصين كمركز للاقتصاد العالمي في القرن الحادي والعشرين. وعلى هذا النحو، تضطلع البلدان العربية بأدوار مركزية ضمن رؤية مبادرة الحزام والطريق، لا سيما في ضوء أوجه التآزر بين رؤية المملكة 2030 (وأجندات التنويع الاقتصادي لأعضاء مجلس التعاون الخليجي الآخرين) والمبادرة الصينية. وقد أثارت علاقات بكين العميقة مع الدول العربية المتحالفة تاريخيًا مع الغرب مخاوف في واشنطن، مما دفع الولايات المتحدة إلى محاولة مواجهة النفوذ الجيواقتصادي الصيني المتوسع في الشرق الأوسط.

من ثم، في ظل اختلاف المصالح الجيوسياسية والرؤى بشأن التعددية القطبية، ستنظر كل دولة من الدول الواقعة على طول مسار "ممر الهند -الشرق الأوسط-أوروبا" بعين مختلفة إلى هذا الممر العابر للقارات. وبينما تنظر واشنطن إلى الممر الاقتصادي من خلال عدسة مجابهة الصعود الجيوسياسي للمارد الصيني داخل الشرق الأوسط وإعادة جذب الدول الخليجية إلى فلك النفوذ الغربي، ينظر المسؤولون داخل أبو ظبي والرياض إلى هذا المشروع باعتباره وسيلة لتحقيق مزيدًا من التوازن بين شبكة علاقاتهم داخل أوروبا وأمريكا الشمالية من جهة وبين روابطها مع الصين والدول الواقعة في الشرق والجنوب العالمي من جهة أخرى. وبدلاً من رؤية أنفسهم يدعمون الجهود التي تقودها الولايات المتحدة للتصدي لمبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها بكين، سيسعى الإماراتيون والسعوديون للمشاركة في هذا الممر بهدف ترسيخ أقدام بلادهم كجسر بين الغرب والشرق والجنوب العالمي. وبعبارة أخرى، فإن مشروع الممر الاقتصادي يعد أحدث الفرص السانحة أمام المملكة العربية السعودية والإمارات كي تصبحا مراكز ذات أهمية متزايدة للتواصل بين الأقاليم، الأمر الذي من شأنه أن يدعم خططهما الرامية لمزيد من التنويع الاقتصادي بعيدًا عن الهيدروكربونات.

وفي الوقت الذي عادة ما ينظر صناع السياسة الأمريكية إلى المنافسة بين واشنطن وبكين بحسابات اللعبة الصفرية، أي أن أية مكاسب جيوسياسية تحصدها بكين داخل المنطقة، تعني بالضرورة ضربة للغرب، يرفض المسؤولون بالبلدان الخليجية هذا التقييم. حيث تنظر الحكومتان السعودية والإماراتية إلى علاقاتهما مع الغرب والصين في إطار اللعبة الإيجابية. ويرفض صناع السياسية في كلا البلدين القبول بأن يمارس عليهم ضغط من أجل الانحياز إلى واشنطن أو بكين في ظل أجواء "الحرب الباردة الجديدة". عوضًا عن ذلك، تصر دول مجلس التعاون الخليجي على توسيع شبكَة علاقاتها داخل الغرب، والشرق، والجنوب العالمي في الوقت ذاته.

الولايات المتحدة والممر الاقتصادي

جلبت نهاية الحرب الباردة وعدًا بمسيرة حتمية نحو قدر أعظم من السلام، والاستقرار، والتعاون الدولي، والترابط الاقتصادي، والتحرر السياسي، واحترام حقوق الإنسان. ومع ذلك، لم يتمكن الجميع من الاستفادة بشكل متساو من المكاسب غير العادية التي أفرزتها هذه الفترة. وعلى نفس القدر من الأهمية، ظل شبح العديد من التحديات يطارد النظام الدولي -على رأسها الحرب في يوغوسلافيا السابقة، والإبادة الجماعية في رواندا، وأحداث 11 سبتمبر وحرب العراق، والأزمة المالية العالمية عام 2008م، والحرب السورية، بالإضافة إلى أزمة تفشي جائحة كوفيد -19 وذلك على سبيل المثال لا الحصر. ويزعم كبار المسؤولين الأمريكين أنه في السنوات القليلة الماضية، أدت عقود الاستقرار الجيوسياسي النسبي إلى إفساح المجال أمام منافسة متزايدة مع القوى الاستبدادية والرجعية. ويعد غزو روسيا لأوكرانيا مثالًا واضحًا على ذلك. وبحسب المنظور الأمريكي، فإن الحرب المستمرة في أوكرانيا تشكل التهديد الأكثر خطورة للنظام الدولي المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه الأساسية المتمثلة في الحفاظ على السيادة والسلامة الإقليمية واستقلال الدول. كما تشكل الجمهورية الصينية-على حد وصف واشنطن -التحدي الأكثر أهمية على المدى الطويل ليس فقط بسبب رغبتها في إعادة تشكيل النظام الدولي، بل لأنها تمتلك قدرات متزايدة على الاصعدة الاقتصادية، والدبلوماسية، والعسكرية، والتقنية التي تخولها للقيام بذلك.

الأمر الأكثر خطورة، كما يزعم كبار المسؤولين الأمريكيين، هو أن بكين وموسكو تعملان معًا لجعل العالم مكانا آمنا للاستبداد والطغيان وذلك من خلال "شراكة وثيقة بلا حدود" بين الدولتين. وفي ظل اشتداد المنافسة بين ما تطلق عليه الولايات المتحدة مسمى المعسكر الديمقراطي (بقيادتها) والمعسكر الاستبدادي (بقيادة الصين وروسيا)، فإن العديد من الدول تقوم بالتحوط في رهاناتها. كذلك يعد نفوذ الجهات الفاعلة غير الحكومية في تزايد-سواء كان نفوذ الشركات التي أضحت منافسًا للموارد الحكومية، أو المنظمات غير الحكومية التي تقدم الخدمات لمئات الملايين من الناس: للإرهابيين الذين لديهم القدرة على إحداث أضرار كارثية؛ للمنظمات الإجرامية العابرة للحدود التي تتاجر بالمخدرات غير المشروعة، والأسلحة، والبشر. ونتيجة لذلك، أصبح صياغة شكل للتعاون الدولي عملية أكثر تعقيدًا، ليس فقط بسبب التوترات الجيوسياسية المتزايدة، ولكن أيضًا بفعل الكم الهائل من الأزمات العالمية المتاخمة مثل: أزمة المناخ، وانعدام الأمن الغذائي، والهجرة الجماعية والنزوح. وهو ما يؤدي إلى فقدان ثقة الحكومات، والشعوب، والأوطان في النظام الاقتصادي العالمي.

من جانبه، يصف الرئيس بايدن هذه المرحلة من النظام العالمي بأنها منعطف ونقطة تحول تاريخية-نهاية حقبة وبداية واحدة جديدة-ما يعني أن القرارات التي تتخذها الولايات المتحدة وحلفاؤها حاليًا سوف ترسم ملامح المستقبل لعقود مقبلة. حيث تأمل واشنطن – كما تزعم الإدارة الأمريكية -في عالم مفتوح، حر، مزدهر، وآمن، يكفل حرية التحرك والتنقل للبضائع، والأفكار، والأفراد بشكل قانوني عبر البر، والبحر، والجو، والفضاء السيبراني. كما تأمل في عالم يشهد نظامه الاقتصادي منافسة نزيهة، ومنفتحة، وشفافة. فإنه عندما تقوم أمريكا وحلفاؤها بتدعيم دور المؤسسات الدولية بحيث تصبح قادرة على الوفاء بوعودها الأساسية لضمان الأمن وتوسيع نطاق الرخاء الاقتصادي، فإنها تساهم بذلك في بناء تحالف أشمل من الشعوب والدول التي تشعر بأن النظام الدولي وسيلة تضمن لهم مستوى أفضل من العيش على نحو واقعي وبالتالي يستحق الدفاع عنه والتمسك به. ومن المفترض أن تكون هذه هي الخلفية التي عملت على أساسها الولايات المتحدة مع الدول الأخرى للتفاوض بشأن الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، حيث الهدف من ذلك هو ربط آسيا وأوروبا بالمراكز التجارية وتسهيل تطوير وتصدير الطاقة النظيفة إلى جانب مد الكابلات تحت البحر وربط شبكات الطاقة وخطوط الاتصالات لتوسيع الوصول الموثوق إلى الكهرباء، وتمكين ابتكار تكنولوجيا الطاقة النظيفة المتقدمة؛ وربط المجتمعات بالإنترنت الآمن والموثوق. ويهدف هذا النهج إلى إطلاق العنان لاستثمارات جديدة من الشركاء، بما في ذلك القطاع الخاص، وتحفيز خلق فرص عمل جيدة.

الآفاق المستقبلية:

في أكتوبر 2023م، أشارت تقديرات صندوق النقد الدولي إلى تسارع النمو الاقتصادي داخل آسيا من 3.9 % خلال 2022م، إلى 4.6 % خلال عام 2023م، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى التعافي الذي شهدته الصين بعد إعادة الفتح الاقتصادي وتحقيق اليابان والهند معدلات نمو أعلى من المتوقع خلال النصف الأول من هذا العام. وبفضل رفع القيود المفروضة بسبب مكافحة الوباء، وقد تعزز الطلب داخل هذه الاقتصادات من خلال نمو النشاط الاستهلاكي وإنفاق المواطنين مدخراتهم المتراكمة خلال فترة الوباء، مما أدى إلى قوة ملحوظة في جميع القطاعات الاقتصادية. وبشكل عام، فإن جهود تعزيز التعاون متعدد الأطراف والإقليمي والتخفيف من حدة التأثيرات المترتبة على التشرذم الجيواقتصادي يشكلان أهمية متزايدة بالنسبة للتوقعات الاقتصادية لآسيا خلال الأعوام المقبلة. ولتحقيق هذه الغاية، تعد الإصلاحات التي تعمل على خفض الحواجز التجارية غير الجمركية، وتعزيز الاتصال وتحسين بيئات الأعمال، ضرورية لجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي والمحلي في جميع أنحاء المنطقة. ومن المتوقع أن تساهم آسيا بنحو ثلثي إجمالي النمو العالمي هذا العام. ويعد هذا المعدل المذهل للنمو مدفوعًا بنمو أكبر الاقتصادات الآسيوية-أي الصين والهند واليابان.

تتميز روابط الطاقة والتجارة والاستثمار بين هذه القوى الآسيوية الثلاث ودول مجلس التعاون الخليجي بالقوة والاتساع. وعلى الرغم من الاستثمارات الكبيرة في الطاقة المتجددة، لا تزال بكين، ونيودلهي، وطوكيو تعتمد بشكل كبير على واردات النفط والغاز من الدول المنتجة بمجلس التعاون الخليجي. ويتمتع الجانبان بحجم تجاري ضخم. وأخيرًا، تعتبر صناديق الثروة السيادية الخليجية من كبار المستثمرين في الاقتصادات الآسيوية (وأماكن أخرى). ومن ناحية أخرى، في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، سعت أوروبا إلى الحد من اعتمادها المفرط على النفط والغاز الروسيين قبل الحرب. وكانت المملكة العربية السعودية والإمارات، والكويت، وقطر جهات فاعلة رئيسية في تلبية احتياجات أوروبا من الطاقة. وفي الأشهر القليلة الماضية، وقعت قطر اتفاقيات مع العديد من الشركات الأوروبية لتصدير الغاز الطبيعي المسال.

الخلاصة

 شهدت الأعوام القليلة الماضية طرح العديد من المبادرات الاقتصادية للربط بين آسيا وأوروبا عبر بوابة الشرق الأوسط. ويشمل ذلك مبادرة الحزام والطريق الصينية، والممر الاقتصادي بين الهند وأوروبا الذي تدعمه واشنطن إلى جانب ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب. ومن الأهمية بمكان عدم النظر إلى تلك المبادرات من خلال عدسة اللعبة ذات المحصلة الصفرية. على سبيل المثال، تعمل الشركات الصينية داخل المملكة العربية السعودية والإمارات منذ سنوات عديدة على إحياء خطوط السكك الحديدية في الصحاري العربية، والتي سيتم استخدامها في مشروع الممر الاقتصادي. ومن المؤكد أن هذه المنافسة الجغرافية الاقتصادية ستؤدي على المدى القصير إلى توليد فرص العمل، وتعزيز التجارة والاستثمار، وتغذية التنمية الاقتصادية والازدهار. وعلى المدى الطويل، من المرجح أن تؤدي هذه الممرات التجارية المتنافسة إلى تعميق الترابط الاقتصادي، وتعزيز الاستقرار السياسي، والتعاون الإقليمي، والأمن.

مقالات لنفس الكاتب