array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 193

حل الدولتين فقد معناه مع مخطط تهجير الفلسطينيين لتصبح غزة وطنًا بلا شعب

الخميس، 28 كانون1/ديسمبر 2023

نحاول في هذا المقال استكشاف ما جرى في غزة ليس فقط منذ 7 أكتوبر وهو الحدث الذي لا يزال قائمًا حتى الآن ويتفاعل سواء داخل غزة أو في الإقليم أو في العالم وتنشغل به كافة القوى والمنظمات الدولية على اختلافها، ولكننا سنشير في البداية إلى ما تعرضت له غزة على مدى سنوات طويلة من مواجهات عسكرية وما تحمله أهل غزة من صعاب حتى الآن، ونحاول أيضًا قبل الدخول في استكشاف ما يجري الآن في غزة الإشارة إلى غزة عبر التاريخ ولماذا كانت غزة مجالًا لصراعات متعددة ومختلفة، وما موقع الصراع على غزة ضمن الصراع على فلسطين بأكملها وما تأثير ذلك كله على القضية الفلسطينية.

تعرض قطاع غزة الذي يعد من أكثر الأماكن كثافة سكانية في العالم لستة حروب إسرائيلية منذ سيطرة حماس عليه عام 2007م، وهي الحركة التي صنفتها الحكومة الإسرائيلية منظمة إرهابية في سبتمبر من نفس العام مشيرة وقتها أن غزة بعد أن سيطرت عليها حماس أصبحت كيانًا معاديًا لإسرائيل وفرضت علية حصارًا شاملًا.  وقد تعددت السيناريوهات التي تتحدث عن اليوم التالي في غزة ارتباطًا بتوقف العمليات.

وبهذا الخصوص نشير إلى الملاحظات التالية:

أولًا: رغم انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة في عام 2005م، إلا أنها ظلت هدفًا استراتيجيًا بالنسبة لإسرائيل، ومنذ عادت السلطة الفلسطينية بعد اتفاقات أوسلو والدخول في مفاوضات شاقة استمرت حوالي 40 عامًا حتى الآن لإقامة الدولة الفلسطينية إلا أن إسرائيل ماطلت وضربت بكافة الوثائق والاتفاقات وقرارات الشرعية الدولية عرض الحائط. وتساءل  الكثيرون حول الانسحاب الاختياري لإسرائيل من غزة وتركها القطاع رغم أهميته ضمن الاستراتيجية التوسعية الإسرائيلية، ولا شك أن هذا الانسحاب كان يعني إحداث نوع من الانقسام بين الفلسطينيين، لأن حركة حماس التي بدأت عام 1987 وأُعلنت عام 1989م، لها توجهات مختلفة في ذلك الوقت عن توجهات السلطة الفلسطينية بقيادة الراحل ياسر عرفات، وكانت الخطة الإسرائيلية أنه طالما كان هناك تباين في الموقف الفلسطيني على هذا النحو فإنه من الصعب أن يكون هناك مفاوض فلسطيني أو موقف فلسطيني موحد وبالتالي يسمح ذلك بتحقيق الاستراتيجية الإسرائيلية في النهاية.

ورغم ما تبدو عليه القضية الفلسطينية كلغز غير قابل للحل وأمرًا مستعصيًا تتشابك فيه الاستراتيجيات الدولية خاصة الاستراتيجية الأمريكية مع الأهداف الإسرائيلية، وتعددت فيها المقاربات المختلفة من اتفاقات أوسلو إلى مشروع صفقة القرن وصولًا إلى الاتفاقات الإبراهيمية والتي كانت جميعها برعاية أمريكية وتخلت فيها الولايات المتحدة الأمريكية عن التزاماتها بصورة كبيرة؛ إلا أنه كان من الملاحظ أن الفلسطينيين عملوا الكثير من أجل تحرير أرضهم، ورغم أنهم يدركون أنهم يواجهون صراعًا غير متكافئ إلا أنهم ووفقًا لاختلال الموازين الدولية أدركوا أن الاستسلام يمكن أن يؤدي إلى موت القضية وضياعها وبالتالي بذلوا كل ما يستطيعون لتحقيق ما يمكن تحقيقه في ظل متغيرات وموازين دولية غير مواتية.

وعلى مر تاريخ القضية الفلسطينية اختلفت تقديرات الأطراف الفاعلة الفلسطينية وتبلور اتجاهان رئيسيان ضمن ممارسات النضال الفلسطيني: الأول يرى أن القدرات الاستراتيجية بأبعادها المختلفة وما أفرزته من اختلال هائل في ميزان القوة بين الفلسطينيين وإسرائيل هذا الاختلال يدفع إلى البحث عن وسائل أخرى إلى جانب المقاومة، والثاني يرى أن الاستسلام للقوة والدخول في تسوية هو مسار التسليم بما يريده الطرف القوي وكلما تقدم مسار التسوية تضاءلت القدرة على التمسك بالحقوق. ومن ثم هناك اتجاه يرى التسوية حتى لو كان العائد قليلًا في ظل متغيرات إقليمية ودولية وقد تبلورت مواقف دولية إقليمية مساندة له، والآخر كما سبق أن قلنا يركز على أن المقاومة هي السبيل حتى لو كانت الأثمان كبيرة ووجد أيضًا هذا الاتجاه داعمين إقليميين له ومن هنا دخلت في القضية الفلسطينية أجندات إقليمية ودولية أثرت مسارها.

تبنت السلطة الفلسطينية برئاسة السيد ياسر عرفات الاتجاه الأول الذي آمن بالتسوية وساندته معظم الدول العربية في هذا الاتجاه على أمل أن تكون هناك مساندة دولية طبقًا للاتفاقات التي وقعت وأبرزها اتفاق أوسلو، ورأت أن ذلك يمكن أن يحقق الحد الأدنى من المصالح الفلسطينية في تلك المرحلة على أمل أن يتم السعي لتحقيق مصالح أكثر إذا ما تغيرت موازين القوى وسمحت معادلة التوازن الإقليمي والدولي بذلك مستقبلًا. بينما تبلور اتجاه آخر كما قلنا سابقًا في موقف حماس الذي كان يرفض التسوية ويطالب باستعادة أراضي فلسطين بأكملها وهو اتجاه مختلف تمامًا.

ومن الواضح أن حركة حماس تبنت منذ بدايتها النضال العسكري والمقاومة ورفض كل جهود التسوية ورغم أنه قد جرت محاولات بين عرفات والشيخ أحمد ياسين للتقريب بين وجهتي النظر على أن يكون هناك توافق ضمن منظمة التحرير الفلسطينية وأن يكون هناك وجهان للتعامل كل يسعى إلى تحقيق ما يريده دون أن يؤثر بصورة سلبية على النضال الفلسطيني في مجمله، إلا أن استيلاء حركة حماس على قطاع غزة والذي تم عام 2007م، وصراعها وإقصائها كافة العناصر التابعة لحركة فتح والسلطة الفلسطينية من القطاع رتب متغيرًا جديدًا ليس فقط فيما يتعلق بغزة وإنما في القضية الفلسطينية في مجملها، فانفردت حركة حماس بحكم قطاع غزة، ورغم أنها كانت قد فازت في عام 2006م، في الانتخابات ووافق الرئيس أبو مازن على تشكيلها حكومة وكلف إسماعيل هنية بتشكيل تلك الحكومة وكانت هذه نقطة فاصلة حيث تندمج حركة حماس في المنظمة أو في السلطة وتترجم أغلبيتها الانتخابية على هذا المستوى إلا أن استراتيجية المقاومة منعتها من أن تندمج بصورة كاملة في منظمة أو في سلطة لديها عناصر أخرى وتنظيمات أخرى تؤمن بالتسوية وهي ما ترفضه، وبالتالي كان ذلك دافعًا لها رغم انفرادها بالحكومة وتشكيلها مجلسًا تشريعيًا لها إلى مواجهة عسكرية وإقصاء للطرف الآخر حتى تنفرد بقطاع غزة.

والغريب هنا كان الموقف الإسرائيلي من حماس، رغم أن حماس تعلن في استراتيجيتها القضاء على الاحتلال واستعادة كافة الأراضي الفلسطينية إلا أنه كان هناك نوع من المهادنة استمرت لفترات طويلة بين إسرائيل وبين الحركة ضمن استراتيجية نتنياهو التي عبر عنها كثيرًا وترجمها مؤخرًا بأن ذلك هو العامل الأساسي الوحيد حول ألا يكون هناك صوت فلسطيني واحد وأن استمرار الخلاف بين الطرفين على هذا النحو يجعل العملية السياسية متوقفة حيث لا يوجد طرف فلسطيني يمكن التعويل عليه أو التعامل معه وكان ذلك مبررًا لوقف المفاوضات لسنوات طويلة بين الطرف الإسرائيلي وبين الطرف الفلسطيني ووقفت القوى الدولية التي ساندت خط التسوية منذ أوسلو عاجزة ومبررة سلبياتها بهذا الخلاف.

ثانيًا: السؤال الذي يطرح نفسه بقوة منذ 2007م، وحتى طوفان الأقصى، هل حقًا تريد حكومة إسرائيل وقيادتها العسكرية تصفية حماس؟ لقد كشفت متابعة المواقف الإسرائيلية من حماس اختلافًا واضحًا بين الخطاب السياسي والتصريحات العلنية للقادة الإسرائيليين والممارسات التي تتم والموقف الحقيقي ضد حماس. فمنذ أواسط السبعينات بحثت حكومة إسرائيل منذ إسحاق رابين وأجهزة الاستخبارات فيها عن قوى فلسطينية تحل محل حركة فتح وغيرها من فصائل المنظمة وتقبل بمشروع للإدارة الذاتية طبقًا للمفهوم الإسرائيلي. وعندما قررت الجمعيات التي كانت تتبع حركة حماس بقيادة الشيخ أحمد ياسين والدكتور محمود الزهار وعبد العزيز الرنتيسي عام 1987م، كحركة مقاومة فلسطينية راقبت إسرائيل ذلك باهتمام كبير. ورغم أن البرنامج السياسي لحماس لا يؤمن بإسرائيل إلا أن تل أبيب رأت في هذه الحركة منافسًا مهما لمنظمة التحرير، إلا أن ضرباتها المتعددة لها لم تقض عليها، وتعددت المواجهات بين الطرفين ووصلت إلى ستة مواجهات بين الطرفين.

وحاصرت إسرائيل قطاع غزة لمدة 19 عامًا ولكنه من الملاحظ أنه بدلا من أن يعزل الحصار حماس فإنها نجحت في العودة إلى مركزية النضال الفلسطيني وتعيد القضية الفلسطينية إلى مركز الاهتمام العالمي. وقد أصبحت الضفة الغربية أيضًا ساحة صراع بين حماس التي انتشرت عناصرها في الضفة وبدأت مواجهات هناك، ونقلت بذلك ميدان المواجهة خارج قطاع غزة إلى الضفة الغربية التي من المفترض أن تكون السلطة الفلسطينية هي الراعي لها إلا أن إسرائيل رغم كل الاتفاقيات التي كانت تكفل حضورًا للسلطة الفلسطينية قد استباحت الضفة الغربية بصورة كبيرة وهمشت السلطة وهو ما أتاح شعبية كبيرة لحماس ليس فقط في غزة لكن في الضفة الغربية ولدى التجمعات الفلسطينية في الداخل والخارج.

ثالثًا: ظل القرار الاستراتيجي على مدى سنوات طويلة في يد قادة حماس الموجودين بالخارج سواء في دمشق أو عمان أو الدوحة، وهم الذين كانوا يديرون شؤون الحركة سواء على المستوى التنظيمي أو الأمني أو السياسي. وفي السنوات الأخيرة أصبحت سيطرة قادة الخارج ضعيفة وأثارت الكثير من التساؤلات، وزاد دور القادة في الداخل وأصبحوا يمتلكون القرار، وبرز الدور المتنامي لحماس في صفقة جلعاد شاليط الجندي الإسرائيلي الذي تم أسره عام 2006م، وتم تسليمه في مقايضة عام 2011م، خرج خلالها يحيى السنوار.

كما أنه من الملاحظ أن العمليات العسكرية التي تعرض لها قطاع غزة من جانب إسرائيل ساعدت على تعزيز نفوذ كتائب القسام فوجود مقاتليها في المواجهة ضد إسرائيل منح دورًا للقيادة العسكرية وقيادة الداخل، وزادت أهميتها، الأمر الذي دفع المكتب السياسي في عام 2013م، إلى ضم ثلاثة من القيادات العسكرية إليه.

ومع تولي يحيى السنوار عام 2017م، قيادة حماس في الداخل أجرى تغييرات تنظيمية مهمة جعلت القطاع أكثر استقلالية عن قيادة الخارج، كما عمل على تعزيز القوة المقاتلة لحماس فارتفع بذلك عدد الجنود المنضمين إلى كتائب القسام من 10 آلاف إلى نحو 30 ألفًا. وأشرف السنوار شخصيًا على وضع خطط لتنفيذ هجمات نوعية ضد إسرائيل، وحرص على إعادة ربط غزة بالنضال الفلسطيني الشامل بدلًا من أن تكون حماس مقتصرة فقط على السيطرة على قطاع غزة. فبدأ يضع في سلم الأولويات الاهتمام بالتطورات في الضفة الغربية والقدس وفي محيط المسجد الأقصى، فأصبحت لحماس أربعة مراكز للقوة هي غزة والضفة والسجون الإسرائيلية والقيادة في الخارج.

رابعًا: من الملاحظ أن تعزيز التواصل بين حماس غزة والفلسطينيين في القدس والضفة الغربية قد تصاعد بصورة كبيرة بعد الاتفاقات الإبراهيمية وتطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية المختلفة الأمر الذي أوضح للفلسطينيين على اختلاف توجهاتهم أن الوحدة الوطنية ضرورية وأن عددًا من الدول العربية التي كانت تصنف مساندة للنضال الفلسطيني أصبحت غير مهتمة بالقضية الفلسطينية بل أن ذلك المناخ سوف يسمح لإسرائيل بضم كامل أراضي الضفة الغربية، وأن التخلي عن القضية الفلسطينية دفع حماس لأن تتصدر المشهد وأن تؤكد أن خطها الذي التزمت به منذ البداية يجب أن يكون هو الخط الرائد والذي تتبناه كافة القيادات الفلسطينية، الأمر الذي انعكس سلبيًا على السلطة الفلسطينية وعلى حركة فتح بصورة كبيرة.

خامسًا: جاءت أحداث 7 أكتوبر وما تلاها وتصاعد الخطاب الحربي الإسرائيلي ليكشف ما يخبئه نتنياهو ليس فقط لحركة حماس ولكن للقضية الفلسطينية، ورغم أنه يدرك أن القضاء على حركة حماس هدف غير واقعي ربما صعب التحقيق لأن الحركة منذ 7 أكتوبر وبعد مضي حوالي ثلاثة شهور لم تعد مجرد تنظيم مسلح يضم نحو 30 ألف عنصر بل إن عمليات الإبادة الجماعية وانتهاك الحقوق الإنسانية لمواطني غزة على هذا النحو جعلها تيارًا عقائديًا يكتسب نوعًا من الشعبية ونوعًا من الحضور داخل الساحة الفلسطينية ويحقق لها المزيد من المكاسب.

فقد أدت العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى تحويل معظم المناطق الشمالية في قطاع غزة إلى مناطق غير صالحة للسكن، ووفقًا لتقرير مجلة بوليتيكو الأمريكية في 23 نوفمبر الماضي وقبل تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية قدرت الأمم المتحدة أن 1.7 مليون شخص أصبحوا مهجرين من شمال القطاع ولم يعد للسكان ما يمكن أن يعودوا إليه في تلك المناطق التي نجح المحتل الإسرائيلي في إبادتها ومسحها من الأرض، كما أن معظم البنية التحتية في قطاع غزة تم تدميرها بصورة لا يمكن إصلاحها. وقد تم نقل نحو 1.5 مليون شخص إلى مناطق الجنوب إلى حيث لا يوجد مكان.

سادسًا: العمليات العسكرية لا زالت مستمرة. وما يطرحه نتنياهو بالتحديد أن العملية سوف تستمر لتحقيق ثلاثة أهداف أو أربعة أهداف يضيف لها كل يوم هدف آخر بدأها باثنين ثم أصبحت ثلاثة ووصلت إلى أربعة: الهدف الأول هو القضاء على البنية العسكرية لحماس وعلى عناصرها العسكرية، والهدف الثاني هو القضاء على القيادات العسكرية لحماس أو اعتقالهم، والهدف الثالث هو تحرير الرهائن المختطفين، والهدف الرابع والذي أضافه مؤخرًا ألا تصبح غزة مهددة للأمن الإسرائيلي وأن تكون لدى إسرائيل الحرية للدخول والخروج من غزة عند الضرورة كما يحدث الآن في الضفة الغربية التي لم تعد منطقة حكم ذاتي كما اتفقت أوسلو وتخضع لحكم السلطة الفلسطينية فقد اجتاحتها مؤخرًا منذ السابع من أكتوبر القوات الإسرائيلية وحاصرتها بصورة كبيرة وبدأت تتحدث عن ضرورة قيامها بالأمن بصورة منفردة دون مشاركة مع أمن السلطة.

أعلن نتنياهو كذلك وعدد من قادة اليمين المتشدد الذين جاؤوا معه وضمن حكومته أنه لن تكون هناك دولة فلسطينية وأن كل سياساته منذ جاء إلى الحكم ومنذ تولى رئاسة الحكومة هي العمل على ألا تكون هناك دولة فلسطينية سواء من خلال حل الدولتين أو أن يكون هناك حضور فلسطيني سواء في الضفة أو غيرها، وبدأت إسرائيل وقادتها تتحدث عن تهجير الفلسطينيين من غزة نحو سيناء ومن الضفة نحو الأردن وبذلك تعود القضية إلى بدايتها أن تصبح إسرائيل دولة يهودية خالصة وأن يتم تهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار. وقد تفهمت الولايات المتحدة الأمريكية المطلب الإسرائيلي في البداية وبدأت تتحدث عن السماح للفلسطينيين بالخروج حتى تأمن العمليات العسكرية.

ولكن رفضت مصر بوضوح أية عمليات لتهجير الفلسطينيين من غزة أو من الضفة الغربية وساندتها كذلك الأردن، وعقدت مصر مؤتمرًا عالميًا أكدت فيه على هذه المعاني وأكدت على ضرورة وقف إطلاق النار وأكدت على ضرورة الذهاب إلى مفاوضات وحل للوصول إلى حل للقضية الفلسطينية وأكدت أن استمرار الاحتلال هو الذي ينتج مثل هذه العمليات والمواجهات العسكرية وان الوساطات المصرية التي تعددت للضربات التي تعرض لها قطاع غزة كانت تركز على هذا المعنى بالضرورة أن المحتل يخلق المقاومة وأن ممارسات المقاومة تؤدي في النهاية إلى مواجهات عسكرية يخسر فيها الطرفان، وتحركت الجموع المصرية والأحزاب المصرية لمساندة الموقف الرسمي المصري، ووقفت الدول العربية مساندة الموقف المصري والأردني، وجاءت القمة العربية والإسلامية في جدة لتؤكد على خطوط عريضة تؤكد على ضرورة وقف إطلاق النار وعلى ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية والذهاب إلى المباحثات السياسية وتطبيق قرارات الشرعية الدولية، وعاد مرة أخرى طرح المبادرة العربية التي طرحتها السعودية منذ سنوات لحل القضية الفلسطينية وتحقيق الوئام بين الطرفين والابتعاد عن التوتر ودعمًا للاستقرار في المنطقة.

أكدت مصر كذلك والأردن في لقاءاتهم مع المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين على رفض أي محاولة للتهجير فتغيرت النغمة الأمريكية بعد ذلك إلى الحديث عن رفض التهجير القسري ولكنها تسمح بتهجير اختياري، وطُرحت سيناريوهات بأن يتم نقل أعداد كبيرة من الفلسطينيين الراغبين في الخروج مع استمرار العمليات العسكرية إلى عدد من الدول للاستيطان فيها، وهو تنفيذ نفس الهدف الاستراتيجي لإسرائيل الذي أكدت القمة العربية الإسلامية من خلال بعثتها التي جالت على الدول الكبرى صاحبة القرار وعلى المنظمات الدولية المختلفة لتؤكد ضرورة وقف إطلاق النار وضرورة عدم خروج الفلسطينيين من أراضيهم وإذا كانت القضية هي المحافظة على السكان فلتتوقف العمليات العسكرية للمحافظة عليهم.

وكان هذا الموقف المصري والأردني والموقف العربي المساند دافعًا إلى أن يتم الحديث مؤخرًا على ضرورة أن تتوقف العمليات العسكرية العشوائية والوصول إلى صيغة جديدة طرحتها الولايات المتحدة الأمريكية أن يكون هناك ضربات جراحية للقيادات العسكرية دون المساس بالمواطنين، وهي صيغة عامة لا معنى لها لا تمنع ضرب المنازل وتهديم القرى أو تهديم المباني والقضاء على المدنيين.

سابعًا: صمود حركة حماس حتى الآن يعد أسطوريًا على مدى ثلاثة شهور فهي تواجه أحد أقوى الجيوش في العالم واستطاعت إعادة القضية الفلسطينية إلى الضوء ومبادلة جزء من الأسرى الإسرائيليين والأجانب ولكن هناك وجهة نظر أخرى تقول هل كانت هذه الضحايا وهذا التدمير ثمنًا لما قامت به حماس؟!

والواقع العسكري في غزة حتى الآن لا يزال يكشف عن استمرار عمليات عسكرية واضحة لإسرائيل ووجود نوايا لاستمرار تلك العمليات ودخول الجيش في عملياته البرية التي تعثرت بصورة كبيرة في الجنوب وخاصة في منطقة خان يونس، إلا أن هناك دوافع يجب الإشارة إليها، منها أن رئيس الوزراء الإسرائيلي سوف يواجه بصورة كبيرة في اليوم التالي لأحداث غزة محاكمة على فشله وفشل أجهزة الأمن والاستخبارات في التنبؤ بعملية طوفان الأقصى، فرغم المتابعة الدقيقة وأجهزة الرصد التي كانت تتحدث إسرائيل عن أنها تتمكن بها من سماع كافة الأصوات التي يتم تداولها في غزة ولديها مراقبة واضحة وتأمين للحدود يستخدم أحدث التكنولوجيا العالمية إلا أن هذه الوسائل البدائية التي استخدمتها حركة حماس والأنفاق التي تمتد تحت الأراضي الإسرائيلية ذاتها في غلاف غزة ساعدت على طرح علامات استفهام حول مسؤولية وإهمال القيادات الإسرائيلية. وبالتالي نتنياهو يعرف أنه عند توقف العمليات العسكرية سيتوقف دوره السياسي وربما ينتهي بصورة كاملة، خاصة وأن هناك ثلاث قضايا فساد مفتوحة بالنسبة له، وتشير استطلاعات الرأي إلى تراجع شعبيته وشعبية الليكود في مواجهة قوى المعارضة الموجودة هناك.

ثامنًا: في اليوم التالي أيضًا ستحدث تغيرات في الموقف الفلسطيني بأكمله واستراتيجية وموقف حماس ضمن منظومة المؤسسات الفلسطينية؛ فالحديث يدور عمن يحكم غزة وتعددت السيناريوهات؛ إذ يتحدث قادة إسرائيليون عن أن تحكم إسرائيل غزة ثم تم التراجع عن ذلك لاحقًا. وكذلك جرى الحديث عن تكرار ما جرى في كوسوفو بأن تتولى قوة دولية إعادة تأهيل القطاع ثم تعود السلطة الفلسطينية إليه ويعاد تأهيلها. ويدور الحديث حتى الآن عن تغيير قيادة فلسطين وكأننا نعود بالتاريخ مرة أخرى إلى ما جرى عندما ضغطت القوى الدولية على ياسر عرفات للتنازل عن السلطة لرئيس وزرائه أبو مازن في ذلك الوقت ليدير هو العملية السياسية حتى يتغير التوجه السياسي الذي كان يقف عرفات مانعًا ضده، وبدأت تسويته بصورة أكبر مع مجيء أبو مازن. وها هو التاريخ يكرر نفسه بأن يتم الضغط على أبو مازن ليتنازل لقيادة فلسطينية أكثر قبولًا لدى القوى الدولية التي كانت تتبنى على مدار التاريخ تسوية من وجهة نظرها تحقق الأمن لإسرائيل أولًا. وهذا سيناريو مفتوح، وقد رفضت دول الجوار خاصة مصر والأردن أن تشارك في هذه العملية حتى لا تدخل غزة أو الضفة الغربية على متن دبابة إسرائيلية، وبالتالي لا يزال الأمر مطروحًا وسوف يتوقف بصورة كبيرة على مجريات العملية العسكرية ونتائجها النهائية وهل تحقق إسرائيل بالفعل أهدافها أم يتم إيقاف العمليات وبقاء الأوضاع وتقديم تنازلات متبادلة بين الطرفين تسمح بأن تبقى حركة حماس كمنظمة داخل منظمة التحرير الفلسطينية التي يتم تأهيلها وأن تذهب الجهود كلها نحو عقد مباحثات ومفاوضات لتحقيق حد أدنى للوجود الفلسطيني.

المناخ الإقليمي والدولي يشير إلى أن هذا الاحتمال لا يزال صعب التحقيق وأن استكشاف اليوم التالي يواجه صعوبات كبيرة في ظل أن الأمر يرتهن بمجموعة من المتغيرات مثل: هل يمكن أن تحدث مواجهة في الشمال مع حزب الله؟ وهل تتحقق الأهداف الإسرائيلية الداعية إلى احتلال جنوب لبنان مستغلة المناخ الدولي المواتي حتى الآن والصمت الإيراني ومحاولتها ضبط حركة حزب الله وبالتالي يحدث متغير جديد في المنطقة؟ هل تحدث مواجهة مع الحوثيين بفعل الشغب الذي يمارسونه في البحر الأحمر ويمكن أن تنتقل العملية إلى مواجهة إقليمية تجذب إيران الطرف الفاعل والمساند على هذا النحو؟

تاسعًا: الإدارة الأمريكية في نهاية عامها من المؤكد أنها لا تريد أن تفتح معركة كبيرة، وتحرص على الوصول إلى اتفاق البرنامج النووي الإيراني وهي بذلك لا ترغب في إثارة التوتر مع إيران، وإيران معنية بأن يكون لها حضور دولي منضبط لا يسعى إلى مواجهة حاسمة سواء مع إسرائيل أو مع الولايات المتحدة الأمريكية. كل هذه المتغيرات تجعل أن اليوم التالي من الصعب استكشافه أو تحديده بصورة كبيرة وسيظل مرتهنا بمتغيرات تتفاعل على الأرض وتمتد تفاعلاتها إلى فترة قادمة.

ولكن في الفترة الأخيرة وبصورة واضحة اتضح انسجام الموقف الدولي الذي عبرت عنه الولايات المتحدة وكافة الدول الأوروبية مع الموقف الإسرائيلي ولا زلات تلك الدول ترى ضرورة استمرار العمليات العسكرية رغم كل الإبادة التي تتم والممارسات الوحشية ضد المدنيين في غزة. وبرغم ذلك لا تزال الولايات المتحدة تتحدث عن ضرورة المحافظة على المدنيين رغم أنها شاركت في الحرب بصورة مباشرة من خلال تقديم السلاح والمعلومات الاستخبارية والخبراء والدعم بشكل كامل في المنظمات الدولية ومنع مجلس الأمن من الموافقة على قرار يرغم إسرائيل على وقف إنساني لإطلاق النار وساندتها في ذلك فرنسا وبريطانيا وألمانيا. وبالتالي الموقف الدولي غير مواتي للقضية الفلسطينية، والحديث عن حل الدولتين لا معنى له؛ فالولايات المتحدة تبنت مع إسرائيل تهجير سكان غزة لتصبح غزة وطنًا بلا شعب كما كانت القضية الفلسطينية منذ بدايتها والنكبة الأولى، وتصبح المنطقة منطقة تمركز إسرائيلي مستقبلًا؛ إذ يحوي قطاع غزة الكثير من المزايا الاستراتيجية سواء في الغاز أو البترول أو الموقع على البحر المتوسط

مقالات لنفس الكاتب