array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 193

عزوف دولي وإقليمي عن المشاركة في تحالف البحر الأحمر دون غطاء أممي

الخميس، 28 كانون1/ديسمبر 2023

كثيرة هي الدراسات التي تناولت تأثير الطبيعة الجغرافية للدولة على طبيعة التهديدات التي تواجهها ومن ثم على سياستها الإقليمية ،وكانت الدراسات الأكثر انتشاراً تلك التي صنفت الدول ما بين دول حبيسة وأخرى بحرية، وكان جل النتائج التي توصل إليها هؤلاء الباحثون أن الدول البحرية دائماً لديها مزايا استراتيجية على عكس الدول الحبيسة، وإن كان ذلك صحيحاً في جزء منه بيد أن الدول البحرية أيضاً تواجه مخاطر عديدة تزداد حدتها وخاصة إذا كان بعضها يصنف ضمن الدول الصغرى وتقع ضمن محيط إقليمي يشهد اضطراباً مزمناً بما يعنيه ذلك من أن الأمن البحري لتلك الدول سيكون نتيجة لواقع الأمن الإقليمي استقراراً أو تهديداً، وكان ذلك هو المحدد لسياسات دول الخليج العربية بشأن التحالفات التي تم تأسيسها لحماية الملاحة البحرية في الخليج العربي خلال العقود الماضية ،فما هي تلك التحالفات؟  وما هي طبيعتها؟ ودور دول الخليج العربي فيها؟ وتأثيرها على الحفاظ على الأمن البحري في الخليج العربي؟

   موقع دول الخليج العربي على ممرات استراتيجية للتجارة العالمية     

 يوجد في العالم ثماني ممرات مائية استراتيجية يطلق عليها" شرايين التجارة الدولية"، ومع أهمية تلك الممرات سواء أكانت طبيعية أم اصطناعية فإنها تقع ضمن مناطق مضطربة، والعديد منها صغير المساحة مع زيادة عدد السفن التي تعبرها، وتقع4 ممرات منها في الخليج ومحيطه وهي مضيق هرمز، ومضيق باب المندب والبحر الأحمر، وقناة السويس، وبالنظر إلى الموقع الجغرافي الحيوي لدول الخليج الذي يتوسط تلك الممرات نجد الكثير من الخلجان والبحار التي تحيط بدول الخليج ومنها خليج عدن  والبحر العربي وخليج عمان، والبحر الأحمر الذي تطل عليه السعودية بسواحل تبلغ 1811 كم ويتصل من الجنوب بالمحيط الهندي من خلال مضيق باب المندب، ويمتد نحو الشمال إلى قناة السويس، بينما يفصل مضيق هرمز بين مياه الخليج العربي من جهة ومياه المحيط الهندي من جهة أخرى وتطل عليه إيران شمالاً وسلطنة عمان جنوباً، بينما يفصل مضيق باب المندب بين البحر الأحمر والمحيط الهندي، ويعد نقطة تماس استراتيجي لقارتي آسيا وإفريقيا، ويعني ذلك أن دول الخليج العربي تقع في منطقة بالغة الأهمية للأمن البحري العالمي ويعزز من ذلك ثلاثة أمور أولها: اعتماد دول الخليج المنتجة للنفط والغاز بشكل كامل على مضيقي هرمز وباب المندب في تصدير النفط والتجارة العالمية وبالتالي أي عرقلة للملاحة في هذين المضيقين يعني ضرر بالغ لاقتصادات تلك الدول، ومن ذلك على سبيل المثال قرار السعودية وقف تصدير النفط عبر باب المندب في يوليو 2018م، بعد استهداف الحوثيين ناقلتي نفط سعوديتين، واشارت مصادر آنذاك أن دولة الكويت كانت تدرس اتخاذ إجراء مماثل، وثانيها: الاعتمادية المتبادلة بين تلك الممرات، فعرقلة الملاحة في باب المندب يعني عملياً أن السفن لن تمر عبر البحر الأحمر ومن ثم إلى قناة السويس والبديل هو طريق رأس الرجاء الصالح بما يعنيه من مسافة أطول وزيادة تكلفة الشحن والتأمين على السفن، وثالثها: أن أي تهديدات للأمن البحري ترتبط على نحو وثيق بطبيعة الأمن الإقليمي ذاته، بمعنى آخر أن المشكلة ليست في الممرات ذاتها أو قواعد المرور فيها ولكن يتم توظيفها في الصراعات الإقليمية وتعد ورقة رابحة بالنظر إلى أن البحار مساحات شاسعة وفرص المناورة فيها محدودة على عكس اليابسة، كما أنها بيئة مواتية للحروب غير المتكافئة أي جماعات دون الدول  مقابل الدول، بالإضافة إلى أنه لا توجد قوات دولية تحمي تلك الممرات بشكل دائم وإنما كان النهج هو سياسة الفعل ورد الفعل.

تأمين الملاحة البحرية في الخليج العربي خلال الحرب العراقية-الإيرانية 

كان هناك تصور لدى كل من العراق وإيران خلال حرب الثماني سنوات 1980-1988م، أن كل منهما لديه القدرة على القضاء على الطرف الآخر في سنوات الحرب الأولى، إلا أنه مع طول فترة الحرب واستنزافها قدرات هائلة للطرفين، فقد لجأ كل منهما إلى استراتيجية استهدفت توريط أطراف إقليمية وأخرى دولية في تلك الحرب من خلال استهداف الأهداف البحرية سواء التابعة لكلتا الدولتين أو للأطراف المحايدة وخاصة تلك التي كانت تخرج أو تقصد موانئ الدول الخليجية، وتشير بعض التقديرات إلى أن الهجمات المتبادلة على السفن بين الجانبين بلغت ما بين عامي 1984 و1987م، حوالي 309 هجمات منها 187 من جانب العراق و122 من جانب إيران مما أدى إلى فقدان 82 سفينة، وتشير تقديرات أخرى إلى تعرض 411 سفينة لهجوم خلال تلك المواجهات من بينها 239 ناقلة نفط وتم إغراق 55 منها، وبغض النظر عن تلك التقديرات فإن تهديد أمن الطاقة على هذا النحو كان تهديداً للاقتصاد الأمريكي والدول الغربية بوجه عام، حيث أشارت التقديرات إلى أن الكويت آنذاك كان لديها حوالي 13% من احتياطيات النفط على مستوى العالم في مقابل 3,9% فقط لدى الولايات المتحدة، وكانت معظم الواردات النفطية لأوروبا الغربية واليابان تمر عبر مضيق هرمز بما يعنيه ذلك من أن العالم كان أمام لحظة اختبار حقيقي وإن كان دافعها الأكبر أمن الطاقة ولكن كانت هناك محركات إقليمية تمثلت في رغبة واشنطن بتعزيز نفوذها في منطقة الخليج بعد سقوط نظام الشاه، وأخرى دولية تتمثل في مناخ الحرب الباردة الذي لم تكن منطقة الخليج العربي بعيدة عنه من خلال إعلان الاتحاد السوفيتي استعداده لرفع أعلامه على سبع ناقلات نفط للكويت لحمايتها من الاعتداءات، ولذلك كان قرار إدارة الرئيس الأمريكي ريجان تشكيل تحالف بحري باسم "عملية الإرادة الجادة" وعقدت اجتماعات ومشاورات مكثفة وتقديرات للمخاطر أشار إليها تفصيلاً كاتب هذه السطور في مؤلفه  Maritime Security of the Arab Gulf States: Analysis of Current Threats, Confrontation Mechanisms, and Future Challenges c (springer2022 ) والنسخة العربية من الكتاب الصادرة عن مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة "دراسات"

   جاء قرار الإدارة الأمريكية بعد إعلان دولة الكويت رفع العلم الأمريكي على سفنها وهو ما يعني طلب الحماية، والملاحظ على ذلك التحالف أولاً: الدعم الأوروبي الكبير ففي ذروة التدخل الأمريكي لحماية الملاحة البحرية كان هناك حوالي 40 سفينة تتبع الشركاء الأوروبيين وهذا ما يؤكد ما أشار إليه أحد الباحثين من أن أوروبا توفر حوالي 40% من الأصول البحرية للولايات المتحدة في عملياتها البحرية في الشرق الأوسط عموماً، وثانياً: المواجهة المباشرة بين البحرية الأمريكية ونظيرتها الإيرانية في 17 إبريل 1988م، بعد إصابة لغم بحري فرقاطة أمريكية بأضرار بالغة في مياه الخليج العربي فكانت المواجهة لمدة يوم واحد والتي وردت بشأنها تقديرات مختلفة ولكن معظمها يشير إلى أنه تم إغراق نصف الأسطول البحري الإيراني، ثالثاً: كان هناك دعم لوجستي من جانب بعض دول الخليج العربي للولايات المتحدة ولكن دون المشاركة المباشرة في تلك المواجهات، من خلال توفير سفن ترسو في المياه الدولية وكاسحات ألغام وإمدادات الوقود والسماح بالرسو الاضطراري واستخدام بعض منصات البترول كقواعد صغيرة، رابعاً: لم يقتصر دور دول الخليج العربي على الدعم اللوجستي ولكنها نجحت  في استصدار القرار الأممي رقم 552 لسنة 1984م،  بشأن أمن الملاحة البحرية في الخليج العربي والذي أشار في ديباجته إلى الرسالة المؤرخة في 21 مايو 1984م، والواردة من ممثلي دول الخليج العربي الست والتي تشكو فيها من الاعتداءات الإيرانية على السفن التجارية المتجهة من وإلى موانئ الكويت والمملكة العربية السعودية، وقد أكد المجلس على حق حرية الملاحة البحرية مناشداً جميع الدول احترامه طبقاً للقانون واحترام السلامة الإقليمية للدول التي ليست طرفاً في الأعمال العدائية وإدانة تلك الاعتداءات والمطالبة بوقفها فوراً.

ويعني ما سبق أن ذلك التحالف الأول الذي قادته الولايات المتحدة لحماية الملاحة البحرية في الخليج العربي قد أظهر ممارسة الردع تجاه تلك التهديدات آنذاك وكان نموذجاً للتعاون بين الأطراف الإقليمية ونظيرتها الدولية لحماية الملاحة البحرية وهو ما لم يتكرر في حوادث مماثلة على نحو ما يأتي ذكره.

 التحالف العسكري البحري لأمن الملاحة في الخليج العربي، نوفمبر 2019

 في نوفمبر 2019م، أعلنت أمريكا تأسيس التحالف البحري العسكري لحماية الملاحة البحرية في الخليج العربي ، وأعلنت 6 دول مشاركتها إلى جانب واشنطن وهي: السعودية والإمارات والبحرين وبريطانيا وأستراليا وألبانيا، وهي العملية التي أطلق عليها اسم "سنتينال" وتستهدف عملياتها مياه الخليج العربي مروراً بمضيق هرمز نحو بحر عمان ووصولاً إلى باب المندب، و جاء تأسيس ذلك التحالف رداً على الهجمات التي تعرضت لها ناقلات النفط في الخليج، ففي 12 يوليو 2019م، تعرضت أربع سفن لأضرار( ناقلتا نفط سعوديتان، ناقلة نفط نرويجية وسفينة شحن إماراتية) بسبب عمليات تخريبية قبالة الفجيرة، وفي 13 يونيو من العام ذاته تعرضت ناقلتا نفط كانتا تبحران في بحر عمان إحداهما ترفع علم جزر مارشال، والثانية ترفع علم بنما لهجوم  من طوربيد مما أدى إلى اشتعال النار في الأولى وتم إنقاذ طاقمها، وكانت الثانية محملة بغاز الميثانول، وتعكس التصريحات الرسمية الهدف من ذلك التحالف، فخلال الإعلان عن بدء عمله قال جيم مالوي قائد القيادة المركزية للقوات البحرية في الشرق الأوسط" إن الهدف هو العمل معاً للخروج برد بحري دولي مشترك على الهجمات ضد السفن وأضاف سوف يجري استخدام سفن ضمن دوريات في مياه البحر " وقال" أنه لا توجد مخططات هجومية ضمن عمل التحالف باستثناء الدفاع عن بعضنا البعض في حال تعرضنا لهجمات".

ومع أهمية ذلك التحالف فإنه لم يكن أكثر وضوحاً وتحديداً لمهامه على غرار عملية الإرادة الجادة في الثمانينيات وقد آثار الكثير من الجدل في ضوء عضويته ومواقف الأطراف الإقليمية والدولية منه وكذلك طبيعة عمله والنتائج التي حققها، فعلى صعيد العضوية لوحظ أنه لم تنضم إليه سوى ثلاث دول خليجية وبقيت ثلاث دول خارج ذلك التحالف على الرغم من أن أمريكا تواصلت مع 62 دولة لحثها على الانضمام من بينها اجتماع بين المسؤولين الأمريكيين ونظرائهم من " الناتو" ولكن لم تنضم سوى 6 دول فقط، وبالنظر إلى مسمى تلك العملية بأنها تحالف فإن التاريخ يؤكد أن التحالفات تؤدي إلى تحالفات مضادة أو مواقف إقليمية متحفظة أو مناوئة، ومن ذلك رد الفعل الرسمي العراقي من خلال تصريح للناطق باسم الحكومة العراقية والذي قال "إن العراق يرفض الانضمام لهذا التحالف وأن ذلك التحالف يزيد المشهدين السياسي والأمني تعقيداً" وأن العراق لن ينضم لأي محور عسكري لتأمين الملاحة المائية في الخليج لأن أمنه مسؤولية الدول المطلة عليه"، أما النائب الأول للرئيس الإيراني فقد قال إن "التحالف العسكري المزمع  تأسيسه سوف يزيد من الوجود العسكري الأجنبي في المنطقة وسيجعل المنطقة غير آمنة"، وأضاف" أن تحقيق الأمن في مضيق هرمز مرتبط بإنهاء الضغوط التي تمارس على إيران"، ولم يقتصر الموقف الإيراني على تلك التصريحات، بل أعلن الرئيس حسن روحاني خلال إلقاء كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 سبتمبر 2019م، مبادرة أطلق عليها "مبادرة هرمز للسلام " أو " تحالف الأمل" ومضمونها دعوة إيران الدول الثماني المتشاطئة للخليج العربي وهي دول مجلس التعاون بالإضافة إلى إيران والعراق لتوقيع ميثاق عدم اعتداء مؤسس على مبادئ احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وحسن الجوار وتحقيق الأمن الملاحي وأمن الطاقة وأن ذلك سيكون الأساس لتأمين الملاحة في مضيق هرمز.

 ووفقاً للعديد من المصادر فإن طبيعة عمل ذلك التحالف تتمثل في أن الولايات المتحدة الأمريكية تتولى قيادة عمليات المراقبة البحرية واسعة النطاق والاستطلاع مع توفير سفن حربية لمهمات القيادة والسيطرة، وفي المقابل فإن الدول الأخرى في التحالف كانت ستقدم سفناً لتسيير دوريات بالقرب من سفن القيادة الأمريكية، أما الجزء الثالث من المهمة فيشمل أفراداً من التحالف لمراقبة سفن بلادهم التجارية وناقلات النفط التي تحمل أعلامها عبر المنطقة.         

  ولا توجد الكثير من المعلومات عن ذلك التحالف واستمرارية عمله والنتائج التي حققها حيث لا تكمن التحديات التي يواجهها في عدد الدول بل في طبيعة التهديدات ذاتها في ظل توظيف الجماعات دون الدول للتكنولوجيا الحديثة لتهديد الأمن البحري الأمر الذي حدا بمسؤولي الأسطول الخامس للإعلان في أغسطس 2022 عن "رقمنة المياه الإقليمية في الشرق الأوسط" ومضمونه سعي الولايات المتحدة بالتعاون مع حلفائها في منطقة الشرق الأوسط "لتوظيف الذكاء الاصطناعي من أجل تأمين حركة التجارة ومحاصرة التهريب وردع التهديدات عبر شبكة مترابطة من المركبات المسيّرة، وأجهزة الاستشعار الذكية، والسفن الحربية، والعوامات" ومن ذلك تأسيس أسطول المسيرات البحرية العائمة ويضم 100 مركبة مسيرة فوق سطح البحر  بهدف زيادة  الوعي بالمجال البحري وتعزيز عامل الردع، والتصدي للتهديدات وخاصة تهريب المخدرات والأسلحة واستهداف البنى التحتية للدول ،ومحاولات عرقلة حركة التجارة الدولية من خلال الممرات المائية الحيوية.

   تحالف" حارس الازدهار" لتأمين الملاحة في البحر الأحمر ديسمبر 2023

 في الثامن عشر من ديسمبر 2023م، وخلال جولة له لعدد من دول الشرق الأوسط أعلن لويد أوستن وزير الدفاع الأمريكي تأسيس ائتلاف دولي لتأمين الملاحة البحرية في البحر الأحمر وذلك بعد زيادة وتيرة هجمات الحوثيين على عدد من السفن التجارية التي تعبر مضيق باب المندب، ووفقاً لتصريحات أوستن فإن هدف التحالف" ضمان حرية الملاحة لكل البلدان ولتعزيز الأمن والازدهار الإقليميين" ويضم التحالف عشرة دول وهي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وإسبانيا وسيشل والبحرين"

ومما لاشك فيه أن مضيق باب المندب يعتبر أحد أهم الممرات البحرية في العالم حيث يصل البحر الأحمر( الذي يمر منه يومياً 9 ملايين برميل  من النفط)  بخليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة، والبحر المتوسط من جهة أخرى، ويقع بين اليمن وجيبوتي وتزداد أهميته لارتباطه بقناة السويس ومضيق هرمز ، حيث أن عرقلة الملاحة البحرية في ذلك المضيق يعني أن السفن لا يمكنها المرور عبر قناة السويس وإنما سوف تضطر للعبور من خلال رأس الرجاء الصالح في مسافة أطول وأكثر عرضة للمخاطر، وتعتمد دول الخليج العربي على المضيق بشكل رئيسي في تجارتها مع شرق آسيا، ووفقاً لبعض التقديرات فقد شهد المضيق مرور حوالي 12% من إجمالي النفط المنقول بحراً خلال النصف الأول من العام 2023م، وحوالي 8% من تجارة الغاز الطبيعي المسال، كما تمر حوالي 23 ألف سفينة كل عام عبر المضيق  ولذلك فإن تأمين الملاحة البحرية في ذلك المضيق يعتبر ضرورة اقتصادية لاقتصادات دول الخليج العربي ومصر بالإضافة للاقتصادات العالمية.

وبعد هجمات الحوثيين على بعض السفن التجارية التي تعبر المضيق نتيجة الحرب في غزة كما أعلنت ذلك جماعة الحوثي، التي بلغت وفقاً لوزارة الدفاع الأمريكية 100 هجوم بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية على عشر سفن تجارية ،أعلنت عدة شركات نفط عالمية تعليق عبور جميع سفنها المضيق وازدادت أسعار النفط بنسبة 2,6% كما ازدادت تكلفة الشحن والتأمين ،فضلاً عن تعرض السلع للتلف بسبب طول المسافة بوقت إضافي حوالي 14 يومياً حال توجهها نحو رأس الرجاء الصالح بدلاً من باب المندب، كما انخفضت حركة المرور عبر المضيق بنسبة 14% في الفترة من 15 إلى 19 ديسمبر مقارنة بالفترة من 8 إلى 12 ديسمبر من العام 2023م.

إلا أن ذلك التحالف قد آثار عدة تساؤلات وخاصة بالنظر لعدد أعضائه المحدود والمواقف الإقليمية والعالمية تجاهه، بل والأهم تأثيره على منظومة الأمن الإقليمي.

  فمن حيث العضوية، على الرغم من تأكيد مصادر أمريكية  أن هناك دولاً أخرى عديدة انضمت للتحالف ولا ترغب في الإعلان عن  ذلك فإن هناك ملاحظات ثلاثة أولها: عدم مشاركة أي من الدول المتشاطئة للبحر الأحمر في ذلك التحالف، ووجود مخاوف من تدويل الملاحة في تلك المنطقة بالرغم من أن إجمالي سواحل الدول العربية الست المطلة على البحر الأحمر تتجاوز 84% من تلك السواحل مقارنة بالدول  الأخرى بما يعنيه ذلك من أنه "بحيرة عربية"، وفي هذا السياق تمثل الموقف المصري على لسان سامح شكري وزير الخارجية :" نشترك في المبادئ الخاصة بحرية الملاحة وضرورة الحفاظ عليها بالبحر الأحمر، حيث تضطلع الدول المطلة على البحر الأحمر بمسؤولية في إطار تأمينه" ويعيد ذلك إلى الأذهان الاعتراضات المصرية خلال صياغة مدونة سلوك جيبوتي بشأن أعمال القرصنة والسطو عام 2017م، وكان منها معارضة مصر لبعض التفاصيل التي تتيح لسفن بعض الدول الكبرى الدخول للمياه الإقليمية لدول المنطقة دون تصريح، وأيضاً مطالبة مصر بإخراج البحر الأحمر من أي ترتيبات تتعلق بمكافحة القرصنة لأنه يخلو من تلك الظاهرة، أما الملاحظة الثانية: ترتبط بعدم مشاركة الاتحاد الأوروبي كمنظمة أو حلف شمال الأطلسي "الناتو"، على الرغم من مشاركة الطرفين من قبل في جهود مكافحة القرصنة قبالة سواحل الصومال، وبالرغم من صدور بيان ثلاثي من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو لإدانة الهجمات الحوثية على السفن التجارية فإن الحلف لن يشارك سوى بوجود قرار أممي على غرار القرارات الأممية الصادرة عام 2008م، بشأن تعاون كافة القوى والمنظمات والإقليمية لمواجهة خطر القرصنة، والملاحظة الثالثة: أن هناك بالفعل ثلاثة فرق عمل دولية مشتركة متعددة الجنسيات تعمل تحت قيادة الأسطول الأمريكي الخامس في البحرين والتي تأسست عام 2002م، وتتكون من 38 دولة وتعمل على مساحة 3,2 مليون متر مربع من المياه الدولية، وهي الفرقة 150 وتتولى مكافحة الإرهاب في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي وخليج عمان، والقوة 151 التي تتولى ردع وقمع القرصنة والسطو المسلح في البحر في منطقتي القرن الإفريقي والمحيط الهندي، والقوة 152 التي تضطلع بمهام أمنية بحرية في منطقة الخليج العربي ومساحات أخرى أوسع، بالإضافة إلى القوة 153 التي تأسست في عام 2022م، وتختص بالأمن البحري في البحر الأحمر وخليج عدن وتضم 39 دولة، وتتولى كافة الدول المشاركة في تلك القوات قيادتها بالتناوب مما أكسب أفراد القوات البحرية لدول مختلفة خبرات عديدة للعمل في مساحات شاسعة من البحار وبالتالي تثار التساؤلات حول القيمة المضافة التي يمكن أن يقدمها التحالف الجديد وخاصة أن بعض الدول مثل النرويج ستكون مساهمتها رمزية من خلال عشرة ضباط من القوات البحرية، وإعلان وزير الدفاع الدنماركي أن بلاده سوف تشارك في توفير الأمن دون الخوض في تفاصيل.        

ومن حيث تأثير ذلك التحالف على منظومة الأمن الإقليمي، تتمثل المخاوف في عسكرة الملاحة البحرية في البحر الأحمر وخاصة أنه لا يوجد نظام أمني متكامل لتلك المنطقة حتى الآن، والتي تضم مشروعات تنموية واعدة وخاصة للمملكة العربية السعودية التي بادرت في عام 2020م، بتأسيس إطار إقليمي جديد وهو مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن وكان بين أهدافه الحفاظ على أمن الملاحة البحرية، من ناحية ثانية وفقاً لتقرير صادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية عام 2019م، فإن منطقة القرن الإفريقي بها 19 قاعدة عسكرية تديرها 16 دولة، وبالتالي تكمن المخاوف في تعارض المصالح بين تلك الدول مستقبلاً ،ومن ثم تكون تلك المنطقة بيئة مواتية لمواجهات مسلحة بالقرب من الممر المائي الاستراتيجي حيث أن التحالفات تخلق تحالفات مضادة وتؤكد المؤشرات كافة أن المواجهات القادمة بين الدول ستكون البحار ساحتها، من ناحية ثانية فإن التحالفات تؤدي إلى تحالفات مضادة ومن ذلك إعلان الحرس الثوري تشكيل قوات بحرية قوامها 55 ألف فرد وتم تزويد تلك القوات بصواريخ من عيار 107 ملي متمر"، وخلال كلمة له قال قائد القوات البحرية في  الحرس الثوري " الآن أنشأنا قوات تعبئة المحيطات وتتضمن زوارق كبيرة بما يكفي للوصول إلى تنزانيا والخطوة التالية هي إنشاء قوات التعبئة البحرية"، وفي السياق ذاته قال محمد رضا أشتياني وزير الدفاع الإيراني "البحر الأحمر منطقتنا ونسيطر عليه ولا يمكن لأحد المناورة فيه".      

                      

النتائج

  • بمقارنة التحالفات العسكرية الثلاثة التي تم تأسيسها لحماية الملاحة البحرية في منطقة الخليج العربي نجد أن أولها كان يتضمن مشاركات فعلية من جانب الدول الأعضاء ، إلا أن تحالفي عامي 2019 و2023م، من قبيل التحالفات المرنة، ففي معرض إيضاحه لطبيعة تحالف حارث الازدهار قال جاك سوليفان مستشار الأمن القومي أن الولايات المتحدة تستهدف إنشاء قوة عمل بحرية تضمن المرور الآمن للسفن في البحر الأحمر دون إيضاح المزيد من التفاصيل، وربما سبب تردد مشاركة القوى الأوروبية يعود إلى ضرورة موافقة برلماناتها على إرسال تلك القوات، كما أن بعضاً من تلك الدول تشارك بالفعل في البعثة الأوروبية لمراقبة الملاحة في مضيق هرمز والتي تم تأسيسها عام 2020م، بقيادة فرنسا، بينما يحتاج حلف الناتو  إلى قرار أممي كأساس للمشاركة في ذلك التحالف بالإضافة لضرورة تحقق الإجماع بين دوله الأعضاء على أن ما يحدث في البحر الأحمر يعد تهديداً لمصالح الحلف.  
  • في كافة التحالفات كانت دول الخليج العربي أو بعضها ركيزة أساسية بالنظر لموقعها الحيوي واعتمادها بشكل أساسي على البحار في تجارتها مع العالم، فضلاً عن الخبرات المكتسبة لأفراد القوات البحرية الخليجية التي قادت مجموعات العمل البحري المشتركة، وكانت غالبية المناورات لدول الخليج خلال السنوات الأربع الماضية في المجال البحري.
  • الارتباط الوثيق بين الأمن الإقليمي والأمن البحري، فتهديدات البحار ليست سوى مؤشر يعكس حالة التوتر الإقليمي حيث تجد الجماعات دون الدول وبعض الدول وخاصة التي لديها قدرات بحرية أن نقل المعركة للبحار يعني إلحاق قدر كبير من الخسائر بأقل تكلفة، إذ تبلغ تكلفة الصاروخ اللازم لإسقاط الدرونز حوالي 2 مليون دولار في حين أن تكلفة الطائرة المسيرة لا تتجاوز 100 ألف دولار وربما أقل.
  • كيف يمكن تحديد الخط الفاصل بين التعاون الإقليمي-العالمي لمواجهة تهديدات الأمن البحري واحتدام الصراع والتنافس بالقرب من الممرات المائية الحيوية وخاصة أن الصين رفضت المشاركة في تحالف الازدهار.
  • إثارة الجدل مجدداً حول التزامات وحقوق الدول المتشاطئة بشأن ضمان حرية الملاحة البحرية والتي تضمنتها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982م، وبرغم أهميتها لكونها ثمار عقود من المفاوضات فإنه لا توجد قوة دولية تلزم الدول ببنودها.
مقالات لنفس الكاتب