array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 193

تهديد الملاحة البحرية مغازلة حوثية لأمريكا للحصول على الاعتراف بهم كممثلين لليمن

الخميس، 28 كانون1/ديسمبر 2023

تعرضت الملاحة البحرية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن إلى تهديدات حقيقية من قبل جماعة الحوثي (أنصار الله) ـ كما تدعو نفسهاـ  خلال الشهر الماضي، ابتدأت تلك التهديدات يوم 19 نوفمبر الماضي بالاستيلاء على سفينة Galaxy المملوكة لبريطانيا وتديرها اليابان، تبع ذلك وعلى مدى الشهر الفائت مجموعة من الأعمال اللا مسؤولة من وجهة نظر القانون الدولي، تضمنت إطلاق صواريخ ومسيرات باتجاه سفن تجارية في مواقع مختلفة بعرض البحر ، رافق ذلك محاولات مصطنعة بإرسال صواريخ بعيدة المدى إلى ميناء إيلات في الأراضي المحتلة، كانت تلك المقذوفات إن وصلت ذات فعالية تدميرية محدودة حيث وقع بعضها في الأراضي المصرية، كما أسقط البعض الآخر قبل وصوله من قبل الدفاع الجوي الإسرائيلي أو الدفاع الجوي للدول المحيطة والقريبة من إسرائيل أو من القوات الأمريكية في عرض البحر .

الأفعال الحوثية كما ورد على لسان الناطق الرسمي باسمها محمد عبد السلام على منصة X)) تستهدف السفن التجارية الإسرائيلية أو السفن المبحرة من وإلى الموانئ الإسرائيلية فقط حسب الادعاء ومبررهم في ذلك تأييداً للقضية الفلسطينية ووقوفاً مع الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة وإيقاف هذه التهديدات مرهون بوقف الاعتداء الإسرائيلي على قطاع غزة والسماح بدخول الإمدادات الإنسانية للمواطنين الفلسطينيين هناك.

هذا باختصار ما فعله الحوثيون وما يدعون أنه السبب لما يفعلونه فماهي الدافعية الحقيقية لهذه الأفعال؟ وما الأثر القانوني والاقتصادي والسياسي لذلك سواء على اليمن نفسه أو على الدول الإقليمية؟  وهل تندرج أفعالهم تحت قائمة الأعمال المجرمة دولياً، أم تحت الأعمال المشروعة ذات الأهداف الإنسانية النبيلة او الدعم المشروع لقضية عادلة؟

نصت اتفاقية البحار 1982م على بيان أعمال القرصنة ومنها: أي عمل غير قانوني من أعمال العنف أو الاحتجاز أو السلب يتم ارتكابه لأغراض خاصة من قبل طاقم أو ركاب سفينة أو طائرة خاصة، ويكون موجهاً ضد سفينة، أو طائرة أخرى، أو ضد أشخاص، أو ممتلكات على ظهر تلك السفينة أو الطائرة، سواء في أعالي البحار أو في أي مكان لا يخضع لولاية أي دولة.

وبالتالي فإن احتجاز السفن التجارية وتهديدها بالمقذوفات والمسيرات وأخذ السفن عنوة للرسو في الموانئ اليمنية واحتجاز طواقمها أو إكراههم على تغيير مسارات حركة السفن هو عين القرصنة البحرية المجرمة دولياً.

جماعة أنصار الله ـ الحوثي كما تطلق على نفسها ـ مكون ديني متطرف نشأ في جبال صعدة ثم دخلت عليه تشكيله تغيرات جوهرية أخذته من المذهب الزيدي المسالم إلى النموذج الإيراني الثائر المتطرف. تمت تلك التحولات على مدار العقود الثلاثة الماضية ونتيجة لبعض الظروف الداخلية في اليمن أو الخارجية في منطقة الشرق الأوسط، نجحت الحركة في الخروج من قمقمها لتمد نفوذها على معظم التراب اليمني معاكسة لإرادة شعبه مناوئة لحكومته الشرعية. تم تحجيم هذا التمدد وتقييد آثاره نتيجة الوقفة الحازمة للمملكة العربية السعودية حين قامت بقيادة التحالف الدولي 2015م، للمحافظة على شرعية الحكومة اليمنية ومنع التوغل الإيراني في اليمن ودعمًا لشعبه وحماية له من التغيير القسري المذهبي الذي تمارسه إيران واستطاعت تحقيق خروقات كبيرة في بنية ومجتمع بعض الدول الأخرى كالعراق وسوريا ولبنان.

عند تحليل الأفعال الحوثية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن يتوجب علينا أن ننظر أولاً نظرة ثاقبة متفحصة إلى الفاعل من حيث تكوينه وشرعيته ودوافعه المعلنة والأهداف التي يرمي إليها كما يجب أن نرصد ونحلل الأفعال المرتكبة من حيث شرعيتها وشدتها وجديتها ومدى فاعليتها وإلى أي مدى تؤدي التأثير المطلوب المعلن عنه وهل تتعدى تلك الآثار إلى أطراف أخرى خارج دائرة الدولة الفاعلة والدولة المستهدفة. كما لا يفوتنا النظر في العواقب والآثار وهل هي في صالح الأعمال التي تم الإعلان عنها أم إنها تؤثر في اتجاه مغاير أو لا تؤثر البتة !!

تعد جماعة (أنصار الله) الحوثية جماعة إرهابية بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2624لعام 2022م، بعد الاعتداءات المتكررة وتهديد الأهداف المدنية والبنى التحتية في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، كما أنها كانت مدرجة على تصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لعام 2021م، إلا أنه تم التراجع عن هذا التصنيف وإلغاء وضع الحوثي على قائمة الإرهاب في بداية عهد الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدين. وتصنف المنظمة ضمن المنظمات الراعية للإرهاب على قوائم العديد من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية وغير معترف بها كممثل للشعب اليمني إلا من قبل إيران ومن دار في فلكها.

بناء على ما تقدم فإن الأعمال التي تؤديها جماعة الحوثي مهما حسن مقصدها (وفقاً لتصريحاتهم) فإن صدورها من كيان لا يحظى بشرعية محلية ولا إقليمية ولا دولية ينسف كل تلك الرسائل المتشدقة بنصر القضية الفلسطينية والوقوف معها فمن الصعب جداً ان نراهن على النوايا الطيبة لتلك الأفعال وآثارهم في بني عمهم وأولاد جلدتهم من اليمنيين ما زالت شاهدة وحقول ألغامهم في طول اليمن وعرضه لم ينته تطهيرها بعد وضحاياها من القتلى ومبتوري الأطراف بالمئات إن لم يكن بالآلاف. إذًا فالرفض الداخلي والتصنيف الدولي والإقليمي للجماعة الحوثية ينسف كل عمل تدعيه المنظمة عملاً حميداً في صالح الأمة. والأولى بالجماعة العودة والرضوخ لمخرجات الحوار الوطني 2014م، والمبادرة الخليجية 2011م، للخروج من الأزمة اليمنية والدخول يداً بيد مع جميع أطياف الدولة اليمنية لإعادة استقرار اليمن وبدء رحلة البناء بدلاً من الارتماء في أحضان أم الإرهاب الكبرى إيران والاكتفاء بأن تكون ترساً في آلتها التي طال خرابها العراق وسوريا ولبنان.

هذه الأفعال أيضاً توحي بأن وراء الأكمة ما وراءها، فإيران أعلنت منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة أنه ليس لها يد في الإيعاز لحماس بهجوم السابع من أكتوبر ، بل تنصلت من أي دور في ذلك وأصدرت تعليماتها لأذرعها في لبنان وسوريا بعدم التصعيد والاكتفاء بتلقي الضربات الإسرائيلية والرد في حدود تلك الأفعال أو أقل، حفظاً لماء الوجه لكنها قد لا تتورع في الإيعاز للحوثي بالتحرك فهي لم تتملك زمام الأمور هنالك بشكل محكم كما حدث في جنوب لبنان وسوريا ومن الممكن المغامرة بهذا المكون الذي سوف يحسب النصر لها وإن لم تظهر في الصورة وإن مني بخسارة فادحة فقد أعلنت مسبقاً باستقلالية قرار الحوثي وعدم تبعيته لها .

لا يستبعد أيضًا أن تكون المقاصد من ذلك تفجير الوضع الأمني في الأراضي العربية مجدداً بعيداً عن التراب الإيراني لعل وعسى أن يؤدي ذلك لتخفيف ضغط العقوبات الطائلة عنها ولتشغل الدول العظمى بأزمة تنشأ من تقاطع المصالح والنفوذ في جنوب البحر الأحمر.

قامت الدول العربية بدور فاعل بقيادة المملكة العربية السعودية وتوج ذلك بعقد القمتين العربية والإسلامية في الرياض نصرة للقضية الفلسطينية ولإيقاف العدوان الصهيوني على قطاع غزة والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية للنازحين ولا زالت الجهود الدبلوماسية قائمة تضغط في كل الاتجاهات بهدف التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار وإعادة إيواء النازحين. في حين قامت جماعة الحوثي بتهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن فضلاً عن كون شرعيتها على المحك فإنها بفعلها المنافي للقانون الدولي وقانون البحار تجازف بأمن اليمن وتعبث بالدخول لأتون لعبه قد يكون الدخول فيها مغرياً بينما الخروج منها باهظ التكاليف فالقوى الدولية قد لا تقف مكتوفة الأيدي كما أن إسرائيل تمتلك من القدرات ما تستطيع على الأقل إخراس الألسن التي تصدح ليلاً نهاراً بمباركة هذا العمل وإسباغ الشرعية عليه.

المتأمل في قرار الحوثي بتهديد الملاحة في المياه المحاذية للسواحل اليمنية يرى في ذلك مجازفة قد تلقي الضوء عليهم سعياً لصفقة تغازل بها اللاعب الأكبر الولايات المتحدة الأمريكية للحصول على مكاسب سياسية والاعتراف بهم كممثلين للشعب اليمني مقابل إيقاف التهديدات، فالموقف الأمريكي المتسرع في رفع جماعة الحوثي من قوائم الإرهاب قد لا يستبعد معه الاستجابة والاعتراف بالحوثي لاعباً أساسياً في اليمن.

 من أبسط أبجديات القرارات السياسية التي تتضمن القيام بعمل عسكري هو تقدير الموقف، فعندما تقرر دولة ما القيام بفعل فعليها حساب ما سيترتب عليها حتى لا تقحم نفسها في حسابات لا تقواها، وإن من أسوأ الاحتمالات أن يكون هذا الفعل بإيحاءات خارجية إيرانية تهدف إلى تخفيف الضغوطات عنها والزج بالمنطقة ومن فيها في اتون صراعات قد تعقد المسائل أكثر من حل المشكلات.

من النتائج العاجلة لهذه الأعمال اللا مسؤولة ارتفاع تكاليف التأمين على النقل البحري للسفن التي تعبر البحر الأحمر لما يقارب الضعف، كما أن كثيراً من شركات النقل البحري نثرت السلامة وحولت مسارات رحلاتها عبر رأس الرجاء الصالح دون الدخول في إشكالات ودون تصديق للوعود الحوثية بأن المستهدف بالعمليات السفت التي تتجه إلى الموانئ الإسرائيلية أو تخرج منها.

ارتفعت أسعار البترول بشكل ملاحظ وأصبح تاريخ تسليم الشحنات متأخراً بأكثر من عشرة أيام نتيجة المسار الجديد مع ارتفاع التكاليف الأخرى كما انخفضت إيرادات قناة السويس المصرية نتيجة القرار بتحويل نسبة ليست بسيطة من السفن وتلافيها العبور عبر البحر الأحمر.

إذن فالنتائج الأولية تشير إلى أضرار طالت أطرافاً خارجية غير مستهدفة أكثر من الأضرار التي وقعت على إسرائيل المستهدف بالعمليات.

وهنا نصل إلى طرح السؤال التالي: ما هو دور دول المنطقة ودول العالم من هذه الأفعال ومن يقف وراءها؟

تدور الأحداث دورة كاملة لتعود وتذكر بدور المملكة العربية السعودية وموقفها الحازم من هذه الجماعة المتمردة المسلحة التي تجاوز خطرها الاستيلاء على السلطة بالقوة في بلدها المغلوب على أمره إلى تهديد جيران اليمن من دول الخليج بالصواريخ الباليستية والمسيرات الإيرانية، فقد كانت المملكة العربية السعودية طوال حملة عاصفة الحزم وإعادة الأمل تذكر في كل المحافل الدولية بتجاوزات تلك الجماعة للقوانين الدولية وخطورتها على مصادر الطاقة إلا أنها قوبلت بخذلان شديد وضغط دولي واسع لإبقاء ميناء الحديدة تحت تصرف الجماعة الحوثية وبموافقات أممية لا تدعو للارتياح وموقف أوروبي و أمريكي متراخ فكانت نتيجة كل ذلك ما رأيناه في الأيام الماضية من تهديد سافر للملاحة الدولية في المناطق البحرية المحاذية للسواحل اليمنية واصطناع زائف لبطولات وهمية مزعومة لنصرة القضية الفلسطينية .  

الموقف الدولي من تلك الحوادث يلقي بأسئلة شتى تحتاج إلى إجابات قد لا تتحقق إلا مع مرور الأيام اللاحقة فقد دعا وزير الدفاع الأمريكي إلى تشكيل قوة بحرية دولية لحماية وتأمين الملاحة في جنوب البحر الأحمر والغريب كما هي عادة كثير من القرارات الأمريكية في علاج المشكلات الأمنية هو ذهابها لمعالجة العرض وترك المرض، فتأمين الملاحة في عرض البحر يعني عدم التعرض لمصدر التهديد مع القدرة على ذلك بأساليب سياسية أو عسكرية أو استخباراتية أو أيًا كانت الوسيلة وذلك يجعل المراقب في حيرة من هذا الموقف ويذهب بالتفكير إلى أن هنالك أهداف أبعد من تأمين الملاحة قد تتضمن التواجد الدائم في المنطقة وعسكرتها بشكل مريب والأيام ستكشف جلياً صدق تلك التنبؤات من عدمها .

مقالات لنفس الكاتب