array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 194

اتفاقيات إبراهام قايضت السلام بالسلام وحرب غزة لبداية تحقيق حلم إسرائيل الكبرى

الخميس، 25 كانون2/يناير 2024

جاءت الحرب على غزة لتثبت إن القضية الفلسطينية بكافة مكوناتها هي القضية الأم لكل العرب وجوهر الصراع في المنطقة، وأن حلها بشكل عادل هو أحد المفاتيح الرئيسية لاستقرار الإقليم وبدوره سيشكل واقعًا جديدًا للشرق الأوسط.

وأسقطت الحرب أيضًا المزاعم الغربية بتطلع إسرائيل الدائم للسلام؛ وعكست التصرف العدواني لإسرائيل وارتكابها لأبشع الجرائم البشعة الذي يشير إلى أنها لا تريد السلام بقدر ما تطمح إلى تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي. ورغم التنازلات الكبيرة والمرونة الفائقة التي أظهرتها الدول العربية والمفاوضون الفلسطينيون مع إسرائيل خلال عملية السلام على مدار التاريخ، إلا أن التعنت الإسرائيلي لم يتغير ولم تقدم إسرائيل أي تنازلات بل استمرت في سياسات الاستيطان وتهويد الأراضي الفلسطينية وفرض سياسة الأمر الواقع ولم يقابل ذلك إلا بالمزيد من المرونة والتنازل من الجانب العربي، والجدير بالذكر أن إسرائيل لم تتقدم  بأي مشروع سلام واحد في تاريخها ولم تقبل حتى مناقشة مشاريع السلام التي اقترحها العرب.
وفي خضم تلك الورقة سيتم تسليط الضوء على الرغبة العربية المستمرة في السلام انطلاقًا من المبادرة العربية للسلام ( الأرض مقابل السلام) ووصلًا إلى اتفاقيات إبراهام ( السلام مقابل السلام) وما يقابلها من تعنت ورفض إسرائيلي وزيادة في الانتهاكات الجسيمة اللاإنسانية في حق الفلسطينيين.

أولًا: مبادرة السلام العربية (الأرض مقابل السلام)
كل المعاهدات بين مصر وإسرائيل وبين إسرائيل والأردن وبينها وبين منظمة التحرير الفلسطينية استندت إلى مبدأ الأرض مقابل السلام والاعتراف بالوجود وفق القرار 242، وترتب عليها انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي وإعادة انتشار قواته في حالة أوسلو وتمكن الشعب الفلسطيني من إقامة سلطة في جزء من أراضيه.
وطيلة العقود التي تلت عام 1967م، ظل مبدأ الأرض مقابل السلام هو الحاكم لأى مشروعات تسوية سلمية للصراع، إلى أن أصبح هذا المبدأ، أي الأرض مقابل السلام، يمثل أساس المبادرة العربية للسلام التي أطلقها الملك السعودي الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، إبان "قمة بيروت" حينما كان وليًا للعهد. وتركزت تلك المبادرة على إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، وعودة اللاجئين، فضلًا عن  انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة، بما في ذلك هضبة الجولان، مقابل تحقيق سلام شامل دائم بين العرب وإسرائيل.
وجاء ذلك نتيجة لاقتناع الدول العربية بأن الحل العسكري للنزاع لم يؤد إلى تحقيق السلام أو الأمان لأيٍ من الأطراف، وهذا تغيير يتنافى مع ما حدث في 1967م، حيث اجتمع القادة العرب في السودان لتحديد موقفهم الرسمي الذي أُصبح معروفًا بإعلان "اللاءات الثلاث للخرطوم": لا سلام مع إسرائيل، لا اعتراف بإسرائيل، لا مفاوضات مع إسرائيل. ومع ذلك، قامت "مبادرة السلام العربية" بتحول هام عن هذا الرفض المطلق، حيث اعتمدت موقفًا يُشترط تحقيق حقوق سياسية محددة مقابل إقامة علاقات مع إسرائيل. كما يهدف هذا الاقتراح في جوهره إلى تشجيع الإسرائيليين على تقديم تنازلات في القضية الفلسطينية من خلال استغلال رغبتهم في تطبيع علاقاتهم مع دول المنطقة. وبناءً على ذلك المنظور، دعا مجلس الجامعة العربية إسرائيل إلى إعادة النظر في سياستها، محثًّا إياها على اتخاذ موقف إيجابي نحو السلام، معلنًا أن اتخاذ السلام العادل يشكل خيارًا استراتيجيًا للطرف الإسرائيلي، وذلك وفقًا لما جاء في المبادرة.
أهم نصوص المبادرة:

  1. الالتزام بحل الدولتين

تحقيق السلام واستقرار المنطقة وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية التي احتلت في عام 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية.

  1. حق اللاجئين الفلسطينيين
    حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.
  2. الانسحاب الإسرائيلي

انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة، بما في ذلك الجولان السوري المحتل والأراضي المحتلة في جنوب لبنان.

  1. العلاقات العربية-الإسرائيلية

إقامة علاقات سلمية وعادلة بين جميع الدول العربية وإسرائيل على أساس مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية.

في حال امتثال إسرائيل لتلك المطالب، يعتبر النزاع العربي الإسرائيلي منتهيًا، وتدخل الدول العربية في اتفاقية سلام شاملة مع ضمان السلام لجميع دول المنطقة.

في هذا السياق، تقوم الدول العربية بإقامة "علاقات طبيعية مع إسرائيل" في إطار هذا السلام الشامل، وتكفل رفض أي توطين فلسطيني في البلدان العربية المضيفة.

وعند تحقيق هذه الشروط، يدعو مجلس جامعة الدول العربية "حكومة إسرائيل والإسرائيليين جميعًا لقبول المبادرة بهدف حماية فرص السلام وتجنب الأجيال القادمة لويلات النزاع.

وتختم الجامعة المبادرة بتأكيد أن هذا "يمكن الدول العربية وإسرائيل من العيش سويًا في سلام، ويوفر للأجيال القادمة مستقبلًا آمنًا مليئًا بالرخاء والاستقرار".

 مظاهر التعنت الإسرائيلي حيال مبادرة السلام العربية

تفاعل القادة والسياسيون الإسرائيليون بأساليب متنوعة تجاه مبادرة السلام العربية منذ تقديمها لأول مرة؛ حيث رفض أرييل شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلي حينذاك، الاقتراح بشكل قاطع، فاعتبر أنه بموجب المبادرة يتطلب من إسرائيل استيعاب عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين بشكل يتجاوز "الخطوط الحمراء" الإسرائيلية.   

بالمثل، رفض شيمون بيريز، نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت، المبادرة وأعلن أن هناك حاجة إلى مزيد من المفاوضات. وفي السياق نفسه، قال شيمون بيريز للإذاعة الإسرائيلية: "هناك طريقة واحدة فقط للتغلب على خلافاتنا وهي المفاوضات"، وفقًا لصحيفة "تلغراف". وأضاف أن "بالإملاءات لن يتمكن الفلسطينيون ولا العرب ولا نحن من التوصل إلى حل".

ووفقًا لمعهد الشرق الأوسط، وصف إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، المبادرة بأنها "تغيير ثوري"، مع رفضه للجوانب المتعلقة بعودة اللاجئين. في المقابل، تباينت آراء بنيامين نتانياهو على مر السنين، حيث رفض الخطة في عام 2007م، ووصفها بأنها "فكرة عامة جيدة" في عام 2016م، ولكنه رفضها بعد ذلك مرة أخرى كأساس للمفاوضات في عام 2018م.
وفي عام 2016م، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، أنه في حال قدمت الدول العربية الاقتراح من عام 2002م، مع تحديد خيارات "قبول" أو "رفض"، ستكون إسرائيل على استعداد للرفض، وفقًا لصحيفة "هآرتس".

وأكد نتانياهو أن المبادرة العربية تحتوي على جوانب إيجابية، ولكنه أشار إلى أهمية تحديثها لمواكبة التطورات في المنطقة خلال السنوات الأخيرة. وأضاف نتانياهو أن المبادرة العربية قد تكون "ملائمة شريطة تعديل بعض مطالبها"، خاصة فيما يتعلق بالانسحاب الإسرائيلي وقضية اللاجئين الفلسطينيين.
ووفقًا لأرقام الأمم المتحدة، يعيش حوالي 700 ألف مستوطن حاليًا في مختلف مناطق الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهي المناطق المتوقع أن تشكل محور أي دولة فلسطينية في المستقبل. ويشير تقرير وكالة "رويترز" إلى استمرار سريع في بناء المستوطنات. وتقدر عدد الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية بنحو 3.2 مليون، بينما يسكن غزة حوالي 2.2 مليون فلسطيني.

ثانيًا: اتفاقيات إبراهام (السلام مقابل السلام)

شكلت اتفاقيات إبراهام نقطة انقلاب تاريخية ثالثة في العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي منذ عام 1948م. ففي المرة الأولى، كان "الاعتراف بالوجود" هو شريطة السلام، ورغم ذلك رفضت الدول العربية الاعتراف بإسرائيل، مما أدى إلى توسع إسرائيل في حروبها وتوغلها الاستيطاني. وبالنسبة للمرحلة الثانية، اعتمدت الحكومة الإسرائيلية مبدأ "الأرض مقابل السلام" بعد حرب يونيو 1967م، حيث كان السلام يعني الاعتراف وإقامة علاقات طبيعية مع كل دولة من جيرانها. وتجلى تنفيذ هذا المبدأ في معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في عام 1979م، والآن، مع اتفاقيات إبراهام، تمثل نقلة جديدة حيث تم تجاوز "الأرض مقابل السلام" باتخاذ مبدأ "السلام مقابل السلام"، مما أتاح لإسرائيل تحقيق التطبيع دون التنازل عن أي جزء مما احتلته من أراض.

وتمثل اتفاقيات إبراهام إنجازًا كبيرًا لإسرائيل، حيث لم تقتصر على موافقة الإمارات والبحرين والمغرب والسودان على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بل أيضًا جسدت مبدأ "السلام مقابل السلام". تمكنت إسرائيل من خلال هذه الاتفاقيات من تجنب تقديم تنازلات ملموسة مقابل التطبيع مع دول عربية. وفي يونيو 2021م، أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أن اتفاقيات إبراهام أتاحت لإسرائيل الانتقال من "معادلة الأرض مقابل السلام" إلى مبدأ "السلام مقابل السلام"، السلام مع الفلسطينيين وفق نظرية نتنياهو يمكن أن يتحقق كثمرة للتعاون العربي / الإسرائيلي وإعادة وضع العربة خلف الحصان بديلًا عن النظرية السائدة والتي تضع حل القضية الفلسطينية شرطاً للسلام مع الدول العربية. مع تأكيد عدم فقدان أي جزء من الأرض.

بالإضافة إلى الاعتبارات الاستراتيجية التي دفعت دول الخليج للانضمام إلى اتفاقيات إبراهام، فقد تمثل هذه الاتفاقيات انتصارًا استراتيجيًا لإسرائيل، مما ساعدها على تشكيل مشهد سياسي عربي/ إسرائيلي يُسهل التعامل مع بقية دول مجلس التعاون الخليجي، وهو هدفها الدبلوماسي الأساسي. قد يكون الحفاظ على هذه الاتفاقيات على قيد الحياة محاولة لتخفيف بعض الضغوط السياسية الداخلية، ناتجة عن مشروع الإصلاحات القضائية الذي قدمه الائتلاف الحاكم من اليمين.

الجدل الآخر حول هذه المعاهدات، كان حول تضارب تصريحات كلا الطرفين حول المقابل الذي تم تقديمه للدخول في هذه الاتفاقية، فالإمارات أكدت بأن إسرائيل تعهدت بوقف ضم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وغور الأردن إلى الأراضي التي تحتلها إسرائيل، بينما صرّح نتنياهو بأنه لم يعط الإمارات أي التزام بوقف ضم الضفة وأن الضم لا زال قائمًا، وأن إسرائيل وافقت فقط على تعليق الضم بشكل مرحلي. وأتت خديعة نتنياهو هذه لإقرار معادلة جديدة في الصراع العربي / الفلسطيني تحل محل الأرض مقابل السلام، وهي معادلة السلام من أجل السلام وحسب.

تعنت الجانب الإسرائيلي حيال اتفاقيات إبراهام

كان هناك آمال بأن القضية الفلسطينية ستصل إلى مرحلة من التقدم عقب اتفاقيات إبراهام، كذلك بالنسبة لوضع الفلسطينيين سواء في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولكن ما حدث بعد الاتفاقيات كان مخيب للوعود وأثبت أن السلام مع إسرائيل ما هو إلا حبر على ورق، ووضع الدول المطبعة في مأزق كبير أمام الحشود العربية وأثبتت أن إسرائيل لا تريد سلام ولكن ما تريده هو تصفية القضية الفلسطينية بأكملها وتحقيق عبارة ( شعب بلا أرض لأرض بلا شعب)، ولم يكن السابع من أكتوبر هو بداية لتلك الانتهاكات التي ارتكبتها إسرائيل في حق الفلسطينيين، فعقب إبرام الاتفاقيات ارتكبت إسرائيل سلوكيات عدوانية إزاء الفلسطينيين بجانب خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2022م، وجاءت حرب غزة لتؤكد حقيقة أن اتفاقيات إبراهام ما هي إلا حبر على ورق وأن إسرائيل كيان لا يسعى للسلام مطلقًا سواء بالنسبة للانتهاك المطلق للقانون الدولي وقصف المدنيين والمباني المحرمة دوليًا من القصف مثل المستشفيات والمدارس وبالنسبة للتعنت الشديد لوصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع.

أولًا: الانتهاكات الإسرائيلية على الضفة الغربية وقطاع غزة قبل السابع من أكتوبر

- اقتحامات القدس والمسجد الأقصى:

زادت اقتحامات قوات الاحتلال لباحات الحرم واعتدائها على المرابطين والمرابطات بالضرب والسحل مرارًا وتكرارًا، بجانب منع الأهالي من الوصول إلى المسجد الأقصى وأداء الصلاة فيه، في المقابل يتم إفساح المجال للجماعات اليهودية لتدنيس المسجد الأقصى بالاقتحامات اليومية وأداء الطقوس والصلوات التلمودية والنفخ بالبوق، مع عدم إخفاء نواياهم بإقامة الهيكل المزعوم من خلال الممارسات الهادفة إلى هدم الأقصى وإقامة الهيكل عليه بالإضافة إلى ذلك، يستمر الاحتلال في مهاجمة الأهالي في أحياء القدس والاستيلاء على بيوتهم وعقاراتهم.

-زيادة أعداد الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية

عقب التطبيع لم تتوقف سلطات الاحتلال عن الاحتجاز غير المبرر للفلسطينيين بل توغلت في تلك السياسة، وباتت تحتجز الآلاف من الأسرى، وتمارس ضدهم أبشع أساليب القهر والتعذيب والإذلال، وقد قضى المئات منهم عشرين عامًا وأكثر في السجون. بالإضافة إلى ذلك، يُعاني العشرات من الأسرى والأسيرات من ظروف صحية صعبة، مما أدى إلى وفاة الكثير منهم نتيجة للإهمال الطبي والقتل البطيء المتعمد.

ـ استمرار اقتحامات مدن الضفة الغربية

قيام سلطات قوات الاحتلال بشكل متكرر باقتحام المدن والقرى والبلدات على امتداد الضفة الغربية، مع قيامها بمداهمة المنازل والقيام بعمليات قتل وإصابة واعتقال لسكانها، وقد تم تسجيل المئات من الشهداء والجرحى جراء تلك الاقتحامات لهذا العام.

-مصادرة الأراضي

لم تتوقف سلطات الاحتلال عن التوسع الاستيطاني بالضفة الغربية، وقامت بمصادرة الآلاف

من الدونمات وطرد الأهالي من بيوتهم وأراضيهم بهدف بناء المزيد من المستوطنات، مع حماية المستوطنين.

- استمرار حصار قطاع غزة

استمرار جريمة الاحتلال الإسرائيلي بفرض حصاره على قطاع غزة.


ثانيًا: خطاب نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة


في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 78، والتي عقدت في سبتمبر 2023م، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن خريطة الشرق الأوسط الجديد، والتي شملت مناطق مغطاة باللون الأخضر وهي للدول التي أوضح نتنياهو أنها تربطها اتفاقات سلام مع إسرائيل أو تخوض مفاوضات لإبرام اتفاقات سلام مع إسرائيل، وهي عدة دول عربية، فيما لم تشمل الخريطة أي ذكر لوجود دولة فلسطينية، حيث طغى اللون الأزرق الذي حمل كلمة إسرائيل، على خريطة الضفة الغربية المحتلة كاملة، بما فيها قطاع غزة.
وسبق هذا الحدث حادثة مماثلة أثارت جدلاً كبيرًا حيث عرض وزير مالية الحكومة الإسرائيلية بتسلئيل سموتريتش، خلال مؤتمر عقد بباريس في مارس الماضي، ما أسماه خريطة "حدود إسرائيل الكبرى" والتي لم تضم الأراضي الفلسطينية فقط، بل أجزاء أيضًا من الأردن ولبنان وسوريا، مصرحًا بأنه "لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني، وهو اختراع وهمي لم يتجاوز عمره الـ 100 سنة"، داعيًا الفلسطينيين إلى الكف عن المقاومة والاستسلام لإسرائيل.

وقد أثار هذا الأمر غضبًا حادًا على المستويين الشعبي والرسمي حيث احتجت الأردن واستدعت السفير الإسرائيلي لديها، كما نشرت وزارة الخارجية الأردنية بيانا أكدت فيه أنها تدين التصريحات العنصرية والمحرضة والمتطرفة للوزير الإسرائيلي ضد الشعب.
وفي ضوء هذه المعطيات فهناك العديد من الدلالات التي تشير إلى أن إسرائيل تحاول استغلال هجوم 7 أكتوبر في تحقيق حلم دولة إسرائيل الكبرى حيث:

 

من أجل تغيير الخريطة وبناء خريطة جديدة في الشرق الأوسط، لن يكون السلم هو الوضع المناسب لتنفيذ هذا المشروع، وإنما الحروب التي خاضتها إسرائيل والتي ستخوضها في المستقبل هي التي ستوفر الظروف المناسبة لتطبيق هذه الطموحات فالحروب تسمح لها بنقل السكان وترحيلهم وإجراء تغييرات ديمغرافية

تتوسع من خلالها أكثر فأكثر. . ولذلك منذ اشتعال الصراع في السابع من أكتوبر، حثت إسرائيل سكان شمال غزة إلى النزوح نحو الجنوب، وكأن إسرائيل قد بدأت بمخطط التوسع الذي تسعى إليه، وهذا ما أكده وزير خارجيتها إيلي كوهين، الذي قال إن "حجم غزة بعد الحرب لن يعود كما كان قبلها".

كما شرعت إسرائيل في تنفيذ خطتها من خلال السعي لضم مناطق في الضفة الغربية، تمهيدًا لابتلاعها كاملة وضمها إليها، من خلال تكرار سيناريو غزة بإنشاء العديد من المستوطنات في غلاف الضفة.

. وفي حال تحقق لإسرائيل نصرًا ساحقًا واستطاعت احتلال غزة مرة أخرى وإنهاء وجود المقاومة ونزع سلاحها، فإن ذلك سيعني تسليم غزة للسلطة الفلسطينية على الغالب، والعمل بشكل متسارع على تنفيذ بنود صفقة القرن بالقوة وبفرض الأمر الواقع وذلك بضم غور الأردن والمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية التي تستحوذ على أكثر من 43% من أراضي الضفة لإسرائيل وإقامة حكم ذاتي فلسطيني بكنتونات جغرافية غير متصلة مع العمل على البدء بسياسة التهجير الناعم، ومن هنا يتحقق حلم إسرائيل الكبرى ويبدأ عهد الشرق الأوسط الجديد الذي تحدث عنه نتنياهو.

وبالتالي: يجب إدراك أن خريطة نتنياهو المعلنة، وحديث وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ودعوات النزوح المتكررة منذ بدأ الحرب على غزة، ما هي إلا مؤشرات واضحة وصريحة أن إسرائيل ترفض فكرة وجود شعب فلسطيني أو دولة فلسطينية، وأن الحديث عن عملية السلام وحل الدولتين ما هو إلا نوع من المراوغة والإلهاء حتى يتحقق هذا المشروع، ومهما تباينت السبل بين استعمال القوة والاستيطان والتهجير، وبين تبنى سياسة المفاوضات والإغراء الاقتصادي يبقى الثابت في سياسة إسرائيل هو السير قدما نحو إنجاز مشروع إسرائيل الكبرى بحدودها الواسعة.

  ثالثًا: مظاهر انتهاك إسرائيل لقواعد القانون الدولي الإنساني في حرب غزة

جاءت الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة تحت مظلة استهداف "حماس"، وفي إطار الدفاع عن نفسها ردًّا على هجوم  7 أكتوبر، مُحمَّلة بالعديد من الانتهاكات للقواعد الأساسية للقانون الدولي، التي من أبرزها التالي: عدم التزام الاحتلال الإسرائيلي بالتمييز بين المدنيين والمقاتلين، والتعقد بإلحاق الضرر بالمدنيين وممتلكاتهم، كذلك ممارسة التجويع الجماعي لكافة سكان القطاع واستهداف الصحفيين والطواقم الطبية والتعنت في وصول المساعدات الإنسانية للقطاع وغيرهم من الانتهاكات التي تثبت أن إسرائيل دائمًا ما تتنصل من القانون الدولي وتعامل من قبل المجتمع الدولي كالطفل المدلل الذي لا يحاسب على أفعاله أبدًا، كذلك لا تلتزم بأي معاهدة سلام ولا تأخذ معاهدات إبراهام في اعتبارها مطلقًا.


ختامًا:
من خلال ما تم عرضه سلفًا نستنتج أن إسرائيل كيان لا يريد السلام مطلقًا على عكس ما تروج إليه الاقترابات الغربية، وقد عكست المساعي العربية للسلام التعنت الإسرائيلي حيالها على مدار التاريخ السياسي انطلاقًا من مبادرة السلام العربية التي انطلقت بمبدأ (الأرض مقابل السلام) إلى اتفاقيات إبراهام التي اختلفت عن سابقتها بشكل مطلق وجاءت بمبدأ (السلام مقابل السلام).  وبناء على ذلك، فإسرائيل تلعب معادلة صفرية تريد من خلالها تحقيق السلام ولكن على حساب القضية الفلسطينية بتصفيتها جذريًا وتحقيق حلم إسرائيل الكبرى والشرق الأوسط الجديد الذي سبق وأعلنهم نتنياهو في خطابة امام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي ذلك دلالة أن إسرائيل لا تؤمن بشيء عدا الهيمنة على كل شيء. وأن اتفاقيات إبراهام ما هي إلا حبر على ورق فيما يخص السلام في المنطقة بشكل عام والقضية الفلسطينية بشكل خاص، كذلك أن استراتيجية إسرائيل تتمثل في رفض السلام مع ادعائها عكس ذلك، واستراتيجية العرب البحث عن السلام من دون أي ادعاء يناقض ذلك، واستراتيجية المجتمع الدولي تتمثل في التراخي أمام التعنت الإسرائيلي، وعدم ردعها بشكل لا يجعلها فقط تتنصل من القانون الدولي بل تعلو فوقه.

مقالات لنفس الكاتب