array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 195

لا يمكن عزل الأداء الأمريكي في البحر الأحمر عن الصدام الاستراتيجي بين واشنطن وبكين وموسكو

الخميس، 29 شباط/فبراير 2024

تتراكم حاليًا في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر عوامل التصعيد والتهديدات الأمنية المؤثرة جديًا على جملة من المصالح العالمية والإقليمية، وذلك على نحو ربما يكون غير مسبوق على المستوى التاريخي، حيث يتم تصنيف هذه المنطقة كقوس الخطر طبقًا لمستشار الأمن القومي الأمريكي على زمن الرئيس كارتر مارك برينسكي، وذلك من حيث تعدد الحروب العسكرية البينية بين دول القرن الإفريقي، وانتشار الصراعات على أسس عرقية داخل غالبية دوله، وارتباطه عضويًا بأزمات الشرق الأوسط.

 هذه المقولة وغيرها برهنت عليها التطورات الأخيرة المرتبطة بالحرب على غزة ، حيث دشنت دورًا لإيران عبر أذرعها في اليمن وشمال لبنان، وهو دور مؤثر على أمن البحر الأحمر الممر البحري الأهم بين شرق وغرب العالم والناقل التجاري لثلث حجم التجارة العالمية بنصيب مقدر من مصادر الطاقة، فضلًا عن ذلك فإن الفاعلية الإيرانية في البحر الأحمر باتت مهددة لاتساع حجم المهددات لتشمل إقليمي القرن الإفريقي والشرق الأوسط مجتمعين خصوصًا بعد ضرب القاعدة العسكرية الأمريكية بالأردن، وما تلاها من ضربات عسكرية في كل من سوريا والعراق.

وقد تراكمت عوامل التعقيد في كل من القرن الإفريقي والبحر الأحمر النزوع الإثيوبي لامتلاك منصة على البحر الأحمر تتيح له نشاطًا بحريًا عسكريًا انطلاقًا من ميناء بربرة أرض الصومال، وذلك فضلًا عن الحرب في السودان بما تحمله من مخاطر متوقعه على السودان انطلاقًا من شرقه.

 

في هذا السياق نسعى في هذه الدراسة إلى استعراض طبيعة الاستجابات العالمية لمواجهة مخاطر تصعيد التهديدات الأمنية في مناطق القرن الإفريقي وباب المندب والبحر الأحمر، كما نقدم محاولة لاستشراف مستقبل الاستقطاب بين الأطراف على المستويات الإقليمية والدولية، وانعكاسها على مصالح الدول المشاطئة للبحر الأحمر.

نهتم أيضًا بطرح رؤية بشأن تداعيات اتفاقية ميناء بربرة بين إثيوبيا ودويلة أرض الصومال من حيث تداعياتها على أمن القرن الإفريقي من ناحية وتأثيره على الدول المتشاطئة على البحر الأحمر تحت مظلة كل من أزمات الانقسام الداخلي في دول القرن الإفريقي، وتراجع إيرادات قناة السويس، وكذلك التفاعلات المصرية / الإثيوبية من زاوية أزمة سد النهضة.

بطبيعة الحال لابد وأن يكون مطروحًا تقييم الآليات الدولية الراهنة لمواجهة التحديات سالفة الذكر، وذلك طبقا لاستراتيجيات مطلوبة بإلحاح من حيث إقرار السلم وتحقيق الأمن من زاوية إحداث توازن للقوى يكون قائدًا لعملية ردع مطلوبة للحالة الراهنة من تصاعد تهديدات الأمن الإقليمي خصوصًا.

 أولا: حالة تصاعد التهديدات الجيوسياسية

تراكمت عوامل تعقيد أمن كل من القرن الإفريقي والبحر الأحمر اللذان يحوزان علاقة عضوية تاريخيًا تأكدت مع اندلاع عملية طوفان الأقصى في أكتوبر الماضي، حيث أسفرت حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، أن عمدت إيران بحسبان علاقتها القوية بحماس إلى تفعيل أدواتها الإقليمية في كل من لبنان واليمن، بينما يتم حاليًا تحضير المنصة السودانية لتنضم إلى ساحات دفاع إيران المتقدمة عن مصالحها الإقليمية والدولية ضد مجمل النظام العربي.

في هذا السياق ساهم موقف الإسناد الأمريكي المطلق لإسرائيل في طبيعة ردها العسكري على حماس في غزة في تفعيل موقف عربي وإسلامي مناهض لكل من واشنطن وتل أبيب على اعتبار أن عملية طوفان الأقصى لم تكن إلا رد فعل مشروع على ممارسات دولة إسرائيل غير الإنسانية ضد الشعب الفلسطيني سواء بعمليات الاعتداء على البلدات الفلسطينية والتوسع الاستيطاني أو بالاعتداء اليهودي على المسجد الأقصى أو التوسع في عمليات القتل والأسر الفلسطينية، وقد شكلت وحدة الموقف العربي والإسلامي على الصعيد الشعبي المنصة المناسبة لأمرين الأول تفعيل دور يدعم الوزن الإقليمي الإيراني في علاقته بمصالحها الدولية خصوصًا مع الولايات المتحدة الأمريكية حيث استخدمت طهران أدوات الردع التقليدية في ساحات متوغلة في الإقليم العربي في كل من اليمن ولبنان، وهو الأمر الذي يهدد في حال انفلات التفاعلات إلى حرب إقليمية واسعة النطاق وكذلك إلغاء أو تعطيل اتفاقية كامب ديفيد بين إسرائيل ومصر نتيجة الضغوط العسكرية الإسرائيلية على رفح .

أما الأمر الثاني فهو تأكيد شرعية ومشروعية كل من حزب الله وميليشيات الحوثي في كل من لبنان واليمن على اعتبار أن عملياتهم العسكرية ضد إسرائيل هي دفاع عن الشعب الفلسطيني والحقوق العربية والإسلامية المشروعة في القدس خصوصًا، من هنا تم إعلان وحدة الساحات العربية ضد إسرائيل وتحرك حزب الله تحركات محسوبة ومتصاعدة ضد إسرائيل طبقًا لتوسع العملية الإسرائيلية ضد أهالي غزة وحماس من ناحية وما تسمح به المعادلات اللبنانية الداخلية من ناحية أخرى.

على صعيد ميليشيات الحوثي فقد أعلن عبد الملك الحوثي، في ١٥ نوفمبر ٢٠٢٣م، أن "عيون الجماعة مفتوحة لرصد أي سفن تعود ملكيتها أو تُشغلها شركات إسرائيلية"، وذلك رداً على الحرب في غزة، حيث تم توسيع العمليات تجاه كل السفن المتوجهة لإسرائيل، كما مارس الحوثي فاعلية عسكرية كبيرة منذ اليوم الأول للاعتداء الإسرائيلي على غزة وذلك في إطلاق صواريخ في اتجاه إسرائيل والاعتداء على بعض السفن المبحرة إلى إسرائيل في نطاق باب المندب مرورًا الى البحر الأحمر.

أما في نطاق القرن الإفريقي فقد استغلت إثيوبيا الانشغال الدولي بالحرب على غزة وتصاعد التهديدات الأمنية بالبحر الأحمر وأعلنت عن اتفاقية مع جزء من الصومال هي دويلة أرض الصومال على أساس تقديم اعتراف هو الأول من نوعه على الصعيد الدولي  بما يسمى بجمهورية أرض الصومال، مقابل الحصول على إطلالة ساحلية من ميناء بربرة  تقام عليها قاعدة عسكرية إثيوبية، تتيح فاعلية للقوات الإثيوبية البحرية التي تم تدريبها اعتبارا من عام ٢٠١٩م، وذلك في ضوء استراتيجية إثيوبية ثابتة منذ استقلال إرتيريا عام ١٩٩٣م، بضرورة العودة إلى شواطئ البحر الأحمر بعد أن حرمها انفصال إرتيريا عن ذلك.

وقد تم تصنيف الخطوة الإثيوبية على أنها اعتداءً على سيادة دولة الصومال، من حيث التلاعب بالحدود المعترف بها إقليميًا ودوليًا طبقًا لبرتوكولات الاتحاد الإفريقي الموروثة عن منظمة الوحدة الإفريقية التي تسعى دومًا إلى عدم تغيير الحدود الإفريقية تحت أية ضغوط وذلك على اعتبار أنها قنبلة ملغومة في كافة أنحاء القارة التي تشهد ما يزيد عن مائة خلاف حدودي.

وقد حازت الخطوة الإثيوبية أيضًا على رفض دولي وإقليمي حيث أصدرت الخارجية الأمريكية بيانًا يرفض الاعتراف بجمهورية أرض الصومال، وذلك ربما من باب الوعي بدرس استقلال جنوب السودان الذي تندم عليه واشنطن حاليًا بعد أن شكل لها درسًا قاسيًا، حيث اكتشفت الولايات المتحدة الأمريكية أن تجزئة الدول في إفريقيا ينتج من المشاكل والتحديات أكثر مما يقدم من حلول، ذلك أن استقلال جنوب السودان قد أنتج حربًا أهلية بعد الاستقلال عام ٢٠١١م، كما تواجه الدولة حاليًا تحديات بنيوية بشأن تحقيق الاستقرار وذلك إلى حد تأجيل الانتخابات الرئاسية فيها سعيًا وراء عدم انفجار الموقف. 

أما على المستوى الإقليمي فقد دعمت كل من الجامعة العربية ومصر دولة الصومال في رفض اتفاقية إثيوبيا مع أرض الصومال، حيث نشطت المجموعة العربية لدعم الموقف الصومالي في الأمم المتحدة وأصدرت الجامعة العربية بيانًا لرفض الاتفاقية مطلع ٢٠٢٤م.

أما على صعيد دول القرن الإفريقي فقد رفضت كل من إرتيريا وجيبوتي الخطوة الإثيوبية وذلك تحت مظلة تحالفات متحركة وغير مستقرة بين الدولتين وإثيوبيا التي تملك معهما حالة تداخل قومي (التيجراي والعفر) مهددة لاستقرار الدول الثلاث في حالة عدم استقرار العلاقات الثلاثية في أي ملفات.

وطبقًا لهذه التفاعلات في القرن الإفريقي يمكن بلورة عدد من المؤشرات المرتبطة بتصاعد التهديدات الجيوسياسية على المستوى الإقليمي منها:

- إنه على الرغم من التعاون الخليجي مع إثيوبيا خصوصًا في مجال الدعم الاقتصادي والاستثماري فإنه من غير المقبول بالنسبة لها الاعتداء على سيادة دولة عضو في الجامعة العربية على مستوى كبير من الأهمية الاستراتيجية لدول مجلس التعاون الخليجي باعتبارها دولة مؤثرة على أمن باب المندب والبحر الأحمر الناقل البحري للنفط والغاز الخليجي.

- عدم انخراط إثيوبيا في إطار علاقات تعاونية مع القاهرة في سياق سد النهضة يجعل الضغط على المصالح الإثيوبية مشروعًا على صعيد تضاغط المصالح بين الدول، حيث انسحبت مصر نهائيًا من أي مسار تفاوضي بشأن سد النهضة، ومن أي أداء تعاوني وتتعامل حاليًا مع إثيوبيا على اعتبار أنها تفاعلات صراعية مؤثرة ليس فقط في إطار نهر النيل ولكن أيضًا في إطار جديد هو البحر الأحمر، بما يعني إجمالًا تأسيس تحالف مفتوح مع الصومال التي تملك حدودًا مباشرة مع إثيوبيا.

- إن إدارة الصومال لعلاقاتها مع إثيوبيا سيكون في إطار صراعي أيضًا نتيجة اتفاقية أرض الصومال.

- إقليم العفر الصومالي مرشح لممارسة تهديدات لإثيوبيا على النحو الذي مارسه أثناء الحرب الإثيوبية الداخلية مع التيجراي والتي اندلعت عام ٢٠٢٠م، من حيث تهديد التواصل مع جيبوتي التي تربطها بإثيوبيا خط سكة حديد يضمن تواصل إثيوبيا الراهن مع العالم.

  هذه المؤشرات إجمالا تعني تصاعد التهديدات الداخلية بالدول المشاطئة للبحر الأحمر ذلك أن مؤشر الدول الهشة الصادر في ٢٠٢٢م، قد رصد أن بعض بلدان البحر الأحمر هي من أكثر الدول ضعفًا وهشاشة حول العالم، مثل إثيوبيا والصومال وإرتيريا والسودان واليمن. وبطبيعة الحال تكون يؤسس ضعف وهشاشة مؤسسة الدولة مع تفاعلات إقليمية صراعية في الٍقرن الإفريقي إمكانية واسعة لعدم الاستقرار السياسي والانفلات الأمني وبروز ظواهر تهريب الأسلحة، والاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية ونهب الموارد الأولية لصالح ميليشيات وفواعل غير رسمية مثل الحوثي باليمن وتنظيم شباب المجاهدين في الصومال، هو الأمر الذي يعد تصاعدًا للتهديدات الداخلية للدول المشاطئة للبحر الأحمر والمتاخمة له.

- على الصعيد الدولي فإن اتفاقية أرض الصومال مع إثيوبيا من شأنها فتح جبهة صراعية جديدة تمتد بين إقليمي شرق إفريقيا والشرق الأوسط في وقت يكثر فيه اللاعبون الإقليميون ضد المصالح الأمريكية في هذه المرحلة، كما يوجد منافسين دوليين على الأبواب يحتفظون بقدراتهم مثل الصين، بينما يتم استنزاف القدرات الغربية على أكثر من جبهة حول العالم خصوصًا الأمريكية منها.

ثانيًا: التداعيات الاقتصادية:

تشكل التداعيات الاقتصادية لتصاعد التهديدات الأمنية في البحر الأحمر أخطارًا على جملة من المصالح الدولية ففضلًا عن تهديد ما بين ١٠٪ إلى ١٢٪ من حجم التجارة العالمية، أتخذ ٧٠ ٪ منها طريق رأس الرجاء الصالح بديلًا عن قناة السويس وهو ما كان له أثر على صناعة السيارات وتوقف الإنتاج لشركات مثل شركتي تسلا وفولفو وكذلك التأخر في سلاسل الإمداد طبقًا لما أعلنته شركة إيكيا العملاقة. 

في هذا السياق تذهب التقديرات إلى أن تكلفة الشحن البحري قد ارتفعت بنسبة ٢٠٪ كما زاد التأمين على السفن بنسبة ٦٠٪ طبقًا لمؤشر شنغهاي القياسي للشحن، كما أنه من المرشح أن ترتفع أسعار النفط طبقًا لتحذيرات المفوض الأوروبي لشؤون الاقتصاد باولو جنتيلوني خلال الأسابيع المقبلة وهو أمر يكون له تأثير مباشر على أسعار السلع الغذائية، حيث أن معدلات التضخم مرشحة للزيادة بنهاية العام الحالي.

ويمكن القول إن من أهم الاقتصادات الإقليمية المتأثرة سلبًا كل من الاقتصادين الإسرائيلي والمصري، فطبقًا للواقع يفرض على إسرائيل والمتعاملين معها استخدام وسائل نقل أخرى أو ممرات بحرية بعيدة عن البحر الأحمر، فإن الأمر يعني زيادة تكلفة التجارة، فضلًا عن خسائر السياحة، وذلك وسط توقعات بأن تتأثر تجارة إسرائيل الخارجية بشكل عام في ضوء ما أسفرت عنه تداعيات عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها المقاومة الفلسطينية، حيث من المتوقع تراجع قيمة التجارة الخارجية الإسرائيلية البالغة حاليا ١٨٠،٧ مليار دولار عام ٢٠٢٢ وفقًا للبنك الدولي.

أما على الصعيد المصري فإن هناك جملة من التحديات التي يواجهها الاقتصاد المصري نتيجة تفاعلات القرن الإفريقي والحرب على غزة إذ أن عدم حل أزمة سد النهضة يشكل ضغوطا اقتصادية على مصر وذلك من زاوية تكاليف مواجهة الشح المائي المرتبط بزيادة السكان وإمكانية تقلص الحصة المائية المصرية، أما على صعيد التهديدات الأمنية في البحر الأحمر فإن الخسائر المصرية قد تصل لـ 5 مليارات دولار خلال عام ٢٠٢٤م، طبقًا للمؤشرات التي طرحها الفريق أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس٤٠٪ منذ بداية العام مقارنة بعام 2023م، بعد أن أدت هجمات الحوثيين في اليمن على سفن إلى تحويل مسار إبحارها بعيدا عن هذا الممر وأشار إلى أن التراجع جاء بواقع 544 سفينة مقارنة بـ 777 سفينة العام الماضي، بينما تراجعت الحمولات بنسبة 41% في ذات الفترة مقارنة بعام ٢٠٢٣م.

وقد استبقت الولايات المتحدة فاعليتها العسكرية بفاعليتها السياسية حيث أعلنت في 18 ديسمبر 2023م، تشكيل قوة “حارس الازدهار” وضمت وفقاً لبيان واشنطن (20) دولة   وذلك لحماية أمن البحر الأحمر و ضمان حرية الملاحة ومنع استهداف السفن في نطاق البحر الأحمر وخليج عدن. وبحسب وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” فإن هذه القوة بمثابة مبادرة أمنية جديدة ومهمة متعددة الجنسيات، أُنشئت تحت مظلة القوات البحرية المشتركة وقيادة قوة المهام المشتركة (153) التي تركز على تأمين البحر الأحمر.

وفي هذا السياق قامت أمريكا بتنفيذ ضربات عسكرية ضد الحوثيين واستهدفت مراكز إطلاق الصواريخ والمقرات العسكرية ومراكز التدريب بشمال اليمن، بعد أن وفر قرار مجلس الأمن رقم ٢٧٢٢ والصادر في ١٠يناير مشروعية للضربات الأمريكية ضد ميليشيا الحوثي باعتبارها مهددًا للملاحة الدولية في البحر الأحمر.

وقام الاتحاد الأوروبي في 22 يناير 2024م، بالإعلان عن اتفاق بعملية عسكرية لتأمين الشحن البحري بالبحر الأحمر تبدأ مهامها في الأسبوع الثالث من فبراير حيث تنفصل هذه العملية عن عملية أتلانتا التي مقرها إسبانيا التي تركز على حماية الملاحة البحرية أمام سواحل الصومال، وواجهت السطو المسلح والقرصنة والتهريب والشبكات الإرهابية، كذلك توفير الحماية لمساعدات برنامج الأغذية العالمي داخل منطقة العمليات. وطبقًا للإحصاءات فقد قامت عملية أتلانتا بالفترة من 2009 -2012م، بحوالي 171 عملية للقبض على قراصنة وتحويلهم للسلطات المختصة بالمنطقة واحتجزت (134) سفينة كما قبضت على أكثر من 2100 من القراصنة والمنخرطين بأعمال التهريب، ووفرت الحماية لحوالي (2214) سفينة.

 ثالثًا تقييم الاستجابات الدولية والإقليمية:

على الرغم من أن الولايات المتحدة فد أعلنت عن مشاركة ٢٠ دولة في تحالف الازدهار المعني بحماية الملاحة في البحر الأحمر فإن غالبية الدول الأوروبية بقيت خارج هذا التحالف فيما عدا بريطانيا، حيث أعلنت إسبانيا وإيطاليا وفرنسا أنهم غير مشاركين .فيه و قالت وزارة الدفاع الإسبانية إنها ستشارك فقط في المهام التي يقودها حلف الناتو أو العمليات التي يقوم الاتحاد الأوروبي بتنسيقها، فيما أعلنت روما أنه "تلبية لطلب محدد من مالكي السفن الإيطاليين"، أرسلت الفرقاطة "فيرجينيو فاسان" للقوات البحرية إلى البحر الأحمر بغية حماية المصالح الوطنية، مؤكدة أن هذا جزء من عملياتها الخاصة ولا علاقة لها بعملية "حارس الازدهار الأمريكية، أما الموقف الفرنسي فقد تبلور العمل تحت قيادة فرنسية منفردة.

في هذا السياق رفضت أستراليا بوضوح إرسال سفن حربية وطائرات للمشاركة في مرافقة السفن في البحر، أما هولندا فقد أعلنت أنها سترسل ضابطين فقط، في حين قالت النرويج إنها سترسل عشرة جنود من القوات البحرية إلى مقر "القوات البحرية المشتركة" في البحرين، الدنمارك، فأعلنت نيتها في إرسال ضابط.

على المستوي الإقليمي رفضت مصر أن تكون جزءًا من التحالف الأمريكي فيما تعد إسرائيل عضوًا فاعلًا في التحالفات الأمريكية / العسكرية المرتبطة بالبحر الأحمر انطلاقًا من أهميته الاستراتيجية لها وتأثيره على اقتصادها عبر التفاعل مع كل من آسيا وشرق إفريقيا، فضلًا عما يشكله النفوذ الإيراني فيه من تهديدات أمنية لإسرائيل، فإن السياسات الإسرائيلية عنصر فعال في الآليات الأمريكية لضمان أمن البحر الأحمر خصوصًا بعد درس إغلاق باب المندب في حرب أكتوبر 1973م، في هذا السياق فإن هناك وجود عسكري مباشر لإسرائيل في البحر الأحمر في قواعد في رواجيات ومكهلاوي كما تمتلك إسرائيل قواعد جوية في جزر حالب وفاطمة عند مضيق باب المندب، وقامت باستئجار جزيرة دهلك حيث أقامت قاعدة بحرية، حيث أن حوالي نصف القوات الجوية الإسرائيلية (449 طائرة قتال) توجد قريبًا من البحر الأحمر في قواعد النقب، وتقوم هذه القوات بدوريات وطلعات فوق هذا البحر حتى مدخله الجنوبي فضلًا عن تواجد قوات فرقة مدرعة إسرائيلية كبيرة توجد في المنطقة العسكرية الجنوبية قريبًا من البحر الأحمر، وتعمل في مجالات الاستطلاع والمساحة وتخزين  الأسلحة والعمل في البحر بالتعاون مع القوات الأمريكية في عملية السياق من المهم ملاحظة أن الدعوة الأمريكية للتحالف العسكري الجديد قد كشفت علنًا عن الحالة التنافسية في المعسكر الغربي لأول مرة إذ قالت فرنسا أنها متمسكة بأن تكون تحركاتها العسكرية في البحر الأحمر تحت قيادتها، وربما يكون ذلك ردًا على السلوك الأمريكي المضاد لها في دول الساحل والذي كسبت في واشنطن مساحات جديدة في إفريقيا على حساب باريس .

وبطبيعة الحال لا يمكن عزل الأداء الأمريكي الراهن  في البحر الأحمر عن الصدام الاستراتيجي بين الولايات المتحدة من جهة وكل من الصين وروسيا من جهة أخرى، حيث يشكل مشروع الحزام والطريق الصيني تحديًا استراتيجيًا للولايات المتحدة التي تعتبره مشروع هيمنة عالمي وهو الأمر الذي يفسر الموقف الصيني الساعي إلى تحجيم التصعيد العسكري والوجود الغربي العسكري في البحر الأحمر، حيث تنطوي الأهداف الأمنية  المعلنة  من جانب الولايات المتحدة أنها مرافقة ناقلات النفط والسفن التجارية، وحماية حرية الملاحة ومكافحة الإرهاب والقرصنة وحماية المصالح الخاصة بالدول المتنافسة، حيث تستخدم قواعد الانطلاق، وذلك لتنفيذ مهمات عسكرية وعمليات وللحصول على أكبر عدد من الحلفاء والأصدقاء في المقابل فربما ثمة أهداف غير معلنة تنطوي على وضع اليد على الإمكانيات والثروات والسيطرة على الأسواق والمنطقة الاستراتيجية وفرض الهيمنة الأمنية والعسكرية والتدخل بالشؤون الداخلية لدول المنطقة إضافةً إلى وضع أطراف أخرى

في هذا السياق هناك تقييمًا للضربات الأمريكية ضد الحوثيين أنها جاءت ضمن قواعد "الاشتباك المحدود" حيث لم تستهدف البنية الرئيسية التحتية للحوثيين أو مراكز المناطق الحيوية بصنعاء أو حتى مراكز القيادة السياسية. وكشفت تقارير بسبق تبليغ الحوثيين بالعمليات قبل تنفيذها بحوالي 8 ساعات وهو الذي سمح للحوثيين بترك المواقع المستهدفة

إجمالًا يبد لنا أنه على الرغم من السعي الغربي الإيراني المشترك بعدم توسيع العلميات العسكرية المترتبة على طوفان الأقصى لتصل إلى حرب إقليمية ،يبدو لنا أن هذه المجهودات قد تكون مهددة بتوجه لدى الفواعل غير الرسمية العربية حماس وحزب الله بتوسيع نطاق الحرب بما يسمح باستنزاف كل من إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة وربما عبر عمليات استنزاف طويلة من هذا النوع نشهد صعودًا روسيا في أوكرانيا وقدرات صينية متعاظمة في بحر الصين الجنوبي وهو ما يشكل خسائر بالجملة لواشنطن عليها أن تتحسب لها وتبلور استراتيجية بضرورة حل القضية الفلسطينية بشكل نهائي وإلا فسوف تكون هي دون غيرها من يتحمل تكاليف باهظة لاستمرار التفاعلات الصراعية في الشرق الأوسط .

مقالات لنفس الكاتب