array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 195

أحداث البحر الأحمر والقرن الإفريقي تفرض التعاون الأمني بين دول الخليج ومصر لحماية مصالحهم

الخميس، 29 شباط/فبراير 2024

فرضت مجريات اعتداء قوات الاحتلال الإسرائيلي على المدنيين في قطاع غزة سلسلة من التصعيد الديناميكي على المستويين الدولي والإقليمي وزادت حدتها على خلفية فرض أطراف أخرى نفسها على المشهد كأطراف في النزاع، مما ترتب عليه اتساع دائرة الصراع التي لطالما حذرت منها القوى الدولية والإقليمية وخاصة الدول العربية.

 سعى المتمردون الحوثيون في اليمن بتصدر المشهد كطرف مناصر للفلسطينيين وداعم لحركة حماس، حيث خرج زعيم المتمردين الحوثيين عبد الملك الحوثي ليعلن عن شن سلسلة من الهجمات بطائرات بدون طيار وصواريخ استهدفت إسرائيل مما زاد من المخاطر التي قد تواجهها بعض دول المنطقة وفي مقدمتها الدول المتشاطئة على البحر الأحمر وذلك ردًا على القصف العشوائي الذي تشنه إسرائيل على المدنيين في قطاع غزة والحصار المفروض على القطاع المستمر منذ 7 أكتوبر 2023م، وفي مرحلة لاحقة صعد الحوثيون من وتيرة الإجراءات المتخذة ضد إسرائيل وأعلن عبد الملك الحوثي عن شن هجمات بحرية تصاعدت معها التوترات في البحر الأحمر، حيث استهدف الحوثيون سفينة تجارية قالوا إنها إسرائيلية في البحر الأحمر وتم اقتيادها إلى السواحل اليمنية، وفي أوائل ديسمبر 2023م، خرج المتحدث العسكري للحوثيين يحيى السريع ليعلن منع السفن الدولية المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية من المرور عبر البحر الأحمر بصرف النظر عن جنسية مالكيها أو مشغليها مما يشكل تهديداً مباشراً لحرية الملاحة في البحر الأحمر  التي تشكل حجر الأساس للتجارة العالمية في أحد أهم الممرات المائية في العالم التي تشير التقديرات إلى أن ما بين 10 إلى 15% من إجمالي الشحن العالمي، أي حوالي 21 ألف سفينة سنويًا، يمر عبر البحر الأحمر.

   وبالنظر إلى تاريخ هذه الجماعة  التي تمثل أحد أهم أذرع إيران في المنطقة،  فمما لا شك فيه أن البحث عن موطأ قدم في هذه الحرب يمثل فرصة سانحة  لتحقيق مكاسب على مختلف الأصعدة؛ فمن جهة يسعى الحوثيون إلى الظهور البطولي لتعزيز قاعدة الدعم لهم على الصعيدين الداخلي والإقليمي، فداخليًا، تحظى القضية الفلسطينية بدعم مختلف أطياف الشعب اليمني بما فيهم اليمنيين المناوئين لسلطة الحوثي، بالتالي يعزز هذا  الموقف من صورتهم الشعبية  خاصة في ظل اتخاذ المجلس القيادي الرئاسي اليمني المعترف به دوليًا موقفاً محايداً من الأزمة اليمنية وتركزت تصريحاته على التنديد بهجمات الحوثيين على البحر الأحمر.

وإقليمياً، لا يمكن إنكار تأثير هذه الأفعال الحوثية على الشارع العربي المدفوع بالعاطفة خاصة وأنهم وضعوا أنفسهم في موضع المدافع في الخطوط الأمامية لدعم فلسطين على قدم المساواة مع حزب الله اللبناني بما يعزز صورتهم لدى بعض الشعوب العربية خاصة بعد الضربات الأمريكية البريطانية التي أفادت مختلف المصادر أنها كانت ذات تأثير محدود على مناطق الحوثيين، غير أن الحوثيين نجحوا في توظيف هذه الضربات في الدعاية الشعبية وكسب تعاطف الشارع العربي المشتعل غضباً جراء عدوان جيش الاحتلال الاسرائيلي على المدنيين في قطاع غزة.  

لكن على الرغم من هذه المكتسبات المؤقتة التي يعتقد الحوثيون أنهم حصدوها، إلا أن الهجمات المستمرة في البحر الأحمر أدت إلى قلب طرق الشحن العالمية رأساً على عقب، حيث أعلنت العديد من الشركات أنها لن تعبر البحر الأحمر بعد الآن تحت تهديد الحوثيين، وبالفعل سلكت أكثر من ١٨٠ من سفن الشحن رأس الرجاء الصالح الذي يتطلب العبور به بما يصل إلى 10 إلى 14 يوماً مما يؤدي بدوره إلى ارتفاع أسعار الشحن مما يترتب عليه زيادة في التكلفة المالية. فضلاً عن توقف العشرات من شركات الشحن العملاقة رحلاتها البحرية عبر البحر الأحمر بما يشكل تهديدًا حقيقيًا لحركة الملاحة البحرية عبر مضيق باب المندب الحيوي الذي يشكل شريان هام لحركة التجارة العالمية حيث تمر عبره نحو ٢١ ألف سفينة، أي ما يعادل ١٠٪ من الشحنات والبضائع البحرية العالمية، ونحو ٣.٣ مليون برميل نفط يومياً.

وعلى نفس النهج الذي استخدمته إسرائيل في حربها  مع مصر عام 1967م، على  خلفية إغلاق الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر لمضائق تيران في البحر الأحمر لتشن حربها على مصر وسوريا والأردن، أعلنت الولايات المتحدة في ديسمبر ٢٠٢٣ م، عن تحالف "حارس الازدهار" تحت مظلة "القوات البحرية المشتركة" المتعددة الجنسيات، وشنت عمليات عسكرية على أكثر من عشرة مواقع يستخدمها الحوثيون رداً على هجماتهم على السفن المتجهة إلى إسرائيل عبر البحر الأحمر،  أعقبها جولة جديدة من الهجمات في 23 يناير الماضي باعتبار أن هجمات الحوثيين في البحر الأحمر تمثل تهديداً لحرية الملاحة الدولية، وبالتالي هو تهديد مباشر للمجتمع الدولي.

لكن تحمل عملية "حارس الازدهار" في حد ذاتها دلالات سياسية يمكن من خلالها استقراء بعض التفاعلات الإقليمية والدولية التي من الممكن أن تفسر مواقف عدد من الدول المحورية في هذا النزاع وهو ما یمكن استنباطه من خلال جملة النقاط التالية:

أولاً: لم تكن الاستجابة للمبادرة حماسية بما فيه الكفاية للانضمام إلى تحالف "حارس الازدهار" للتصدي للهجمات الحوثية، إذ أنه عقب إعلان البنتاغون عن انضمام أكثر من ٢٠ دولة في التحالف، لم ينضم سوى عشرة بلدان بشكل معلن بينها بريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وكندا، وذلك على الرغم من التهديد الأمني الصريح للتجارة الدولية.

وعلاوة على ذلك ساهم عدد من الدول التي انضمت إلى التحالف بعدد رمزي من الأفراد، حيث عرضت الدنمارك ضابط أركان واحد فقط على الرغم من تأثر الدنمارك بشكل مباشر من التهديدات الأمنية في البحر الأحمر حيث تمتلك الدنمارك شركة الشحن العملاقة مولر ميرسك والعديد من السفن الأخرى، وفضلت التفاوض المباشر مع الحوثيين فيما يتعلق بسفن الشحن الخاصة بها.

وحذت عدد من الدول نفس النهج من المشاركة الحذرة في التحالف حيث أعلنت هولندا إنها سترسل ضابطي أركان وقالت النرويج إنها سترسل 10 ضباط بحرية، فضلاً عن أن إيطاليا وفرنسا وإسبانيا أعلنوا أن إرسال سفنهم الخاصة بغرض حماية مصالحهم الوطنية، ولكن ليس تحت قيادة الولايات المتحدة على الرغم من موافقتهم على التعاون.

وهو ما نستطيع من خلاله القول إن هذه الدول وغيرها من الدول التي رفضت إعلان مشاركتها بشكل علني في هذا التحالف تخشى التورط في خلق ساحة مواجهة دولية في البحر الأحمر، كما أن الإعلان عن مشاركة بعض هذه الدول بعيداً عن القيادة الأمريكية ينبئ عن القلق من أن تفهم هذه المشاركة أنها تقع في إطار سياق سياسي تحت قيادة الولايات المتحدة مما يوحي بدعم العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة وليس بغرض حماية الملاحة في البحر الأحمر، خاصة وسط إعلان الجانب الحوثي أن الهجمات في البحر الأحمر ظرفية ومرتبطة ارتباطًا كاملًا بوقف إطلاق النار في غزة.

ثانياً: بدا من اللافت عدم انضمام عدد من الدول العربية الفاعلة والمتشاطئة على البحر الأحمر وأهمهم المملكة العربية السعودية ومصر في تحالف "حارس الازدهار" أو أي من العمليات البحرية الدولية لتأمين المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، فعلى الرغم من الآثار السلبية المباشرة على الدول العربية وعلى الرأس منها المملكة العربية السعودية ومصر إلا أنهم على دراية كاملة أن النأي بالنفس عن التدخل المباشر في هذا التحالف  سيحول دون فتح جبهة جديدة للصراع في الشرق الأوسط، وأنه كان من الأنسب والأقل تكلفة للولايات المتحدة الأمريكية أن تمارس ضغوطات على إسرائيل لوقف إطلاق النار وإنهاء العملية العسكرية في قطاع غزة، ولعل أبرز ما يدلل على استخدام هذا النهج ما جاء على لسان سمو وزير الخارجية فيصل بن فرحان في أكثر من مناسبة بأن "الهجمات في البحر الأحمر متصلة بشكل مباشر بالحرب في غزة"، وأنه هناك حاجة لوقف إطلاق النار بشكل فوري، وإطلاق العملية السياسية لحل الأزمة الفلسطينية بشكل نهائي، جنباً إلى جنب مع تأكيدات وزارة الخارجية السعودية في بيان رسمي بعد الضربات الأمريكية لمواقع الحوثيين على أهمية المحافظة على أمن واستقرار منطقة البحر الأحمر التي تعد حرية الملاحة فيها مطلباً دولياً لمساسها بمصالح العالم أجمع، فضلاً عن دعوتها إلى ضبط النفس وتجنب التصعيد في ظل ما تشهده المنطقة من أحداث.

وجدير بالذكر في هذا الصدد الجهود الدؤوبة التي قامت بها حكومة خادم الحرمين الشريفين في مساعيها الحميدة لإيجاد حل سياسي في اليمن والوصول إلى اتفاق سلام انطوى على مفاوضات مع الحوثيين، وبالتالي فإن التدخل العسكري المباشر سيعود بجهود السلام إلى المربع صفر بعد أن بذلت المملكة جهوداً حثيثة لاحتواء أزمات المنطقة وتصفير الصراعات على مختلف الجبهات، وإيلاء الأولوية للمفاوضات بما يضمن التركيز على نموها الاقتصادي وفقاً لأجندة رؤية ٢٠٣٠.

أما بالنسبة لمصر التي سببت لها هذه الهجمات على البحر الأحمر خسائر اقتصادية كبيرة، إذ تعد قناة السويس أحد المصادر الرئيسية للاحتياطيات الأجنبية والدخل للاقتصاد المصري، وقد بلغت إيراداتها العام الماضي 9.4 مليار دولار وقد انخفضت الآن بنسبة 40% مقارنة بعام 2023م، بعد هجمات الحوثيين في اليمن، فضلاً عن التأثر المباشر لقطاع السياحة خاصة في منطقة سيناء. ولكن على الرغم من هذه الخسائر المباشرة إلا أن أي تحرك عسكري سيتم تفسيره على أنه اصطفاف بجانب إسرائيل وتحيز ودعم مباشر لها على حساب المدنيين في قطاع غزة.

وبالتالي يمكن القول إن الحرب في غزة نزعت فتيل أزمات عديدة ومركبة في المنطقة استدعت معها حالة من التعقيد السياسي الذي تطلب التعامل معه من مختلف الدول العربية بحكمة سياسية عالية، والتحرك بمبدأ احتساب المكاسب والخسائر قبل اتخاذ أي قرار، خاصة وأن الهدف الأكبر لدول المنطقة يتلخص في إحلال السلام والأمن في المنطقة العربية.

تفاقم المخاطر

يشكل البحر الأحمر شريانًا هامًا كممر ملاحي وحيوي للتجارة الدولية بشكل عام وللدول العربية بشكل خاص، وتفرض مجريات الأحداث الآخذة في التصاعد نفسها على الساحة وتزداد معها فرص تحول البحر الأحمر إلى منطقة مواجهات إذ أنه بالتزامن مع مجريات الأحداث في البحر الأحمر لابد من طرح السؤال التالي: هل وقف العدوان على غزة سينهي تهديدات أمن الملاحة على البحر الأحمر؟ 

من واقع متابعة التطورات على الساحة الإقليمية نجد أن هناك محفزات لتصعيد التوتر في منطقة القرن الإفريقي يأتي في مقدمتها الاتفاق الذي توصلت إليه إثيوبيا مع أرض الصومال الانفصالية لتأمين موطأ قدم لأثيوبيا الحبيسة على البحر الأحمر، ويتم بموجب الاتفاقية منح إثيوبيا الموافقة على إنشاء قاعدة عسكرية ومنشآت تجارية على طول الممر البالغ 20 كيلومترًا الذي سيتم استئجاره لمدة 50 عاماً، مقابل حصول أرض الصومال على حصة في شركة الطيران الإثيوبية، وهي الخطوات التي من المؤكد ستأجج التوتر في هذه المنطقة المضطربة وسيكون له تداعيات جيوسياسية على علاقات الدول المجاورة لإثيوبيا، وإمكانية وصول هذه التوترات إلى مضيق باب المندب، وهو ما يمكن قراءة تداعياته على النحو التالي:

أولاً: يثير هذا التحرك من طرف إثيوبيا توترات مع جيرانها الإقليمين، بما من شأنه التلويح ببوادر صراع في منطقة القرن الإفريقي، فنجد أن الصومال تعتبر هذا الاتفاق الإثيوبي مع أرض الصومال هو انتهاك صارخ للسيادة الصومالية مما قد يؤدي حال تفاقمت هذه الأزمة إلى قطع العلاقات الصومالية / الإثيوبية، وبالتالي سحب إثيوبيا لقواتها في الصومال، حيث أنه من المعروف أن إثيوبيا من أكبر المساهمين بقوات في بعثات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي في الصومال بقوة يبلغ قوامها 5000 جندي ضمن بعثة الاتحاد الإفريقي بموجب اتفاقات ثنائية، لمجابهة "حركة الشباب الإسلامية"، وبالتالي فإن انسحاب هذه القوات بشكل مباغت قد  يزيد من خطر الإرهاب في منطقة القرن الإفريقي.

ثانياً: أعلنت "حركة الشباب" الصومالية في بيان مطلع يناير 2024م، رفضها للاتفاق الإثيوبي مع أرض الصومال، وليس هذا فحسب بل هددت بشن هجمات انتقامية تجاه إثيوبيا، وهو ما قد يمثل فرصة سانحة للحركة في استغلال هذا التوتر وحشد الدعم الشعبي والتمدد في إقليم أرض الصومال المتاخم للحدود الإثيوبية، بما من شأنه  تصعيد خطر العنف والإرهاب في منطقة القرن الإفريقي، ومن ثم فإن تهديد الحوثيين على باب المندب، وإمكانية تصاعد العنف على يد حركة الشباب في منطقة شمال الصومال، سيهدد بالتأكيد الممر الملاحي في البحر الأحمر بأكمله.

ثالثاً: المخاوف المشتركة لدول الجوار الإثيوبي مع الصومال، إذ أن الاتفاق الإثيوبي مع أرض الصومال سيؤثر سلباً على اقتصاد جيبوتي، إذ أن استخدام إثيوبيا لميناء بربرة يحرم ميناء جيبوتي من نحو 1.5  مليار دولار رسوم وضرائب لمينائها الذي يستخدم كمركز رئيسي للصادرات والواردات الإثيوبية، وبذلك تخسر جيبوتي نحو 95% من تجارة إثيوبيا الخارجية من ناحية، ومن ناحية أخرى لا یمكن إغفال القلق الإريتري من جراء فكرة وجود أسطول إثيوبي بالقرب من سواحلها نظراً لتاريخ النزاع الحدودي بين البلدين الذي استمر لسنوات طويلة، وبالتالي لا يعد هذا الاتفاق الإثيوبي مع أرض الصومال بأي حال من الأحوال حافزاً للسلام في منطقة القرن الإفريقي.

رابعاً: قد يسبب تفاقم الأزمات على البحر الأحمر تزايد تدخلات القوى الخارجية، وزيادة التواجد العسكري في منطقة القرن الإفريقي حيث يدرك اللاعبون الدوليون أهمية البحر الأحمر كممر ملاحي، مما قد يستدعي ترسيخ تواجدهم مع تضارب مقاصد ومصالح وتوجهات هذه الدول التي تأتي الولايات المتحدة وفرنسا والصين وروسيا وإيران على رأسهم.

وبشكل عام من الواضح أن إثيوبيا وأرض الصومال كانتا على استعداد لمجابهة ردود الفعل العكسية لهذا الاتفاق الذي حثت مختلف الدول (كالولايات المتحدة، وبريطانيا) ومختلف المنظمات (كالاتحاد الأوروبي، ومنظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية) إثيوبيا على الانسحاب من هذا الاتفاق الذي يرفع من وتيرة التوتر في منطقة القرن الإفريقي ومضيق باب المندب.

وبشكل عام، يفرض تصاعد هذه التقلبات والتهديدات الجيوسياسية سواء من قبل الحوثيين في أقصى جنوب البحر الأحمر، أو تهديدات تصاعد العنف في أرض الصومال، أهمية أكبر للتكامل الدفاعي الإقليمي في منطقة البحر الأحمر، إذ أنه بافتراض إذا ما  كان توقف هجوم الحوثيين على السفن في البحر الأحمر مرهون بوقف العمليات العدائية لجيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة، إلا أن منطقة البحر الأحمر منطقة ذات أهمية استراتيجية وعسكرية واقتصادية تتلاقى فيها مصالح مختلف القوى التي ربما لا تتلاقى في أهدافها مما يجعل هذه المنطقة ساحة للصراعات.

وتمتلك الدول العربية خاصة المتشاطئة على البحر الأحمر مصالح أمنية بحرية مباشرة أيضا لمكافحة الإرهاب والقرصنة، والتي لا شك تزداد أهميتها نظراً للأولوية القصوى التي باتت توليها الدول وعلى رأسها المملكة العربية السعودية لنموها الاقتصادي وتحولاتها الوطنية الطموحة التي تستلزم استتاب الأمن على حدودها حتى تتمكن من الاستمرار في مشروعاتها الوطنية الواعدة.

وعلى الرغم من الخسائر الاقتصادية، يظل الموقف العربي القاضي بعدم التدخل العسكري، أو اتخاذ موقف متوازن إزاء عملية "حارس الازدهار" في البحر الأحمر وله ما يبرره خاصة في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، ولكن لا يمكن إغفال أهمية هذا الممر الملاحي وأن تهديد الملاحة البحرية وتدخل العديد من الجهات الخارجية المناوئة للمصالح العربية والتي تشكل إيران أهم هذه الدول بدعوة حماية مصالحها يعد تهديداً للمصالح العربية خاصة بالنسبة للدول العربية ذات المصلحة المباشرة في البحر الأحمر.

أضف إلى ما سبق أنه حتى إذا ما نجحت الجهود الدبلوماسية في وقف الهجمات الحوثية التي أعلنت مراراً وتكراراً رهن وقف عملياتها في البحر الأحمر بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، يظل ما حدث بمثابة جرس إنذار هام لحماية أمن ومكتسبات الدول العربية وتعزيز التواجد العربي في هذا الممر الملاحي الهام، خاصة وأن مصر ودول الخليج العربي تمتلك من المقومات الدفاعية ما يؤهلها من الذود عن مصالحها إذا ما دعت الحاجة، خاصة أن تطور الأحداث في مضيق باب المندب والقرن الإفريقي يفرض أهمية توطيد التعاون الأمني العربي الإقليمي من جهة، و بين دول الخليج العربي ومصر بشكل خاص من جهة أخرى  لحماية مصالحهم في البحر الأحمر.

إذ تمتلك مصر قدرة عسكرية بحرية تعد الأقوى بين دول البحر الأحمر، كما أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي في مايو ٢٠٢٣م، عن إنشاء وتفعيل القيادة العسكرية الموحدة لتنضوي تحتها تشكيلات التكتل المختلفة، مثل القوات البرية والجوية والبحرية والصاروخية وهو ما يفسر الاستعداد الخليجي والعربي لمجابهة أي خطر يهدد المصالح الأمنية والاقتصادية في البحر الأحمر، وتأطير رسالة مفادها أن أي اعتداء على مصالح أحد هذه الدول هو اعتداء مباشر على بقية هذه الدول.

مقالات لنفس الكاتب