array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 195

المجتمع الدولي مطالب بتأهيل القرن الإفريقي بعيداً عن القواعد الأجنبية والإرهاب لسلامة الملاحة

الخميس، 29 شباط/فبراير 2024

بالرغم من صغر مساحة البحر الأحمر قياساً بغيره من بحار العالم ومحيطاته إلا أنه يحمل أهمية استراتيجية بالغة، حيث أنه أحد أهم الممرات المائية للتجارة الدولية والتحركات العسكرية، فمنذ أيام الإمبراطورية الرومانية كانت تربط بينه وبين البحر المتوسط بفضل سيطرتها على طرق التجارة أثناء حكمها لمصر وبلاد الشام. ظل البحر الأحمر يحمل درجة عالية من الأهمية في العصور اللاحقة ثم تعززت هذه الأهمية بشكل كبير حين تم افتتاح قناة السويس في القرن التاسع عشر حيث أصبح البحر الأحمر أهم ممر مائي على الإطلاق يربط شرق العالم بغربه.

مما يعظم أهمية هذا الممر الملاحي والشريان الحيوي حصر حركة الملاحة للدخول له أو الخروج منه من خلال مضايق وممرات مائية مقيدة فمن الجنوب مضيق باب المندب الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن ومنه للبحر العربي والمحيط الهندي ومن الشمال خليج العقبة الذي ينتهي بميناء العقبة في الأردن وإيلات في إسرائيل ومدينة حقل السعودية في حين يعتبر خليج السويس الفرع النافذ من البحر الأحمر جهة الشمال حيث يرتبط بقناة السويس المؤدية للبحر المتوسط.

هذا الأمر يجعل من الأهمية بمكان أن تكون الدول المشاطئة لهذا المسطح المائي مستقرة سياسياً وأمنياً وبخاصة تلك المطلة على المضائق والممرات المائية، طبيعة توزيع الموارد الاقتصادية حول العالم وحركة نقلها من بلدان الإنتاج إلى بلدان الاستهلاك حيث الطلب العالي، يشمل ذلك منتجات الصناعة والغذاء ومنتجات الطاقة الخام والمشتقات، حركة هذه المواد بين المنتجين والمستهلكين يسلك معظمها البحر الأحمر.

وساعد في تفضيل هذا المسار أيضاً دفء المياه معظم أوقات السنة وخلوه من المعوقات وسهولة الدعم اللوجستي على طول الطريق بفضل انتشار الكثير من الموانئ على جنباته، وكان اكتشاف المسار الملاحي المار برأس الرجاء الصالح الذي يدور حول إفريقيا قبل إنجاز قناة السويس يمثل حلاً بديلاً لمسارات التجارة بين أوروبا ووسط وشرق آسيا ولا يزال يستخدم حتى وقتنا هذا لكن المسار المار بالبحر الأحمر يعطي قيمة تفضيلية فارقة.

نظراً لأهمية البحار في العمليات العسكرية والمدنية ولكونها مستودع الكثير من الموارد الطبيعية والغذائية للدول ولحاجة الدول والمجتمعات لتسيير المراكب المتعددة خلال البحار والمحيطات والمسطحات المائية الأخرى وكون تجارب الدول قد أوصلتها للكثير من النضج عن طريق عقد الاتفاقيات والمفاهمات حول استخدام البحار في التنقل وجلب الموارد المختلفة. فقد توصلت مجموعة من الدول إلى إقرار قانون البحار ليكون قواعد منظمة للتعاملات بين الدول والكيانات في استخدام البحار والممرات المائية وتحديد ما يكون منها تحت سيادة الدولة وما يكون مشاعاً للدول الأخرى للانتفاع بوجوه مختلفة وتوج ذلك بتوقيع ما سميت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982م.

عندما هاجمت إسرائيل قطاع غزة رداً على العملية التي أسمتها منظمة حماس طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023م، استخدمت دولة الاحتلال الإسرائيلي القوة المفرطة ليس ضد مقاتلي حماس فحسب بل وجهت ضرباتها الجوية واجتياحاتها البرية ضد المدنيين العزل، وبعد مرور أكثر من مائة يوم من العمليات بلغت الوفيات في الجانب الفلسطيني أكثر من 25 ألف شهيد فيما جاوزت أرقام الجرحى ضعفي هذا الرقم وأكثر ولا زالت الأرقام في تصاعد مستمر، حظي هذا الهجوم السافر بمواقف متواطئة فجة من الحكومات الغربية فيما قادت المملكة العربية السعودية مجموعة من الجهود الدبلوماسية عبر استضافتها للقمتين العربية والإسلامية على أراضيها بعد أيام من بداية العدوان وذلك لحشد الجهود الدبلوماسية لإيقاف هذا العدوان وحشد جهود الأعمال الإنسانية مع الشقيقة مصر لمساعدة النازحين والمصابين وتخفيف الأضرار التي يعانونها بسبب هذه الحرب.

حماس التي أشعلت فتيل هذه الحرب ولم تدرس جيداَ طبيعة الثمن الذي سيتم تسديده باتت وحيدة في ميدان القتال وأصبحت القوى التي كانت تهدد بهلاك إسرائيل متطأطئة الرأس لم يصل لحماس منها سوى التعاطف اللفظي فيما يسدد المواطنون الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية الجزء الأكبر من الثمن.

الحوثيون في اليمن قاموا ابتداءً من يوم التاسع عشر من نوفمبر الماضي بأعمال هجومية ضد القطع البحرية التجارية الذاهبة لإسرائيل أو القادمة منها حسب ادعائهم تضمنت تلك الهجمات خطف واحتجاز السفن ومهاجمة أخرى في عرض البحر بفعل المسيرات أو الصواريخ، يدعي الحوثيون أن عملياتهم العسكرية ضد القطع البحرية الإسرائيلية أو السفن الذاهبة إلى إسرائيل أو العائدة منها تحديداً.

هذا الاستعراض المشوب بالمخاطر لم يخدم القضية التي يزعمون الدفاع عنها كثيراً فإسرائيل لديها من البدائل الأخرى ما يقلل من هذا التأثير ، بينما التأثير المباشر في الأشهر الأولى لهذه العمليات كان في تحول كثير من شركات الشحن نحو المسار البعيد الآمن (رأس الرجاء الصالح)، ومن ثم  تكاليف الشحن ارتفعت بنسب كبيرة على المستفيدين من الشحنات وأجور التأمين ارتفعت كثيراً وأيام تسليم الشحنات لدول أوروبا بالذات تضاعفت ، مصر التي تعد من أكثر الدول العربية تسديداً لفاتورة الاحتلال الإسرائيلي لأراضي فلسطين قديماً وحديثاً طالها الجزء الأكبر من تأثير هذه الهجمات غير المدروسة فقد انخفضت إيرادات قناة السويس للأشهر اللاحقة لهذه الهجمات بنسبة تجاوزت الـ 40%  نتيجة انخفاض حركة السفن وتحويل مسارها عن البحر الأحمر .

وهنا يتبادر لذهننا السؤال الملح التالي: ماهي الدوافع الحقيقية لهذا التصرف من الحوثيين وما الذي سيترتب عليه؟

قبل الذهاب للإجابة على السؤالين أعلاه يجب وضع تصرفات الحوثي على مسطرة القانون الدولي لمعرفة ما إذا كان هذا التصرف عملاً مشروعًا في القانون الدولي أم لا، وبما ان جميع الدول لها حق حرية الملاحة في المياه الدولية فإن أي اعتداء على تلك السفن هو خرق للقانون الدولي والغرض المستهدف هو الاستهلاك الداخلي وجلب بعض التعاطف الخارجي. فمن يدعي مناصرة الفلسطينيين يمارس في الداخل اليمني ما تمارسه إسرائيل بحق الفلسطينيين من تفجير المنازل واغتيال المعارضين وإسكات كل صوت مخالف وإذا كانت إسرائيل تسعى لتهويد كل الأراضي الفلسطينية فإن الحوثي يمارس بمنهجية التحول الطائفي للشعب اليمني بالقوة بفرض مناهج تعليم طائفية وإدخال شعائر مذهبية لم يكن الشعب اليمني يعرفها مسبقاً.

كرد فعل مباشر لأعمال الحوثي المهددة لأمن الملاحة في جنوب البحر الأحمر تبنت الولايات المتحدة الأمريكية الدعوة إلى قيام تحالف عسكري دولي لردع العمليات الحوثية وحماية وتأمين السفن العابرة لمضيق باب المندب والممرات القريبة منه، هذا التحالف ليس بالضرورة فضيلة أمريكية فهي على مسافة ليست بالبعيدة تؤيد بفجاجة العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين العزل في غزة بل وتساهم بشكل مباشر في جوانب منها. انضم لهذا التحالف الذي دعت له الولايات المتحدة الأمريكية عدة دول على رأسها بريطانيا وأستراليا وإيطاليا وعدد من الدول الأخرى واختلفت درجة المساهمة في هذا التحالف بين المساهمة الفعلية بقطع بحرية مؤثرة أو الرمزية حتى إن بعض الدول لم تصل مشاركتها سوى إرسال ضباط أركان للتنسيق في غرفة عمليات التحالف والطرف الوحيد المشارك بشكل مؤثر هي بريطانيا، سمي هذا التحالف بـ (حارس الازدهار) كناية عن تأمين طرق التجارة واستمرار حرية الملاحة دون تهديدات في منطقة عمليات التحالف. الدول العربية لم تشارك في التحالف باستثناء البحرين التي تستضيف موانئها الأسطول الخامس الأمريكي.

تم تدشين هذا التحالف في 18 ديسمبر 2023م، وكانت عملياته بداية عبارة عن أدوار دفاعية فقط لمنع هجمات الحوثي الصاروخية أو الطائرات المسيرة من مهاجمة السفن العابرة للممرات المائية في البحر الأحمر وخليج عدن.

كانت إجراءات قوة التحالف هذه مقتصرة على الدفاع باستهداف المسيرات والصواريخ الموجهة ضد السفن العابرة لخطوط الملاحة القريبة من الأراضي اليمنية لكن ما لبثت العمليات حتى انتقلت للجانب الهجومي حيث شنت القوات الأمريكية والبريطانية عدة غارات جوية وهجومات صاروخية على أهداف منتقاة في اليمن حسب تصريح قوات التحالف ابتداء من 11يناير 2024م، وتكرر ذلك الهجوم مرات عديدة، وكرد فعل على هذه الهجمات هدد الحوثيون بعدها بإضافة أي سفن أمريكية أو بريطانية إلى قائمة أهدافهم.

حتماَ تستطيع القوات الأمريكية والبريطانية التأثير بشكل بالغ على قدرات الحوثي الصاروخية بالتحديد باستهداف قواعد الإطلاق والمخازن والمصانع ، هذا التأثير مرهون بحقيقة النوايا الأمريكية فمن يهاجمون الحوثي ويشيطنون أفعاله اليوم هم من عرقلوا بالأمس قوات تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية لمنع استيلائهم على ميناء الحديدة وساقوا في ذلك الوقت كل المبررات الإنسانية لمنع إتمام تقدم قوات التحالف على الأرض وأبقوا الباب مشرعاً لقوات الحوثي لإدخال كل التعزيزات من الأسلحة وغيرها عبر ذلك المنفذ البحري لإدامة تغذية هذا الكائن الإرهابي المتمرد ، وهم من سارعوا بإزالة الجماعة من قائمة الإرهاب الأمريكية بمبررات واهية ثم عادوا لوصمه بنفس التصنيف حين طالتهم هجمات الحوثي بنيرانها .

نأت المملكة العربية السعودية بنفسها عن هذا التحالف فهي لا تريد المساهمة في تقويض جهود السلام التي توشك على التمام بين الأطراف اليمنية كما أن النتائج المرجوة لهذا التحالف تصب بطريقة أو بأخرى في مصلحة إسرائيل ويعزز من استمرار عدوانها على الفلسطينيين في غزة. 

لا يستبعد بأن جماعة الحوثي بهذه الهجمات تبحث عن دور حقيقي ومساحة على خارطة السياسة الدولية أكبر من تلك التي ستحصل عليها نتيجة مفاوضات واتفاقات السلام مع الأطراف اليمنية الأخرى التي ستكتفي بمنحها اعترافاً بأنها مجرد جزء شرعي من المكونات اليمنية.

سيعتمد مدى استمرار الحوثي في هجماته على النتائج المتحققة في المدى القريب والأهداف النهائية التي يطمح في الوصول إليها، أما إذا كانت مجرد مغامرات للحصول على تأييد وتعاطف شعبي في العالم الإسلامي أو تنفيذاً لرغبات إيرانية فالطرف الذي سيدفع الثمن غالياً هو الشعب اليمني المغلوب على أمره.

في الواقع لن تكون الضربات الحوثية ذات تأثير حقيقي للدرجة التي تسهم في نهاية الحرب على غزة، والحوثي يعرف قبل غيره أن صواريخه ومسيراته طوال سنوات عمليات عاصفة الحزم وإعادة الأمل لم تحقق الكثير من أهدافها ولم تحدث أثراً كبيراً في ميدان المعركة.

يبدو أن جانب الاستعراض الشكلي لهذه العمليات يطغى على حقيقتها والهدف النهائي استغلال التعاطف الشعبي مع الفلسطينيين ضد الاعتداءات الإسرائيلية لتعزيز الشرعية الداخلية المهزوزة والبحث عن فرصة ما وسط العمليات العسكرية للحصول على اعتراف ما كطرف مؤثر على الأراضي اليمنية بدلا من الحكومة الشرعية التي لا تملك على الأرض كثيرًا من مكونات الدولة اليمنية السابقة وأهمها العاصمة صنعاء والميناء الاستراتيجي الحديدة.

إيران حين وظفت تلك الأذرع المؤثرة البعيدة عنها للمشاغبة في اتجاهات متعددة من خلال مهاجمة المصالح الأمريكية أو الإسرائيلية دون وقاية من ردود الأفعال القاسية التي تسلط عليها فهي تكتفي بالمشاركة المعنوية في استشعار الألم الذي يحدث نتيجة ردات الفعل الانتقامية وليس من يعاني الضربات كمن يعدها وحسب.

دول جنوب البحر الأحمر لم تعش مراحل الاستقرار السياسي والرفاه الاقتصادي بعد استقلالها إلا قليلاً برغم مواردها الجيدة فالسودان طوال تاريخه الحديث ومنذ استقلاله وهو يمضي من انقلاب عسكري إلى مثله حتى انتهى بالصراع الدائر حالياً بين قوات الجيش النظامي وقوات الدعم السريع التي تم بناؤها وتشكيلها خلال السنوات القليلة الماضية ولا توحي المؤشرات بنهاية الأزمة برغم الجهود الدبلوماسية الضخمة لمحاولة جمع الكلمة ونزع فتيل الأزمة وتقف المملكة العربية السعودية على رأس الدول التي تسعى للإصلاح هناك.

إثيوبيا أول دول إفريقيا استقلالاً وثاني أكبر دولة بعد نيجيريا تعتبر دولة داخلية لا تطل على بحر لكنها قامت باحتلال دولة إرتيريا المطلة على البحر الأحمر منذ عام 1962 حتى عام 1993م.

برغم كل المصاعب التي تقابلها إثيوبيا فهي تصارع لتكون دولة مؤثرة متحكمة من خلال عدد من الملفات السياسية مثل بنائها سد النهضة محل التنازع مع مصر والسودان من حيث الحصص المائية لنهر النيل وأزمة ملء السد وما يترتب عليه.

وبعد فشل استمرار احتلال إرتيريا وبقائها متنفساً لها على البحر الأحمر إضافة إلى الحروب والمناوشات التي لم تتوقف منذ استقلال إرتيريا لم تتوقف إثيوبيا لمد نظرها للدول المحيطة بها فقد تدخلت في الصومال تدخلاً عسكريًا مباشراً في التسعينات من القرن الماضي عدة مرات منذ انهيار الحكومة المركزية للصومال.

انتهت هذه التدخلات باتجاه آخر وذلك بتوقيع مذكرة تفاهم بين كل من رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ورئيس إقليم أرض الصومال الانفصالي موسى بيهي عبدي.  يضمن الاتفاق لإثيوبيا إيجاد منفذ تجاري وعسكري لها على البحر الأحمر، مقابل الاعتراف الرسمي بجمهورية أرض الصومال"، حيث سيؤجر إقليم أرض الصومال الانفصالي لإثيوبيا شريطًا ساحليًا بطول 20 كيلومترًا لمدة 50 عامًا.هذا الاتفاق قد يضمن لأرض الصومال أول اعتراف دولي لها منذ إعلانها الانفصال عن جمهورية الصومال من طرف واحد في 1991م. سبق هذا الاتفاق خطاب للرئيس الإثيوبي في البرلمان في شهر أكتوبر الماضي قال فيه صراحة إن دولته لن تستسلم لبقائها دولة حبيسة على الدوام ويجب خلق فرص لوصولها لموانئ البحر الأحمر بأي سبيل.، وكان هذا الاتفاق بمثابة صب الزيت على النار في القرن الإفريقي الغارق في الفوضى والصراعات التي لم تتوقف منذ زمن طويل.

دولة إرتيريا التي عانت الاستعمار الإيطالي لنفس الفترة التي عانتها إثيوبيا لم تفرح بالاستقلال كثيرًا حيث دخلت في احتلال إثيوبي إبان حكم الرئيس الإثيوبي هيلاسيلاسي لم تبارحه حتى 1991م، حين استطاعت حركات المقاومة على مدى ثلاثين عاماً من الحصول على الاستقلال بمساع أمريكية. كانت الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر إثيوبيا حليفها القوي في القرن الإفريقي لمراقبة الأوضاع هناك والتدخل نيابة عنها في كثير من الصراعات حيث تدخلت في إرتيريا والصومال كثيراً لكنها رأت إفساح المجال لتجربة جديدة بدعم ثوار إرتيريا من خلال المفاوضات مع إثيوبيا بإقامة استفتاء شعبي تحت رعاية أممية أدى إلى استقلال إرتيريا أخيراً.

إسرائيل لم تكن غائبة عن المشهد حيث سعت إلى وجود موطئ قدم لها في جنوب البحر الأحمر منذ نشأتها وقد آمنت بأن أمنها يبدأ من هناك ولا زالت كلمة ديفيد بن غوريون الرئيس الإسرائيلي الأول حاضرة في الأذهان حين قال (إنني أحلم بأن تمخر أساطيل داود في البحر الأحمر). فعززت من علاقاتها مع إثيوبيا أولا وكانت حاضرة دائما في تسليح وتدريب القوات الإثيوبية ومع الوقت لم تشأ أن تخسر الرهان وعينها على البحر الأحمر، حين رأت إسرائيل بوادر الغلبة للثوار الإرتيريين راهنت على هذا الخيار ودخلت في تحالف مريب مع أول حاكم إرتيري وهو أسياسي أفورقي الذي كانت سياساته جانحة نحو النأي عن العالم العربي والإسلامي وترجيح العلاقة مع إسرائيل وتغليب اللغة والقومية ذات البعد الإفريقي. تشير كثير من الأخبار والتقارير إلى تأجير إرتيريا لمجموعة من جزر أرخبيل دهلك لإسرائيل لإقامة قواعد عسكرية عليها، كما تشير أخبار أخرى لتأجير مجموعة من الجزر أيضاً لإيران لنفس الغرض.

جيبوتي الدولة العربية المطلة على مضيق باب المندب والتي كانت تسمى بالصومال الفرنسي هي الدولة المطلة على مضيق باب المندب من جهة الغرب تحديداً وهي دولة قليلة السكان قليلة الموارد فتحت المجال على مصراعيه في ظل هشاشة الدول المحيطة لاستضافة القواعد الأجنبية حيث تستضيف قواعد عسكرية لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا والصين واليابان.

دولة الصومال هذا الكيان الهش خضع للاستعمار الغربي بداية من القرن التاسع والعاشر ثم استقل عام 1960م، بكافة أقاليمه باستثناء الصومال الفرنسي الذي استقل لاحقًا 1977م، تحت مسمى دولة جيبوتي.

الصومال منذ استقلاله وهو في نزاع حدودي مع إثيوبيا على إقليم اوغادين ذو الهوية الصومالية العربية والخاضع للسيطرة الإثيوبية وبسببه نشأت بين البلدين عدة حروب.

بعد الانقلاب العسكري الذي قاده الرئيس السابق محمد سياد بري تم تغيير هوية البلاد نحو الاشتراكية، تراجعت قوة هذا النظام حتى سقوطه في 1991م، وحينها دخل الصومال في حالة من الفوضى السياسية والحرب الأهلية. تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية تحت تفويض أممي ولم يدم ذلك التدخل طويلاً، ولم ترجع البلاد لحالتها الأولى منذ ذلك التاريخ، أعلن حينها إقليم أرض الصومال الانفصال عن الحكومة المركزية ولم يحظ باعتراف دولي حتى الآن. وفجر الوضع في الأيام الماضية بتوقيعه اتفاقية التفاهم مع إثيوبيا لإيجاد مرفأ لها على البحر الأحمر في أراضي الإقليم متجاوزاً الحكومة المركزية في مقديشو.

هذا الاتفاق مهدد بشكل كبير لسيادة الحكومة الصومالية المركزية على أراضيها فضلاً عن خلق فرصة مواتية لإثيوبيا لممارسة شعور التفوق الذي تبحث عنه، والوضع مهدد بالانفجار حيث أن هذا الموقف الإثيوبي بمثابة التهديد لكل من مصر والسودان اللتين تتنازعان مع إثيوبيا أزمة سد النهضة.

اليمن دخل على خط الدول غير المستقرة المطلة على مضيق باب المندب منذ قفزت الحركة الحوثية على الحكم في صنعاء وسيطرتها على كثير من التراب اليمني بمساعدة أطراف إقليمية وصمت دولي مريب.

بإلقاء نظرة على كافة دول القرن الإفريقي واليمن نجد أنها تتشارك عدم الاستقرار السياسي وما تبعه من حروب أهلية داخلية أو حروب بينية وانتشار ظواهر الفقر مما خلق بيئة خصبة لظاهرة الإرهاب الدولي الممول من أطراف ترى مصالحها في استمرار هذه الحالة من عدم الاستقرار.

هذه الحالة أوجدت فرصة مواتية لعودة القواعد الأجنبية والأساطيل البحرية بحجة حماية ممرات الملاحة ومحاربة الإرهاب. 

التصرفات المزعزعة للأمن الملاحي وتهديد سلامة التجارة الدولية بحاجة إلى ردع فوري لكن لا يستقيم الردع من جانب دون إيقاف تغذية نشوء هذه الكيانات الإرهابية، وحالة عدم الاستقرار السياسي هي حتماً البيئة الخصبة لهذه الظواهر.

حتما ستكون بقية دول البحر الأحمر هي أول وأكثر من يتأثر بمشاكل تضعضع الأمن في منطقة القرن الإفريقي واليمن، سيمتد التأثير لبقية دول العالم من خلال تهديد ومهاجمة طرق الملاحة في هذا الممر الحيوي. ظهرت تلك الآثار منذ زمن من خلال قرصنة سفن الشحن وناقلات النفط قبالة الصومال في المحيط الهندي ومن خلال الهجرات الكثيفة للنازحين من تلك البلدان للضفة الأخرى في الجزيرة العربية.

تم الانتباه لمشاكل الأمن في البحر الأحمر مبكراً حيث عقدت عدة مؤتمرات ووقعت اتفاقيات لمعالجة هذا الملف ومن تلك الجهود ميثاق أمن جدة 1956م، بين السعودية ومصر واليمن ثم مؤتمر تعز 1977م، ولا زالت المملكة العربية السعودية بمشاركة الدول المؤثرة في أمن البحر الأحمر تبذل جهوداً مشهودة لإيجاد الحلول المناسبة لأزمات البحر الأحمر ومن ذلك مؤتمر الرياض 2019م، للدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن.

الدول العربية المشاطئة للبحر الأحمر والمستقرة تحديداً هي من عليه العبء الكبير في مواجهة آثار أزمة الأمن في البحر الأحمر وبكل أسف فإن الانهيارات المتتابعة لدول القرن الإفريقي ودخول بعضها ضمن دائرة الدول الفاشلة قد أوجد الفرصة لظهور كيانات موازية لكيانات الدول كالمنظمات الإرهابية مما أفقد تلك الدول السيطرة على الممارسات المتخذة ضد الملاحة الدولية، الجهود الدولية لم تنجح في إيجاد الحلول النهائية لمعالجة ظاهرة هشاشة الدول ونمو حركات الإرهاب في منطقة القرن الإفريقي وهي لا تفكر من ناحية أخلاقية أو مصالح جماعيه فقط وإنما تذهب أحياناً كثيرة للنظر في المصالح الذاتية من خلال فرص الهيمنة وإعادة النفوذ على مناطق تخلت عنها بعد الحقبة الاستعمارية ولعل التسابق في إقامة القواعد العسكرية في جزر جنوب البحر الأحمر وجيبوتي هو ما يوضح الصورة .

يقع على عاتق المجتمع الدولي برمته وخاصة الدول العظمى المؤثرة اتخاذ الخطوات الجادة لإعادة تأهيل دول القرن الإفريقي لتكون دولاً قوية بالقدر الذي تستطيع به تلك الدول التحكم والسيطرة على أراضيها بعيداً عن حماية القواعد العسكرية الأجنبية او ابتزاز الجماعات الإرهابية المتمردة على الدول ذلك هو الحل الذي يمكن به إعادة الاستقرار لتلك الدول وسلامة طرق الملاحة الدولية وإيقاف سيل الهجرة غير الشرعية الذي لا ينتهي.

مقالات لنفس الكاتب