array(1) { [0]=> object(stdClass)#13009 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 195

الدرس الأول هو الترابط بين حرب غزة وصراعات المنطقة والحاجة لصياغة استراتيجية لمعالجة كافة هذه الصراعات

الخميس، 29 شباط/فبراير 2024

يعبر نحو 12 % من إجمالي التجارة العالمية من خلال منطقة البحر الأحمر وقناة السويس الواقعة بين قارتين ويحدها 10 دول-6 دول إفريقية و4 شرق أوسطية.  كما أنها تمثل أهمية خاصة لشَاحنات الوقود، حيث يعتبر ممر قناة السويس ومضيق باب المندب طرق شحن رئيسية لإمدادات الطاقة العالمية حيث تصل إمدادات الطاقة القادمة من الخليج إلى القارة الأوروبية عبر البحر الأحمر. وقد اكتسبت هذه الشاحنات أهمية متزايدة مؤخرًا على خلفية الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا والتي جعلت أوروبا أكثر اعتمادًا على واردات النفط ومشتقاته مثل زيت الديزل والجازولين، القادمة من منطقة الشرق الأوسط وآسيا.

وبحسب بيانات وزارة الطاقة الأمريكية، فقد بلغت نسبة شاحنات الطاقة التي عبرت من خلال البحر الأحمر خلال عام 2023م، نحو 12 % من إجمالي تجارة النفط المنقولة بحرًا، و8% من حجم التجارة العالمية في الغاز الطبيعي المسال. ومنذ نوفمبر 2023م، قامت جماعة الحوثي في اليمن بتكثيف وتيرة هجماتها بشكل ملحوظ على سفن الشحن التجارية التي تعبر من خلال الجزء السفلي من البحر الأحمر ردًا على القصف الإسرائيلي على قطاع غزة. حيث توعدت حينها باستهداف السفن الإسرائيلية ثم اتسع نطاق التهديد ليشمل منع مرور كافة السفن إلى إسرائيل ما لم يتم السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

 وعليه قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها بالرد من خلال تشكيل تحالف لحماية التجارة المنقولة بحرًا وتوجيه إنذار نهائي للحوثيين. ثم بتوجيه ضربات جوية قيل إنها استهدفت منشأة رادار تابعة لجماعة الحوثي، بالإضافة إلى عدد من أنظمة الدفاع الجوي الخاصة بها ومواقع لإطلاق الصواريخ. وحتى الآن لم تنجح الهجمات التي تتزعمها الولايات المتحدة في ردع الحوثيين أو تقويض قدراتهم العسكرية بشكل كبير. مثلما جاء على لسان الرئيس الأمريكي جون بايدن الذي أقر بأن الهجمات الأمريكية لم تفلح في أن تشكل رادعًا بالقول:" هل نجحت الهجمات في منع جماعة الحوثي؟ لا، لم تنجح، وهل سيواصل الحوثيون نشاطهم" الإجابة، نعم. بالتالي، أدت المواجهة مع الولايات المتحدة إلى تحول منطقة البحر الأحمر إلى بؤرة مشتعلة عالمية جديدة. لاسيما بعد أن أعادت إدارة جون بايدن، في يناير المنصرم، إدراج جماعة الحوثي على قائمة المنظمات الإرهابية وشنت العديد من الهجمات الجوية ضد أهداف حوثية.

وعلى الرغم من العلاقات التي تجمع جماعة الحوثي بإيران، إلا أنها على عكس غيرها من الجماعات المسلحة في المنطقة ليست متحالفة أيديولوجيا مع طهران.  وحتى الآن، لم يكن للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة تأثيرًا يذكر على الاقتصاد العالمي، إلا أن موجة الهجمات المتكررة على سفن الشحن التجارية في البحر الأحمر كفيلة بتغيير هذا الوضع على نحو كبير. في الوقت ذاته، فإن المسار البديل للبحر الأحمر، والذي يستلزم القيام برحلة حول إفريقيا عبر طريق رأس الرجاء الصالح، سيؤدي إلى إطالة أمد الرحلة بنحو أسبوعين، إلى جانب زيادة أسعار الشحن والتأمين، ورفع سعر النفط الخام بما يصل إلى 4 دولارات للبرميل. من جانبها، أكدت جماعة الحوثي عزمها مواصلة الهجمات ضد أي سفينة لها علاقة بإسرائيل، وذلك دعمًا لحركة حماس واحتجاجًا على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

الولايات المتحدة والأمن في البحر الأحمر:

أعلنت الولايات المتحدة في منتصف ديسمبر الماضي، عن تشكيل قوة بحرية متعددة الجنسيات تهدف إلى حماية السفن التجارية في البحر الأحمر من الهجمات الباليستية والطائرات المسيرة التي يطلقها الحوثيون. وأوضح وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أن تحالف "حارس الرخاء" -الذي يضم عدة دول أوروبية-يهدف إلى العمل معًا من أجل مجابهة التحدي الذي يشكله "هذا الفاعل غير الحكومي" الذي يطلق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة على السفن التجارية القادمة من دول مختلفة حول العالم وتعبر المياه الدولية بشكل قانوني". وجدد المسؤول الأمريكي، خلال إعلانه عن تشكيل ائتلاف حارس الرخاء، تأكيده على أن المجتمع الدولي يواجه تحديًا عالميًا غير مسبوق يتطلب تبني فعل جماعي. وصرح بأن الولايات المتحدة ستواصل التشاور والعمل إلى جانب حلفائها وشركائها الذين يشتركون في المبدأ الأساسي لحرية الملاحة. كما تعتقد واشنطن أن الهجمات الحوثية المتصاعدة تقتضي اتخاذ رد فعل دولي بمنأى عما يحدث في غزة. حيث أن التهديد الذي تشكله جماعة الحوثي كان تحديًا في مواجهته حتى بالنسبة لأكثر الأساطيل تطورًا. وعلى الرغم من نجاح البحرية الأمريكية في إسقاط العديد من الطائرات بدون طيار والصواريخ الحوثية في المنطقة، إلا أنه ينبغي على المخطط البحري الآن التعامل مع فكرة توسيع عدد كبير من أنظمة صواريخ الدفاع الجوي باهظة الثمن لمواجهة التهديدات، والتي يمثل الكثير منها جزءًا بسيطًا من التكلفة، والمخاطرة بنفاد هذه الصواريخ أثناء وجودها في المحطة. وبشكل عام، تعتبر عملية تطوير أسلحة جديدة وأكثر فعالية من حيث التكلفة لمواجهة تهديد الطائرات بدون طيار، ضرورة بحرية ملحة بقدر ما هو الحال بالنسبة للقوات البرية كما هو موضح في سياق الحرب في أوكرانيا. من ناحية أخرى، يواجه الأسطول الأمريكي احتمالية زيادة حضوره في المنطقة وما حولها لفترة زمنية ممتدة مما قد يؤثر على التزاماته الأخرى عالميًا.

وفي أواخر يناير، فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على مسؤولين حوثيين بارزين. وصرح وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، بريان نيلسون، أن هجمات الحوثيين على السفن التجارية وأطقمها المدنية التي تعبر بشكل قانوني البحر الأحمر وخليج عدن تهدد بتعطيل سلاسل التوريد الدولية وحرية الملاحة التي تعتبر بالغة الأهمية لـ الأمن، والاستقرار، والازدهار العالمي. في غضون ذلك، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية إعادة إدراج جماعة الحوثي على قائمة "الكيانات الإرهابية العالمية المصنفة تصنيفًا خاصًا". وأوضحت أنه في حال أوقف الحوثيون هجماتهم في البحر الأحمر وخليج عدن، سُيعاد تقييم هذا التصنيف وتعهدت إدارة بايدن باتخاذ خطوات للتخفيف من أي آثار سلبية قد يخلفها هذا التصنيف على الشعب اليمني وضمان عدم تعطل دخول المساعدات الإنسانية أو استيراد السلع الأساسية.

توترات في القرن الإفريقي

وقعت حكومة إثيوبيا، أوائل يناير الماضي، اتفاقًا مبدئيًا مع" صوماليلاند " أو جمهورية أرض الصومال، وهي منطقة انفصالية تقع في شمال غرب الصومال، تُمنح إثيوبيا بموجبه إمكانية النفاذ تجاريًا وعسكريًا إلى البحر الأحمر من خلال الميناء الواقع داخل هذه المنطقة الانفصالية -وهي صفقة تنذر بإشعال فتيل التوترات داخل منطقة القرن الأفريقي المضطربة بالفعل. وخلال مذكرة التفاهم الموقعة مع رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، قال زعيم جمهورية أرض الصومال، موسى بيهي عبدي، "أنه سيتم تأجير مساحة تمتد لأكثر من 12 ميلًا بحريًا إلى الأسطول الإثيوبي لمدة 50 عامًا. على أن تعترف إثيوبيا في المقابل رسميًا بأرض الصومال كدولة مستقلة، في خطوة من شأنها أن تشكل سابقة هي الأولى من نوعها كأول دولة تمنح اعترافًا دوليًا بأرض الصومال.

أحدثت هذه الاتفاقية هزة داخل منطقة القرن الإفريقي، الذي يعاني بالفعل من ويلات الحروب الأهلية، والخلافات السياسية، والأزمات الإنسانية واسعة النطاق. كما من شأنها أن تُشعل فتيل المزيد من التوترات داخل منطقة البحر الأحمر.  الاعتراض الأكبر على هذه الصفقة جاء من جانب الصومال، حيث وصفتها الحكومة الصومالية بأنها اتفاقية "لاغية وباطلة" مُطالبة الاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن الدولي بعقد اجتماعات للتباحث حول هذا الشأن. فيما تعهد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بالدفاع عن سيادة بلاده، رافضًا الاتفاق بشدة معتبرًا ذلك انتهاكًا صارخًا لسيادة بلاده ووحدة أراضيها. كما قامت الصومال باستدعاء سفيرها إلى إثيوبيا وبدأت بمنع إصدار تصاريح الطيران لشركات الطيران الإثيوبية للعبور من خلال المجال الجوي الصومالي. كذلك ثمة مخاوف تعتري دولتي مصر وإريتريا من أن يكون للبحرية الإثيوبية حضورًا كبيرًا داخل منطقة البحر الأحمر الاستراتيجية وخليج عدن.

وكانت إثيوبيا، التي تعد ثاني أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان والدولة غير الساحلية الأكثر اكتظاظا بالسكان على مستوى العالم، قد فقدت منفذها البحري عندما انفصلت إريتريا وأعلنت استقلالها في عام 1993م، ومنذ ذلك الحين، اعتمدت إثيوبيا على جيبوتي من أجل التجارة الدولية، مع مرور أكثر من 95 % من وارداتها وصادراتها عبر ممر أديس أبابا -جيبوتي. وعلى مدار الأعوام الماضية، سعت الحكومة الإثيوبية إلى تنويع منافذها إلى الموانئ بحرية بما في ذلك استكشاف الخيارات المتاحة في كل من السودان وكينيا. وخلال الأشهر الأخيرة، أصبح الرئيس الإثيوبي آبي أكثر إصرارًا وعزمًا بشأن متابعة طموح بلاده في الحصول على ميناء على طول ساحل شرق إفريقيا، مجادلا بأن بلاده في حاجة إلى إيجاد سبيل للخروج من "سجنها الجغرافي"، معتبرًا أن البحر الأحمر "الحدود الطبيعية" لإثيوبيا. على الجانب الآخر، وبرغم إعلان "جمهورية أرض الصومال" استقلالها في عام 1991م، واعتماد عملتها وعلمها الخاصين، فضلًا عن إجرائها العديد من الانتخابات البرلمانية والرئاسية، إلا أنها لم تنل أكثر ما تطمح إليه -ألا وهو الاعتراف الدولي.

على الجانب الآخر، أعربت الأطراف الدولية الفاعلة المنخرطة بشكل كبير داخل الصومال مثل الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وتركيا، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، عن مخاوفها بشأن تصاعد وتيرة التوترات داخل منطقة القرن الإفريقي. ومن خلال إعادة تأكيد التزامهم حيال سلامة الأراضي الصومالية، فقد وجهوا جميعًا انتقادًا ضمنيًا لإثيوبيا وجمهورية أرض الصومال بسبب الاتفاق الموقع بينهما. كما خرج الاتحاد الإفريقي للدفاع عن سلامة أراضي الصومال مما يعكس رغبة العديد من البلدان في تجنب إرساء سابقة يمكن أن تشجع الانفصاليين داخل أراضيها.

كما أعلنت إدارة بايدن معارضتها للاتفاق الموقع بين إثيوبيا وجمهورية أرض الصومال. وأشارت إلى أن الاتفاق قد يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار وتقويض الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب. في حين حذر جون كيري، منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي، من أن اعتراف إثيوبيا المحتمل بجمهورية أرض الصومال قد يؤدي إلى تعطيل القتال ضد حركة الشباب الصومالية، وهي منظمة مستقلة تابعة لتنظيم القاعدة. حيث أن هناك حرصًا أمريكيًا شديدًا بشأن هزيمة حركة الشباب وقدمت واشنطن أكثر من 500 مليون دولار من المساعدات العسكرية إلى الصومال بين عامي 2010 و2020م، خُصص معظمها لمحاربة حركة الشباب الصومالية.

استولت حركة الشباب الصومالية على العاصمة مقديشو خلال عام 2006م، ولم يتم إقصاؤها من المدينة إلا بواسطة هجوم صومالي-إثيوبي مشترك بدعم أمريكي خلال عامي 2011 و2012م. كان الرئيس السابق دونالد ترامب قد قرر سحب قوات الجيش الأمريكي من البلاد عام 2021م، إلا أنه تم إعادة نشرها في عام 2022م، بقرار من الرئيس الحالي جون بايدن. ويتمركز حاليًا ما يقرب من 450 جنديًا أمريكيًا من أجل توفير الدعم، والتدريب، والهجمات المُسيرة.

مآلات الحرب

مع استمرار بث المشاهد الدامية للقصف الإسرائيلي المدمر والأطفال الذين يتضورون جوعاً في غزة، على الهواء مباشرة للمواطن العربي، أصبحت مشاعر الغضب والسخط العربي منصبة على ازدواجية المعايير الغربية وعزوف الغرب عن محاسبة إسرائيل، ليس فقط على عدوانها الجاري بل وعلى الطريقة التي عاملت بها الفلسطينيين على مدار الـ 75 عامًا الماضية. وثمة الكثير من الغضب مُوجه إلى الولايات المتحدة بالتحديد بسبب دعمها لإسرائيل. كما أدت الهجمات الأمريكية على أهداف حوثية على مدار الأشهر القليلة الماضية إلى تأجيج المزيد من مشاعر الغضب والاستياء حيال الولايات المتحدة. بالمثل، تعرضت القوات الأمريكية في كل من سوريا، والعراق، والأردن إلى هجمات متكررة من قبل جماعات مسلحة مختلفة. حيث تعتبر هذه الهجمات ردًا على دعم واشنطن للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وجاء الرد الأمريكي متمثلًا في شن هجمات جوية على منشآت تابعة لهذه الجماعات. في حين أكدت واقعة مقتل ثلاثة جنود أمريكيين في غارة جوية استهدفت قاعدة أمريكية على الحدود السورية-الأردنية أواخر يناير، التهديد الذي بات يلاحق القوات الأمريكية في المنطقة منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر الماضي.  فضلًا عن تسليطها الضوء على مخاطر انجرار الولايات المتحدة بشكل أعمق إلى الأعمال العدائية الإقليمية التي أشعلتها الحرب في غزة. فمنذ الهجمات التي شنتها حركة حماس على إسرائيل ورد الأخيرة الانتقامي العنيف على قطاع غزة، كانت الولايات المتحدة واعية للمخاطر المترتبة على اندلاع حرب إقليمية أوسع نطاقًا، وسعت إلى احتواء الصراع من خلال اعتماد مزيج من الدبلوماسية وسياسة الردع.

وتشعر الدول العربية أيضًا بقلق إزاء الاستقرار والأمن الإقليميين. وقد عبر وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان قائلًا:" إن التصعيد ليس في مصلحة أحد. فنحن ملتزمون حيال إنهاء الحرب في اليمن، كما إننا ملتزمون بالتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار دائم من شأنه أن يفتح الباب أمام عملية سياسية". وبرغم من كافة هذه الدعوات المطالبة بخفض التصعيد، إلا أن التهديد المتمثل في اندلاع حرب إقليمية أوسع نطاقًا وتورط أمريكي أكثر عمقًا في الأزمات الإقليمية أصبح حقيقيًا. وقد حذر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن من أن الوضع الراهن أضحى متقلبًا بشكل لا يصدق معيدًا للأذهان أجواء عام 1973م، على الأقل، إن لم يكن ما قبل ذلك.

ومن أجل تجنب اندلاع حرب إقليمية مدمرة، من المهم تعريف وتحديد الدروس الأساسية المستفادة من التطورات الأخيرة والخطوات اللازمة من أجل وضع منطقة الشرق الأوسط على المسار الصحيح الذي يؤول إلى الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي:

الدرس الأول الذي أكدته التطورات الأخيرة، هو الترابط بين الحرب الدائرة في قطاع غزة، والصراع في البحر الأحمر، والتوترات في منطقة القرن الإفريقي. والحاجة إلى صياغة استراتيجية موسعة من أجل معالجة كافة هذه الصراعات المتداخلة. علاوة على ذلك، يجدر التأكيد على أن "إدارة النزاع" لا يمكن أن تكون بديلاً عن "حل النزاع" كما أنه ينبغي تحديث الجهود الإقليمية والدولية من أجل التوصل لحل دائم للقضية الفلسطينية وهو ما يعني إقامة حل الدولتين. فإن الشعب الفلسطيني، كسائر شعوب العالم، لديه الحق في أن يكون له دولة مستقلة. وفي هذا السياق، فإن مبادرة السلام العربية (2002م) التي طرحها ولي العهد السعودي في ذلك الحين الأمير عبد الله بن عبد العزيز تتيح أكثر الإطارات القابلة للتطبيق.

الدرس الثاني، هو ضرورة أن تعي إسرائيل ومواطنوها أن السبيل الوحيد لأن يحظوا بقبول جيرانهم العرب والعيش في سلام يكمن في التوصل إلى تسوية عادلة والتفاوض على حل سياسي مع الفلسطينيين. بالإضافة إلى ضرورة إحراز تقدم لا رجعة فيه نحو حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية. وقد أعربت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي عن نيتهم للاعتراف بدولة فلسطينية. من جانبه، قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون " إذا ما كانت الثلاثون عامًا الماضية ستخبرنا شيئًا، فسيكون سردية عن الفشل، فصحيح أن إسرائيل تنعم بمستويات عالية من المعيشة على نحو مثير للإعجاب، فضلًا عن اقتصادها المتنامي وجيشها القوي. إلا أن الحكومة فشلت في توفير أكثر ما يريده الناس وهو الأمن. كذلك لن تنعم إسرائيل بالأمن قط ما لم يقبلها جيرانها. لذلك فإن الإقدام على قتل آلاف الفلسطينيين في قطاع غزة هو نهج خاطئ، فإن النهج الصحيح يكمن في جهود السلام والمفاوضات الدبلوماسية وليس الحرب والدمار.

الدرس الثالث، إن كافة الأحداث الراهنة سواء الحرب في غزة، أو الصراع في منطقة البحر الأحمر، أو التوترات في القرن الإفريقي جميعها أبرزت الدور المركزي الذي تلعبه الولايات المتحدة على مستوى الأمن الإقليمي. حيث تتمتع واشنطن بعلاقات أمنية وثيقة مع كافة الأطراف الفاعلة، كما تنعم بقدرات اقتصادية، ودبلوماسية، وعسكرية تخولها العمل مع كافة الحلفاء الإقليميين من أجل تقليص التوترات والتفاوض بشأن سلام دائم. بالتالي، ينبغي على واشنطن العمل مع هؤلاء الحلفاء من أجل صياغة استراتيجية شاملة تخاطب كافة النزاعات المتداخلة، والأهم هو أن توقف القتال في غزة وتمهد الطريق أمام اتخاذ خطوات ملموسة لا رجعة فيها من أجل إقامة دولة فلسطينية تعيش جنبًا إلى جنب مع إسرائيل. كذلك يجب الاعتراف بالتطلعات السياسية للشعب الفلسطيني وإشراك القوى العالمية الأخرى مثل الصين، وروسيا، وأوروبا، والهند، واليابان في مثل هذه الاستراتيجية. حيث أن إرساء السلام ونشر الاستقرار في الشرق الأوسط يعد من الأولويات الرئيسية لكافة القوى العالمية.

أخيرًا، ينبغي أن يكون هناك حرصًا لدى القوى الإقليمية مثل مصر، والأردن، والمملكة العربية السعودية على مواصلة بل وتكثيف جهودهم في التفاوض للتوصل إلى تسوية سياسية للصراعات الإقليمية، فأحيانًا يكون للقوى العالمية مصالحها الخاصة التي قد تتماشى أو لا تتماشى مع مصالح القوى الإقليمية. لذلك تحتاج الدول العربية أيضًا إلى استغلال نفوذها بفعالية للضغط على إدارة الولايات المتحدة، والكونغرس، والشعب الأمريكي حتى وإن استغرق الأمر بعض الوقت حتى تتمكن الولايات المتحدة من اتخاذ نهج أكثر توازنًا في التعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي وعملية السلام. في الوقت ذاته، تتمتع الدول العربية الرائدة بعلاقات جيدة مع قوتين أخريين غير عربيتين في المنطقة وهما (إيران وتركيا)، وقد أوضحت الدولتان أن التوصل إلى حل دائم وشامل للصراع الفلسطيني يشكل أولوية وضرورة لابد منها ، لعله

 يخرج من كنف الوضع المأساوي الراهن نظام إقليمي مستقر.

مقالات لنفس الكاتب