array(1) { [0]=> object(stdClass)#13009 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 196

إدارة بايدن السياسية تفتقر لاستغلال نفوذها الكبير لحل أزمة الشرق الأوسط

الأحد، 31 آذار/مارس 2024

يُعلمنا التاريخ أن الحروب جميعها مهما طال أمدها تصل دومًا إلى نهاية. إن الواقع المأساوي الآن لا يقتصر فقط على سقوط عشرات الآلاف من أرواح المدنيين الفلسطينيين بسبب العدوان على قطاع غزة، بل إن الحرب في حد ذاتها تشكل تهديدًا خطيرًا للأمن الإقليمي، والاستقرار السياسي، والازدهار الاقتصادي في ظل تبعاتها غير الواضحة على السلام العالمي. وفي ضوء هذا السياق، يسعى صانعو السياسات والمحللون من كافة أنحاء العالم إلى صياغة رؤية ووضع استراتيجية حول كيفية تمهيد الطريق إلى سلام دائم واستعادة الشعور بالهدوء والاستقرار. فمنذ أواخر أربعينات القرن الماضي، دعا المجتمع الدولي، مُمثلا في القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، إلى إقامة حل الدولتين حيث افترضت تلك القرارات أن الفلسطينيين والإسرائيليين سيعيشون في سلام جنبًا إلى جنب. ثم جاءت حروب عام 1948، و1956، و1967، و1973م، لتَتسبب في تعقيد تنفيذ هذه الرؤية. وفي أوائل الثمانينيات، عمدت البلدان العربية، بزعامة المملكة العربية السعودية، إلى صياغة استراتيجية موسعة من أجل إنهاء الصراع العربي-الإسرائيلي، أُطلق عليها " مبادرة السلام العربية". وتدعو هذه الاستراتيجية، التي تم اعتمادها خلال القمم العربية ومن قبل الجامعة العربية، إلى الانسحاب الإسرائيلي من كافة الأراضي المحتلة في حرب 1967م، وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، إلى جانب تطبيق حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين. وعلى الرغم من عدم إبداء قادة إسرائيل قبول أو رفض للمبادرة، إلا أن سياساتهم المُتبعة منذ حينها، قضت على أية احتمالات بشأن إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.

بالتالي، سادت على مدى العقود القليلة الماضية نظرة تهكمية للرؤية المُتصورة بشأن إقامة دولة فلسطينية وأخرى إسرائيلية تعيشان جنبًا إلى جنب في سلام وأمان، باعتبارها رؤية ساذجة ميؤوسًا منها ووهمًا خطيرًا. وبعد عقود من فشل المساعي الدبلوماسية التي تتزعمها الولايات المتحدة في التوصل لهذه النتيجة، يبدو للكثير من المراقبين أن هذا الحلم قد مات. مع ذلك، فإن الحرب الدائرة رحاها في قطاع غزة والجهود الدبلوماسية المبذولة من أجل صياغة استراتيجية لما بعد الحرب، تكشف مدى مبالغة التقارير التي تتحدث عن موت حل الدولتين. وتظل مبادرة السلام العربية على هذا النحو هي السبيل الوحيد القابل للتطبيق من أجل جلب السلام والاستقرار إلى منطقة الشرق الأوسط.

وقد أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن وكبار مسؤولي الأمن القومي لديه مرارًا وتكرارًا ​​إيمانهم الشديد بأن السبيل الوحيد لخلق سلام دائم بين الإسرائيليين، والفلسطينيين، وسائر دول المنطقة يكمن في تطبيق حل الدولتين. ليست الولايات المتحدة وحدها هي التي تؤمن بذلك، فإن الدعوة إلى العودة إلى مبادرة السلام العربية، وتطبيق حل الدولتين ترددت على لسان قوى عالمية أخرى مثل أوروبا، وروسيا، والصين، وبعض الدول العربية، والسبب في ذلك لا يعد مُبهما أو غير واضحًا، فبعد كل شيء، لا يوجد بدائل أخرى قابلة للتطبيق من أجل إقامة حل الدولتين. فإما أن يكون الخيار هو الحل الذي تتبناه حركة حماس، والذي لا يترك مجالًا للمساومة أو التوصل لتسوية، أو ذلك الذي يعتمده اليمين الإسرائيلي المتطرف، بما يعني هو ضم إسرائيل للضفة الغربية، وتفكيك السلطة الفلسطينية، وترحيل الفلسطينيين إلى دول أخرى. والنهج الآخر المطروح، يتمثل في سياسة "إدارة النزاع"، التي تهدف إلى الحفاظ على الوضع القائم لأجل غير مسمى. ثم تأتي فكرة إقامة دولة ثنائية القومية يصبح فيها اليهود أقلية، وبالتالي إنهاء وضع إسرائيل كدولة يهودية. ولكن أيًا من هذه الخيارات لن يؤدي في نهاية المطاف إلى حل الصراع.

خطة "اليوم التالي" الإسرائيلية للتعامل مع غزة بعد الحرب: في أواخر شهر فبراير، طرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اقتراحه الأكثر تفصيلًا حتى الآن بشأن مستقبل قطاع غزة ما بعد الحرب، متعهدًا بـ الاحتفاظ بالسيطرة العسكرية على القطاع إلى أجل غير مسمى، مع التنازل عن إدارة الحياة المدنية لسكان غزة الذين لا تربطهم صلات بحماس. ويدعو الاقتراح أيضًا إلى تفكيك وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، وهي وكالة تابعة للأمم المتحدة المكلفة بتسليم الجزء الأكبر من المساعدات اللازمة للحياة إلى الأراضي المحاصرة. ويدعو المقترح إلى إصلاح شامل لأنظمة التعليم والرعاية الاجتماعية في غزة، وكذلك المناطق العازلة على طول حدود غزة مع إسرائيل ومصر. مع ذلك، لم تقدم الخطة معالجة واضحة لواحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل خارج إسرائيل: ما إذا كان سيتم السماح للمستوطنين الإسرائيليين بإعادة بناء المجتمعات على أراضي غزة، مثلما يُطالب أنصار نتنياهو من التيار اليميني. كما تترك الوثيقة الباب مفتوحًا أمام إمكانية التوصل إلى تسوية دائمة مع الفلسطينيين، لكنها تزعم أن ذلك لن يتم إلا من خلال المفاوضات المباشرة بين الطرفين -وهو رفض ضمني لتلميحات الدول، بما في ذلك بريطانيا وفرنسا، بأنه يمكنها الاعتراف من جانب واحد بالدولة الفلسطينية .. وكان نتنياهو قد استعرض معظم بنود الاقتراح في تصريحات علنية سابقة، لكن تعد تلك هي المرة الأولى التي يتم فيها جمعها ضمن وثيقة واحدة. 

يبدو أن إطار العمل الذي وضعه نتنياهو لنظام ما بعد الحرب في قطاع غزة، يضع حكومته في مسار تصادمي مستمر مع الولايات المتحدة وغالبية دول العالم حول مستقبل القطاع. حيث دعت إدارة جون بايدن والبلدان العربية إلى أن يكون قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة جزءًا من مستقبل الدولة الفلسطينية إلى جانب إسرائيل، مُجادلين بأنه لن يتم تسوية عقود من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي سوى من خلال إقامة حل الدولتين في نهاية المطاف. لكن يبدو أن خطط رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تستبعد قيام دولة فلسطينية ذات سيادة على المدى القريب، موضحًا أن إسرائيل سَتحتفظ إلى أجل غير مسمى بالسيطرة العسكرية على كافة الأراضي الواقعة غرب نهر الجوران، بما في ذلك قطاع غزة. ورغم أن مقترح نتنياهو لا يستبعد صراحة قيام دولة فلسطينية، إلا أن الطريقة المصاغ بها ستجعل من المستحيل إقامة أرض مستقلة في المستقبل المنظور، بما في ذلك غزة والضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل.

كما يدعو اقتراح رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى إغلاق حدود قطاع غزة مع مصر ــ وهو المعبر الوحيد في القطاع الذي لا يقع تحت السيطرة الإسرائيلية ــ من أجل وقف ما وصفه بعمليات التهريب التي تتم عبر الحدود، مشيرًا إلى أن ذلك سيتم بالتنسيق مع مصر وبدعم من الولايات المتحدة. لكن لم يكن من الواضح ما إذا كانت إدارة بايدن ستؤيد مثل هذه الخطوة. كما إنه من المرجح أن يؤدي ذلك إلى تصعيد التوترات مع مصر التي اعتبرت التهديدات الإسرائيلية بإرسال قوات إلى المنطقة العازلة التي تفصل غزة عن صحراء سيناء " تهديدًا خطيرًا للعلاقات المصرية-الإسرائيلية".

تضمن الخطة الإسرائيلية أيضًا تصورًا بشأن " فضاء آمن" داخل قطاع غزة على مر الحدود مع إسرائيل. حيث تقوم القوات الإسرائيلية بتطهير المنطقة، وهدم عشرات المنازل، وتسوية المصانع بالأرض، مما أثار إدانات دولية. وقد قال خبراء تابعون للأمم المتحدة أن التدمير المُمنهج لمنازل الفلسطينيين قد يرقى إلى فعل جريمة حرب. بالمثل، أعلنت الولايات المتحدة رفضها لأي تقليص دائم في حجم أراضي قطاع غزة على الرغم من تلميحها إلى إمكانية دعمها إقامة منطقة عازلة بشكل مؤقت داخله. من جانبه، قال المتحدث الرسمي باسم المجلس القومي الأمريكي جون كيربي، " لا نعتقد أنه سيكون هناك أي خفض في مساحة القطاع". كما دعت إدارة بايدن إلى "إعادة تنشيط" السلطة الفلسطينية لتولي زمام الأمور في غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي.

لقد كُتبت خطة نتنياهو لما بعد الحرب بعناية فائقة، بحيث يتَأجل اتخاذ أية قرارات على المدى البعيد بشأن مصير الأراضي وتفادي مواجهات لا رجعة فيها مع الحلفاء المحليين والشركاء الخارجيين. وفي أواخر فبراير، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن: " إن الحكومة الأمريكية تعتبر المستوطنات الإسرائيلية الجديدة داخل الأراضي الفلسطينية غير متسقة مع القانون الدولي". وهو ما يشكل ارتدادًا على السياسة المتبعة إبان حكم إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب وعودة إلى الموقف الأمريكي الراسخ منذ عقود بشأن هذه القضية الشائكة.

وفقًا لمقترح نتنياهو، فإن مستقبل قطاع غزة سيكون مُقسمًا إلى ثلاث مراحل: المدى القريب، والمتوسط، والمدى البعيد، كما كان الاقتراح واضحًا في عزم إسرائيل مواصلة حصارها المستمر منذ سنوات على القطاع، فضلًا عن عزمها مواصلة انخراطها في الحياة المدنية هناك، بما في ذلك وضع السياسات المحلية، والمناهج الدراسية، والتعاليم التي تدرس داخل المساجد. عمليًا، قد تضمن الخطة استمرار السيطرة الإسرائيلية الكاملة على قطاع غزة وشعبه البالغ تعداده 2.3 مليون نسمة، لتجمع إسرائيل بذلك بين احتلالها للأراضي الفلسطينية على مدى عقود، مع حصارها العقابي المفروض على القطاع منذ عام 2007. وأوضح جون كيربي أن واشنطن تؤمن بأنه أيًا كان شكل قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب، فينبغي أن يكون للشعب الفلسطيني صوتًا مسموعًا وحقًا للتصويت على ما سيبدو عليه الأمر من خلال السلطة الفلسطينية التي سيُعاد تنشيطها. كذلك تعارض إدارة بايدن تهجير الفلسطينيين خارج الأراضي الفلسطينية. ويتشابه الموقف الأوروبي مع ذلك الذي تتبناه الولايات المتحدة والدول العربية، بل والعالم أجمع. ويتلخص موقف الاتحاد الأوروبي في أن إسرائيل لا تستطيع البقاء في غزة على المدى الطويل، أو إعادة احتلالها، أو السيطرة عليها، كما تعتقد بروكسل أن غزة يجب أن تحكمها السلطة الفلسطينية.

الآفاق المستقبلية: تقدمت إدارة الرئيس الأمريكي جون بايدن بمقترح إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول نظام إقليمي جديد خلال فترة ما بعد الحرب من شأنه أن يثبط قدرة حركة حماس على تهديد إسرائيل وينهي حكمها لقطاع غزة، مقابل تحويل سلطة القطاع إلى السلطة الفلسطينية التي سيعاد تنشيطها (بمساندة الحكومات العربية) وتطبيع العلاقات العربية-الإسرائيلية. ذلك كله يعد مشروطًا بموافقة إسرائيل على إجراء عملية سياسية مع وضع هدف طويل الأجل وهو تطبيق حل الدولتين بدعم من الحكومات العربية. وتتمثل الرؤية الأمريكية في بلورة عملية تؤدي في نهاية المطاف إلى قيام دولة إسرائيل آمنة تعيش جنبًا إلى جنب، خلف حدود متفق عليها، مع دولة فلسطينية قابلة للحياة في الضفة الغربية وقطاع غزة. بالتالي، فإن المقترح الأمريكي وضع نتنياهو أمام خيارين لا ثالث لهما إما الانضمام إلى الخطة المدعومة من الولايات المتحدة لليوم التالي في غزة، أو الاستسلام لضغوط شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف الذين يسعون إلى ضم الأراضي الفلسطينية وبالتالي نبذ أي مقترح يتضمن إنشاء دولة فلسطينية. وفي حال قرر نتنياهو الإذعان لواشنطن، فإنه يخاطر بخسارة دعم تلك الشخصيات اليمينية المتطرفة، الأمر الذي يعني نهاية حكومته. وإذا واصل رفض نهج بايدن، فإنه يخاطر بزج إسرائيل في الوحل داخل قطاع غزة: بما ينذر بإشعال فتيل انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية والانخراط في حرب جديدة أمام جماعة حزب الله في لبنان. وإذا أصرت حكومة نتنياهو على رفض تطبيق حل الدولتين، فإنها ربما تخاطر بتقويض العلاقات مع الولايات المتحدة وإلقاء بظلال من الشك على اتفاقيات السلام التي وقعتها إسرائيل مع مصر والأردن منذ أمد بعيد. ولايزال الرئيس الأمريكي في انتظار رد نتنياهو وحكومته، في حين يخشى بعض من مستشاري الرئيس بايدن، اعتمادًا على التجربة، من أن يحاول نتنياهو خداع الجانبين إلى ما بعد انتخابات الرئاسة الأمريكية المقررة في شهر نوفمبر المقبل.

بشكل عام، تشهد إسرائيل تآكلًا سريعًا لمكانتها بين الأمم، وإذا لم يتوخ بايدن الحذر، فإن مكانة الولايات حول العالم ستكون في طريقها للتآكل إلى جانب مكانة إسرائيل. فإن مقتل العديد من المدنيين في حرب قصيرة الأمد نسبيًا قد يمثل أزمة بغض النظر عن السياق الذي تدور فيه. ولكن عندما يسقط هذا العدد الكبير من المدنيين في غزو انتقامي شنته حكومة إسرائيلية دون أي أفق سياسي في صباح اليوم التالي ــ ثم يخرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بخطة للصباح التالي تقول للعالم في الأساس أن بلاده تعتزم احتلال كل من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى أجل غير مسمى ــ فليس مستغربًا أن يبتعد أصدقاء إسرائيل وحلفاؤها وأن تبدأ إدارة بايدن في الظهور بمظهر البائس. فقد أضحى العديد من حلفاء إسرائيل حاليًا فقط يصلون من أجل تطبيق وقف لإطلاق النار، بحيث لا يتعرضون إلى مساءلة من قبل موَاطنيهم، وناخبيهم -لاسيما من فئة الشباب-حول كيف يمكنهم إبداء هذا الكم من اللامبالاة حيال سقوط أعداد متزايدة من أرواح المدنيين في قطاع غزة.

إن الحرب الدائرة في غزة أصبحت تبدو في أعين المزيد والمزيد من البشر وكأنها "مفرمة لحم بشرية" هدفها ليس سوى تقليص عدد السكان، حتى تتمكن إسرائيل من بسط سيطرتها على القطاع بسهولة أكبر. في حين أن الفرصة الفريدة السانحة من أجل إنهاء الصراع العربي-الإسرائيلي وجلب السلام والاستقرار إلى سائر المنطقة تم إهدارها بسبب رفض نتنياهو تشجيع أية احتمالات تمهد الطريق أمام تطبيق حل الدولتين. فإن الإسرائيليين عاجزون عن رؤية أن التحرك شيئًا فشيئًا نحو إقامة دولة فلسطينية ليست منحة يمنون بها على الشعب الفلسطيني أو مكافأة تمنح لحماس. بل أن تطبيق حل الدولتين من شأنه أن يخدم المصالح القومية الأساسية للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي. على عكس الاحتلال الإسرائيلي الدائم لقطاع غزة الذي سيتسبب في تعقيد العلاقات بين تل أبيب والعالم العربي والمجتمع الدولي ويضع إدارة بايدن في موقف لا يمكن تبريره أو الدفاع عنه.

قد يكون من الصعب رؤية كيف يمكن أن تساعد الحرب في غزة على إعادة إحياء حل الدولتين، بعد أن تسببت في مقتل أكثر من 30 ألف فلسطيني، من بينهم الآلاف من الأطفال، وتدمير غالبية المنازل والبيوت داخل القطاع. وفي الضفة الغربية، يتفاقم الغضب الشعبي حيال ما يجري في غزة، بسبب العنف الممنهج الذي يمارسه المستوطنون الإسرائيليون الذين يواصلون مهاجمة الفلسطينيين وإجبارهم على إخلاء منازلهم. ولكافة هذه الأسباب المذكورة، ثمة انفصال تام بين الدعوات الدولية المتجددة من أجل تطبيق حل الدولتين والمستوى غير المسبوق من العنف والدمار. ويرى بعض المحللين أن أفضل ما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة في هذا السياق هو محاولة إنهاء القتال في أقرب وقت ممكن، ثم التركيز على إعادة بناء الحياة داخل القطاع بعد أن تقطعت أوصالها، وتنحية قضية التوصل إلى حل نهائي للصراع جانبًا في الوقت الراهن، إلى أن تظهر قيادة جديدة وتصبح الظروف أكثر ملاءمة للتفكير فيما يبدو الآن وكأنه أفكار بعيدة المنال للسلام والمصالحة.

إن قدرة الائتلاف الحكومي الذي يقوده نتنياهو مع الأحزاب اليمينية والدينية المتطرفة على البقاء، تعد مرهونة برفض حل الدولتين وعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة. مع ذلك، لا يزال الرئيس الأمريكي جون بايدن محتفظًا بالقدرة على ممارسة نفوذ كبير على نتنياهو، في ظل اعتماد الجيش الإسرائيلي الآن بشكل كبير على الإمدادات العسكرية من الولايات المتحدة، خاصة في الوقت الذي يفكر فيه إلى الاضطرار إلى خوض حرب على جبهتين ضد حماس في غزة، وأخرى ضد حزب الله في جنوب لبنان. وحتى لو اختارت إسرائيل شن حملة أكثر استهدافًا في غزة، فسوف يتعين عليها إعادة تخزين ترسانتها من الأسلحة والاستعداد لحرب تستخدم فيها الموارد بشكل مكثف أمام حزب الله.  وتعد مسألة التراجع على تزويد إسرائيل بالمؤن والإمدادات العسكرية، فكرة غير محبذة لدى الرئيس بايدن الذي لا يرغب في أن يبدو وكأنه يقوض أمن إسرائيل. لكن على مستوى المواجهة مع نتنياهو، يمكن للرئيس الأمريكي أن يتلكأ في اتخاذ قرارات معينة من خلال ربط الأمور بإجراءات بيروقراطية أو طلب مراجعات من جانب الكونغرس. فقد أصبحت الولايات المتحدة الآن وعلى نحو متزايد خط الدفاع الأول لإسرائيل لاسيما بعد استخدامها حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لحماية إسرائيل. باختصار، إن إدارة الرئيس بايدن تتمتع بنفوذ كبير، وما تفتقر إليه هو الإدارة السياسية لاستغلال هذا النفوذ. بالتالي، ينبغي على الرئيس الديمقراطي أن يوضح للإسرائيليين الخيارات المتبقية في جعبتهم؛ وهي إما مواصلة السير على الطريق نحو حرب أبدية مع الفلسطينيين ومواجهة انتقادات وإدانات دولية مكثفة ومتزايدة، أو تبني حل الدولتين، كما ورد في مبادرة السلام العربية قبل بضعة عقود، والتمتع بعلاقات سلمية مع جيرانهم العرب.

مقالات لنفس الكاتب