array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 196

الرؤية الخليجية تسد فجوة مبادرة إيران "هرمز للسلام" وتراجع الدور الأمني الأمريكي

الأحد، 31 آذار/مارس 2024

تٌمثل وثيقة "رؤية دول مجلس التعاون الخليجي للأمن الإقليمي" إضافة مهمة للنقاش حول كيفية تدعيم الاستقرار داخل المنطقة الخليجية. فقد جاءت الوثيقة، التي تأخر موعد طرحها، لتسد الفجوة التي ظهرت في أعقاب طرح إيران مبادرتها التي حملت عنوان "هرمز للسلام" داعية إلى نظام أمني جماعي داخل الخليج، وتقديم روسيا اقتراحها الخاص الذي جاء في الواقع مشابهًا تمامًا للمبادرة الإيرانية، في حين لم يتم طرح أي وثيقة مماثلة من قبل دول مجلس التعاون الخليجي في ذلك الوقت. وبينما تُحدد وثيقة مجلس التعاون الخليجي المبادئ والدوافع للأمن الإقليمي إلى جانب سلسلة من المواقف بشأن القضايا ذات الأهمية الإقليمية، يجب توضيح أنه لا سبيل لتحقيق هذه الرؤية بواسطة دول مجلس التعاون الخليجي وحدها. وحتى تتجه الرؤية نحو شكل ما من أشكال السياسة القابلة للتنفيذ، ستحتاج دول الخليج إلى عقد شراكات دولية. ومن المُثير للاهتمام عند التدقيق في الوثيقة الخليجية هو التركيز على كلمة "الدولي". حيث تمت الإشارة في الوثيقة القصيرة نسبيًا، نحو 19 مرة إلى لفظ "الدولي" بشكل مباشر، كما تنص الرؤية بوضوح على أن "إقامة علاقة دولية متينة أمر حيوي في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين ودعم السلام والأمن الدوليين".

وعندما يتعلق الأمر بالقضايا التي تتطلب اتخاذ إجراءات لتعزيز الأمن الإقليمي، تُشير الوثيقة إلى "دعم المساعي الدولية"، والالتزام "بالمعايير الدولية"، والتعامل مع "أصحاب المصلحة الدوليين". وهذا ما يميز الرؤية عن تلك الخاصة بالمبادرة الإيرانية أو المقترح الروسي المذكور أعلاه والذي يؤكد كل منهما إلى حد كبير ضرورة الابتعاد عن المشاركة الدولية المنسقة في الشؤون الإقليمية. على النقيض، جاءت الوثيقة الخليجية واضحة في قناعتها بأن البيئة الإقليمية لا يمكن فصلها عن البيئة الدولية. وبهذا المعنى، فإن الاقتراح الذي يتم طرحه الآن يتبع الاستنتاجات التي توصل إليها وزير الخارجية السعودي السابق سعود الفيصل الذي جادل قبل عشرين عامًا، عند تقديم رؤيته للأمن الإقليمي خلال عام 2004م، بأن “الدعم الدولي سيكون مطلوبًا دائمًا في هذا الصدد …ولا يمكن فصل الأمن الخليجي بشكل واقعي عن العوامل التي لها تأثير على النظام الدولي"، ونتيجة لذلك فإن الضمانات الدولية مطلوبة إذا أردنا بناء نظام مستقر ودائم للأمن الإقليمي.

وبينما ستواصل الولايات المتحدة الاضطلاع بالدور الأساسي عندما يتعلق الأمر بالقضايا الأمنية داخل منطقة الخليج، إلا أن التطورات الأخيرة تشير على ما يبدو إلى أن واشنطن قد لا تكون راغبة أو حتى قادرة على الاستمرار على ممارسة دورها التاريخي في المستقبل المتوسط إلى الطويل .. فمن ناحية، رأت الولايات المتحدة كيف تتحول مغامراتها الأخيرة داخل المنطقة سواء في العراق وأفغانستان إلى مستنقعات، مما أدى إلى توليد شعور بالضجر من التفكير في مثل هذا المشاركة المستمرة. ومن ناحية أخرى، وكما أظهرت الأزمة الأخيرة بشأن الحرب على قطاع غزة، فإن الولايات المتحدة ليس لديها موقف متوازن بشأن القضايا الحاسمة المتعلقة بالأمن الإقليمي. كما أن رفضها الضغط على الحكومة الإسرائيلية الحالية من أجل وقف إطلاق النار الفوري وإنهاء الحملة الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة يُزيد من مخاطر التصعيد الإقليمي والتطرف المتزايد عوضا عن تخفيفه. وبالمثل، فإن استخدام الغارات الجوية الانتقامية على وكلاء إيران داخل المنطقة التي تشكل تهديدا للوضع الإقليمي الراهن، مثل جماعة الحوثي وهجماتها على ممرات الشحن الدولي في البحر الأحمر -لا يمكن اعتباره استراتيجية قادرة على القضاء على أحد التحديات الرئيسية التي تواجه الاستقرار الإقليمي. وفي حين أن الولايات المتحدة لا تزال القوة العسكرية المُهيمنة داخل منطقة الشرق الأوسط، فإن الافتقار إلى استراتيجية سياسية متسقة ومتوازنة يعني أن واشنطن في حد ذاتها لم تعد كافية لإنشاء نظام أمني إقليمي والحفاظ عليه وحمايته.

ومثلما دعا وزير الخارجية السعودي السابق الأمير سعود بن فيصل إلى ضمانات من جانب الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، (ما يسمى P-5)، فإن الرؤية الحالية لمجلس التعاون الخليجي تقتضي بأن يمارس المجتمع الدولي الأوسع دورًا داعمًا منسقًا. نقطة البداية ستكون بالطبع أن تتحمل دول الخليج نفسها مسؤولية اتخاذ الخطوات الأولية التي تضع الأساس لخفض التصعيد الإقليمي وبيئة الصراعات، وفي هذا الصدد، تقوم دول مجلس التعاون الخليجي بعملها بشكل جيد، حيث تم رأب الصدع الخليجي بعد إنهاء الأزمة مع دولة قطر، كما تواصلت المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى مع إيران، بما في ذلك إعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران في مارس 2023م، وبذلت المملكة العربية السعودية جهودًا جادة لإنهاء حرب اليمن. وحتى مع استمرار الحرب على قطاع غزة، فقد أكدت دول مجلس التعاون الخليجي على سياستها المتمثلة في رهن تطبيع العلاقات مع إسرائيل بمجرد أن يتحقق حل الدولتين ويُمنح الشعب الفلسطيني حقوقه.

كذلك فإن الإصرار على "الحفاظ على الأمن الإقليمي، وضمان استقرار دول المنطقة، وتعزيز رخاء شعوبها، وتعزيز السلام والأمن الدوليين" كما ورد في وثيقة الرؤية الخليجية للأمن الإقليمي، يجب أن يحظى في السياق المذكور أعلاه بدعم واسع النطاق من الدول التي لديها مصلحة خاصة في استتاب الأمن والاستقرار الإقليمي. وفي هذا السياق، تعتبر أوروبا هي اللاعب التالي بعد الولايات المتحدة. فعلى مدار الأعوام القليلة الماضية، كانت هناك جهود واضحة من قبل الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه من أجل تحديد أفضل للشكل الذي قد تبدو عليه المساهمة الأوروبية في دعم الأمن الإقليمي. وتُمثل وثيقة الشراكة الاستراتيجية مع منطقة الخليج اعتبارًا من مايو 2022م، التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي، إقرارًا واضحًا بأن "الوضع الأمني والاستقرار في منطقة الخليج يحمل عواقب مباشرة على الاتحاد الأوروبي" وأن "الكتلة الأوروبية لديها الكثير لتحققه من خلال تحالف أكثر قوة وأكثر عمقًا استراتيجيًا مع مجلس التعاون الخليجي ودوله الأعضاء”.

ومنذ يونيو 2022م، أصبحت هذه الوثيقة تمثل خط السياسة الرسمي فيما يتعلق بمنطقة الخليج بعد تصديق مجلس الاتحاد الأوروبي عليها. والأهم من ذلك، أن السياسات المتضمنة في الوثيقة لم تظل منذ حينها مجرد حبر على ورق، بل في الواقع تم اتخاذ العديد من الخطوات لتنفيذ الأفكار التي تروج لها الشراكة المقترحة. ويشمل ذلك تعيين ممثل خاص للاتحاد الأوروبي لمنطقة الخليج في شخص وزير الخارجية الإيطالي السابق لويجي دي مايو، الذي تولى منصبه في يونيو 2023م؛ إلى جانب إعادة الاجتماعات السنوية للمجلس الوزاري المشترك بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، حيث عقد آخر اجتماع في عمان في أكتوبر 2023م، ومن المقرر عقد الاجتماع التالي في وقت لاحق من عام 2024م؛ كذلك تم عقد أول حوار أمني بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي في الرياض في يناير 2024م، في حين من المقرر أن يتم إجراء أول منتدى رفيع المستوى بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي على المستوى الوزاري في لوكسمبورغ في 22 من إبريل المقبل (2024م). كما قام الاتحاد الأوروبي بتعزيز مكانته المؤسسية داخل دول مجلس التعاون الخليجي من خلال افتتاح مقر لبعثة الاتحاد الأوروبي في قطر في عام 2022م، وآخر مخطط له داخل سلطنة عمان. ولذلك يمكن القول إن العلاقات بين الجانبين تشهد زخمًا كبيرًا، مما يشير أيضًا إلى إمكانية استمرار تعميق العلاقات بشأن القضايا المشار إليها في رؤية مجلس التعاون الخليجي.

في الواقع، عندما يتم إلقاء نظرة تفصيلية في مضمون القضايا المذكورة بوثيقة مجلس التعاون الخليجي، يمكن للمرء أن يرى على الفور التداخلات العديدة والمشتركة مع نص الشراكة الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي. حيث ترد إشارة بشكل خاص في رؤية مجلس التعاون الخليجي إلى المخاوف بشأن التسلح النووي، والأمن البحري، ومكافحة الإرهاب والتطرف، والأمن السيبراني، واستقرار أسواق الطاقة العالمية، وتغير المناخ، وكذلك الأمن المائي والغذائي. وفي الوقت ذاته تتضمن وثيقة الاتحاد الأوروبي إشارات إلى آليات التعاون لتعزيز الأمن البحري، وبدء حوار حول الأمن السيبراني، وإنشاء فريق خبراء متخصص في الطاقة والمناخ بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي لتوسيع حوار السياسات بشأن تحديات التحول الأخضر، وتعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب، ومكافحة التطرف. وما يمكن للمرء أن يستنتجه هو ثمة تكامل واضح بين المسار الذي تتصوره الرؤية الخليجية، وما يقترحه الاتحاد الأوروبي ضمن إطار أمني إقليمي محتمل.

وما يجعل أوروبا شريكًا محتملًا مفضلًا، هو أيضًا وعي الاتحاد الأوروبي المتزايد بالأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج وحاجته إلى مضاعفة جهوده لبناء علاقة عمل جوهرية مع دول مجلس التعاون الخليجي. وخلال كلمتها الرئيسية أمام قمة حوار المنامة الثامنة عشرة للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في البحرين في نوفمبر 2022م، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين: "إن أمن الخليج مهم لأوروبا، مثلما يعد أمن أوروبا مهمًا للخليج… أعتقد أننا نواجه فرصة تاريخية لتأسيس علاقات جديدة بين منطقتينا". وعلى هذا النحو، فقد حملت كلمة المسؤولة الأوروبية دلالات مهمة حيث سلطت الضوء على التحول في الخطاب الأوروبي صوب مزيد من الاتساق والاهتمام بالآفاق المستقبلية في النهج الأوروبي الشامل تجاه منطقة الخليج. وما كان جديرًا بالملاحظة بشكل خاص هو اعتراف فون دير لاين بأن أوروبا لم تُصغِ بشكل كاف إلى دول مجلس التعاون الخليجي في تقييمها للبيئة الإقليمية، لا سيما عندما يتعلق الأمر بإيران. وقالت: "لقد استغرقنا وقتًا طويلًا لفهم حقيقة بسيطة للغاية وهي أنه بينما نعمل على منع إيران من تطوير أسلحة نووية، يجب علينا أيضًا التركيز على أشكال أخرى من انتشار الأسلحة، من الطائرات بدون طيار إلى الصواريخ الباليستية. إنه خطر أمني، ليس فقط على الشرق الأوسط، بل علينا جميعًا".

لطالما اشتكت دول مجلس التعاون الخليجي من أن تحليلاتها الخاصة بالبيئة الإقليمية، وهي المنطقة التي تنتمي إليها والتي تعيش فيها، قد تم تجاهلها إلى حد كبير من قبل معظم أقطاب المجتمع الدولي، وفي المقام الأول من قبل الولايات المتحدة وأوروبا. بالتالي، إن إدراك أوروبا لحقيقة مفادها أن أي حوار مع دول مجلس التعاون الخليجي ينبغي أن يكون على قدم المساواة، بحيث يكون دور أي قوى خارجية هو الإنصات أولا، يشكل خطوة أساسية في الاتجاه الصحيح. وفي بادرة مشجعة، اتبعت بروكسل تصريحاتها الخاصة بهدف زيادة عدد قنوات الحوار التي تتشاور فيها دول مجلس التعاون الخليجي ودول الاتحاد الأوروبي بانتظام عندما يتعلق الأمر بالقضايا ذات الاهتمام الإقليمي والعالمي. كما أكد الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي دي مايو أيضًا أن تركيزه الأساسي منذ بداية ولايته كان على "المشاركة نيابة عن الاتحاد الأوروبي، مع شركائنا في الخليج، للاستماع إليهم، وفهم مصالحهم والحساسيات والشواغل الخاصة بهم".

إن تحسن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي بشكل كبير قد تم التأكيد عليه من خلال الاجتماع الوزاري بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي في عمان في أكتوبر 2023م، وفي البيان المشترك الصادر بعد الجلسة، اتفق الجانبان على "تنسيق الجهود بشأن القضايا الإقليمية والعالمية، بما في ذلك انتشار الأسلحة النووية والصواريخ والطائرات بدون طيار؛ الأمن البحري؛ الأمن الإلكتروني؛ مكافحة الإرهاب؛ وتمويل الإرهاب والتجنيد والأيديولوجية؛ الاتجار بالبشر؛ تهريب المخدرات؛ الهجرة غير النظامية؛ جريمة منظمة؛ بالإضافة إلى أمن الطاقة وأمن الإمدادات الغذائية العالمية والتأهب للكوارث والاستجابة لحالات الطوارئ.

كما حمل البيان الأوروبي الخليجي المشترك بشأن الأحداث في قطاع غزة أهمية خاصة، نظرًا لأن الاجتماع عقد في أعقاب أحداث 7 أكتوبر مباشرة. وكانت هناك إشارة إلى ضرورة حماية المدنيين، والتزامات جميع الأطراف بموجب القانون الإنساني الدولي، والإفراج عن جميع الرهائن، والحاجة الملحة إلى إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط وفقًا لمبادرة السلام العربية. ومنذ ذلك الحين، واصلت أوروبا ودول الخليج العربي حوارها بشأن أزمة غزة، وهناك إجماع متزايد بين دول الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين على أن الوقف الفوري لإطلاق النار إلى جانب الجهود الرامية إلى التوصل إلى حل سياسي دائم هو الطريق إلى الأمام. ويشمل ذلك النظر في توسيع المزيد من دول الاتحاد الأوروبي لاعترافها الرسمي بدولة فلسطين المستقلة ذات السيادة، فضلًا عن إمكانية التحرك في الأمم المتحدة للضغط من أجل إصدار قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يكرس رسميًا قيام الدولة الفلسطينية.

تؤكد قضية أمن البحر الأحمر أيضًا على تشابه التقييمات والمناهج بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول الاتحاد الأوروبي. ومع الموافقة على بدء عملية "أسبيدس" لحماية الشحن التجاري، لم يصنف الاتحاد الأوروبي البحر الأحمر باعتباره مصدر قلق بالغ فحسب، بل أكد أيضًا على أن السلامة البحرية أضحت عنصرًا ذا أولوية بالنسبة للقارة العجوز. تتبع عملية "أسبيدس" العديد من المهام البحرية الأخرى التي نفذتها أوروبا بالفعل داخل المياه المحيطة بشبه الجزيرة العربية، بما في ذلك عملية" أتالانتا" التي تم إطلاقها في عام 2008 لمنع أعمال القرصنة ومكافحتها في المحيط الهندي، وحملة التوعية البحرية الأوروبية لمضيق هرمز و "عملية أجينور" التي تم إطلاقها في يناير 2020م.

ونظرًا لتركيزها على مبدأ عدم الاشتباك، يمكن أن تصبح "عملية أسبيدس" منصة لبناء الثقة مع دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية الأخرى. وكما أوضح المسؤولون الأوروبيون، تريد أوروبا، من خلال عملياتها، السماح ببعض المساحة لخفض التصعيد مع التركيز على حماية الشحن وإبقاء الممرات البحرية مفتوحة قدر الإمكان. وعلى غرار موقف دول مجلس التعاون الخليجي، فإن الهدف هنا هو منع تصعيد أكبر في المنطقة بالإضافة إلى تجنب أي موقف مواجهة تجاه إيران. لذلك فهو مثال آخر على أن وجهات النظر الأوروبية ودول مجلس التعاون الخليجي حول التطورات الحالية في الشرق الأوسط وكيفية التغلب على التحديات القائمة تتداخل على نطاق واسع، وبالتالي ينبغي أن ينظر إليها على أنها داعمة لبعضها البعض. 

في الوقت ذاته، لا تعد أوروبا وصفة طبية سحرية لكافة العلل التي تعاني منها المنطقة. فلا يقتصر الأمر على فكرة انشغال أوروبا بالأزمة في أوكرانيا وما يترتب على ذلك من آثار على النظام الأمني الأوروبي ككل، بل إن أوروبا لم تثبت في الماضي قط أنها جهة فاعلة أمنية يمكنها بمفردها توفير الضمانات اللازمة لوجود حل سلمي، وتأثيرها على البيئة الأمنية الإقليمية المضطربة في الشرق الأوسط. إن افتقار أوروبا إلى تبني موقف موحد فيما يتصل بالأزمة في غزة يسلط الضوء مرة أخرى على نقاط الضعف والثغرات الأوروبية الخطيرة عندما يتعلق الأمر باتخاذ موقف مبدئي بشأن قضية شائكة مثيرة للقلق. ومع ذلك، فإن ما تجلبه أوروبا إلى الطاولة هو دور سياسي محتمل التأثير، والذي عند اقترانه بالوظيفة الأمنية التي تضطلع بها الولايات المتحدة، يمكن أن يثبت أهميته عندما يتعلق الأمر بتعزيز رؤية مجلس التعاون الخليجي بشأن الأمن الإقليمي. 

في نهاية المطاف، من الجيد أن يتم طرح رؤى واستراتيجيات، ولكن لكي تتحول إلى إرث استراتيجي دائم، يتطلب الأمر جدية التنفيذ. ومن خلال صياغة رؤيتهم الخاصة خطت دول مجلس التعاون الخليجي خطوة مهمة نحو العمل على خفض التوترات الإقليمية وبناء نظام إقليمي جديد. وعليه، تستحق تلك الرؤية اهتماماً جدياً من شركائها الدوليين.

مقالات لنفس الكاتب