array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 196

حجم وطبيعة التحديات التي يواجهها الاتحاد الإفريقي ساهمت في وأد طموحاته

الأحد، 31 آذار/مارس 2024

نزاعات وصراعات وانقلابات وحروب أهلية وبينية بفواعل دولية وما دون دولية وما فوق دولية. ذلك هو المشهد في إفريقيا، ففي إفريقيا لا صوت يعلو فوق كل ما يرمز للا أمن واللا سلم وما تكتنفه هذه الظاهرة وما تحمله من تداعيات على ظاهرة "الأمننة" في قارة ما فتأت تنفض على نفسها غُبار قرون من الاضطهاد والعبودية إلا ووجدت نفسها في أُتون دوامة الحروب والنزاعات التي حوًلت القارة إلى رمز لكل مظاهر غياب الأمن والاستقرار، وضع ساهمت فيه محدّدات تاريخية مرتبطة بالخارطة الجيو سياسية التي أفرزتها قرون من الاستعمار وأجندته الإمبريالية الكولنيالية التي ما زالت مستمرة حتى اليوم وإن تغيرت آلياتها وأدواتها، وأخرى مرتبطة بالواقع الاثني والعرقي الذي لطالما امتزج بدوافع سياسية واقتصادية شكّلت في مجملها بيئة خصبة لتصاعد مبرّرات غياب الأمن والاستقرار في كثير من أقاليم القارة، مستندة لضعف وهشاشة منطق الدولة أحيانًا بل وفشلها أحيانًا أخرى.   

في ضوء هذه المعطيات تبرز جهود منظمات إقليمية في إفريقيا كالاتحاد الإفريقي وما يندرج ضمنه من مجموعات إقليمية متفرعة على غرار الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "الإيكواس"-الجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي–الهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد" وغيرها، كواجهة معبّرة عن الإدراك الجماعي للدول الإفريقية في درء مخاطر غياب الأمن والسلم، وما لذلك من آثار وخيمة على ملفات متصلة وذات علاقة على التنمية ومستوى المعيشة في قارة تحمل متناقضات زاوجت بين ما ترمز إليه من فقر وحرمان رغم ما تزخر به من مقدّرات طبيعية واحتياطات نفطية وغازية ومعدنية وزراعية جعلت منها "قارة خام" بامتياز، بغض النظر على مدى نجاعة وفعالية جهود هذه المنظمات من عدمها.

انطلاقًا مما سبق تبرز عديد التساؤلات المرتبطة بالإشكالات البحثية التي يكتنفها موضوع الدراسة من قبيل: ما مدى فعالية دور الاتحاد الإفريقي وما يقع ضمنه من جماعات إقليمية فرعية في إرساء معالم السلم والأمن في إفريقيا؟ وكيف تعاطى الاتحاد الإفريقي مع ملف منع وإدارة وتسوية النزاعات في القارة؟ في ظل تنامي مظاهر اللا استقرار من نزاعات وانقلابات في كثير من الدول الإفريقية بداية بالسودان وشرق إفريقيا مرورًا بمنطقة الساحل وصولًا إلى غرب إفريقيا. وما تأثير هذا الوضع وما يكتنفه من حدود ومستويات للأمننة الإقليمية على ملفات مرتهنة لذلك على غرار ملف التنمية والوضع الإنساني وغيرها؟

نظرًا لتعدد أوجه الظاهرة قيد الدراسة وتباين مستويات تحليلها وحالة التعقيد الشاملة بالنظر لتوسع مفهوم الأمن ليشمل كل مناحي الحياة بعيدًا عن الأطر التقليدية التي تحدّد المضامين الضيقة لظاهرة "الأمن" في نسختها التقليدية، فقد إرتأينا تبنّي منهجية بحثية وفق الخطة الآتية:

  • المقاربة الإقليمية للأمن "مدخل نظري ومفاهيمي".
  • الاتحاد الإفريقي "التأسيس وماهية الأهداف".
  • من "المنع" إلى "الإدارة والتسوية": كيف تعامل الاتحاد الإفريقي مع ملف النزاعات الإقليمية في القارة؟
  • مجلس السلم والأمن الإفريقي: تجارب من حالات التدخل وحدود الفعالية.
  • تصاعد الاعتماد على المنظمات الإقليمية الفرعية "إيكواس – إيغاد".
  • التحديات التي تواجه الاتحاد الإفريقي في مساعيه لتحقيق السلم والأمن الإقليميين.
  • التعاون الإقليمي والدولي ضمن رهانات الاتحاد الإفريقي "جامعة الدول العربية والأمم المتحدة نموذجًا".
  • المقاربة الإقليمية للأمن "مدخل نظري ومفاهيمي":

كأحد المقاربات النظرية في حقل الدراسات الأمنية جاءت الإقليمية، والإقليمية الجديدة لتسدّ الفراغ بين مستويات التحليل التقليدية المرتبط بثنائية الدولة والنظام الدولي، وتعالج في مضامينها جملة التهديدات الجديدة العابرة للحدود وللقوميات التي تقع في خانة ما فوق الوطنية القومية وما دون الدولية، بما يميز ويتميز به هذا المستوى التحليلي الإقليمي لمقاربة الأمننة من محدّدات ساهمت في استقلاليته عن باقي المستويات التحليلية، كما ساهمت في الدفع بالمستوى الإقليمي ليكون واجهة للتحليل الأمني انطلاقًا من الأطر التنظيرية للأمننة الإقليمية التي أفرزها هذا التحول، في دلالة على هذا التحول في المضامين التقليدية لظاهرة "الأمننة" نحو المستوى الإقليمي الذي لطالما ظل مغيبًا عن النقاشات التحليلية الأمنية عبر تضمينه تارة في مفهوم الأمن الدولي أو إلحاقه تارة أخرى بكنف الأمن الوطني.

مفاهيميًا، يُقصد بالأمننة الإقليمية توفير الحماية لنظام العلاقات المتبادلة بين دول الإقليم ضد مصادر التهديد وما ينبثق عنها من أزمات ونزاعات وحروب بأبعاد إقليمية مباشرة وغير مباشرة، هذه المعطيات تفرض على فواعل الإقليم التحرّك لبناء "جماعة أمنية" ترتكز في علاقاتها البينية على السلم والتعاون المحليين والإقليميين، كبديل عن العلاقات الصراعية التي تفرز مركبًا أمنيًا إقليميًا غير مستقر، حيث يبرز نموذج الاتحاد الأوروبي كأكثر النماذج التي تشكّل مرجعية لهذا التوجه.

نظريًا، تعدّ الأمننة الإقليمية من الإسهامات التي أبرزتها مدرسة كوبنهاجن، حيث شكّلت أطروحة "باري بوزان" و"أولي ويفر" التي أسّست لما عُرف لاحقًا بـ "نظرية مركب الأمن الإقليمي" بالتوازي مع ظهور مقاربة "الجماعة الأمنية الإقليمية" في نموذجها "الدوتشي" أو "البنائي" أحد أبرز تجليات هذه الطفرة التي أفرزتها مدرسة كوبنهاجن فيما تعلّق بالأطروحات التنظيرية للأمننة الإقليمية، والتي تقوم وفق هذه المنظورات على عديد من الأسس والمفاهيم:

ـ تعكس الأمننة الإقليمية الطبيعة العلائقية للأمن، انطلاقًا من حتمية استحالة تحقيق الدولة لأمنها القومي بشكل ذاتي بعيدًا عن تداعيات بيئتها الإقليمية وبمعزل عما يكتنفها من محددات ومؤثرات

ـ الأمن القومي للدولة الأمة لا يمكن استيعابه وفهمه خارج إطار "الاعتماد الأمني المتبادل" بين دول الجوار، وينطبق هذا الوضع على عديد القضايا الأمنية في كثير من مناطق إفريقيا على غرار منطقة الساحل وكيف يرتبط أمن دولها ارتباطًا وثيقًا بمحيطها الإقليمي.

ـ في إطار الجوار الإقليمي فإن التهديدات الأمنية العابرة للحدود خاصة السياسية والعسكرية منها ينتقل بسهولة أكبر، ما يساعد في إنتاج ديناميات أمنية جديدة (مركب الأمن الإقليمي) تكون مرتهنة لنمط معين من التفاعل الإقليمي الذي غالبًا ما يتم التحكم فيه بفوضوية البنية الأمنية الناجمة عن أشكال توزيع القوة بين الوحدات الإقليمية وعلاقات العداء والصداقة التي تحكمها

ـ الصورة النهائية لمركبات الأمن الإقليمي مرتهنة لأربع مستويات وهي: المستوى الداخلي لدول الإقليم وحجم الانكشاف على التهديدات – مستوى علاقات دول الإقليم البينية (مخاوف واهتمامات أمنية مشتركة) – مستوى علاقات أمن الإقليم بأمن الأقاليم المجاورة (حجم التفاعل ونمط الاعتماد الأمني المتبادل) – المستوى الدولي (دور القوى الكبرى وطبيعة التفاعل بين البنى الأمنية الإقليمية والدولية)      

ـ تعدّ الأمننة الإقليمية محفزًا للتعاون الأمني بين دول الإقليم بغرض احتوائها في إطار ما يطلق عليه نظريًا بـمنع "أقلمة الصراعات"، وهو الأمر الذي أضفى الصبغة الأمنية على عمل الكثير من المؤسسات الإقليمية المنتشرة على غرار الاتحاد الإفريقي

ـ في مساعي البحث عن ديناميات الأمن الإقليمي من منظورات ومداخل مختلفة، سنكون أمام حتمية التطرق إلى كل ثنايا الظاهرة الأمنية الإقليمية وما تحتويه من أبعاد أمنية مختلفة مجتمعية كانت أم عسكرية أم اقتصادية وسياسية أم بيئية أم غيرها من أبعاد

ـ عمليًا عديدة هي آليات معالجة حالة التعقيد التي تتسم بها الظاهرة الأمنية الإقليمية، بداية من إمكانية معالجة مؤسسة إقليمية معينة لحالة ثابتة (مشكلة أمنية واحدة) في أقاليم عديدة، إلى إحصاء جملة المشكلات الأمنية الإقليمية من قبيل الحروب والنزاعات والصراعات بين دول الإقليم وداخلها، ونماذج الدول الفاشلة التي قد تنجم عن مثل هكذا وضع، والتهديدات الجديدة وإرساء الأمن في الأقاليم المستقرة، وإظهار كيفية وسبل تعامل الفواعل الإقليمية معها.    

ـ يركّز "النموذج الدوتشي" (كارل دوتش) على "الجماعة الإقليمية" المنطلقة من "الشعور المشترك" لأعضائها بحتمية عدم الدخول في حروب وصراعات بينية عبر تقديم أولوية الحل السلمي لنزاعاتهم، سواء عبر الاندماج بين الأطراف الإقليمية في وحدة أوسع "الجماعة الأمنية الموحدة"، أو ربط أمن دول الإقليم عبر ضمانات واقعية للتسوية السلمية لنزاعاتهم وعدم النظر للحرب على أنها حل مشروع لتسوية النزاعات "الجماعة الأمنية التعددية"، بغض النظر عن شكلها "جماعة أمنية مرتبطة بشكل لين" تتسم بتجانس الهوية وما يندرج ضمنها من محددات مجتمعية أو "جماعة أمنية مترابطة بشكل صارم" تقوم على أساس مؤسساتي ما فوق قومي يساهم في بناء نظام مؤسساتي معين للأمن الجماعي، يشار أن هذا التقسيم الأخير أخذ حيّزًا كبيرًا من النقاش "البنائي" في حقل الدراسات الأمنية.  

 

  • الاتحاد الإفريقي "التأسيس وماهية الأهداف":

عادة ما يرتبط تأسيس التكتلات الإقليمية بالمحدّد الهوياتي الجماعي لمجتمعات دول الإقليم، بغرض معالجة جملة القضايا الأمنية التي يتسّم الوضع الأمني الإقليمي وما يكتنفه من مهدّدات وأزمات وهو ما ينطبق على حالة الاتحاد الإفريقي، الذي تأسس في (يوليو 2002م) على هامش قمة "ديربن" بعد أن مهدّت قمة سرت آخر قمم منظمة الوحدة الإفريقية لذلك سنة 1999م، سعى "الاتحاد الإفريقي" الذي يعدّ امتدادًا لمنظمة الوحدة الإفريقية ليكون على رأس قائمة المنظمات ما فوق القومية الساعية لمعالجة قضايا تعزيز الأمن والسلم في قارة إفريقيا، وقد تعدّدت أوجه هذا الدور وأدوات وآليات التعامل مع هذه القضايا، سواء عبر دعم جهود الوساطة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر عبر دعم دور وجهود المنظمات الإقليمية والفرعية، وتعزيز هذا النهج بنشر قوات سلام تابعة له من أجل الحفاظ على المكاسب المحقّقة، أو التعامل العقابي مع ظاهرة الانقلابات العسكرية التي ما فتأت تكون ميزة رئيسية لكثير من الأنظمة السياسية والعسكرية في إفريقيا عبر تعليق عضويتها في الاتحاد، تُرجمت هذه الجهود في عديد المواطن من دارفور إلى إفريقيا الوسطى إلى الصومال ومالي وغيرها، رغم كل ما يعترض هذه الجهود من حسابات داخلية وإقليمية ودولية ظهرت جليًا في أزمة تعامل الاتحاد والمنظمات الفرعية مع موجة التغيرات التي اجتاحت دول منطقة الساحل في الثلاث سنوات الأخيرة.

  • من "المنع" إلى "الإدارة والتسوية": كيف تعامل الاتحاد الإفريقي مع النزاعات الإقليمية في القارة؟

ضمن مساعيه لتحقيق السلم والأمن في إفريقيا، تعدّدت الآليات والأدوات وما تنطوي تحتها من استراتيجيات وضعها الاتحاد لتكون جسر عبور نحو تحقيق أهدافه المنشودة، وذلك ضمن مسارين رئيسيين:

الأول: منع حدوث النزاعات ووأد مسبباتها

انطلاقًا من أن الوقاية من النزاعات هي أيسر السبل وأقلّها تكلفة نحو تحقيق السلم والأمن الإقليميين، فقد سعى الاتحاد عبر هياكله أو عبر المنظمات الإقليمية الفرعية التابعة له إلى توفير جملة من البدائل من تعزيز السلم والأمن بعيدًا وبالتالي منع دوافع انفجار النزاعات والصراعات والحروب، ومن ضمن ما اعتمد عليه الاتحاد في هذا الشأن نجد:

ـ تعزيز الاعتماد المتبادل بين دول الجوار الإقليمي انطلاقًا من ترسيخ العلاقات الاقتصادية بين هذه الدول على النحو الذي يُفضي لتصاعد الرهانات المشتركة استنادًا لمحدّدات براغماتية (بناء علاقات إقليمية انطلاقًا من قاعدة المصالح المتبادلة)، تكون مانعًا لتفكير قيادات هذه الدول في الدخول في نزاعات هي في غنى عنها بالنظر لكون الأمن والاستقرار هو خيار يحمل من المكاسب الكثير مقارنة بأي خيار آخر مغاير لذلك، خاصة مع وجود تجارب ناجحة في هذا المضمار في الاتحاد الأوروبي والآسيان وغيرها من تجارب وحدوية إقليمية بأبعاد دولية، ومن هذا المنطلق شجّع الاتحاد بعض التكتلات الإقليمية الفرعية المنطوية تحته والتي قدّمت هذا البعد عما سواه من أبعاد على غرار منظمة "إيكواس".

ـ التعامل بحزم وشدّة مع بعض الفواعل المساهمة في ضرب السلم والأمن الإقليميين، سواء ما تعلق بالانقلابات العسكرية التي كثيرًا ما عانت منها القارة، أو حالات الحروب الأهلية نظرًا لأبعادها الإقليمية المهدّدة للاستقرار، انطلاقًا من كون وأد مثل هذه النماذج هو ما سيغني القارة من مواجهة حالة "المحاكاة" التي عادة ما تتخذها هذه الظاهرة كمسار لتوسعها خاصة فيما تعلق بظاهرة الانقلابات العسكرية.

ـ ترسيخ برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية لما تحمله من فعالية في صون السلم والأمن الإقليميين خاصة في مواجهة التهديدات العابرة للحدود على غرار الهجرة والمخدرات وغيرها من مظاهر غياب الأمن الإقليمي.

ـ الاعتماد على محدّد "الهوية" لترسيخ الأمن المجتمعي بين شعوب الجوار الإقليمي لما لذلك من مكاسب طويلة الأمد، خاصة إذا تم تعزيز هذه الجهود المجتمعية لدى فئات الشباب والنخب لما لذلك من تأثير على كامل هذه المجتمعات.  

الثاني: إدارة وتسوية النزاعات

تأتي كمرحلة متقدمة في حال فشل جهود منع اندلاع النزاعات، وقد مزج الاتحاد الإفريقي في استراتيجيته لإدارة وتسوية النزاعات الإقليمية بين آليات التسوية السلمية أو حتى تلك المرتبطة بالعقوبات بل والتدخل العسكري لفرض السلم والأمن الإقليميين، وفي إطار هذه الاستراتيجية يمكن التطرق إلى ما يلي:

ـ المبادرة بجهود الوساطة: كثيرًا ما بادر الاتحاد بشكل مباشر عبر هياكله أو اعتمادًا على التنظيمات الإقليمية الفرعية إلى تقديم مشاريع الوساطة لتسوية النزاعات الإقليمية، خاصة بالنسبة لبعض القضايا التي يمتلك الاتحاد بما يمتلكه من مقدرات القدرة على تسويتها

ـ تشجيع جهود الوساطة: سواء عبر تشجيع جهود الوساطة التي عادة ما تبادر بها بعض الدول الإفريقية لحل الأزمات الإقليمية خاصة من دول الجوار الإقليمي للنزاع، أو عبر دخول الاتحاد كشريك لأطراف دولية أخرى سواء ما تعلق بالمنظمات الإقليمية خارج السياق الإقليمي للقارة مثل شراكة الاتحاد الإفريقي مع جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي، أو في إطار شراكة الاتحاد مع الأمم المتحدة.   

ـ الردع عبر العقوبات الدبلوماسية والاقتصادية: في خضم تصاعد حدة النزاعات كان لازما على الاتحاد إقرار ما يلزم من آليات لمواجهة هذا الوضع عبر ردعه، فمسائل من قبيل تعليق العضوية في هياكل الاتحاد والمقاطعة الدبلوماسية وعدم الاعتراف كجزء من نزع الشرعية، فضلًا على وقف وتجميد بعض التبادلات الاقتصادية، هي كلها مجتمعة تدخل في إطار تعزيز قوة الردع لدى الاتحاد الإفريقي في محاولة لإرساء معالم السلم والأمن.

ـ التدخل العسكري: سواء لفرض واقع سياسي وأمني جديد أو لترسيخ توافقات سياسية عبر نشر قوات عسكرية تابعة للاتحاد أو للمنظمات الفرعية الإقليمية المنطوية تحت لوائه أو بالشراكة مع أطراف دولية معينة    

  

  • مجلس السلم والأمن الإفريقي: تجارب من حالات التدخل وحدود الفعالية

من أجل هذا الهدف السامي أُعلن عن تأسيس "مجلس السلم والأمن الإفريقي" ليكون أداة الاتحاد في فرض قواعد السلم والأمن، وذلك على هامش قمة "دير بان" التي تعدّ أول قمم الاتحاد الإفريقي في نسخته الجديدة بعد الإعلان عن تأسيسه كبديل لمنظمة الوحدة، ورغم أن الإعلان عن الرغبة في استحداث هذا المجلس كان ضمن إعلان قمة الوحدة الإفريقية في القاهرة سنة 1993م، إلا أن التوثيق الرسمي كان ضمن البروتوكول الإضافي للميثاق التأسيسي للاتحاد الإفريقي في جنوب إفريقيا، وقد باشر مجلس السلم والأمن الإفريقي أعماله في 25 ماي 2004م، وذلك بعد دخوله حيّز التنفيذ في 26 من ديسمبر 2003م.

عديدة هي المواطن والقضايا التي شهدت تدخلًا وتفاعلًا لمجلس السلم والأمن الإفريقي نذكر من بينها ما يلي:

ـ معالجة المجلس للحرب الأهلية البورندية التي راح ضحيتها مئات الآلاف (قرابة نصف مليون قتيل وأكثر من مليون لاجئ) بين عرقيتي "التوتسي" و"الهوتو"، حيث ساهمت قرارات المجلس في مايو 2004م، في الحفاظ على قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي المنتشرة في بورندي، كما مهدّ لتولّي مجلس الأمن الدولي لهذه القضية

ـ دور المجلس في ملف النزاع في دارفور، حيث شكّل ومازال يشكّل السودان بما يحتويه من نزاعات لا تكاد تنهي تحديًا ضخمًا أمام جهود مجلس السلم والأمن ومن ورائه الاتحاد الإفريقي، فقد أقّر المجلس في أكتوبر من سنة 2004م، نشر قوات حفظ سلام في إقليم دارفور كانت مزيجًا من المراقبين الدوليين (476 مراقب) ومن القوات العسكرية (2341عسكري رُفعت لاحقًا إلى 6171عسكري) وقوات الشرطة (815 شرطي رُفعت لاحقًا إلى 1560 شرطي)، غير أن حجم التعقيد والتحديات التي واجهته كانت أكبر من قدرة المجلس على تسوية النزاع، ما فتح الباب أم تدويل الأزمة ونقل مهام التسوية إلى الأمم المتحدة تحت وطأة الضغوط الدولية على المجلس رغم احتفاظه بصفة الشريك.

ـ تدخل المجلس لتسوية النزاع في التوغو في فبراير 2005م، حيث أصدر المجلس قرارًا بتعليق عضوية التوغو في الاتحاد الإفريقي ومقاطعتها دبلوماسيًا عقب الانتقال غير الدستوري للسلطة من الرئيس إلى نجله، كما تحرّك المجلس بالتنسيق مع مفوضية الاتحاد الإفريقي والجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس"، هذه الأخيرة التي فرضت عقوبات اقتصادية على السلطة في توغو، أسفرت هذه الضغوط عن تراجع نجل الرئيس عن سلوكه الانقلابي وتسليمه بقرارات مجلس السلم والأمن، وذلك حين تم إقرار انتخابات رئاسية ورغم أن الانتخابات التي فاز فيها نجل الرئيس السابق قد فتحت صراعًا آخر مع المعارضة التي لم تتقبل النتائج إلا أن تدخل المجلس مرة أخرى هدّأ من حدة الأزمة عبر إقراره بنتائج الانتخابات مع مشروطية احترام القواعد الديمقراطية وحقوق الإنسان.

ـ في موريتانيا التي علّق المجلس عضويتها في الاتحاد الإفريقي عقب الانقلاب العسكري الذي شهدته في (أغسطس 2005)، أدى تدخل مجلس السلم والأمن الإفريقي الحازم إلى دفع السلطات في موريتانيا إلى فتح باب النقاش مع المكون المدني والسياسي في البلاد وتأسيس حكومة انتقالية تمهيدًا لتسليم السلطة لجهة منتخبة، وهو ما حدث خلال الانتخابات الرئاسية سنة 2007م، التي تمت تحت إشراف مزدوج بين الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة.

  • تصاعد الاعتماد على المنظمات الإقليمية الفرعية "إيكواس – إيغاد":

إن المراقب لتطور الأحداث في إفريقيا سيلاحظ حتمًا تراجعًا نسبيًا لاعتماد الاتحاد الإفريقي على أجهزته لصالح التنظيمات والتكتلات الفرعية التي يحتويها على غرار "إيكواس" و"إيغاد"، فهذه التنظيمات الفرعية أكثر فعالية رغم ما يؤخذ عليها هي الأخرى، ولعّل تجارب تدخل "إيكواس" في التعامل مع حالات الانقلاب التي شهدتها عديد دول منطقة الساحل وغرب إفريقيا (مالي – بوركينافاسو – النيجر – توغو)، ورغم حالة التفاوت النسبي في مدى نجاعة تدخل إيكواس من حالة إلى أخرى، إلا أنه كان واضحا مدى تصاعد اعتماد الاتحاد الإفريقي على تفرعاته التنظيمية لمواجهة التحديات التي تواجهه.

ما يقع على حالة إيكواس في منطقة الساحل وغرب إفريقيا يقع على "إيغاد" في شرقها، ورغم ما يواجه هذه المنظمة من تحديات إقليمية ودولية خاصة في ظل ما يشهده شرق القرن الإفريقي من أزمات مزمنة نتيجة لغياب منطق الدولة في الصومال، وضعف السلطة المركزية في السودان وسط توسّع النزاعات والانقسامات التي أنهكت الدولة ومقدراتها، وعدم الاستقرار في عديد الأقاليم الفدرالية لإثيوبيا وتداعيات ذلك على دول الجوار، فضلا على أزمة السودان الراهنة والحرب الأهلية التي أصبحت تهدّد وجود الدولة فيها مع إمكانية تحولها لدولة فاشلة، والخلافات بين دول الجوار على غرار تلك التي تجمع اثيوبيا بجيرانها أرتيريا والصومال، هي كلها عوامل وقضايا يعب على أي طرف معالجتها وتسويتها على النحو المراد، إلا أن جهود "إيغاد" تبقى في طليعة الجهود الرامية لتسوية هذا الوضع المتأزم حتى لو كان من الصعب التماس أي نجاحات آنية.

  • تحديات تواجه الاتحاد الإفريقي في تحقيق السلم والأمن الإقليميين:

تحديات داخلية وأخرى بينية إقليمية وثالثة دولية لطالما عرقلت جهود الاتحاد الإفريقي في إرساء معالم السلم والأمن الإقليمي، وحدّت من فعالية جهوده لتسوية الأزمات الأمنية التي يعاني كثير من أقاليم القارة الإفريقية، ومن ضمن هذه التحديات نجد:

ـ التركيبة القبلية والإثنية ومساهمتها في هشاشة الوضع الأمني في كثير من الدول الإفريقية، ولعّل أن النموذج السوداني والرواندي والإثيوبي والكونغولي وكثير من الدول الإفريقية التي لطالما ساهم البعد الإثني والعرقي في تغذية نزاعاتها الداخلية والبينية الإقليمية، خاصة في ضوء أن الخارطة القبلية والاثنية عادة ما تكون عابرة للحدود التي ورثتها هذه الدول عن الاستعمار الأوروبي، فعلى سبيل المثل فإن مجمل حركات التمرد تمتلك امتدادات إقليمية عابرة للحدود نحو دول الجوار الإقليمي.

ـ حالة التعارض بين استراتيجية الاتحاد ومتطلباتها لتحقيق الأمن والسلم الإقليميين ومبدأ احترام السيادة الوطنية للدول خاصة في ظل البعد الثوري المترسخ لدى كثير من دول القارة الإفريقية التي عانت من نير الاستعمار والاضطهاد، خاصة في ضوء ما ينجّر على هذا المبدأ من قواعد أخرى في مقدمتها عدم التدخل في شؤون الآخرين الذي يعتبر لدى كثير من دول الاتحاد بمثابة العقيدة الدبلوماسية التي لا يمكن لسياستها الخارجية تجاوزها.

ـ البيئة الجيو سياسية الواسعة والحدود المترامية للنطاق الإقليمي الإفريقي وتوزع النزاعات بين مختلف إقليم القارة زاد من صعوبة تعامل الاتحاد الإفريقي مع عدد كبير من النزاعات سواء الداخلية منها أو بين دول الجوار الإقليمي وأحيانًا بشكل متزامن.

ـ تداخلات الحسابات الإقليمية مع نظيرتها الدولية وتحوّل القارة الإفريقية بما تمتلكه من مقدرات طبيعية كقارة خام إلى مرتع للتنافس الدولي المتصاعد في ظل التحولات الدولية الراهنة بين القوى الكبرى وحتى القوى الصاعدة الساعية لإيجاد موطأ قدم لها في القارة، ما زاد من حجم التعقيد الذي يواجه جهود الاتحاد لفرض أهدافه انطلاقا من رؤيته الذاتية، كانعكاس لحجم الاستقلالية المتاحة أمامه عن هذه الفواعل الدولية في ضوء معركة الاستقطاب الجارية كنتيجة لإرهاصات الصراع الروسي الغربي في أوكرانيا

ـ مشاكل التمويل الذي عادة ما يعرقل خطط انتشار قوات حفظ السلام، انطلاقا من حاجة هذه الخطط الى مصادر ثابتة للتمويل، ورغم تأكيد الاتحاد الإفريقي على ضرورة مساهمة كل أعضائه في تمويل أنشطة الاتحاد ماليا وبشريا وبخاصة فيما تعلق بعمليات حفظ السلام، وعلى هذا النحو سارت بروتكولات مجلس السلم والأمن الذي أكد في المادة 21 من بروتوكول تأسيسه على هذه الضرورة، إلا أن الوضع الاقتصادي المتدهور والأزمات التي تعاني منها كثير من الدول الإفريقية عرقلت هذه الجهود.

  • التعاون الإقليمي والدولي ضمن رهانات الاتحاد الإفريقي "جامعة الدول العربية والأمم المتحدة نموذج"

1ـ الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية

يعد التعاون العربي / الإفريقي أحد أقدم نماذج التعاون الإقليمي، شاملًا بذلك ما هو أبعد من الجوار الجغرافي نحو الامتدادات التاريخية والدينية والاقتصادية والبشرية والثقافية والحضارية، كمحصلة لقرون من التفاعل الحضاري والاجتماعي، في النصف الثاني من القرن العشرين تعززت هذه العلاقات تحت طائلة موجة التحرّر من الاستعمار الأوروبي، ما انعكس بعدها على تزايد الاهتمام والمساندة الإفريقية لأهم القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

هذه المعطيات وجهود الدعم المتبادل أدت إلى التأسيس للتعاون المؤسساتي الإقليمي الذي قنّن التفاعل العربي الإفريقي المشترك أولا بين جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية خلال مؤتمر القاهرة سنة 1977م، للقمة العربية / الإفريقية، ورغم تجميد هذه دورات القمم "الإفرو عربية" فيما بعد لأكثر من ثلاث عقود، إلا أنها عادت من جديد وفي نسخة مستحدثة بين الجامعة والاتحاد الإفريقي في قمة ليبيا سنة 2010م.

عديدة هي مجالات مساهمة الجامعة العربية في ترسيخ التعاون مع الاتحاد الإفريقي، وذلك ضمن جملة من الآليات والاتفاقيات لتفعيل هذا التعاون، فلهذا الغرض تم استحداث عديد المؤسسات على غرار "المنتدى العربي الإفريقي للتنمية" و"لجان السفراء العرب والأفارقة"، ضمن اتفاقيات جديدة على غرار تلك الموقعة سنة 2007م ،على هامش قمة الرياض بين رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي والأمين العام للجامعة، والتي أسست لواقع جديد لتفعيل التعاون بين الأجهزة والهياكل المتماثلة في المنظمتين على غرار التنسيق بين مجلسي السلم والأمن العربي والإفريقي - التنسيق بين مفوضية الاتحاد الإفريقي والأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وقد كان لملف وأد وتسوية وإدارة النزاعات في إفريقيا أحد أكثر مواطن هذا التعاون خاصة ضمن الملفات والقضايا ذات التأثير المتبادل على غرار: الأزمة في السودان – الصومال – التنمية والتعاون المالي والإنساني سواء ضمن استثمارات مباشرة أو مساعدات إنسانية – مواجهة التهديدات الأمنية الجديدة – القرصنة في بحر العرب وغيرها.

2ـ الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة

استنادًا إلى ميثاق الأمم المتحدة والوثيقة التأسيسية للاتحاد الإفريقي، سعى الاتحاد الإفريقي إلى تعزيز روابط تعاون من المنظمة الأممية عبر زيادة أواصر التنسيق الهيكلي والمؤسساتي بين الطرفين وتحديد الآليات المناسبة لذلك خاصة في مجال السلم والأمن والتنمية، حيث لعبت العديد من العوامل على غرار:

ـ كثرة النزاعات والحروب في إفريقيا وغياب الأمننة الإقليمية في كثير من أقاليم القارة

ـ تفاعل الأمم المتحدة مع جهود المنظمات الإقليمية الساعية لتحقيق السلم والأمن واعطائها الأولوية في التعامل

ـ هيمنة الأعضاء الدائمين من القوى الكبرى في مجلس الأمن على القرارات الأممية فرض حتمية التعامل مع هذا الوضع

وقد تجسدت مظاهر التعاون والتفاعل بين الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة وفق الفصل الثامن للأمم المتحدة، سواء فيما تعلق الدعم الاممي لعمليات الوساطة التي قام بها الاتحاد أو الدعم العسكري لقوات حفظ السلام، فضلا على الدعم المالي واللوجيستي والإنساني، وذلك عبر عديد الآليات المعززة للتواصل المؤسساتي والقانوني على غرار:

ـ التنسيق بين مجلس السلم والأمن الإفريقي ومجلس الأمن الدولي والذي تجسّد من خلال الاجتماعات التشاورية الدورية لتبادل المعلومات وإعادة الاعمار وتسوية النزاعات في عديد الأزمات والقضايا الأمنية في إفريقيا والتي كان من بينها: الأزمة في السودان – إفريقيا الوسطى – بورندي – الصومال – الكونغو الديمقراطية – مالي وغيرها

ـ كما شملت مجالات التعاون تدريب موظفي وخبراء الاتحاد الإفريقي وتعيين مجلس الأمن لفريق مشترك لتعزيز مجال الخبرات يُعنى بأساليب دعم عمليات الاتحاد الإفريقي للسلام وبخاصة في حالة التدخلات المشتركة بين الطرفين    

ـ ترسيخ التعاون في مجال التمويل بعد إنشاء الفريق المشترك المعني بأساليب دعم وتمويل العمليات التي يقوم بها الاتحاد بموافقة الأمم المتحدة

ـ تعزيز التعاون في المجال الإنساني حيث تم إنشاء مكتب مشترك بين مفوضية الاتحاد والأمانة العامة للأمم المتحدة بهدف تنسيق الشؤون الإنسانية وحماية المدنيين أثناء الحروب والنزاعات.

 

خاتمة:

رغم أن الاتحاد الإفريقي بما أحدثه من ثورة مؤسساتية وهيكلية داخلية بما يكفل العمل الجماعي المشترك، كان قد شكّل مرحلة جديدة على صعيد التكامل الإقليمي سياسيًا واقتصاديًا بل وأمنيًا في بعض ثناياه، وذلك في خضّم سعيه لتحقيق أقدس مهامه وأهدافه وهو إرساء السلم والأمن الإقليميين بأبعادهما الداخلية والإقليمية والدولية، سواء ما تلعق بمنع حدوث النزاعات ووأد مسبباتها وعوامل انتشارها وصولا لإدارة وتسوية هذه النزاعات في حال اندلاعها بآليات سلمية أو عبر استخدام الردع إن كان لذلك ضرورة، إلا أن حجم وطبيعة التحديات التي يواجهها الاتحاد في سبيل تحقيق مبتغاه سواء الداخلية منها أو الإقليمية أو الدولية فضلًا على حجم وطبيعة التعقيدات التي يتسّم بها المشهد الأمني في إفريقيا بكامل جوانبه ومحدداته السياسية والاقتصادية والعسكرية والمجتمعية وغيرها، هي كلها عوامل ساهمت في وأد كثير من طموحات الاتحاد ولجم رغبته الجامحة التي صاحبته في تحقيق مُراده.

مقالات لنفس الكاتب