عشرون عامًا مضت على إعلان حلف شمال الأطلسي في يونيو 2004م، مبادرة إسطنبول للتعاون مع دول الشرق الأوسط، مع إعطاء الأولوية لدول مجلس التعاون الخليجي. والهدف هو عرض الشراكة لتعزيز بناء القدرات في قطاع الأمن البحري، وعمليات مكافحة القرصنة، وأمن الطاقة، وإجراء التدريبات البحرية المشتركة. ومن خلال تطوير المفهوم الاستراتيجي ورصد التهديدات يمكن التوصل إلى اتفاق متبادل لمواجهة المخاطر الأمنية في منطقة الخليج. تشكل المبادرة إطاراً يسعى الجميع من خلاله إلى تعزيز الشفافية والثقة المتبادلة بين الأعضاء، كما تمثل نقلة نوعية في أبعاد التعاون الأمني متعدد الأطراف بين دول الخليج ودول حلف شمال الأطلسي.
رؤية لما حققته المبادرة خلال 20 عامًا
في يونيو 2004م، كان إطلاق مبادرة إسطنبول للتعاون بين حلف شمال الأطلسي ودول مجلس التعاون الخليجي بغرض تعزيز التعاون الأمني والاستشاري العسكري بين الطرفين. انضمت إلى المبادرة دولة الكويت وتبعتها مملكة البحرين ثم دولة قطر وأخيراً دولة الإمارات العربية المتحدة. وتشارك عمان والمملكة العربية السعودية والأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي في أنشطة مختارة في إطار المبادرة.
المبادرة لا تعني وجوداً عسكريا في المنطقة لحلف الناتو الذي يضم الآن 32 دولة، وإنما تمهد للتنسيق والتعاون ونقل الخبرات لدعم وتطوير القدرات الأمنية والعسكرية للشركاء الخليجيين الأعضاء في المبادرة. ومن شأن اتفاقيات لتبادل المعلومات ونقل القوات أن يستفيد حلف شمال الأطلسي بأكثر مما تستفيد الدول الخليجية.
اقتصرت إنجازات مبادرة إسطنبول على تعاون بين الجانبين في برامج التدريب والتبادل الاستخباراتي لمواجهة الإرهاب ومخاطر الفضاء الإلكتروني. ومع شيوع الاضطرابات في الدول المجاورة لدول الخليج وتهديداتهم لأمنها وخاصة التدخلات الإيرانية وميليشياتها الإقليمية، اتجهت دول المجلس للاستفادة من خبرات حلف شمال الأطلسي في بناء الأجهزة الأمنية بالمناطق التي شهدت صراعات في أوروبا، والاستفادة من نهج تنسيق قواته، وتوزيعها لعدة أقسام بين قوات الرد السريع، وقوات الدفاع الأساسية، وقوات التعزيز، وقوات المهام المشتركة.
كان افتتاح المركز الإقليمي في الكويت كمركز للتعليم والتدريب بين حلف شمال الأطلسي وشركاء مبادرة إسطنبول للتعاون نتيجة لمسار طويل. وفي الذكرى الخامسة عشرة لتأسيس مبادرة إسطنبول للتعاون استضافت الكويت اجتماعًا موسعًا بين أعضاء مجلس حلف شمال الأطلسي والشركاء الخليجيين في المبادرة، أقيم في المركز الإقليمي وشارك في ممثلين عن السعودية وسلطنة عمان. وكان الهدف ترسيخ التعاون وتكثيف التنسيق لمواجهة التحديات المتعلقة بالإرهاب والأمن السيبراني.
مدى أهمية تفعيل المبادرة في الوقت الحاضر
يتطلع الجميع إلى ضمان وجود بنية أمنية دائمة في الخليج، لرعاية المصالح المشتركة التي يدعمها تواصل حلف شمال الأطلسي مع دول الخليج. ومن شأن الحملات الإعلامية وتبادل المعلومات والزيارات المشتركة بالتنسيق مع السلطات المحلية أن تسهم في تحسين تصور وفهم رؤية الحلف في المنطقة. كما يمكن عقد منتديات للنقاش حول قضايا الأمن والتعاون الإقليمي، وبناء حوارات للثقافات بين دول الحلف والدول الأعضاء في المبادرة. يتوافق ذلك مع النظر فيما يتعين على الحلف تقديمه من خلال إنشاء مراكز مشتركة لمنع الأزمات، وتنسيق التعامل مع الكوارث ووضع خطط طوارئ للتدخل المحتمل في الخليج، وتعزيز بناء القدرات في قطاع الأمن البحري. وتتنوع مجالات الشراكة والتعاون بين الأمن البحري وعمليات مكافحة القرصنة، وأمن الطاقة، والتدريبات البحرية المشتركة. ويمكن لحلف شمال الأطلسي أن يساعد دول مجلس التعاون الخليجي على تطوير مفهومها الاستراتيجي، وحثها على مراجعة التهديدات ومن ثم التوصل إلى اتفاق متبادل بشأن المخاطر الأمنية في منطقة الخليج. وفي مقدور الدول الأعضاء في المبادرة أن تتبنى برنامج تعاون مع حلف شمال الأطلسي، مع اتباع نهج حذر في إعادة تشكيل الدفاع، ورفع مستوى المبادرة من شراكة تقوم على التعاون الثنائي البحت إلى شراكة مفتوحة للتعاون المتعدد الأطراف، وإدراج البعد السياسي في العلاقات بين الغرب ودول مجلس التعاون الخليجي التي يغلب عليها حاليًا توجه عسكري أمني.
أوجه الاستفادة لدول الشرق الأوسط ودول الخليج من المبادرة في المستقبل
سوف يحتفل هذا العام بالذكرى السنوية الثلاثين للحوار المتوسطي والذكرى العشرين لمبادرة إسطنبول للتعاون، من خلال المنصات التي أقام الحلف معها شراكات، وهي الجزائر والبحرين ومصر وإسرائيل والأردن والكويت وموريتانيا والمغرب وقطر وتونس والإمارات العربية المتحدة. لقد عمل الكل معاً لعقود من الزمان لتلك المصالح الأمنية المشتركة التي تؤثر على المنطقة الأوروبية الأطلسية والبحر الأبيض المتوسط ومنطقة الخليج وما وراءها. كان التعاون على مر السنين مفيدًا للجميع في مجالات شملت الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة ومكافحة العبوات الناسفة المرتجلة، وإدارة الأزمات، ومكافحة الإرهاب، والاستعداد المدني. وأسهم حلف شمال الأطلسي بخبراته في قطاع الدفاع والأمن والتدريب والتعليم العسكري، فضلاً عن تعزيز قابلية التشغيل البيني للقوات العسكرية. وفي المقابل، ساعدت الدول الشريكة في تعميق تفهم الحلف للتحديات الأمنية الإقليمية. ومع انعقاد قمة حلف شمال الأطلسي في واشنطن، سيتفق زعماء الحلف على توصيات ملموسة لتكثيف العرض الأمني للشركاء، وضمان مستقبل للأمن المشترك أكثر فاعلية.
يشهد العالم اليوم انهياراً خطيراً في حالة الأمن تجاوزت الحدود الإقليمية إلى العالمية فالحرب الروسية / الأوكرانية سببت أضراراً لا توصف، وتخلق أكبر أزمة لاجئين في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وتعمل أيضاً على ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية وتجعل العالم بيئة أكثر خطورة. كما يشكل الصراع المستمر وغياب الاستقرار في مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مصدر قلق كبير أيضاً. وما زالت الحرب دائرة في غزة، مع احتمالات التصعيد، وتتزايد الخطورة على الأمن البحري في البحر الأحمر. يضاف إلى ذلك أن الوجود المتزايد لروسيا والصين في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يترك آثاره على أمن المنطقة. وتعمل بيكين على زيادة نفوذها الاقتصادي في إفريقيا، وتوسيع وجودها العسكري في المنطقة.
الاحتياجات الأمنية والعسكرية للمنطقة مع تزايد المخاطر الدولية والإقليمية
تقدم مبادرة إسطنبول للتعاون أنشطة متعددة من بينها: تقديم المشورة بشأن التحول الدفاعي والميزانية والتخطيط - التوافق في التدريبات العسكرية والتعليم والتدريب - مكافحة الإرهاب؛ - مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل - التعاون في مجال أمن الحدود؛ - التعاون في التخطيط للطوارئ المدنية. والمبادرة لا تهتم إلا بالعلاقات العسكرية داخل المنطقة، وهدفها الرئيسي هو التعاون في مجالات تقنية محددة.
تُعتبر مشاركة حلف شمال الأطلسي في الخليج عامل استقرار، ويشعر الحلف بأهمية التواجد هناك وإظهار استعداد جديد للعمل خارج المنطقة، وقد برز مجلس التعاون الخليجي باعتباره "شريكًا عمليًا" للمنطقة الأوروبية الأطلسية، ويتبنى الجانبان نهجاً متشابهاً في التعامل مع عدد معين من القضايا. فضلًا عن ذلك، فإن دول مجلس التعاون الخليجي من بين الدول الحليفة القليلة المستقرة في الشرق الأوسط العربي، وبالتالي فقد تكون شريكة مفيدة لحلف شمال الأطلسي. كما تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بدرجة كبيرة من الشرعية والدعم الشعبي، وقد أثبتت قدرتها على التكيف مع درجة كبيرة من المرونة في التعامل وفقاً للتطورات الجديدة. وقد أثمرت مبادرة إسطنبول للتعاون حتى الآن بعض الإنجازات المهمة، فقد توالى توقيع اتفاقيات لحلف شمال الأطلسي بشأن الأمن وحماية الموضوعات السرية مع الكويت وبعدها البحرين ثم الإمارات العربية المتحدة. وقبلت الإمارات والبحرين دعوة حلف شمال الأطلسي للانضمام إلى قوة المساعدة الدولية للاستقرار في أفغانستان. وعملت قطر والإمارات في عملية الحماية الموحدة في ليبيا، وأرسلت الإمارات ست طائرات 16F- وست طائرات مقاتلة من طراز ميراج أثناء التدخل، وقدمت قطر مساعدات عسكرية مباشرة للجماعات المتمردة من خلال شحنات من السلع ودعم الاتصالات. وقامت الإمارات بتعيين أول سفير لها لدى حلف شمال الأطلسي لتنشيط علاقاتها مع الحلف. كما طلبت أربع دول معدات مراقبة الحدود والمساعدة في إنشاء عمليات الأمن الداخلي المذكورة في وثائق مبادرة إسطنبول للتعاون. يعتبر التعاون في مجال مكافحة القرصنة ومجال مكافحة الإرهاب من المجالات الأكثر نجاحاً. وبالرغم من أن السعودية ليست عضوًا في مبادرة إسطنبول للتعاون فقد وقعت اتفاقيات تعاون في مجال مكافحة الإرهاب مع العديد من أعضاء حلف شمال الأطلسي بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإيطاليا وتركيا، فضلاً عن عُمان وإيران وإحدى عشرة دولة أخرى. وتعمل الإمارات والكويت والبحرين معاً على تطوير مهاراتها وقدراتها في مجال مكافحة الإرهاب. وقد استفادت عُمان، رغم أنها خارج المبادرة من المساعدات الأمنية الأمريكية لتعزيز قدرتها على مراقبة مضيق هرمز، فضلاً عن حدودها البرية، وخاصة مع اليمن. وتطالب قطر والسعودية والكويت والإمارات وعُمان بخبرة ومساعدة أمريكية أكبر في مجال الجرائم الإلكترونية. وفي حين تقوم قوة المهام البحرية العربية بدوريات على الساحل الجنوبي لدول مجلس التعاون الخليجي، تراقب عملية درع المحيط التابعة لحلف شمال الأطلسي نفس المنطقة بنحو 40 سفينة حربية من جميع الدول. تستمر بنجاح دورة "التعاون الإقليمي لحلف شمال الأطلسي" في روما -وهي دورة على المستوى الاستراتيجي لمدة عشرة أسابيع- لأعضاء مبادرة إسطنبول للتعاون وكذلك المملكة العربية السعودية، وحاليًا لدى حلف شمال الأطلسي اتفاقيات لتبادل المعلومات الاستخباراتية مع الكويت والبحرين والإمارات.
لا تزال بعض العقبات التي تحول دون النجاح الكامل لمبادرة إسطنبول للتعاون قائمة، ومن هذه العقبات: - التصورات السلبية لحلف شمال الأطلسي باعتباره ذراعاً عسكرية للسياسة الأمريكية؛ - غياب السعودية وعمان عن المبادرة؛ - الافتقار إلى رؤية استراتيجية مشتركة وخاصة فيما يتعلق بإيران والعراق واليمن؛ - تفضيل الاتفاقيات الثنائية مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا بدلًا من حلف شمال الأطلسي؛ استمرار الصراع الفلسطيني وتردد البعض في الانخراط في الصراع العربي الإسرائيلي؛ - التنافس بين القوى العظمى داخل حلف شمال الأطلسي على صفقات الطاقة ومبيعات الأسلحة وبرامج التعاون النووي المدني؛ - أثر تخفيضات الميزانية المالية لحلف شمال الأطلسي والتكلفة المرتفعة لبرامج الدفاع على الحد من الأنشطة المتاحة في إطار المبادرة.
تستضيف الدول الثلاث الأولى في المبادرة وسلطنة عمان قواعد عسكرية أمريكية، وتوفر الإمارات للبحرية الفرنسية قاعدة في العاصمة، وقعت الكويت اتفاقيات دفاع مع المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا، ووقعت قطر اتفاقيات دفاع مع فرنسا وتستضيف القيادة المركزية الأمريكية، ووقعت الإمارات اتفاقيات دفاع مع فرنسا والمملكة المتحدة.
تفعيل المبادرة في ضوء تغير المعطيات الدولية والإقليمية
ووفقًا لبعض الآراء، فإن قائمة مبادرة إسطنبول للتعاون غنية وواسعة للغاية. ومن المرجح أن تحدد مفاوضات تكاملية للجميع داخل المنطقة مجالات التعاون في مكافحة الإرهاب والتعاون الدفاعي وأمن الحدود والأمن البحري. ورغم أن مجلس التعاون الخليجي تأسس في سياق التهديد الإيراني والعراقي المحتمل، وأن مبادرة إسطنبول للتعاون انطلقت في إطار الخطط العالمية والإقليمية لحلف شمال الأطلسي، الذي أشار أيضاً في وثيقته إلى إيران باعتبارها تهديداً خارجياً لدول مجلس التعاون الخليجي، فإن دول الخليج وإيران لا تسعى إلى حل عسكري في أزمة محتملة بين إيران ومجلس التعاون، لأن الجانبين يدركان أن هذا النوع من التصعيد أو الخيار العسكري من شأنه أن يجلب عواقب سلبية. وحتى الآن، أنشأ حلف شمال الأطلسي مجلس التعاون الخليجي مع الاتحاد الروسي، وحوار حلف شمال الأطلسي مع الهند، والحوار المتوسطي مع سبع دول متوسطية، وعلاقات جيدة مع أربع دول في المحيط الهادئ، فلماذا إذن لا ينشئ منصة للتفاوض والحوار مع إيران؟ لقد تحول حلف شمال الأطلسي من منظمة عسكرية بحتة إلى جهة فاعلة دبلوماسية وعسكرية في العلاقات الدولية الاستراتيجية خلال العقود الماضية. ولا تزال الولايات المتحدة مترددة في إقامة اتصال مع إيران بشكل فردي.
برامج ومساعدات في التأهيل والتدريب والتعليم العسكري
يشكل التعليم العسكري عامل تغيير للتحول من نقل التكنولوجيا إلى اكتساب وتعزيز الخبرات البشرية المحلية. ويُعدُّ التعليم العسكري في العلاقات بين الناتو ودول الخليج، هو الناقل الأكثر فعالية للتعاون. وقد أظهرت مبادرة إسطنبول للتعاون، الدور الأكبر لبرامج الشراكة والتعاون الفردية وخاصة في مجال التعليم والتدريب العسكري. على مستوى التعليم العسكري، نظم المركز الإقليمي تدريبًا يتعلق بأمن الطاقة، ويربط بين أمن الحدود والأمن البحري. التدريب موجه نحو الهدف ويركز على الحاضر، في حين أن التعليم العسكري موجه نحو المعرفة، ويهدف إلى بناء الثقة الدائمة والوعي الثقافي. كان التعليم العسكري هو الخيط الأحمر القادر على إبقاء الشراكة بين الناتو والخليج حية على الرغم من السياق العاصف في الشرق الأوسط. فسمح بتقليل الخلافات السياسية ووفر التعاون العملي والترابط الثقافي، كما وجهت دورة التعاون الإقليمي الناجحة لحلف الناتو. ولا ينبغي التقليل من شأن دور التعليم العسكري، كمحرك قوي لبناء الثقة.
هناك العديد من البرامج بما في ذلك التدريبات العسكرية، منها حضور مقررات عن العمليات في كلية الناتو في ألمانيا ومقررات استراتيجية في كلية الناتو الدفاعية في إيطاليا. تُقدّم هذه الكلية مقرراً عن التعاون الإقليمي شارك فيه عدد كبير من ضباط الناتو والجيوش الشرق أوسطية. يستضيف المركز الإقليمي التابع لمبادرة إسطنبول للتعاون في الكويت، ضباطاً من الناتو ودول الخليج من خلال مقررات تعليمية وتدريبية تركّز على الشؤون الأمنية مثل الأمن البحري وأمن البنى التحتية للطاقة، أو الأمن السيبراني، ويقدّم المركز برامج قصيرة الأمد يحضرها مشاركون من دول مجلس التعاون الخليجي. وشملت برامج الناتو التدريبية والتعليمية في الشرق الأوسط مجال الدبلوماسية الدفاعية من خلال إنشاء شبكات دولية جديدة من القادة العسكريين.
إضافةً إلى ذلك، فيما تسعى المنظمات الإقليمية في الشرق الأوسط مثل جامعة الدول العربية أو مجلس التعاون الخليجي إلى بناء هيكليات عسكرية مشتركة، تساعد برامج الناتو الضباط العرب على استيعاب طبيعة العمل الدفاعي المتعدد الأطراف على نحوٍ أفضل. ويتيح لهم ذلك تعزيز التعاون التشغيلي بينهم. كذلك قدّم الناتو نموذجاً يُحتذى لمجلس التعاون الخليجي، فقد شكّلت لجنة الناتو العسكرية وكلية الناتو الدفاعية مرجعيتَين استخدمهما مجلس التعاون الخليجي لتصميم قيادته المشتركة والكلية الدفاعية.
رفع جاهزية القوات المسلحة في المنطقة حفاظًا على الاستقرار والأمن
في سبيل تعزيز الدفاعات الجماعية لابد من بناء قدرات دفاعية جوية وصاروخية متكاملة للحماية من أية هجمات معادية من الصواريخ الطوافة والصواريخ الباليستية، والأنظمة الجوية المأهولة وغير المأهولة. وسيكون التحدي الذي تواجهه دول الخليج هو تأمين المجالين الجوي والبحري ضد التهديدات التقليدية والناشئة فضلًا عن التعامل مع التهديدات غير المتماثلة (asymmetric). وتتمثل المفاتيح الرئيسية لذلك في توفير المعدات العسكرية القابلة للتشغيل البيني، ونظام التدريبات على المدى الطويل، ولابد من الانفتاح على الجميع سواء الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أو الصين وروسيا. ولابد من الإشارة هنا أن الدفاعات الصاروخية تحتاج أن تكون متعددة الطبقات في إطار إقليمي وأن تمثل أنساقًا متتالية تجعلها فعالة ضد مجموعة التهديدات الجوية والصاروخية. كما أن هناك ضرورة لوجود شبكة من الدفاعات أرض/جو، وآليات لتنسيق القتال الجوي وتبادل المعلومات الاستخبارية والمراقبة والاستطلاع (Intelligence, Surveillance and Reconnaissance, "ISR"). ويدعم ذلك اتفاقيات بين دول الخليج للسماح بالإنذار المبكر وإعادة توجيه الأنظمة ضد الهجمات المحتملة التي تكتشفها دولة ما، والاستثمار في مجموعة متنوعة من أنظمة الدفاع الجوي لتمثل أجزاءً من بنية متكاملة.
يتطلب الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل استخدام الدول لنظام مشترك ضد التهديدات الجوية التقليدية مثل الطائرات والمروحيات والمُسَيَّرات، والصواريخ بأنواعها. ومع تزايد المَدى والأعداد وتنوع أشكال الهجوم وتطور القدرات المعادية، تواجه الأنظمة الدفاعية الوطنية اتخاذ ترتيبات دفاعية أوسع، تتعلق بالتغطية الجغرافية والفجوات في المعلومات والاستخبارات. ومن شأن النظام المتكامل أن يجعل دول المنطقة أكثر فعالية ضد أية هجمات محتملة.
إن التضامن الدبلوماسي لمثل هذه البنية يمكن أن يساعد في ردع الهجمات. ستواجه أي دولة معتدية نظاماً دفاعياً لشبكة إقليمية تعتمد فيه دول الخليج على بعضها البعض للحصول على إنذار أفضل وأكثر حداثة، واستخبارات، وأجهزة، وقدرات للدفاع ضد أي هجوم. وستعمل مثل هذه الشبكة المتكاملة أيضًا على الإعداد لحماية مواطنيها والبنية التحتية الحيوية بشكل أفضل حال نشوب صراع مستقبلي في المنطقة.
تثبيت أمن الممرات المائية وطرق الملاحة البحرية، وإنهاء أزمات الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي
تتطلب أية استراتيجية أمنية فعالة لمكافحة التهديدات البحرية استثمارًا إضافيًا في الموارد البحرية والتكامل الوثيق للموارد المحدودة المتاحة في أي وقت. وتبرز أهمية زيادة المنصات البحرية ودمجها بشكل أفضل، وتنسيق جهود إنفاذ القانون والتحليلات في جميع أنحاء المنطقة. سيعالج هذا انتهاكات القانون الدولي ويتيح زيادة التواصل بين أجهزة الأمن الداخلي، ويسمح لها بتبادل المعلومات، والمساعدة في تحديد اتجاهات الجريمة المنظمة، وخلق سبل للتدريب لتحقيق معايير مهنية أعلى في مجال إنفاذ القانون. إن إنشاء مقر مشترك لدعم إنفاذ القانون من شأنه أن يضع المنطقة في وضع أفضل لمواجهة التهديد الذي تفرضه أنشطة الانتشار النووي. إن مفتاح هذا التعاون هو بناء وعي التحالف بالمجال البحري والمجال الجوي من خلال منصات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع المتكاملة "ISR"، ورصد عمليات نقل الأسلحة غير المشروعة بحرًا وجوًّا. يقيم حلف شمال الأطلسي علاقات تنظيمية مع 10 دول عربية، 6 منها من الحوار المتوسطي، و4 دول من مبادرة إسطنبول للتعاون؛ ويتواصل حلف شمال الأطلسي مع جامعة الدول العربية ومع الاتحاد الإفريقي.
التعاون في أنشطة التدريب والتأهيل
استضافت كلية دفاع الحلف في روما ضباطًا من القوات المسلحة للدول الأعضاء في المبادرة للدراسة والتدريب، ولتأهيلهم وتطوير قدراتهم العسكرية في مجالات أمن الحدود وإدارة الأزمات ومواجهة تهديدات أسلحة الدمار الشامل. وتُقدّم هذه الكلية مقرراً عن التعاون الإقليمي شارك فيه عدد كبير من ضباط من الناتو والجيوش الشرق أوسطية. ويُشكّل التعليم والتدريب العسكريان حجر الزاوية في السياسة الإقليمية لحلف الناتو. يشارك متدربون من الأوسط في برامج للتدريبات العسكرية، ومقررات عن العمليات في كلية الناتو في ألمانيا.
ويستضيف المركز الإقليمي في الكويت ضباطاً من الناتو ودول الخليج من خلال مقررات تعليمية وتدريبية تركّز على الشؤون الأمنية مثل الأمن البحري وأمن البنى التحتية للطاقة، والأمن السيبراني. قدّم المركز عددًا من البرامج القصيرة حضرها مشاركون من دول مجلس التعاون الخليجي. وقد جرى تدريب عدد كبير من الضباط العراقيين، لا سيما في مجال إدارة الأزمات.
لقد تكللت برامج الناتو التدريبية والتعليمية في الشرق الأوسط بالنجاح بصورة أساسية في مجال الدبلوماسية الدفاعية من خلال إنشاء شبكات دولية جديدة من القادة العسكريين. كما تسعى المنظمات الإقليمية في الشرق الأوسط مثل جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي إلى بناء هيكليات عسكرية مشتركة، وتساعد برامج الناتو الضباط العرب على استيعاب طبيعة العمل الدفاعي المتعدد الأطراف على نحوٍ أفضل.
خاتمة
تواجه البنية التحتية للطاقة والبحرية في دول الخليج العربي تحديات متزايدة بسبب التهديدات الهجينة، ويحدث هذا بينما تستثمر في مشاريع ضخمة طويلة الأجل تتطلب مستويات عالية من توفير الأمن. ويمثل المتمردون الحوثيون في اليمن تهديدًا متزايدًا، ولا تزال الحرب الدائرة في غزة تنذر بكوارث عاصفة. من المأمول تعزيز توسيع مبادرة إسطنبول، بانضمام السعودية وعمان. وإذا أمكن تحقيق الاستقرار في اليمن، فقد يكون مرشحًا هو الآخر للعضوية على المدى الطويل. ويفيد مواصلة الحوار مع إيران باعتبارها جهة فاعلة رئيسية ينبغي إدراجها في أي بنية أمنية دائمة في الخليج، والمطلوب تعزيز الشفافية والثقة المتبادلة بين أعضاء المبادرة. إن مستقبل مبادرة إسطنبول للتعاون سيعتمد بالتأكيد على مستوى مشاركة الدول الأعضاء وتصميمها على تجاوز خصوماتها، وتجاوب النظام الإيراني لعروض مشاركة السلام والأمن، وعلى موقف الحلفاء الأوروبيين الذين تتعارض مصالحهم في بعض الأحيان.